مفاجأة..تركيا تخطط لعملية سلام جديدة مع الأكراد وأوجلان كلمة السر

أثار  قيام زعيم الحزب القومي المتطرف، دولت باهتشلي، الحليف مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بمد يده إلى نواب الحزب الديمقراطي الكردي خلال الجلسة الافتتاحية للبرلمان الأسبوع الماضي والذي كان يصفهم منذ فترة طويلة بأنهم “إرهابيون” و”آفات” تساؤلات عديدة حول احتمالية بدء تركيا عملية سلام جديدة مع الأكراد.

وكشفت تقارير صحفية عن وجود محادثات استكشافية لإمكانية استئناف المفاوضات بين الحكومة التركية وقائد حزب العمال الكردستاني المسجون عبد الله أوجلان.
وبحسب صحيفة المونيتور الأمريكية، فقد كشف ثلاثة مصادر مطلعة لديها معرفة عميقة بملف الأكراد في الحكومة التركية عن وجود محادثات استكشافية لإمكانية استئناف المفاوضات الفعلية بين الحكومة والزعيم الكردي المسجون منذ أكثر من ربع قرن.

وقال مصدران من المصادر الثلاثة إن أوجلان سُمح له مؤخرًا بالتحدث مباشرة إلى قيادة حزب العمال الكردستاني التي تتخذ من قنديل في كردستان العراق مقراً لها.

و كشف المصدر الثاني إن المحادثة لم تسير بسلاسة، لكنه لم يقدم مزيدًا من التفاصيل. ولم يصف المصادر كيفية تأمين الاتصال. وقد تواصلت “المونيتور” مع مصادر حزب العمال الكردستاني في العراق عبر تطبيق “واتساب”.

وأكد أحد المصادر التي طلبت عدم الكشف عن هويتها للحديث بحرية: “يمكننا القول إن عملية سلام جديدة قد بدأت، ويقوم المسؤولون الأتراك بلقاءات مع أوجلان”،

وأشار مصدر أخر إلي أن “قيام باهتشلي، وهو نفس الرجل الذي عارض بشدة الحوار مع الأكراد، بالتواصل علنًا معهم، هو طريقة أردوغان للقول إننا جادون، ولن يمنعونا”. مضيفا “إنهم يريدون منع سوريا أخرى. إنهم يريدون أن يكونوا استباقيين هذه المرة”.

لم تتمكن “المونيتور” من التحقق من رواية المصادر مع حزب العمال الكردستاني. ولم تستجب مصادر من الحزب لطلب “المونيتور” للتعليق حتى وقت النشر.
منع “سوريا أخرى”.

مخاوف تركية من تحالف إيران مع حزب العمال الكردستاني

وبحسب المصادر فإن ما يدفع تركيا للسعي لسلام جديد مع حزب العمال الكردستاني هو التهديد باندلاع صراع أوسع في الشرق الأوسط يمكن أن يشمل إيران جار تركيا الشرقي. تعيش أنقرة، مثل غيرها من الجهات الفاعلة الإقليمية، في حالة من القلق مع تفكير إسرائيل في ردها على الهجوم الصاروخي الذي شنته إيران على تل أبيب في 1 أكتوبر. وسط الفوضى وعدم الاستقرار الذي يليه، وفي ظل ضعف حلفائهم من حزب الله وغيرهم من الميليشيات الشيعية، يمكن أن تبرم فصائل داخل النظام الإيراني، مثل الحرس الثوري الإيراني القوي، صفقات مع حزب العمال الكردستاني، وفقًا لما يدعيه المسؤولون الأتراك.
يضم إيران عددًا كبيرًا من الأكراد الذين يعانون من القمع، ويتوزعون بين السنة والشيعة، حيث تشكل الشيعة الأقلية. منذ فترة طويلة، تتهم تركيا النظام الإيراني بالتواطؤ مع حزب العمال الكردستاني، الذي تتمركز قواعده في قنديل على الحدود الإيرانية. وينفي كلا الجانبين هذا الادعاء.
انضم أعداد كبيرة من الأكراد الإيرانيين إلى حزب العمال الكردستاني وسط القمع المتزايد من قبل السلطات في أعقاب الاحتجاجات الوطنية التي هزت البلاد في عام 2022 بعد وفاة المرأة الكردية مهسا أميني في حجز الشرطة الدينية الإيرانية.
مباحثات 2015
عندما انزلق سوريا في الحرب الأهلية في عام 2011، انسحبت القوات الحكومية تحت قيادة الرئيس بشار الأسد استراتيجياً من معظم مناطق شمال شرق البلاد ذات الأغلبية الكردية للقتال ضد المتمردين السنة في أماكن أخرى من البلاد، مما تركها تحت سيطرة مجموعة مسلحة كردية سورية أنشأها حزب العمال الكردستاني.
سرعان ما بدأت تركيا محادثات سلام مباشرة مع أوجلان وتلامذته الأكراد السوريين، ولا سيما القائد الكردي السوري المخضرم صالح مسلم. وقد ترافق ذلك مع اتفاق من عشر نقاط تم الكشف عنه في 28 فبراير 2015 من قبل النواب الأكراد والمسؤولين الأتراك في قصر دولما باغچه في إسطنبول.

قدمت هذه الوثيقة خارطة طريق من شأنها، من الناحية النظرية، أن تخفف القيود السياسية والثقافية المفروضة على ما يقدر بنحو 16 مليون كردي في تركيا، وتدخل حيز التنفيذ بمجرد أن يضع حزب العمال الكردستاني أسلحته وفقًا لأوامر أوجلان. وفي الوقت نفسه، كانت تركيا تضغط على الأكراد السوريين للانحياز إلى حلفائها من المتمردين السنة ضد نظام الأسد، كجزء من جهد عقيم لتقويض خططهم للحكم الذاتي.

لكن طموحات أردوغان الشخصية كانت أيضًا في اللعبة إلى حد كبير، كما هو الحال على الأرجح الآن. فقد كان بحاجة إلى الدعم الانتخابي للأكراد للنظام الرئاسي القوي الذي كان يخطط لتثبيته. لكن سلسلة من العوامل تدخلت، من بينها تحالف البنتاغون في عام 2014 مع الأكراد السوريين ضد الدولة الإسلامية. أشعل هذا حذر تركيا من الدعم الغربي المفترض لدولة كردية مستقلة، وكذلك الغطرسة والخطأ من جانب حزب العمال الكردستاني.
لم تساعد المقاومة الانعكاسية للجيش التركي لأي تنازلات للأكراد، وتردد كتلة المؤيدين للأكراد في دعم أردوغان الرئاسي.

انهارت المحادثات وسط اتهامات متبادلة في صيف 2015، مع وقف إطلاق النار لمدة عامين ونصف العام، مما دفع الجيش التركي وحزب العمال الكردستاني إلى تجدد الصراع الذي شهد وضع تركيا للمتمردين في موقف دفاعي تمامًا مع طائراتها بدون طيار القاتلة.

على الصعيد السياسي، أصبح أردوغان أكثر حزمًا واستبدادًا بالتوازي مع التحالف الانتخابي الذي أبرمه مع باهتشلي في نفس العام. وتم قطع الاتصال بين أوجلان والعالم الخارجي، بما في ذلك محاميه وعائلته، بينما تم وضع عدد من السياسيين الأكراد، بما في ذلك زعيم الأكراد الأكثر شعبية، صلاح الدين دميرتاش، خلف القضبان بتهم إرهابية واهية.

في المقابل، ألقى الأكراد بثقلهم خلف المعارضة، مما ساعد في تحويل الانتخابات المحلية لصالحها، وانتزاع إسطنبول وأنقرة من حزب العدالة والتنمية الذي يقوده أردوغان.

سلام أم مكسب شخصي؟

في النهاية، يجادل العديد من الأكراد بأن المشكلة الرئيسية هي أنه على الرغم من أن العملية تم الترويج لها على أنها تهدف إلى تأمين سلام دائم، فإن هدفها الرئيسي كان استغلال نفوذ أوجلان الدائم على حركته لتقوية أردوغان، ونزع سلاح حزب العمال الكردستاني وحله دون منح الأكراد أي شيء ملموس في المقابل.
**قال أحد السياسيين الأكراد السابقين الذين شاركوا في تسهيل الجولة الأخيرة من المحادثات: “الدولة التركية مبرمجة على حرمان الأكراد.

