جولة خارجية ومبادرة داخلية..هل اقتربت حرب السودان من مشهد النهاية؟

تطورات متسارعة ومفاجئة تشهدها الساحة السودانية الأيام الأخيرة، بداية من إعلان قائد الدعم السريع استعداده لوقف الحرب والتفاوض وإطلاقه مبادرة سياسية تدعو لفيدرالية السودان، ثم الزيارة التي قام بها قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان لجنوب السودان ومن قبلها القاهرة لأول مرة منذ اندلاع الحرب..فهل تشهد السودان تسوية سياسية مرتقبة تضع مشهد النهاية للحرب التي أكلت الأخضر واليابس بالبلاد؟
وكان البرهان قد وصل الثلاثاء 5 أغسطس لمدينة جوبا عاصمة جنوب السودان وذلك بعد أيام من أول زيارة خارجية قام بها منذ الحرب للعاصمة المصرية القاهرة.
واستقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في 29 أغسطس الماضي رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان في أول زيارة خارجية للجنرال السوداني منذ اندلاع الحرب التي تشهدها بلاده منذ منتصف أبريل الماضي.
وفي تصريحات لوسائل إعلام مصرية خلال الزيارة، قال البرهان: “نحن حريصون على أن نضع حدا لهذه الحرب ونسعى لإقامة فترة انتقالية يستطيع بعدها الشعب أن يؤسس دولة من خلال انتخابات حرة نزيهة”.
وجاءت تصريحات البرهان، بعد أيام قليلة من طرح قائد قوات الدعم السريع مبادرة سياسية تتضمن تفاصيل رؤيته للسلام في السودان، وتشمل 10 نقاط أساسية لإنهاء الحرب.
ودعا حميدتي في مبادرته إلى “تأسيس الدولة السودانية الجديدة”، من خلال اعتماد نظام حكم فدرالي وحكومة مدنية تمثل كل أقاليم السودان، إضافة إلى إقرار تأسيس جيش سوداني جديد بغرض بناء مؤسسة عسكرية واحدة تنأى بنفسها عن السياسة، كما دعا إلى ما سماه “تصفية الوجود الحزبي والسياسي داخل الدولة”.
وتأت تصريحات البرهان ومبادرة حميدتي بعد أن أدت الحرب المشتعلة بين الطرفين منذ 5 أشهر لمقتل نحو 5 آلاف شخص، فضلا عن نزوح أكثر من 4.6 ملايين شخص، وفق تقارير دولية.
وبحسب مراقبون فإن الحرب في السودان ربما تقترب من نهايتها وهناك رسائل واضحة من طرفا الصراع تؤشر على ذلك .
دلالات عسكرية وسياسية
ويري الناشط السياسي السوداني محمد حنين أن “خروج البرهان من الخرطوم وزيارته للقاهرة وبعدها جوبا نسف دعاية الدعم السريع الإعلامية التي ظلت ومنذ بدء الحرب تردد وتكرر أن البرهان وقادة الجيش محاصرون ولا يستطيعون حتى الخروج مئة متر خارج أسوار القيادة العامة للجيش”.
وقال لوكالتنا “أن خروج البرهان وزيارته لقواعد عسكرية مثل ( سلاح المدرعات، سلاح الإشارة وقاعدة وادي سيدنا العسكرية) له دلالات بأن الجيش قد أحرز تقدماً عسكرياً ملحوظاً للحد الذي جعل القائد الأعلى للجيش يتحرك في كل هذه المناطق التي تبعد جغرافياً عن بعضها البعض، خصوصاً وأن هذه المناطق ظلت تجري حولها معارك شرسة وضارية”.
حقيقة الصفقة
وأشار إلي أن “الحديث عن خروج البرهان بإتفاق وصفقة كما يروج البعض هو محض (أوهام ) كما وصفها قائد الجيش نفسه وسط قواته بقاعدة (فلامنجو) البحرية، حيث قال ان عملية خروجه تمت بتنسيق بين وحدات الجيش وأرتقى في هذه العملية ثلاثة شهداء”.
وحول ما يقال عن وجود صفقة مع الدعم السريع لتسهيل خروج البرهان، تساءل الناشط السياسي مستنكرا ” كيف يعقل أن يكون خروج البرهان بإتفاق مع حميدتي رغم إعلان قائد قوات الدعم السريع أنه لن ينهي الحرب سوى بالقبض على البرهان نفسه ؟!”
ويعتقد حنين أن “خروج البرهان يمكن قراءته على أنه ترتيب لخطوات ما بعد الحرب لاسيما الزيارة التي قام بها للقاهرة، معتبرا أن زيارة مصر لها دلالات سياسية وعسكرية، فذهاب البرهان بصفته رئيساً لمجلس السيادة لا قائداً للجيش فقط تقرأ على انها إظهار لتواجد الدولة التي لعب الدعم السريع وظهيره السياسي وداعميه الإقليمين على تغييبها وشل حركتها”.
ولفت إلي أن “الزيارة لها مدلول عسكري أيضا ظهر بإصطحاب البرهان لمدير المخابرات العامة ومدير منظومة التصنيع الحربي معه للقاهرة في إشارة إلي أن هذه الحرب في نهايتها ويجري الترتيب لوضع ما بعد الحرب”.
