حوار| الرئيس السابق للكونجرس الأمازيغي: نرفض دولة البوليساريو وهذا موقفنا من الوضع بليبيا
خاص_ الشمس نيوز
في إطار خطة وكالة “الشمس نيوز” لتطبيق شعارها “صوت شعوب العالم” الذي رفعته منذ اللحظة الأولي لتدشينها، نلتقي عبر السطور التالية بالسيد فتحي نخليفة الرئيس السابق للكونغرس الأمازيغي العالمي وزعيم حزب ليبو الأمازيغي في ليبيا والذي يحدثنا عن قضية الأمازيغ في لييبا بشكل خاص وعموم الوضع الأمازيغي بالشمال الإفريقي.
كما تطرق الحوار للأزمة الليبية ورؤية حزب ليبو للحل في ليبيا والدور الذي يلعبه الحزب والأمازيغ بشكل عام في حل الأزمة والأدوات التي يتم اعتمادها في تعزيز الهوية الليبية والأمازيغية.
كما فجر نخليفة مفأجاة حول رفض أمازيغ ليبيا وحزب ليبو لقيام ما الجمهورية الصحراوية التي تتزعمها حركة بوليساريو في الصراع الدائر بين الجزائر والمغرب.
وإلي نص الحوار
كم يبلغ عدد الامازيغ في ليبيا وما حجم تأثيرهم الثقافي والسياسي في البلاد ؟
يُقدّر عدد الأمازيغ الناطقين بالأمازيغية في ليبيا بحوالي مليون نسمة، ما يمثل تقريباً 25% من سكان البلاد، وفقًا لنشطاء مختصين في هذا المجال. ورغم عدم وجود إحصائيات رسمية دقيقة وصادقة في ليبيا أو حتى في عموم شمال إفريقيا لتحديد عدد الناطقين بالأمازيغية، فإن سجلات الأحوال المدنية والمناطق ذات الطابع الأمازيغي تشير إلى أن هذا العدد يتراوح حول هذا التقدير.
من حيث الأصول، يُعتبر معظم سكان ليبيا وشمال إفريقيا أمازيغاً بالانتماء التاريخي والثقافي، حيث تعود جذور الشعب الليبي إلى القبائل الأمازيغية القديمة، وأبرزها قبائل “ليبو” التي سُميت ليبيا نسبةً إليها. ورغم عوامل سياسية ودينية واستعمارية أدت إلى تغييب الهوية الأمازيغية لبعض السكان، إلا أن التراث الثقافي الليبي يحتفظ بملامح أمازيغية واضحة، تظهر في الفنون والتراث الشفوي والأزياء والحلي، والأطعمة، والأدوات الموسيقية وغيرها.
أما على الصعيد السياسي، فدور الأمازيغ محدود نسبياً، إذ يعانون من التهميش وعدم الاعتراف الرسمي بهم كمكوّن أصيل في البلاد. ورغم تميز الثقافة الليبية بجذور أمازيغية أصيلة وعمق ثقافي يشمل كامل شمال إفريقيا من سيوة إلى جزر الكناري، فإن التأثير الأمازيغي في السياسة الليبية لا يزال متواضعاً بسبب الظروف التاريخية والاجتماعية.
– بصفتك رئيس الكونجرس الامازيغي السابق..كيف ينظر الامازيغ لقضايا المنطقة وما موقفكم من الأزمة بين المغرب والجزائر ؟
الكونغرس العالمي الأمازيغي هو منظمة حقوقية دولية تهتم بتعزيز الهوية والشخصية الأمازيغية، والدفاع عن حقوق الشعب الأمازيغي الذي يعاني من التهميش في مختلف البلدان. تركز المنظمة على حماية الأمازيغ ثقافيًا، وهوياتيًا، وسياسيًا، واقتصاديًا، وتعمل على إيصال صوتهم إلى المحافل الدولية بالاستناد إلى المواثيق والعهود الدولية.