 

أعلن تضامنه مع مطالبها..حزب أمازيغي يوجه رسالة قوية للقوي الكردية

الرباط _ الشمس نيوز

أعلن حزب تامونت للحريات الناشط في المملكة المغربية تضامنه مع ما يتعرض له الشعب الكردي من انتهاكات لحقوقه ومؤامرات تستهدف طمس هويته وثقافته ونهب واستنزاف ثرواته.
وقال الحزب في بيان وصل “الشمس نيوز” نسخة منه إن الأمازيغ والكرد أمتين ترزحان تحت نير الاحتلال الهوياتي، من فرط الاستلاب الهوياتي الذي تم تأطير شعوبهما فيه، عبر أيديولوجية القومية العربية وإيديولوجية الإسلام السياسي التعريبي إيديولوجية أولوية قضايا الشعوب الأجنبية عن قضياهم الوطنية المصيرية والوجودية، وكذا من المؤامرات الدولية ضدهم وطمس قيمهما الحضارية واستبدالها بأخرى انبطاحية واستسلامية وتواكلية، وصولا لاستنزاف ثرواتهما.
وشدد الحزب على إيمانه بحق الشعوب والأمم في الحرية والعدل والقيم الإنسانية، إقليميا وشرق أوسطيا وعالميا وفي مقدمتهم الشعب الكردي، مثمنا علاقات الصداقة الوطيدة، حد التوأمة بين الأمة الأمازيغية والأمة الكردية، التي يؤكدها تاريخهما ووضعهما وعدوهما ونضالهما المشترك والمتشابه، والسعي لتطويرها.
وجدد الحزب التأكيد على ضرورة احترام الامم بأقطارها وتنظيماتها السياسية، للوحدة الترابية المغربية المورية الحقة، ولاستقرارها وأمنها. خاصة اننا نعتبر عدو وحدتنا الترابية في نفس مرتبة عدو هويتنا الجماعية الحقة، واحترام الأمة الأمازيغية بمختلف أقطارها، للخيارات السلمية والحضارية، التي يقررها الكرد، لشكل نضالاتهم قطريا أو أمة، مع دعمهم وحثهم على ضرورة توحيد الرؤى حول المشترك، والتحلي بالنسبية وبالقبول بالاعتراف المتبادل بالآخر، أمة وقطريا. مع دعوتنا لمجموعة من تنظيماتها السياسية لاعادة النظر في موقفها من الوحدة الترابية المغربية المورية، وفي دعمها لمن يتهددها داخليا وخارجيا.

أعداء الكرد والأمازيغ

ووصف البيان كل من سوريا وحزب الله اللبناني والحشد الشعبي العراقي والحوتيين اليمنيين الشيعة، والمشروع الإيراني، أعداء مشتركين للكرد والمغرب الموري، معربا عن دعمه لحركات التحرر العالمية بما فيه التحرر الهوياتي، من الاحتلال بمختلف أشكاله بما فيه الاحتلال الهوياتي، من اجل سيادة كل أمة على ارضها في مختلف أقطارهما، ومقاومة التوجه الاستئصالي لمختلف الإيديولوجيات الوافدة العدوة، التي احتلت البنيات الفكرية لكل من الأمازيغ والكرد وغيرها من الأمم، وجعلتهم في وضع المنومين، استلابا، حد تحول العديد منهم للزومبي الناهش لذاته الهوياتية، احتقارا وكرها لها وحقدا عليها.

وجدد حزب تامونت للحريات رفضه “للدمج القسري لأمتينا العريقتين الأمازيغية والموردية وغيرهما، ضمن أمة أخرى لاحقة لهما تاريخيا، وهو الدمج الذي نعاني منه جميعا، تارة باسم العرق وتارة باسم الدين، والعرق والدين بريئان من موضوع الهوية ولا علاقة لهما به، في افق الوصول عبره للاستبدال الهوياتي الكلي للهوية الجماعية لكل واحدة من أمتينا، وجعلهما مجرد ذكرى في إحدى أركان صفحات التاريخ، كتابعة لها، اندثرث.”

وعبر الحزب عن إدانته الكلية للقمع والإرهاب والتضييق الذي يتعرض له كل من الأمازيغ والكرد وغيرهما في نضالهما من اجل التحرر الهوياتي، والذي يمارس في غالبه من طرف أمازيغ وكورد السربيس والخدمة للوافد، كل فوق أرضه وضد بني جلدته، داعيا الأمازيغ والكرد لتعميق الروابط والعلاقات وتبادل الخبرات بينهما، دعما لنضالهما السلمي والحضاري، والعمل على توعية شعوبهما بقضيتهما، والتعريف بها دوليا وأمميا، كقضية أمتين محتلتين هوياتيا، تناضلان من اجل التحرر منه.

وختم حزب حزب تامونت للحريات بيانه بالمطالبة بالافراج الفوري وبالحرية الفورية لجميع المعتقلين السياسيين الأمازيغ والكورد ومعتقلي باقي شعوب الامم التواقة للتحرر الهوياتي، أرضا بلغتها وإنسانها وقيمها الحضارية وثرواتها.

 

نيران في كل مكان..إلي أين يتجه الشرق الأوسط في ظل الحروب والصراعات الحالية؟

بقلم/ دجوار أحمد أغا

تتسع دائرة الحروب في الشرق الأوسط وتستعر فيها النيران المشتعلة والتي تأتي على الأخضر واليابس. هذه الحروب التي تغذيها النعرات الطائفية والمذهبية والعرقية والتي هي نتاج الدولة القومية التي أنشأتها وأقامتها قوى الهيمنة العالمية في هذه المنطقة. لكن شعوب الشرق الأوسط أصحاب الحضارات العريقة وأصحاب الفكر الحر والعيش المشترك منذ الأزمان السحيقة. لم يقبلوا هذه الاملاءات من الخارج ولم يخضعوا للاستعباد والاحتلال. فرغم مرور 500 عام انتفضوا في وجه الاحتلال العثماني وتحرروا منه ومن بعده تحرروا من الاستعمار الأوروبي الذي جاء تحت مسمى “الانتداب”.
ما تقوم به دولة الاحتلال التركي من حرب شاملة ضد الشعب الكردي وشعوب المنطقة خاصة في مناطق الدفاع المشروع وشمال وشرق سوريا يندرج في إطار سياسة الإبادة التي تمارسها وريثة العثمانيين والساعية الى إعادة احياء “الميثاق الملي” واحتلال الأراضي السورية والعراقية (حلب، الجزيرة، الموصل، وصولاً الى كركوك). وهي تقوم بذلك بالفعل. استهدافها للبنية التحتية هو جريمة حرب ضد الإنسانية، واستهدافها لمركز تدريب قوات مكافحة الإرهاب التابع لقوات سوريا الديمقراطية وسقوط 29 شهيداً، يأتي في سياق سعيها لنشر هذه الآفة بين شعوبنا وتدمير الأجيال من خلال الإدمان على المخدرات.
لا يغيب عن بالنا أنه خلال هذا الشهر وفي التاسع منه سنة 2019 قامت دولة الاحتلال التركي باحتلال سري كانية (راس العين) وتل أبيض وهجّرت عشرات الالاف من الأهالي كما قام مرتزقتها باستهداف الامينة العامة لحزب سوريا المستقبل الشهيدة هفرين خلف في 12 تشرين الأول على الطريق الدولي بين الرقة والحسكة.
الأوضاع السائدة الان مفتوحة على كافة الاحتمالات، خاصة في ظل الحرب المفتوحة بين حركة حماس وإسرائيل والتي راح ضحيتها عشرات الالاف من الضحايا.

نفاق عالمي
إسرائيل ترتكب المجازر بحق الشعب الفلسطيني في غزة والعالم يتضامن مع إسرائيل! يا للعجب بينما نرى أردوغان يتباكى على أطفال غزة بينما تقوم قواته المحتلة بقتل الأطفال السوريين في شمال وشرق سوريا وتدمر مقومات الحياة!
بالأمس لفت انتباهي موقف جماهير إنكليزية وايطالية في ملعب رياضي كانت ستجري فيه مباراة بين فريقين أحدهم إنكليزي والآخر إيطالي حيث طلب القائمون على المباراة بالوقوف دقيقة صمت على أرواح قتلى إسرائيل دون ذكر شهداء الشعب الفلسطيني مما اثار موجة من الاحتجاج والصخب والصفي بين الجماهير.

كما جرى خلال القاء المندوبة الأمريكية في لجنة حقوق الانسان لدى الأمم المتحدة أن قام قسم كبير من الحاضرين بإدارة ظهرهم للمندوبة الأمريكية في موقف احتجاج على موقفها الداعم والمنحاز بشكل واضح لإسرائيل.
يجب على العالم أن ينظر الى حقيقة ما تجري الاحداث بنظرة واقعية وليس من باب التعاطف مع طرف ضد آخر. هذه الازدواجية في الرؤية غير مقبولة وعلى العالم أن يغير من نظرته الى الأحداث..
المقاومة مستمرة من دون شك، والشعوب في سوريا، العراق، فلسطين، ليبيا، اليمن وفي كل مكان في الشرق الأوسط سوف تستمر في المقاومة التي هي حقها المشروع في الدفاع عن وجودها طالما بقيت جيوش الدول تحمي حكامها وسلطاتهم المستبدة.