وأكد حنين أن “مصر لعبت دورا محورياً في الأزمة رغم محاولات بعض القوى الإقليمية تغييب دورها، مشيرا إلي أن “مؤتمر دول الجوار الذى استضافته القاهرة كان السبب الرئيسي في إفشال محاولة تدويل أزمة السودان التى سعى لها المتربصين وبعض القوى السياسية السودانية للأسف”.
وتابع : “كما ان رأي القاهرة كان واضحاً منذ البداية بالوقوف مع مؤسسات الدولة الشرعية والحفاظ على استقلالية السودان وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، أضف إلى ذلك ان مصر هي أكثر دول الجوار تضرراً من الحرب في السودان، كما انها تأوئ أكثر من ٥ مليون سوداني وتعاملهم معاملة مواطنيها”.
وبحسب الناشط السياسي فإن “الزيارة مهمة لشكر مصر على وقفتها بجانب السودان والتطلع لزيادة دورها ومساهمتها في مرحلة ما بعد الحرب خاصة أن مصير مصر والسودان طالما كان مشتركاً وواحداً”.
وحول توقعاته لمستقبل الأزمة بالسودان، أكد الناشط السياسي أن “خروج البرهان قلب المشهد سياسياً رأساً على عقب وتصريحاته التي تتكرر فيها كلمات مثل ( القوات المتمردة، العصابات وغيرها) يعني ان الخطر العسكري قد زال وانهم الأن في مرحلة الخطر الأمني والتمهيد لما بعد الحرب، وهو ما يتضح في تحرك الشرطة لأول مره منذ إندلاع الحرب وتقدم وزيادة وتيرة إنتصارات الجيش وظهور دور الدولة في عدد من القرارات”.
مستقبل الصراع
من جانبه، يري الأكاديمي السوداني د.عماد بحرالدين الأستاذ المساعد بقسم العلوم السياسية بالجامعة الاسلامية بولاية منيسوتا الأمريكية أن “الحرب بالسودان أثرت بشكل كبير على اقتصاد دول الجوار بالسودان وفي مقدمتها مصر التي يهمها وقف الحرب”.
وقال لوكالتنا “من أهم رسائل القيادة السوداني المتمثلة في البرهان من زيارة القاهرة أن الحرب ستتوقف في القريب العاجل، وسيتم محاسبة لكل من تعدي على الممتلكات العامة والخاصة”.
وأشار إلي أن “القاهرة أكثر الدول ارتباطا بالسودان على مدار تاريخها، وهناك دور كبير لمصر في السودان وعلاقات سياسية وعسكرية كبيرة تجمع البلدين، والكثير من السياسيين السودانيين يؤمنون بأهمية الدور الاقليمي الذى تلعبة مصر في السياسة السودانية”.
ويعتقد الأكاديمي السوداني أن “مصر تسعي لحل الأزمة عبر الوصول للتفاوض خاصة أنها من أكبر المتضررين من استمرار الصراع، لافتا إلي أن القيادة المصرية ربمأ أخطأت في تقديراتها بدعم الجيش في بداية الأزمة، وبدأت تدرك ذلك وتسعي لدور أكثر حيادية في التعامل مع الطرفين وهو ما يمكنها من التأثير في الأزمة وانهاء الحرب”.
ويري بحر الدين أن “الأوضاع ستتجه إلي التفاوض ووقف الحرب قريبا، ولكن سيبقي الدعم السريع كما هو وربما أصبح في وضع أفضل خاصة أنه يمتلك رؤية سياسية تلقي قبولا لدي مناطق كثيرة بالسودان، لافتا إلي ان مبادرة حميدتي حول الفيدرالية تمثل مدخلا كبيرا للحل السياسي في البلاد.
وحل مستقبل حميدتي فيما بعد الحرب، يري الباحث أن “قائد الدعم السريع أصبح يحظي بدعم كبير من مختلف مناطق السودان وهناك تأييد من زعماء قبائل وكيانات كبيرة لتحركات الدعم السريع ومبادرة الفيدرالية التي أطلقها وهناك رغبة كبيرة في التخلص من المركزية وسيطرة إقليم الشمال الذى يمثل أقلية على غالبية السودان”.
وأشار إلي ان الدعم السريع يسيطر الأن على معظم المناطق الحيوية بالعاصمة الخرطوم وغالبا لم يخرج البرهان من الخرطوم إلا بإتفاق مع قيادات الدعم بموافقة حميدتي وذلك للتخلص من فلول النظام البائد الذى ساهموا في إشعال الحرب.
وحول احتمالية أن يكون حميدتي رئيسا للسودان في مرحلة لاحقة بعد الحرب، أكد الأكاديمي أن قائد الدعم السريع أعلن مرارا وتكرارا أنه لا يريد رئاسة السودان ولكن الأمور قد تختلف بعد نهاية الحرب وقد يكون بالفعل أحد المرشحين للرئاسة حال وجود دعم شعبي كبير له وهو أمر نراه في ظل انضمام كثير من المناطق وقبائل السودان للدعم السريع”.

Advertisements

11 رأي على “جولة خارجية ومبادرة داخلية..هل اقتربت حرب السودان من مشهد النهاية؟”

اترك تعليقاً

Exit mobile version