وفيما يتعلق بموقف الكونغرس من النزاعات الإقليمية، مثل الأزمة بين المغرب والجزائر حول قضية الصحراء الغربية، وبالتحديد قضية البوليساريو وما يسمي الجمهورية العربية الصحراوية فإن الكونغرس، وفي أكثر من مناسبة، أكد موقفه الرافض لإنشاء أي كيان سياسي جديد تحت مسميات قومية عربية على أراضٍ أمازيغية. وقد أوضحت خلال رئاستي للكونغرس العالمي الأمازيغي، في مناسبات عديدة، أن المنظمة لا تدعم قيام “الجمهورية العربية الصحراوية الإسلامية” في الصحراء الأمازيغية، مشددًا على أن هذه الأرض تتبع الهوية الأمازيغية تاريخيًا وجغرافيًا.
نرفض إنشاء كيان عروبي إسلاموي في الصحراء، لسنا مع خلق أى كيانات عروبية في الشمال الإفريقي الذي هو أرض أمازيغية خالصة، وأن سكانها الأصليين لا يزالون يعيشون عليها ويحيون ثقافتهم وتقاليدهم. لذلك، تقف المنظمة موقفًا معارضًا لأي محاولات لإنشاء كيانات سياسية أو اقتصادية أو ثقافية ذات توجهات قومية عربية في المنطقة، ويجب احترام الخصوصية الأمازيغية وحمايتها من محاولات الطمس والتهميش.
– ما هي الدوافع التي أدت إلى تأسيس حزب ليبو، وكيف كانت ردود الفعل الأولى من المجتمع الليبي؟
تأسس “حزب ليبو” نتيجة دوافع عدة، تتلخص في الرغبة العميقة لاستعادة الهوية الليبية الأمازيغية وإعادة الاعتبار للأصول الثقافية والتاريخية لليبيين بعيداً عن التأثيرات والكيانات الخارجية التي فرضتها الفتوحات العربية الإسلامية. يعتقد الحزب أن تلك الفتوحات لم تكن دينية بحتة، بل كانت بمثابة غزو عربي للمنطقة، استُخدم الإسلام كذريعة له، مما أدى إلى تغييب الهوية الأصلية للمنطقة وتشويه تراثها الثقافي والتاريخي.
من أبرز دوافع تأسيس الحزب، الشعور بفراغ سياسي عميق وافتقار ليبيا –وحتى معظم دول شمال إفريقيا– إلى هوية سياسية متجذرة ومستقلة. يرى الحزب أن الاستعمار الثقافي والعروبة السياسية والدينية التي فُرضت على المنطقة جعلت شعوبها تائهة عن أصولها الحقيقية، وأبقتهم في صراع مع هويتهم.
“حزب ليبو” يسعى، وفق برنامج سياسي وتاريخي واضح، إلى تأسيس هوية سياسية ليبية أمازيغية مستقلة عن أي تصنيفات عربية أو دينية، ويؤكد على ضرورة تقديم ليبيا كدولة ليبية أمازيغية للعالم. من هنا، يدعو الحزب إلى فك الارتباط مع التيارات القومية العربية التي تبنتها شخصيات وأنظمة كالقذافي الذي ربط ليبيا بمفاهيم قومية عربية حتى في علاقاته الإفريقية، مما عرقل إمكانية بناء هوية ليبية حقيقية ومستقلة.
الحزب يرى أن السبب الحقيقي وراء فشل محاولات التغيير والثورات في المنطقة هو استمرار الهيمنة القومية العربية المغلفة بعباءة الإسلام السياسي. ويؤكد أن التحرر من هذا الإرث الثقيل بات ضرورياً لنجاح أي مشروع تحرري في المنطقة.
كيف ترى دور الهوية الأمازيغية في المشهد السياسي والاجتماعي الحالي في ليبيا؟
يرى “حزب ليبو” أن الهوية الأمازيغية تمثل الملاذ الأخير والأمل الوحيد للخروج من الأزمة الليبية الحالية، بل ومن أزمات المنطقة بأكملها. ويعتبر الحزب أن الحل يبدأ برد الاعتبار للهوية الليبية الذاتية، بعيداً عن التبعية للأيديولوجيات الخارجية والانخراط في قضايا بعيدة لا تمس الواقع المحلي مباشرة، حيث يرى أن الاعتماد على كيانات سياسية وهمية وقضايا خارجية، يعيق استعادة الشعب الليبي لذاته وهويته الحقيقية.