تابعوا الشمس نيوز على جوجل نيوز

15 أغسطس.. مقاومة و انبعاث وحرية للأمة الكردية و ديمقراطية للمنطقة

الكاتب والباحث السياسي: أحمد شيخو


يحمل يوم 15 آب\ أغسطس لعام 1984 انعطافة هامة وكبيرة في تاريخ الشعب الكردي، لأسباب عديدة تتعلق بالوجود والهوية والثقافة الكردية التي كانت في حالة انحدار بسبب محاولات الدولة التركية في طمس الهوية ومنع اللغة والخصوصية الكردية والتطهير الثقافي، إلى جنب حالة الإبادة الجماعية الفريدة منذ عام 1925م وخيانة وتخلي الدولة والنخب والسلطة التركية الحديثة بعد الإمبراطورية العثمانية عن التحالف التاريخي الكردي-التركي والتقاليد الديمقراطية والقيم المجتمعية المشتركة والمسار الاجتماعي الإسلامي الواسع الذي كان يستوعب تعدد الأعراق والملل والألوان والألسن.
منذ دخل الإسلام بلاد الكرد حوالي 641م و642م، تشارك الكرد مع بقية الشعوب الإسلامية الحياة في المنطقة ضمن الحضارة الإسلامية، وفي العصر العباسي ومع توسع الدولة والخلافة الإسلامية وزيادة عدد الشعوب المسلمة غير العربية ، كانت الخصوصية الجغرافية واللغوية والثقافية والإدارية مصانة ومحفوظة لكل ملة وقوم وشعب وحتى على مستوى العشائر والقبائل وتلك كانت قيم ديمقراطية مشرقية، التي نسميها اليوم بالنظام اللامركزية و يمكن القول أن كل شعب وقوم وملة ومع دخولهم في الإسلام كانوا يتمتعون في مناطقهم الأصلية بنوع من الحكم الذاتي أو الإدارة الذاتية وحتى الإسلام لديه تعددية في المذاهب والطرائق ومع تأسيس السلطنات والدول داخل الخلافة تتطور النظام وبشكل تدريجي وطبيعي إلى النموذج الفدرالي أو المركزي المرن، حيث أن الدولة الأيوبية والسلجوقية وكذلك دولة المماليك الشركسية التي كانت مركزها مصر كانوا ضمن الخلافة العباسية الواحجة وهذه كانت من ضرورات وتطورات الوضع وإنزياحات القوى ومراكزها ضمن الخلافة العباسية الواسعة التي لم تستند إلى قومية أو ملة أو طائفة وحدة بل كانت متنوعة ومتعددة الملل والأعراق.
ولقد عاش الشعب الكردي في حوالي 51 إمارة كردية ضمن الخلافة العباسية يقودها أمراء وعائلات ورجال دين كرد من طبقات فوقية عليا، ربما انفصلت بعض تلك الطبقات ولأسباب مصلحية ضيقة عن واقع مجتمعهم وهويتهم الثقافية، و لعل أشهرهم الدولة المروانية أو إمارة ميافارقين بالقرب من مدينة آمد(دياربكر الحالية) والتي مثلت رأس مثلث رؤسه الثلاثة( العباسين في بغداد- المروانيين في ميافرقين -الفاطميين في القاهرة ) كتوزع لثلاث مراكز استراتيجية جغرافية وشعبية هامة حتى اليوم رغم كل الظروف إضافة إلى إمارة بوطان بمركزها في مدينة جزيرا الحالية في باكور كردستان(جنوب شرق تركيا) على مثلث الحدود التركية السورية العراقية وإمارة أردلان بمركزها في مدينة سنا(سندج) في روج هلات كردستان (غرب إيران) بالإضافة إلى إمارة صوران وبهدينان وبدليس وكلس وغيرهم الكثير في الأجزاء الأربعة من كردستان المقسمة حالياً بين أربع دول(تركيا، إيران، سوريا والعراق) نتيجة الاتفاقيات الدولية العالمية لهندسة المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى لخدمة وسيطرة النظام العالمي المهيمن المتشكل بعد الحرب للهيمنة والسيطرة ونهب المنطقة وتوجيه بوصلة الأراء والتناقضات فيها.
توافد العرق التركي أثناء وضمن الخلافة العباسية والدولة الأيوبية وبمختلف العائلات والتشكيلات والعشائر وكانوا يقومون بالأعمال التي يتم توكيلهم بها من قبل السلاطين والخلفاء فكانوا جنوداً ومماليك، ويقال أن السلطان الأيوبي نجم الدين أيوب وحدة جلب أكثر من 1000 مملوك وأدخلهم لجيش الدولة الأيوبية وخاصة في مصر وعندها صعدوا فيها إلى أعلى المراتب حتى وصولهم لكرسي السلطان بعد قتلهم لأبن السلطان نجم الدين أيوب وهو السلطان توران شاه أخر سلاطين الدولة الأيوبية بالتعاون والتوطؤ مع شجرة الدر، كما أن المماليك ومع تمكنهم وتقوية شوكتهم ضمن البلاط والقصر العباسي قتلوا واستبدلوا خلفاء في الدولة العباسية وحتى أنهم ساعدوا المغول والتتار الذين ينحدرون من نفس أصل القبائل التركية في قتل الخليفة المستعصم بالله واحتلال وتهديم بغداد ودمشق والاعتداء على أهلها ونسائها وحرائرها فهم من نفس المناطق والنسب القبائل المغولية.
تعايش الكرد وهم أحد أقدم شعوب المنطقة والترك القادمون من أواسط آسيا من مناطق جبال هملايا على الحدود الصينية تحت مظلة الإسلام وقيمها الأخلاقية العالية والعادلة وكان الكرد وبسبب الإسلام وقبله في صراع وتناقض مع البيزنطيين والروم قبلهم وهنا تحالف الكرد والترك وكانت الحاجة الطبيعية للشعبين للكرد إبعاد الخطر البيزنطية والترك في تأمين مكان لهم للعيش فيه بعد عدم تمكنهم العيش في المناطق الفارسية والعربية بسبب صراعات السلطة فيما بينهم.
وكانت معركة ملازكرد 1071م التاريخية التي خاضها الكرد والترك أمام البيزنطينيين وكانت النتيجة النصر وفتح بلاد الأناضول أمام الأنساب والعشائر التركية، ومع قدوم العشائر التركية المختلفة وتوطينهم في الأناضول وتمرسهم فيها ودخولهم الإسلام لغايات تخدمهم غاياتهم السلطوية والسلطنية، أصبحوا قوة سلطوية تبحث عن حكم المنطقة ونهبها باسم الإسلام وشعائره وطقوسه فكانت الاحتلال العثماني للمنطقة وأخذ الخليفة العباسي من مصر إلى إسطنبول وتنازله عن الخلافة للعثمانيين وفق الرواية التركية التي من الممكن والوارد أنهم قتلوا الخليفة الرهينة وقالوا ما يحلوا لهم لأن السلطان سليم الأول وبعد معركتي مرج دابق والريدانية واحتلال مصر والقاهرة، قال لأم الخليفة العباسي عندما قالت له كيف ستصبح الخليفة وأنت لست بعربي فقال أنا اليوم الخليفة والعرف والقانون وأقول وأفعل ما يحلو لي وأضع الأمور كيفما أشاء.
كانت اللامركزية الواسعة في الاحتلال والإمبراطورية العثمانية أيضاً هي سمت وطبيعة النظام القائم رغم كل سلبياته وجهله وتخلفه. ولكن مع تدخل الغرب وخاصة ألمانيا في أعوام 1830 وبحث السلاطين العثمانيين عن الطرق للالتحاق بالركب الغربي والثورة الصناعية التي بدأت في أوربا ومظاهر الحياة العصرية، بدأت الاستشارة الألمانية للسلاطين العثمانيين بالتركيز على المركزية الشديدة والقضاء على الخصوصيات وحالة التعدد والتنوع، فكانت بداية التناقضات التركية والكردية حيث أن الكرد لم يوافقوا على مجيء الترك وخوضهم الحرب معاً إلا ليبعدوا خطر الروم والبيزنطينيين والعيش بحرية وكرامة وليس الخضوع والخنوع للترك الغرباء ولدولهم ومركزيتهم المصطنعة الدولتية.
وهنا ومنذ 1855 وبعدها ظهرت العلاقات والاتفاقات العثمانية والصفوية بعد احتلال العثمانيين للبلاد العربية واستقرار الأمور نسبياً بين العثمانيين والصفويين واتفق العثمانيين والصفويين في محاربة الكرد والقضاء على إماراتهم في طرفي الحدود بينهم ، بعد أن قسموا كردستان بينهم باتفاقية قصر شيرين عام 1639م التي تعتبر أول تقسيم و اعتداء على الجغرافية والأمة الكردية، مما زادت من معانات وتحديات المجتمع الكردي ونضال حريتهم والدفاعهم عن إماراتهم وخصوصياتهم ووجودهم واستقلاليتهم الذاتية أمام إمبراطوريتين تسعيان للهيمنة على المنطقة كما هي اليوم بالضبط في أن تركيا وإيران تستهدفان الكرد والعرب وتحاولون التدخل في شؤونهم واحتلال أرضهم ودولهم.
و الأسوء أنه ورغم كل المؤامرات والسلطوية التركياتية العثمانية وتفردها إلا أن الكرد أيضاً ومن منطق وعرف الإسلام والأخوة الدينية خاضوا مع الترك أيضاً جهود وحورب خلاص الدولة العثمانية أو تركيا من الاستعمار الغربي في ما يسمى بحرب الاستقلال في تركيا(1919م-1921م) وتأسيس دولة للكرد والترك وفق الميثاق الملي الذي كان عام 1919 بين العشائر الكردية التي تجاوزت الثلاثين والضابط العثماني مصطفى كمال لخوض الحرب، لكن بعد ما تم تسميته بحرب الاستقلال عام 1921 وتوطد السلطة وتراجع المحتلين والاستعمار الغربي وبدء تشكل الحكومة و الدولة الجديدة وتواصل الإنكليز مع مصطفى كمال وتدخل وتأثير النفوذ اليهودي في الدولة التركية ولخدمة أجندات وسياسات واستراتيجيات نظام الهيمنة العالمية، تخلى الجانب التركي في الدولة الحديثة عن كل إلتزاماتها واتفاقياتها قبل و أثناء الحرب مع الكرد وكذلك إنهاء البرلمان الأول الذي كان فيه نسبة الكرد 33% والدستور الأول للدولة الحديثة وتم الانقلاب على كل المتفق بين الطرفين الكردي والتركي و إحداث دستور جديد وبرلمان جديد باسم التركي فقط وإن كل من يعيش في تركيا هو تركي في حالة توطيد شوفينة وعرقية وقوموية مصطنعة متضخمة لخلق أمة الدولة وكانت قوانين التطهير العرقي بحق الكرد والإبادة الجماعية الفريدة منذ عام 1925 بعد أن تخلص التركياتية الفاشية من الأرمن والروم واليونان واللاز والبوتس وغيرهم من أعوام 1914 إلى 1922، فكان سنة 1925 والبدء بإبادة الشعب الكردي وقاموا بسن قانون إصلاحات الشرق وإسكان الشرق الذي كان إبادة ممنهجة بحق الشعب الكردي والعمل على تهجيره والقيام بالتغيير الديموغرافي في المناطق الكردية وخاصة المناطق الواقعة غربي الفرات وكذلك الواقعة شرقها والعمل على تشتيت التركيز السكاني الكردي بخلق بؤر استيطانية تركية وتركمانية حتى ولو من أواسط أسيا في المناطق ذات الغالبية الكردية والعمل لجعل الكرد لايتجاوز نسيتهم 5% في كل المدن لإضعافهم وتسهيل إنصهارهم وذوبانهم في البوتقة التركية وتصفية الشعب الكردي والقضاء عليه بشكل تام.
وهنا لم يقبل الشعب الكردي هذه الخيانة التركية والمؤامرة الدولية على نفسه وكرامته ووجوده وخصوصيته وخاض من 1925 وحتى 1940 أكثر من 29 ثورة كانت قادرة كل وحدة منها على هزيمة الترك وتشكيل العديد من الدول والكيانات الكردية، لكن في كل مرة كانت القوى العالمية الرأسمالية المهيمنة والاحتكارية تقف بالضد من حقوق الشعب الكردي وتتعاون مع الترك والفرس لإنهاء الثورة وقتل قادتها و استعمال بعض رجال الدين الكرد العملاء للدولة والسلطة التركية تحت اسم الشعارات والأخوة الدينية وولي الأمر وطاعته وذلك لخلق ضعف ووهن في الجبهة الداخلية الكردية لمعرفتهم باحترام وتقدير وإيمان الشعب الكردي بالدين الإسلامي والقيم الأخلاقية الإسلامية.
ومن عام 1924 وحتى 1973 ساد سكون مدقع بعد كل الهزائم وحالات القتل وكسر الإرادة ودفن الأحياء في المغارات وصب البتون عليهم كما في انتفاضة ديرسم 1937 والتي كانت تقوم بها الدولة التركية بمساعدة ودعم من القوى العالمية حتى أن تركيا وبعد هزيمة أنتفاضة أو ثورة آكري وضعوا علم الثورة في قبر وكتبوا عليها هنا تم دفن كردستانكم الخيالي.
ولكن من قال أن التتار والمغول والعثمانيين والترك وأمثالهم الغرباء عن المنطقة يستطيعون هزيمة الشعب الكردي الذي يمتد جذوره إلى حوالي 12 ألف سنة على الأقل وفق ما ظهر في الموقع الأثري في كوبكلي تبه ( خرابه رشكي ) القريبة من مدينة سيدنا إبراهيم أورفا الواقعة في باكور كردستان(جنوب شرق تركيا)، حتى أن الأسكندر المقدوني لم يستطيع من اجتياز جبالهم الشامخة إلا بالتوافق معهم وبعد هزائم كثيرة أجبرته على التوافق واحترام الشعب الكردي وإرادته وجباله، كما يقول ذلك المؤرخ قسانوف وهيردوت اليونانيين.
وفي عام 1973 وبالقرب من سد جوبوك في أنقرة ، اجتمع في 21 آذار في عيد نورز القومي الكردي حوالي 7 من أبناء الشعب الكردي و الترك الأحرار الذين يؤمنون بالعلاقة والأخوة الكردية-التركية وقالوا كفى للإبادة والاحتلال التركي لوطن الكرد كردستان وكفى للفاشية التركية وقد كان على رأسهم القائد والمفكر والطالب حينه في قسم العلوم السياسية بجامعة انقرة، عبدالله أوجلان الذي كان يدرس العلوم السياسية في جامعة أنقرة وقال كلمة الحق والبداية لمشوار طويل يمتد إلى اليوم وهو الحقيقة التالية بأن “كردستان مستعمرة” وبدأ معها العمل الطلابي الكردستاني واليساري والسياسي والتوعوي لخلاص تركيا من الفاشية وكردستان من الاستعمار.
وبين أنقرة و إسطنبول ومدن شمالي كردستان من ديلوك(عنتاب) وكركم(مرش) وآمد(ديار بكر) وإيله(باطمان) و مردين ورها(أورفا) وأكري تزايد نشاط المجموعة الطلابية أو الأبوجية(نسبة للقب القائد عبدالله أوجلان) وأصبح الشباب الكردي وخاصة العمال والطلبة ينضمون للحراك الجديدة إلى أن تم في 27-11-1978 في قرية فيس في ولاية آمد(ديابكر) الاجتماع التأسيسي لحزب العمال الكردستانيPKK كمسار وطريق وسياق حرية لخلاص الأمة الكردية وتحرير الأجزاء الأربعة من كردستان وتوحيدهم وفق منطق حركات التحرر الوطنية و النظريات الفكرية والثورية السائدة في العالم حينها.
وكانت العمالة والخيانة المفروضة والطبقات الفوقية التي تمثل دولة الاحتلال التركية في المجتمع والمناطق الكردية من أولى من حاول سد الطريق أمام هذا السياق الحر والمجتمعي الذاتي رغم حداثته، فكانت حادثة استشهاد القيادي حقي قرار في 18 نيسان عام 1977 و أحداث حلوانية وسورك في أورفا ضد الخونة بقيادة أول قائد عسكري في تاريخ الحركة الكردية المعاصرة محمد قرى سنغر الذي استشهد أيضاً على يد العمالة والخيانة في باشور كردستان (إقليم كردستان العراق) وهو يعمل لإصلاح ذات البين بين الحركات الكردية في باشور كردستان( إقليم كردستان العراق) في بداية الثمانينات.
ومع الإنقلاب العسكري 12 أيلول لعام 1980 في تركيا بدعم غلاديو الناتو، بدأت الدولة التركية بفصل جديد وشديد من نظام الطوارئ والحرب في باكور كردستان(جنوب شرق تركيا) ذلك النظام الموجود في المناطق الكردية منذ 1925. وتم اعتقال وسجن عدد كبير من القادة والنشاط والمواليين وكذلك الآلاف وبل الملايين من أبناء الشعب الكردي والمعارضين للانقلاب ولسياسة السجن والقتل و الحرب الخاصة التي بدأتها السلطة الجديدة بدعم ومساندة من حلف الناتو الذي حكم تركيا فعلياً عبر غلاديو وأرغنكون(الشبكة السرية للناتو في أوربا وتركيا) ويحرك القوى فيها من خلف الكواليس لمصالح نظام الهيمنة العالمي واستراتيجياتها.
وفي سجن أمد(دياربكر) ولكونها أكبر مدينة كردية وينظر لها كمركز للكرد والنشاط والحراك السياسي الكردي، كانت للطغمة العسكرية العنصرية وللفاشية التركية الحاكمة سياسة خاصة تهدف إلى كسر إرادة الشعب الكردي وإخضاعه وترويضه بالقوة والإزلال ليقول أنا تركي ولست كردي ويمتنع عن التحدث بالكردية ويستسلم للدولة والفاشية، وجدير بالذكر أن اللغة والثقافة الكردية كانت ممنوعة منذ 1925 ولا زالت حيث لا توافق الدولة ولا يوجد نظام تربوي لتعليم أطفال الكرد وبلغتهم في المناطق ذات الغالبية الكردية في جنوب شرق تركيا مع العلم التعلم بلغة الأم من أبسط حقوق الإنسان ضمن كل الشرائع السماوية والوضعية.
فكانت الرد على فرض الاستسلام في السجن، ملحمة المقاومة والانتصار القائد الشهيد مظلوم دوغان وهو أحد أهم قيادات الحزب وقتها حيث قام بعملية فدائية في السجن وتسبب في شهادة نفسه تحت شعار “المقاومة حياة والاستسلام خيانة” ليقول لتركيا ولسلطتها و لإدارة السجن اننا لانقبل بالاستسلام مطلقاً، فكان موقفه البطولي اشراقة شمس المقاومة والحرية و انعطافة وتحول كبير و كان بعدة عمليتين لا تقل أهمية و هما العملية الفدائية للأربعة وهي بحرق أنفسهم وهم أربعة كوادر قياديين(فرهات كورتاي، محمد زنكين، أشرف آنيك ونجمي اونر)وكذلك الصيام حتى الشهادة للكوادر الاربعة (محمد خير درموش ، كمال بير ، عاكف يلماز وعلي جيجك) الذي استمر حوالي 65 يوماً، حيث كان لهذه العمليات الفدائية وملاحم المقاومة من داخل السجن أثار وصدى كبير في الوجدان والعقل والضمير الكردي أيقظتهم من السبات العميق ، كما كان رسالة للمحتل التركي بعدم الاستسلام وكذلك لحزب العمال الكردستاني بأن يأخذ قرار النضال والكفاح المسلح ضد دولة الاحتلال التركية الفاشية لتحرير كردستان والشعب الكردي.
فكانت اللحظة واليوم التاريخي المنتظر في 15 آب\ أغسطس لعام 1984 بعد أن قام القائد أوجلان بالجهد والعمل والتدريب والتحضير اللازم للقفزة التاريخية بعد سفره من باكور (جنوب شرق تركيا) إلى سوريا و لبنان والاستفادة من واقع الثورة الفلسطينية بعد أن تم دفع ثمن العلاقة مع الثورة الفلسطينية والقيام بواجب الصداقة تجاهها من دماء 12 شهيد في قلعة شقيف في جنوب لبنان لصد الاحتلال الإسرائيلي واعتقال العشرات.
وكان قائد قفزة 15 آب ، القائد الشهيد عكيد(معصوم قورقماز) من المجموعات التي تدربت عند الثورة الفلسطينية ورجع بعدها إلى كردستان مع مجموعات عديدة للبدء بالكفاح المسلح ضد دولة الاحتلال التركية ، فكانت عملية البداية من أروه(دهيه) وشمذينان التي أصبحت التاريخ وقبلة الحياة في عودة الروح والحياة لأمة كانت على شفير الموت والتصفية.
وكما يقول الثوري والمقاوم والدكتوري الجزائري “فرناز فانون” فإن الطلقة الأولى ضد المحتل هي في الوقت نفسه ضد الخوف والضعف. وهكذا كانت الطلقة الأولى التي هزم فيه الكردي خوفه وضعفه وعدوه وبدأ بملحمة المقاومة والحياة والإنبعاث من جديد بعد أن ظن الأتراك أنهم دفنوه في القبر مع علم ثورة أكري.
وأحدثت العملية الأولى أو ما نسميه في المجتمع الكردي قفزة 15 آب زلزالاً للدولة التركية والشعب الكردي فهب الشباب والبنات الكرد وبالألاف ينضمون للثورة، ودخل الزعر والخوف بالمقابل في نفس كل عنصر محتل للدولة التركية في كردستان وأنصعقت الدولة التركية بأنه كيف لشعب جعلناه مقتلولاً وضعيفاً أن يمتلك الشجاعة والجرأة ويهاجم على جيش تركيا ثاني أكبر جيش في الناتو.
ومازالت المقاومة مستمرة إلى اليوم وستستمر لأنها وجدت لحل القضية الكردية وخلاص الشعب الكردي من الاحتلال والإبادة الجماعية الفريدة ولأنها ليس هناك من سبيل لوقف الإبادة التي تمارسها الدولة التركية إلى اليوم إلا بالدفاع المشروع والمقاومة ومازالت تركيا ترفض الحل السياسي والديمقراطي وتصر على الحل العسكري وتصفية الشعب الكردي وإنهائه واحتلال عفرين وطرد وتهجير أهلها أحدث هذه الأمثلة، رغم كلام بعض الخونة والعملاء أو الحمقى الذين يرددون ويقولون بإمكانية نيل الحرية والحقوق القومية بالثرثرة و الديماغوجية الزائفة ولا يضعون نصب أعينهم الإبادة المستمرة، مع التذكير أن المقاومة الكردية والنضال العسكري و السياسي الكردي المرافق مر بكثير من المحطات والتغيرات التكتيكية والاستراتيجية حسب الظروف وتطور التجربة النضالية والعسكرية والتنظيمية الكردية، من بدئها بإسم قوات تحرير كردستان(HRK) إلى الجيش الشعبي لتحرير كردستان(ERNK) وصولاً لقوات الدفاع الشعبي الكردستاني(HPG).
ومن الهام فهم أهمية وأبعاد قفزة 15 آب فهي ليست فقط بداية نضال وكفاح مسلح بل إنها بداية سياق ومسيرة وحياة جديدة وبناء إنسان حر وديمقراطي وذهنية تشاركية حرة وإرادة حرة تؤمن بالتعددية والتنوع والحرية والديمقراطية وكذلك يمكن القول أن قفزة 15 آب هي ميلاد لنموذج المرأة الحرة وامتلالها الشخصية الحرة القادرة على حماية وإدارة وقيادة المجتمع والثورة ومانراه في شمال سوريا من ظهور وحضور نموذج المرأة الحرة ونموذج الرئاسة المشتركة والمجتمع الديموقراطي وأخوة الشعوب منبعه ومركزه الفكري والمعنوي والأخلاقي والإرادي هو قفزة 15 آب وتأثيراتها في المجتمع الكردي والفكر النضالي الكردي الديمقراطي الحر.
ومع دوران عجلة المقاومة والنضال والتنظيم واتساعها وتعاظمها في التسعينات أراد القائد عبدالله أوجلان في سلك مسار الحل السياسي والديمقراطي ومنذ 1993 وحتى اليوم أعلن الطرف الكردي والقائد أوجلان وحزب العمال الكردستاني وقف إطلاق النار لأكثر من 9 مرات لحل القضية سليماً وديمقراطياً، لكن الدولة التركية وفي كل مرة لا تقوم بما يقع على عاتقها وتتهرب من حمل المسؤولية وتكون إنهاء وقف إطلاق النار من قبلها فليس لديها القدرة على اتخاذ قرار حل القضية الكردية التي لها أبعاد عالمية وإقليمية كبيرة تتجاوز حجم تركيا وقوتها.
ومن المهم الإشارة إلى أن التشارك والتواطؤ الدولي وخاصة من أقطاب نظام الهيمنة العالمي الذي وبسبب وجود تركيا في الناتو ولماهية الدولة التركية الوظيفية في المنطقة لصالح أجندات وسياسات واستراتيجيات نظام الهيمنة العالمي، لا يريدون حل القضية الكردية وإنجاز توافق كردي تركي أو أية توافقات بين شعوب المنطقة، ولذلك ليس لديهم حتى اللحظة أي سياسة إيجابية تجاه حل القضية الكردية بل أنهم مازالوا يسلكون نفس السلوك منذ عام 1921 تجاه القضية الكردية في عدم حلها وبقائها كبورة توتر جاهزة للإشتعال وقت الحاجة والضرورة رغم اختلاف الأولويات بين الدولة التركية والدولة المركزية في نظام الهيمنة العالمية في السنوات الأخيرة في مقاربتهم للقضية الكردية.
ومنذ عام 1985 دخل الناتو على الخط في تركيا وقام بدعم الدولة التركية بكل أنواع الأسلحة والأدوات و الدعم الاقتصادي والإعلامي والسياسي لحرب تركيا ضد الشعب الكردي ولولا ذلك الدعم لما استطاع تركيا الصمود شهراً واحداً أمام الشعب الكردي وقواه المدافعة والحرة. وكما أن الناتو وأمريكا وإسرائيل قاموا ومع دول عديدة ببدء مؤامرة دولية لاعتقال القائد والمفكر عبدالله أوجلان في 9 أكتوبر 1988و اعتقاله في 15 شباط عام 1999 و تسليمه لتركيا قبل 24 سنة وقيام تركيا بممارسة العزلة والتجريد عليه وكان هذه المؤامرة من أكثر الممارسات التي سدت ومنعت الحل السياسي والديمقراطي أمام القضية الكردية واستقرار المنطقة وجعلت تركيا تظن نفسها انتصرت ولكن بعد 24 سنة أصبح حزب العمال الكردستاني والشعب الكردي أقوى و أصبح الذين يتبنون أفكار وفلسفة القائد والمفكر اوجلان ويقفون معه ليس الكرد وحدهم بل الكثير من شعوب المنطقة وحول العالم مع طرح القائد لمشروع الأمة الديمقراطية والإدارة الذاتية لحل القضية الكردية وقضايا المنطقة والكونفدرالية الديمقراطية للأمم الديمقراطية في الشرق الأوسط وهو بهذا تجاوز البعد الكردي القومي إلى الشرق أوسطي والإنساني بأن جعل النضال الكردي أهم محرك ودافع للنضال الديمقراطي لشعوب المنطقة و التحول الديمقراطي في دولها الذين يريدون إجراء التحول الديمقراطي وتحقيق وبناء الديمقراطية في المنطقة كنظام للحياة والإدارة والمجتمع.