ويؤكد الحزب أن الهوية الليبية هي هوية فريدة من نوعها، تعكس التأثيرات المتوسطية والإفريقية، وتكتسب طابعًا خاصًا بفضل موقع ليبيا الجغرافي وتاريخها الطويل. ويشدد على أن الحفاظ على هذه الهوية والتعبير عنها بصدق هو ما سيعيد إلى ليبيا خصوصيتها الثقافية والسياسية، وأن التحرر من التبعية للهوية العربية – التي ينظر لها الحزب كهوية لا تقبل الليبيين إلا كتوابع من الدرجة الثانية – هو الخطوة الأساسية لاستعادة الليبيين لكرامتهم.
لذا، يرى الحزب أن تعزيز الهوية الأمازيغية في المشهد السياسي والاجتماعي الليبي يجب أن يكون بشكل علمي، منهجي، وناضج، بعيداً عن الخطابات الأيديولوجية والشعارات. ويعتبر أن هذا النهج العلمي والسياسي هو الوسيلة الوحيدة للوصول إلى ثورة حقيقية، تُحدث تغييرًا جذريًا وتنقذ ليبيا والمنطقة من العبث الذي تراكم عبر قرون.
– ما هي أبرز التحديات التي واجهها حزبكم في العمل من أجل تعزيز الهوية الأمازيغية؟
يواجه “حزب ليبو” تحديات كبيرة في سعيه لترسيخ الهوية الليبية الأمازيغية، إذ يعتبر الاستلاب الثقافي والهوياتي الذي أصاب المجتمع الليبي من أبرز هذه التحديات. فغالبيّة الشعب الليبي اليوم تؤمن بأن هويتهم عربية، ومصيرهم مرتبط بالكيانات العربية والإسلامية الممتدة خارج الحدود، رغم الانتكاسات والهزائم التي شهدتها هذه الأنظمة. هذا الاعتقاد الراسخ، المبني على أفكار عروبية وإسلامية راسخة، يشكل عائقاً أساسياً أمام مشروع الحزب، حيث يرى المجتمع أن الحلول يمكن أن تأتي من نفس الأدوات التي استخدمت على مرّ القرون.
ومع ذلك، فإن الحزب يلعب دوراً توعوياً بارزاً يسهم في تحريك المياه الراكدة، حيث شهدت الفترة الأخيرة تزايداً في وعي الليبيين – لا سيما المثقفين والشباب – حول سؤال الهوية. فهناك شباب يتعلمون اللغة الأمازيغية، يكتبون بحروفها، ويناقشون بقوة وانتقاد إيديولوجيات القومية العربية والإسلام السياسي.
يؤكد “حزب ليبو” أن هدفه الأساسي ليس الوصول إلى السلطة، بل خلق هزة فكرية تدفع الليبيين لمراجعة أنفسهم والتساؤل حول هويتهم بعمق وموضوعية. يسعى الحزب إلى تقديم مشروعه للمجتمع بأسلوب علمي وجاد، بعيداً عن الشعارات والوعود الوهمية، بهدف بناء وعي حقيقي يعيد لليبيين ارتباطهم بتراثهم الأمازيغي وهويتهم المستقلة.
يُدرك “حزب ليبو” تمامًا حجم التحديات التي يواجهها في طرح ودعم قضاياه في المجتمع الليبي، وخاصة فيما يتعلق بتعزيز الثقافة واللغة الأمازيغية. فالحزب، الذي يُعرّف نفسه بوضوح كحزب ليبرالي، علماني، مدني، وديمقراطي، يقف بعيدًا عن إيديولوجيات القومية العربية والإسلام السياسي السائد. هذا التوجه الواضح والصريح يجعل الحزب مستهدفًا من خصوم كُثر، سواء في الداخل أو الخارج، الذين يرون في مبادئه تهديدًا للوضع القائم.
ما هي السياسات التي يعتزم حزب ليبو تنفيذها لدعم الثقافة واللغة الأمازيغية في ليبيا؟
يعتمد الحزب على استراتيجية “المكاشفة والمصارحة” في طرح أفكاره، حيث يتعامل مع قضايا الإسلام السياسي والتعريب بشكل علمي وموضوعي، مرتكزًا على الأدلة التاريخية والأمثلة الحية. ويهدف الحزب إلى تقديم طرح علمي بحت، يجمع بين الدلائل التاريخية والعلوم الحديثة لدعم توجهاته، مؤكدًا على أن هدفه ليس طرح شعارات أو تجميل الواقع، بل مواجهة الحقائق بشكل صريح وجاد.