ومع استشهاد حوالي 50 ألف من الشعب الكردي وتهجير تركيا للملايين وتركيز الدولة التركية لكل سياساتها واستراتيجياتها حول إنهاء الحركة الكردية المقاومة ورغم تماهي بعض الدول الأوربية وحتى أمريكا معها في وصف الحركة الكردية بالإرهاب ووضعها في القائمة السوداء زوراً ونفاقاً وكذباً وإرضاءً لتركيا، لكن الكل يعلم ويؤمن ويقول بعدالة القضية الكردية وحق النضال الكردي الديمقراطي وبممارسة تركيا اللإرهابية الممنهجة ضد الشعب الكردي في تركيا وسوريا والعراق. بل أن تركيا وفي السنوات العشرة الأخيرة وتحت حجة محاربة الإرهاب واستغلالاً لحالة الضعف في المنطقة مع ما يسمى الربيع العربي، حاولت وتحاول تطبيق مشروعها العثمانية الجديدة الذي يتجاوز الجغرافية والشعب الكردي إلى التدخل واحتلال الدول العربية كما تفعل الآن في شمالي سوريا وشمالي العراق ورغبتها في الوصل إلى مزيد من الجغرافية السورية والعراقية والعربية بشكل عام.
وعليه، فإن قفزة 15 آب\اغسطس بنت حالة نضالية وسياق اجتماعي وشعبي ديمقراطي في الأمة الكردية وشعوب المنطقة وهو ليس فقط نضال عسكري أو عمليات عسكرية وأمنية ضد المحتل في الميدان بل مضافة له فلسفة للحياة الحرة وبناء النظام الديمقراطي ووحدة وتكامل لشعوب المنطقة وبحث للحلول لأزمات المنطقة ضمن المجتمع الحر الديمقراطي وبالاستناد إلى أخوة الشعوب وحرية المرأة وريادتها مع الشباب لجهود ونضالات التغيير والبناء ومقاومة المحتل. وبالتأكيد أن قفزة 15 آب هي لب وجوهر حق الدفاع المشروع الذي أقرته وشرعته كل القوانين الدولية والشرائع السماوية والوضعية، وأي حل لقضايا تركيا وسوريا والعراق وإيران وكذلك المنطقة لابد أن يأخذ الحركة الكردية والشعب الكردي المناضل والمقاوم والديمقراطي والحر والذي هزم داعش وخلص المنطقة والعالم بعين الاعتبار، وما أنتجته قفزة 15 أب من إحياء الشعب الكردي وإعادته من الموت المؤكد والبدء بالنضال والكفاح المسلح هو اليوم رافعة بناء ودفاع وديمقراطية وحرية وقوة لشعوب المنطقة ولاستقرار المنطقة ولسلامتها ولأمنها في مواجهة دولة الاحتلال والإبادة تركيا الفاشية ومشروعها الاستعماري” العثمانية الجديدة” التي تستهدف كل المنطقة والدول العربية. والمجتمع الكردي اليوم بغالبيته مجتمع منظم وواعي نتيجة سنوات النضال الطويلة ويمتلك قوة عسكرية وسياسية وتنظيمية وفكرية وأيدولوجية وثقافية ومشروع ديمقراطي قادر على لعب أهم الأدوار في المنطقة وبل أن المغزل الكردي كما أكده المفكر والقائد عبدالله أوجلان سيدور لجعل انطلاقة المنطقة وشعوبها تصل لمراتب عالمية واشراقات كبيرة بإنجاز الثورة الديمقراطية للشرق الأوسط كما أنجز الثورة النيولتية قبل حوالي 12 ألف سنة في ميزوبوتاميا العليا ومن لا يرى هذه الحقيقة لا يستطيع قراءة التاريخ والحاضر ورؤية المستقبل الذي سيكون للشعب الكردي ومن يتحالف معه النصر والصدارة.