كيف تتعاملون مع الأحزاب السياسية الأخرى في ليبيا فيما يتعلق بقضية الهوية الأمازيغية؟
من حيث التعامل مع الأحزاب الأخرى، يُبدي الحزب مرونة في الحوار، حيث يعتبر “حزب ليبو” شريكًا في “تنسيقية الأحزاب والتكتلات السياسية الليبية”، ويعمل بالتعاون مع أحزاب وشخصيات مرموقة من المجتمع المدني. لكنّه يُدرك أن العقبات تتجلى في التراكمات الثقافية المتجذرة للعروبة والإسلام السياسي، مما يتطلب التدرّج في طرح أفكاره وحواراته.
– كيف تخططون لزيادة الوعي حول حقوق الأمازيغ ومشاركتهم في الحياة السياسية؟
الحزب ملتزم بسياسة التدرج الحازم، حيث لا يُعني التنازل أو المساومة، بل التركيز على تقديم الأفكار بشكل ممنهج وبسيط لتحقيق تفاهم أوسع. يهدف الحزب لبناء مشروع مشترك مع الأحزاب المدنية الأخرى، قائم على تعزيز الهوية الليبية المتنوعة والثقافة الأمازيغية، كجزء أصيل من المكون الليبي.
– ما هو الدور الذي تلعبه المنظمات الدولية في دعم حقوق الأمازيغ في ليبيا، وكيف تتعاونون معها؟
لعبت المنظمات الدولية دورًا معتبرًا في الدفاع عن حقوق الإنسان وتعزيز مبادئ الديمقراطية على مدى العقود الماضية، حيث كانت في فترات معينة تعتبر مرجعًا عالميًا ومصدرًا للأمل في دعم الحقوق والحريات. لكن مع تطور الأحداث وتكشّف بعض الحقائق، خاصة في السنوات الأخيرة وبعد الحروب التي شهدها العالم مثل الحرب في أوكرانيا وحرب غزة، برزت شكوك حول مصداقية وحيادية العديد من هذه المنظمات.
أعلن تضامنه مع مطالبها..حزب أمازيغي يوجه رسالة قوية للقوي الكردية
بدأ يُنظر إلى هذه المؤسسات على أنها تعمل وفقًا لمصالح وأجندات سياسية، حيث تخضع تأثيراتها لأيديولوجيات ومصالح قوى كبرى، مما أضعف الثقة فيها لدى العديد من الشعوب والمجتمعات. وتحديدًا بالنسبة للأمازيغ، لم يكونوا يومًا معتمدين بشكل كامل على هذه المنظمات، ولم يتلقوا منها دعمًا فعّالًا ومستمرًا. بل إنهم يتعاونون فقط مع المنظمات التي يرون فيها قدرًا من الجدية والمصداقية.
وفي الواقع، تعاني بعض هذه المنظمات حتى داخل الدول الديمقراطية نفسها، حيث تواجه تقييدًا في عملها وتأثيراتها، وهو ما يظهر بوضوح في بعض البلدان الغربية والولايات المتحدة.
– كيف ترى مستقبل الأمازيغ في ليبيا خلال السنوات القادمة، وما هي الآمال التي تضعها في هذا الإطار؟
في ظل الوضع الراهن في ليبيا، يمكن القول إن للأمازيغ دورًا محوريًا ومتزايد الأهمية في صياغة مستقبل البلاد. الأمازيغ يتميزون بحس وطني عميق، وهو ما يجعلهم متمسكين بمبادئ استقلالية القرار ورفض التدخلات الخارجية التي تعتمد عليها معظم الأطراف السياسية والميليشيات في ليبيا. ففي حين تعتمد هذه الأطراف على دعم وتمويل قوى خارجية، يبقى الأمازيغ ملتزمين بمصالحهم الوطنية، متجنبين الاستعانة بالقوى الخارجية لتحقيق مكاسب ضيقة.
هذا الموقف الوطني الأصيل للأمازيغ يعزز من ثقة الليبيين فيهم كعنصر أصيل قادر على تجاوز الانقسامات السياسية والقبلية والمالية التي مزقت البلاد. ومن هنا، يبدو أن مستقبل ليبيا قد يعتمد بشكل كبير على الأمازيغ كقوة بنّاءة تساهم في إعادة الاستقرار وإعادة بناء الهوية الليبية بعيدًا عن الأجندات الخارجية. إن استمر الأمازيغ في الحفاظ على هذا النهج، فمن المتوقع أن يكون لهم دور أساسي في نهضة ليبيا وإنهاء أزمتها السياسية والاجتماعية.
وبالمناسبة، أغلب الأطراف الليبية والدولية على علم بهذه الحقائق ويعرفون تمامًا الدور الوطني للأمازيغ في ليبيا. ومع ذلك، يحاولون توريط الأمازيغ في نزاعات داخلية وسلوكيات غير مبدئية، سعياً منهم لاستغلال هذه القضية أو حرفها عن مسارها الوطني. لكن الأمازيغ، بفضل تمسكهم بالهوية الليبية والوطنية، قادرون على التفريق بين المصالح الضيقة والمصالح العامة التي تساهم في بناء وطن مستقر وآمن.
هذه المحاولات لن تنجح في إيقاع الأمازيغ في فخ النزاعات، بل ستعزز فقط من موقفهم الثابت في الدفاع عن قضاياهم الثقافية والسياسية بشكل مستقل، بعيدًا عن أي تجاذبات أو تدخلات خارجية تهدف إلى زعزعة استقرار البلاد.
– هل يمكن أن تحدثنا عن أهمية الثقافة الأمازيغية في تعزيز الهوية الوطنية الليبية؟
لا شك أن الثقافة الأمازيغية تمثل ركيزة أساسية في تعزيز الهوية الوطنية الليبية. علمياً، يمكن القول إن الهوية الليبية هي هوية مستقلة ومتنوعة، لكن في جوهرها هي هوية أمازيغية بامتياز. هوية ليبيا ليست مفصولة عن جذورها الأمازيغية، بل هي امتداد طبيعي لها، وهي كيان متكامل يتألف من ثقافة، لغة، وعادات لا يمكن فصلها عن بعضها البعض.
الهوية الليبية، كما أرى، هي وعاء ثقافي متنوع لكن في جوهره هوية أمازيغية، حيث لا يوجد أي تباين ثقافي جوهري بين الليبيين في مختلف مناطق البلاد. سواء في مصراتة أو جبل نفوسة أو في غيرها من المناطق الليبية، نجد أن العادات، التقاليد، الأطعمة، الألبسة، والموسيقى، والفنون هي نفس الأشياء التي تمارس في مختلف أنحاء ليبيا. الاختلاف الوحيد يكمن في بعض الكلمات واللغات، لكن كل هذه الفروق هي مكوناتها تحت سقف الهوية الليبية المتكاملة.
يشبهون الكرد ويعيشون في عام 2974..كل ما تريد معرفته عن الأمازيغ
لا يمكننا القول بأن ثقافة أخرى، خارج الثقافة الليبية الأمازيغية، هي التي تحدد هويتنا. إن ما تم تسويقه من ثقافة عربية أو إسلامية هو مجرد تأثيرات من خارج هذه الهوية الأصلية التي يتقاسمها كل الليبيين، بما فيهم الذين يتحدثون العربية أو الذين يمارسون الدين الإسلامي. نحن لم نكن أبدًا عربًا، ثقافيًا أو هوياتيًا، بل تم إدخال هذه المفاهيم عبر سياسة التعريب التي بدأت منذ الخمسينات. التحديات التي واجهها المجتمع الليبي في تلك الحقبة كانت مرتبطة بالضغط على الهوية الأصلية، وتم التغاضي عن جوهرنا الثقافي الحقيقي.
مما لا شك فيه أن الهوية الليبية اليوم تحتاج إلى استعادة هذا الارتباط بالجذور الأمازيغية والتأكيد عليها في الحياة اليومية، في التعليم، وفي الإعلام. ثقافتنا في ليبيا هي مزيج من التأثر بالأفريقيا ومنطقة البحر الأبيض المتوسط، لكن في الأصل هي ثقافة أمازيغية. من هنا، يجب أن نواصل العمل على إعادة الاعتبار لهذه الثقافة بكل جوانبها من خلال التعليم، وإحياء اللغة الأمازيغية، ونشر الوعي في المجتمع الليبي بمسألة الهوية التي هي جزء لا يتجزأ من تاريخنا وثقافتنا.