من أعياد نوروز لـ مجزرة حلبجة ..كيف أصبح آذار شهر كردي بامتياز ؟

غياث خالد الزيباري

المعروف لدى الكورد أن شهر آذار شهر الكورد ، وهذه حقيقة، لأن جميع أيام هذا الشهر هي أحداث و مناسبات كوردية.
منها أحداث حزينة، وأحداث سعيدة و انتصارات الثورات الكوردية ضد السلطات الدكتاتورية.
وفي آذار عيد نوروز القومي.
‏لا أريد سرد هذه الأحداث الكوردية و لكن الموضوع بحاجة للتوضيح.
من الأحداث الحزينة ذكرى وفاة القائد الكوردي الكبير و الأب التاريخي و الروحي للأمة الكوردية الملا مصطفى البارزاني في أول من آذار عام 1979، و ذكرى إتفاقية الجزائر المشؤومة في 6 آذار عام 1975 بين نائب الرئيس العراقي آنذاك ( صدام حسين ) و شاه إيران محمد رضا بهلوي و بإشراف رئيس الجزائر آنذاك هواري بومدين ضد الحركة التحررية الكوردية و قيادة ثورة أيلول العظمى بقيادة الراحل ملا مصطفى البارزاني و الحزب الديمقراطي الكوردستاني ذلك بعد الإنتصار الكبير من الناحيتين السياسية و العسكرية لصالح الكورد، و اعتراف الدولة العراقية ببعض حقوق الشعب الكوردي، منها الحكم الذاتي الحقيقي، و السير نحو السلم و السلام الدائم في اتفاقية 11 آذار عام 1970 .

كذلك ذكرى إستشهاد (5000) خمس آلاف مواطن كوردي في مدينة حلبجة بالأسلحة الكيمياوية المحرمة دولياً في 16 / 3 / 1988، و الهجرة المليونية الكوردية الى إيران و تركيا في أواخر الشهر من عام 1991 التي أدت الى وصول صوت الشعب الكوردي إلى العالم، و فتح عيون الدول المساندة للحقوق الانسانية و الشعوب وفي مقدمتهم جمهورية فرنسا، وإصدار مجلس الامن الدولي القرار ( 688 ) في 5 من نيسان 1991 الخاص بإعلان منطقة آمنة للكورد في كوردستان العراق على خط العرض ( 36 ).
كان ذلك أول قرار دولي من أجل الحفاظ على أرواح المدنيين الكورد .
‏ و إعدام القاضي محمد أول رئيس جمهورية كوردية بإسم جمهورية كوردستان المعروفة بإسم ( مهاباد) في شرق كوردستان ( كوردستان إيران ) على يد النظام الايراني .
من الأحداث السعيدة عيد نوروز القومي و رأس السنة الكوردية في 21 آذار من كل عام، و ذكرى الانتفاضة العظيمة في كوردستان العراق في 5/3/1991 و تحرير معظم جغرافية جنوب كوردستان.

و إتفاقية الحادي عشر من آذار عام 1970، و ذكرى ميلاد القائد العظيم ملا مصطفى البارزاني في 14/3/1903 و ذكرى ثورة بارزان الأولى بقيادة الشيخ أحمد البارزانى في 15/3/1931 حيث ظهر فيها الشيخ أحمد البارزاني أول مرة كقائد ثوري ووطني كبير بعد بروزه ونجاحه كشيخ و مرشد الطريقة النقشبندية في تكية بارزان وذلك بعد إعدام شقيقه الكبير و قائد الثورة الكوردية الشيخ عبد السلام البارازاني في عام 1914، و كان عمر الشيخ أحمد فقط (18) عاما، و حقّق إنتصارات كبيرة أمام الجيوش العراقية و البريطانية بامكانيات محدودة و …..الخ الاحداث .
أحداث و مناسبات آذار و نوروز الكوردية تحمل رسائل الشعب الكوردي للعالم و للدول الإقليمية ولقادة الكورد بأن الشعب الكوردي يمتلك إرادة وطنية قوية و يتحدى الموأمرات الدولية و الاقليمية من أجل الحرية و الديمقراطية و التعايش السلمي و الرفاهية، في هذه الاحداث نداء الشعب الكوردي المناضل الى قادته بأن يوحدوا مواقفهم السياسية و الوطنية من أجل الحفاظ على المنجزات الحالية و السير نحو تحقيق أهداف اكبر.
وعلى قادة الكورد الاستفادة من هذه الدروس و العبر من اجل مصلحة الكورد و الكوردستانيين و الإبتعاد عن المصالح الحزبية الضيقة .

لا حرية دونها .. قوات الدفاع الذاتي ودورها فى حاضر الكرد ومستقبلهم

تحليل يكتبه/ الكاتب والباحث السياسي الكردي أحمد شيخو

تحظى فكرة الدفاع الذاتيّ بالنسبة للكرد بأهمية كبيرة على مرّ التاريخ، نظراً للظروف الملموسة التي مروا بها. حيث تعرضوا للهجمات المتواصلة، كونهم الوارثين الأوائل للمجموعات التي شهدت الثورة النيوليتية بأعمق حالاتها وأطولها أجلاً. ففوائض الإنتاج الناجمة عن الثورة الزراعية في الهلال الخصيب ومركزها ميزوبوتاميا العليا أو كردستان كانت تفتح شهية المغيرين، وتستقطبهم على الدوام. وقد مرّت آلاف الأعوام بهذا المنوال.
وكلما تطورت نظم المدنية المرتكزة إلى فوائض الإنتاج، بدأ عهد الهجوم الممنهج بالظهور من قبل القوى المعتمدة على بنى المدينة والطبقة والدولة. وهكذا، لم تغب أبداً الهجمات المباشرة وغير المباشرة لعدد لا حصر له من قوى المدنية، التي استهدفت المنطقة والأراضي نفسها، بدءاً من المدنية السومرية ووصولاً إلى أمريكا بصفتها آخر قوة مهيمنة في المدنية السائدة في يومنا الحاليّ بشكل مباشر أو عبر وكلاء أو متواطئين.
اكتسبت هجمات القرنين الأخيرين المتصاعدة مع النظام العالمي المهيمن(الحداثة الرأسمالية) طابعاً مختلفاً. حيث إنّ أنظمة حماية الوجود وآليات الدفاع الذاتيّ، التي طوّرها الكرد على شكل وحدات عشائرية وقبلية اعتماداً على المناطق الجبلية التي قطنوها منذ العصور الأولى، لم تف بالغرض مقابل وسائل الهجوم المعتمدة على النظام الرأسماليّ. ولأول مرة تبدّى خطر خسرانهم لوجودهم. ذلك أنّ بنية الدولة القومية في الحداثة الرأسمالية لم تسفر عن فقدان الكرد لحرياتهم فحسب، بل وآلت إلى مواجهتهم مخاطر فقدانهم لوجودهم أيضاً.
وبالتأكيد فبرنامج وسياسة والممارسة القسرية لخلق “لغة واحدة” و”أمة واحدة” و”وطن واحد” و”علم واحد” ونشيد واحد” ضمن نفس الحدود السياسية، قد أفرز معه مواجهة اللغات والأمم والأوطان الأخرى في تلك الحدود لمخاطر الإنكار والإبادة والتطهير العرقي.
لقد أخضع الكرد للإبادة والإنكار على يد الدول القومية ضمن كافة أجزاء الوطن التي عانوا الانقسام عنوةً ضمنها. فقد جعلت الدول القومية المدعومة من القوى المهيمنة تصفية الكرد وكردستان سياسةً أساسيةً لها. وعندما انكسرت شوكة المقاومة حصيلة نقص الدفاع الذاتيّ والوعي حوله، أتى الدور على هدم المجتمع وصهره بغية تصفيته وحسم أمره وإنهاء خصوصيته و ثقافته و وجوده.
وعليه، فحركة حرية الشعب الكردي متمثلة ب(حزب العمال الكردستاني PKK)، التي ولدت كردّة فعل على هذا السياق الممارس بكلّ حدّته، هي أساساً ومنذ بدايتها حركة دفاع ذاتيّ عن الشعب الكرديّ ووجوده. فحركة الدفاع الذاتيّ، التي كانت تمارس بدايةً على الصعيدين الأيديولوجيّ والسياسيّ والتنظيمي، قد انتقلت خلال فترة وجيزة إلى طور دفاع ذاتيّ يعتمد على المقاومة المسلحة أو العنف المتبادل. بمعنى آخر، فالكفاح المسلّح المرتكز إلى حماية وجود الكوادر والمؤيدين بادئ ذي بدء، قد اتسع نطاقه مع حملة 15 آب\أغسطس 1984 ليشمل الشعب الكردي أيضاً وفي فترات متقدمة إلى حماية شعوب المنطقة.
وعليه، تعرضت الحركة المتحولة إلى حرب ومقاومة الدفاع الذاتيّ الشعبيّ للهجمات المدروسة التي خططت لها كافة القوى المهيمنة المعنية، وبالأخصّ قوى الغلاديو التابعة لحلف الناتو أو الشبكة السرية في الناتو.
وقد لاقت تلك الهجمات دعم جميع القوى المرتابة من قيام الشعب الكردي بقلب موازين المنطقة رأساً على عقب بعد أن يتمكنوا من تقرير مصيرهم بأنفسهم في كردستان وينالوا حقوقهم الطبيعية كباقي الشعوب والأمم. ومع ذلك، فقد ألحقت حروب المقاومة المسلحة تلك ضربات قاضيةً بسياسات الإنكار والإبادة والصهر، وحسمت موقفها لصالح تبنّي هوية الشعب الكردي والتشبث بالرغبة والإصرار في الحياة الحرة والكريمة.
وعلى الرغم من عدم وضع حدّ نهائيّ للدول القومية، التي عوّلت على آمالها التصفوية القديمة بحقّ الشعب الكرديّ وإبادته، إلا إنها لم تعد تتحلى بعزيمتها القديمة. إذ تمّ بلوغ مستوى الاعتراف بالهوية واحترام الحياة الذاتية رغماً عنهم، مما يشكّل وضعاً جديداً من جهة حرب الدفاع الذاتيّ.
وقد عمل حركة حرية الشعب الكردي على الاستفادة من هذا الوضع وتقييمه من خلال وضمن منظومة المجتمع الكردستاني KCK والأمة الديمقراطية أو الإدارة الذاتية التي تعتبر من أدنى الحلول التي يقبلها الشعب الكردي لتحقيق الحل الديمقراطي و السلام والوفاق مع الدول القومية الأربعة.

ذا صلة 

https://alshamsnews.com/2021/11/%d8%a3%d9%8f%d8%b0%d9%86-%d9%84%d9%84%d9%83%d8%b1%d8%af-%d8%a3%d9%86-%d9%8a%d9%8f%d9%82%d8%a7%d8%aa%d9%84%d9%88%d8%a7-%d8%a8%d8%a3%d9%86%d9%87%d9%85-%d8%b8%d9%8f%d9%84%d9%85%d9%88%d8%a7.html

 