– ما هو الدور الذي يلعبه حزب ليبو في المشهد السياسي الليبي الحالي، ولمن ينحاز في حالة الانقسام الحالي بالبلاد؟
حزب “الليبو” ينحاز بشكل واضح إلى القضية الليبية الأصيلة. نحن نؤمن بأن المشهد السياسي في ليبيا يعاني من انقسامات حادة، حيث يهيمن عليه خليط من الفكر العروبي والتأسلم. في الشرق، هناك تيار ممثل في خليط من العروبة التقليدية المدعومة بقوى انقلابية، ويتعاون مع السلفيين الذين يتبنون الفكر المدخلي وبعض الشخصيات مثل طارق بن زياد. وفي الغرب، نجد الإسلام السياسي ممثلاً في جماعة الإخوان المسلمين، وبعض دعاة القومية العربية. ورغم أن الغرب أقل وطأة من الشرق، إلا أن المشهد يعكس استقطابًا بين الإخوان والإسلاميين المدعومين من قوى خارجية مثل قطر وتركيا.
هذه القوى جميعها تجتر فكرًا وأيديولوجيا قديمة، لم تتمكن من بناء دولة مدنية حديثة. وهذا هو التحدي الأكبر الذي نواجهه اليوم. الحزب ينطلق من رفض هذا الوضع المستمر منذ أكثر من أربعين عامًا، ويرى أن جميع هذه الأيديولوجيات لا تقدم حلولًا واقعية للمستقبل.
بدلاً من الانسياق وراء هذه الأيديولوجيات المستلبة، يقدم حزب “الليبو” بديلاً سياسيًا هوياتيًا، يركز على بناء دولة مدنية حديثة. نحن نؤمن بأن ليبيا بحاجة إلى هوية سياسية خاصة بها، قائمة على الأسس الليبرالية والعلمانية، مع احترام الخصوصية الثقافية الليبية المتجذرة في تاريخها الأمازيغي. وهذا ما نسعى إليه: دولة ديمقراطية حداثية، تتجاوز تأثيرات العروبة والإسلام السياسي، وتؤسس لمستقبل مشرق يعكس هوية ليبيا الأصيلة.
– كيف تؤثر الأزمة السياسية على حقوق الأمازيغ في ليبيا، وما هي الجهود التي يبذلها حزبكم للدفاع عن هذه الحقوق؟
اللجنة السياسية لحزب “الليبو” تؤكد على أن حقوق الأمازيغ في ليبيا هي جزء أساسي من حقوق كل الليبيين. نحن في الحزب نؤمن أن الدفاع عن الحقوق الأمازيغية ليس فقط مسؤولية الأمازيغ، بل مسؤولية وطنية تشمل جميع الليبيين. لقد مر نضال الأمازيغ في ليبيا بمراحل صعبة، خاصة في ظل نظام القذافي، حيث كانت الحقوق الثقافية واللغوية للأمازيغ تتعرض للقمع. لكن اليوم، بفضل النضال المستمر، أصبحت الحقوق الأمازيغية جزءًا من الحوار العام في ليبيا.
اليوم، لا يحتاج الأمازيغ إلى رموز نضالية منفردة أو منفيين للدفاع عن حقوقهم. المجتمع الليبي برمته، سواء كان ناطقًا بالأمازيغية أو لا، أصبح يتحدث ويدافع عن حقوق الأمازيغ. تم إدخال تدريس اللغة الأمازيغية في العديد من المناطق الأمازيغية وغير الأمازيغية، وأصبح الإعلام الأمازيغي والحوارات والنقاشات السياسية والطرح الدستوري تشمل الحقوق الأمازيغية بشكل واضح وملحوظ.
دور حزب “الليبو” لا يقتصر فقط على الدفاع عن الحقوق الأمازيغية، بل يشمل الدفاع عن الهوية الليبية بشكل عام. نحن نعمل على بناء كيان سياسي يركز على الهوية الليبية المتجذرة في تاريخها وثقافتها، ويعترف بالتنوع الثقافي الذي يشكل المجتمع الليبي. تجاوزنا مرحلة الدفاع عن حقوق الأفراد أو مجموعات معينة، وأصبح الحق الأمازيغي جزءًا من الحق الوطني الليبي. وفي نفس الوقت، نحن نؤمن أن حقوق الأمازيغ في ليبيا هي جزء من حقوق الأمازيغ في شمال أفريقيا بشكل عام.
– هل لديكم أي تحالفات مع أحزاب سياسية أخرى لمواجهة الأزمة؟
نعم، لدينا تحالفات مع مجموعة من الأحزاب السياسية والشخصيات التكنوقراط، ونحن نعمل بشكل جاد على وضع برنامج وخارطة طريق سياسية تهدف إلى إنقاذ ليبيا من أزمتها الحالية. نحن على يقين بأن هذا المشروع هو مشروع جدي، محلي، وذو طابع علمي وموضوعي، وهو سيكون بمثابة تحدي للأطراف الدولية التي طالما تساءلت عن الطاقات الليبية والعقل الليبي القادر على حل أزمة البلاد.
لقد بدأنا بتطوير هذا المشروع بالتنسيق مع بعض الأطراف الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، ودول أخرى ذات علاقة بالشأن الليبي، لتقديم هذا المشروع بما يتناسب مع خارطة الطريق التي ستحل الأزمة الليبية من جذورها. ونحن واثقون أنه سيتم الإعلان عن هذا المشروع قريبًا، وسيتحول إلى خطوة عملية تهدف إلى تحريك المياه الراكدة وإنهاء هذا الوضع المأساوي.
– ما هو الدور الذي تعتقدون أن المجتمع الدولي يجب أن يلعبه في دعم ليبيا للخروج من الأزمة؟
المجتمع الدولي، للأسف، أصبح جزءًا من المشكلة في ليبيا، بل وأحيانًا أحد أسباب تعقيد الأزمة. في الماضي، كان الحل في يد الليبيين أنفسهم، لكن اليوم أصبحت الأزمة مرتبطة بشكل كبير بالتدخلات الخارجية. دور الأمم المتحدة أصبح ضعيفًا جدًا، وقد مرَّت ليبيا بتجارب متعددة مع عشرات المبعوثين الأمميين دون أن يتم تقديم أي حل جدي. على العكس، أسفرت هذه المحاولات عن نتائج كارثية، مثل تشكيل حكومات وأنظمة سياسية زادت من تعقيد المشهد. كما أن دعم بعض الدول لأطراف بعينها بالسلاح والدعم اللوجستي أدى إلى إشعال الحروب وقتل المئات من الليبيين.
ما نشهده اليوم في ليبيا هو حروب بالوكالة، يدفع ثمنها المواطن الليبي. نحن لا نعلق آمالاً كبيرة على المجتمع الدولي لحل الأزمة، بل نؤمن بأن الحل يجب أن يكون ليبيًا داخليًا. نحن لا نطلب من المجتمع الدولي سوى أن يستمع إلى صوت العقل إذا كان موجودًا من قبل الليبيين، وأن ينحاز إلى هذا الصوت للوصول إلى حل عادل وشامل يحافظ على مصالح الجميع بشكل متوازن.
كيف يتصور حزب ليبو مستقبل ليبيا بعد انتهاء الأزمة السياسية، وما هي الخطط الموضوعة لتحقيق ذلك؟
نحن دائمًا نسعى لأن نكون موضوعيين وعقلانيين في رؤيتنا للمستقبل. نؤمن بأن ليبيا ستخرج من هذا المأزق، نعم التكلفة ستكون باهظة، والجهد سيحتاج وقتًا طويلًا. كانت هناك فرصة لحل أغلب مشاكلنا بطريقة أسرع وبجهد أقل وبخسائر أقل، لو كنا بمأمن من العقليات المتحجرة التي لا تؤمن بالعقل والموضوعية، مثل العوربة والتأسلم، وأيضًا التدخلات الخارجية التي زادت الطين بلة.
لكننا لن نفقد الأمل، وسنواصل العمل على برنامجنا. لدينا رؤية مستقبلية لليبيا نؤمن بأنها ستكون نموذجًا مثاليًا. الحل الوحيد الذي نراه هو بناء دولة مدنية ديمقراطية تحترم حقوق المواطنين وحقوق الإنسان. أي إيديولوجية أخرى هي مجرد مضيعة للوقت وللطاقات والأرواح والثروات.
التعليقات مغلقة.