لاشك أن موضوع كيفية ترتيب وضبط الدفاع الذاتيّ يشكّل بمنهاج دائميّ البند المهمّ الآخر، الذي لا استغناء عنه ضمن برنامج بناء الأمة الديمقراطية في KCK. فسياسات الإنكار والإبادة والصهر الجديدة، التي لن تتقاعس الدول القومية عن تنظيمها كلما سنحت الفرصة بوصفها احتكار القوة المسلحة الوحيد، قد فرضت طابع الاستدامة على نظام الدفاع الذاتيّ في الحل الديمقراطي المطروح من قبل الشعب الكردي وقواه الفعالة.
بالتالي، فالشرط الأدنى منزلةً للعيش المشترك مع الدول القومية، هو تضمين الهوية الكردية الذاتية وحياتها الحرة بدستور ديمقراطي. ولن يكفي الضمان الدستوريّ لوحده. بل ويجب البحث فضلاً عن ذلك في الظروف العينية والسلوكية لذاك الضمان من خلال ضوابط تحدّدها القوانين.
وفيما عدا الأمن القوميّ المشترك تجاه الخارج، يتعين أن يقوم المجتمع الكرديّ بذات نفسه على تدبير شؤونه الأمنية. حيث إنّ تمكين الأمن الداخليّ وتلبية متطلباته بأنسب الأشكال غير ممكن، إلا في حال قيام المجتمع به بذات نفسه. من هنا، فمن الضرورة بمكان أن تقوم الدول القومية المعنية (الدول القومية المركزية التركية والإيرانية والعراقية والسورية) بالإصلاحات المهمة في سياساتها الأمنية الداخلية.
وفي حال استتباب السلم وإرساء دعائم الحلّ الديمقراطيّ، يتعين على الشعب الكردي ومنظومته KCK أيضاً إعادة ترتيب وموضعة قوات الدفاع الذاتيّ لديها، أي “قوات الدفاع الشعبيّ HPG”.
وما لا جدال فيه هو أنّ إعادة الفرز تقتضي قوانيناً جديدة تراعي حاجة الدفاع الذاتي للشعب الكردي. لكننا لا نتحدث هنا عن نظام شبيه بالألوية الحميدية القديمة أو بـ”حماة القرى” الجديدة أو أي صيغة تابعية للقوى السلطوية المركزية منفصلة عن المجتمع الكردي أو أفراد عاديين. ولكن، بالوسع القيام بإجراءات وبعمليات فرز جديدة للقوى فيما يخصّ الأمن الداخليّ القانونيّ والرسميّ، والذي يعتمد على الوفاق مع الدول القومية وضمن منظومة الأمن والدفاع الشاملة التي يتم التوافق عليها بين الشعب الكردي والدولة القومية والتي تصون حق المجتمع الكردي في الدفاع الذاتي والحماية الجوهرية.
أم في حال عدم التوافق أو الاتفاق مع الدول القومية المعنية، فإنّ الشعب الكردي ومنظومته KCK سيجهد لترتيب وضع قوات الدفاع الذاتيّ لديه كمّاً ونوعاً، بما يغطي الاحتياجات الجديدة تأسيساً على الدفاع عن بناء الأمة الديمقراطية بكلّ أبعادها وبمنوال أحاديّ الجانب. وهكذا، ستكلّف قوات الدفاع الشعبي الكردستاني HPG المعاد هيكلتها بحماية التحول الوطنيّ الديمقراطيّ في جميع الساحات والمجالات وبكافة الأبعاد، لتؤسّس أرضية السيادة الوطنية الديمقراطية بجدارة.
كما ستكون مسؤولةً عن أمن وأملاك المواطن الفرد في الأمة الديمقراطية. وستظلّ في حالة صراع دؤوب ضد جميع ممارسات الدولة القومية وحروبها العسكرية والأمنية والسياسية والثقافية والاجتماعية والنفسية، والتي تبلغ حدّ الإبادة الثقافية. ومن هنا، فإنّ وجود وحرية كردستان والكرد مستحيلان من دون دفاع ذاتيّ ولن يتحقق أي وفاق أو سلام أو استقرار في أي جزء من كردستان دون ضمان حق الدفاع الذاتي للشعب الكردي وإذا تكلم أحد غير ذلك فهو هدنة مؤقتة سينفجر في أية لحظة أو خداع وتضليل لدوام استمرار الإبادة .

 إقرا أيضا

https://alshamsnews.com/2021/12/%d8%b3%d8%b1-%d8%b9%d8%af%d8%a7%d8%a1-%d8%aa%d8%b1%d9%83%d9%8a%d8%a7-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b8%d8%a7%d9%85-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b9%d8%a7%d8%b1%d8%b6%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ac.html

https://alshamsnews.com/2021/09/worldnews_034332969.html

سر عداء تركيا والنظام والمعارضة والمجلس الوطني الكردي لتجربة الإدارة الذاتية ؟

صالح بوزان

الكاتب صالح بوزان

سأتطرق لهذا الموضوع على الصعيد السوري. فالشعب السوري بكل مكوناته لم يكن يعرف شيئاً عن الفكر القومي والوطني عشية الانسلاخ من الإمبراطورية العثمانية. كان القسم الأعظم منه يؤمن بالرابطة الإسلامية السنية. وبالتالي لم يكن راضِ تماماً عن الانفصال من الإمبراطورية العثمانية، بل اعتبر هذا الانفصال تدبير من الإنكليز الذين لا يكنّون الود للمسلمين ووحدتهم. وحتى الآن لا تحتفل الحكومات السورية بذكرى الاستقلال من الامبراطورية العثمانية.

أما المسيحيون والأرمن والعلويون والدروز في سوريا كانوا راضيين من هذا الانفصال، وفي الوقت نفسه توجسوا من الطابع الإسلامي السني المرتبط بالشريف حسين في الحجاز من خلال ابنه فيصل الذي توّجه الإنكليز ملكاً على سوريا في 8 آذار 1918. لم يكن الكرد مبالين لهذا التغيير، ومن ناحية أخرى شعروا بغصة كبيرة لانفصالهم عن بني جلدتهم في الطرف الثاني من الحدود الجديدة. وعلى أساس هذه الغصة ظهر وتطور العداء الكردي ضد اتفاقية سايكس بيكو وضد الإنكليز والفرنسيين معاً.
زاد الطين بلة ظهور الفكر القومي العربي منذ ثلاثينيات القرن الماضي في المشرق. هذا الفكر القومي الذي تجلى في فكر حزب البعث لاحقاً كفكر قومي عربي ينكر وجود أي قومية غير عربية في سوريا، ويدعي أن سوريا سايكس بيكو هي جغرافية عربية فقط. وأنكر بذلك وجود ثلاث أجزاء من جغرافية كردستان مع سكانها داخل الخريطة الجديدة لسوريا.
منذ ذلك التاريخ بدأ تتراكم معاناة الشعب الكردي في سوريا. لم تكن هذه المعاناة من الشعب العربي. فالشعبان العربي والكردي كانا يعيشان جنباً إلى جنب في عهد الإمبراطورية العثمانية على هذه الجغرافيا. ولم يسجل التاريخ أي صراع قومي بينهما. بل ممكن القول أن المعاناة من الاستبداد العثماني وحد مصيريهما. وبالتالي كان نضال الشعب الكردي في سوريا ضد الفكر القومي البعثي وليس ضد الشعب العربي.
استطاع حزب البعث أن يوجه أغلبية الشعب العربي ومثقفيه ضد الشعب الكردي من خلال تعريب مفهوم الوطنية في سوريا وجعلها تعني في الوقت نفسه القومية العربية حصراً.

عداء المعارضة والنظام السوري للإدارة الذاتية ؟ 
لم يغير النظام البعثي موقفه تجاه الشعب الكردي في سوريا بعد الثورة. فلم يعترف حتى الآن بالإدارة الذاتية. كما أن الظاهرة الملفتة للانتباه أن المعارضة السورية تجاوزت نهج النظام البعثي تجاه الإدارة الذاتية بالهجوم السافر عليها فكرياً وسياسياً وميدانياً بواسطة ميليشياتها. فمن ناحية حملت هذه المعارضة الفكر القومي العربي البعثي، ومن ناحية ثانية أضافت عليه الفكر الإسلامي الأصولي الذي لا يعترف بالقومية وحقوق الشعوب. وبالتالي خلقت المعارضة السورية تهديداً ضد الشعب الكردي السوري أكثر خطورة مقارنة مع موقف النظام السوري.
لم يستطع أي حزب وأي مفكر أو مثقف سوري خرق هذه المنظومة القومية والإسلامية ضد الشعب الكردي لا قبل الثورة ولا بعدها، على الرغم أن أغلب المفكرين والمثقفين السوريين العرب استمدوا ثقافتهم من الفكر الغربي والفكر الماركسي الأممي.
حدث الاختراق الوحيد لهذه المنظومة القومية الصنمية من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي. وخصوصاً بعد تشكيل الإدارة الذاتية وقوات حماية الشعب والمرأة.
عندما سيطرت وحدات حماية الشعب والمرأة على أغلب المناطق الكردية لم يكرر قادتها تجربة حزب البعث في الحكم، بل دعوا إلى إدارة مشتركة تضم جميع القوميات في الشمال السوري وليس في المناطق الكردية فقط. وللتأكيد على مصداقية موقفهم الفكري تجاه المسألة القومية، صاغوا عقداً اجتماعياً (شبه دستور) بينوا فيه مفهومهم للقومية والوطنية، وجعلوا قوات حماية شمال سوريا من كل مكونات الشمال السوري وخاصة من الكرد والعرب (قوات سوريا الديمقراطية). أظهرت هاتان الخطوتان؛ الإدارة الذاتية المشتركة وقوات سوريا الديمقراطية، رؤية جديدة لمفهوم القومية والوطنية في عموم الشرق الأوسط.

ما هو الجديد في هاتين الخطوتين؟
عكست هاتان الخطوتان أن الفكر القومي خاصية لكل شعب من حقه الاحتفاظ به وتطويره والدفاع عنه ضد أي فكر قومي عنصري آخر. ومن ناحية أخرى فإن أي تعالي من قبل قومية على قومية أخرى، مهما كانت صغيرة، هو الخطوة الأولى نحو الاستبداد القومي والسياسي والاجتماعي. ومن ناحية ظهر مفهوم جديد للوطنية بأنها إطار عام فوق القومي، ولا تقبل الانحياز لأي قومية على حساب قومية أخرى. لو حاولنا صياغة هذه المعادلة بشكل أبسط، سنعتبر الوطنية هي الأم والقوميات هي الأبناء. فأسماء الأبناء مختلفة؛ مزكين، أحمد، صوموئيل وأنترنيك، لكن الأم واحدة. أن اختلاف هذه الأسماء لا يحدث أي خلل في مشاعر وعاطفة الأم تجاه أبنائها. وبالتالي يُعتبر حصر الوطنية في أي قومية هي الأخرى خطوة نحو الاستبداد القومي والسياسي والاجتماعي.
استطاعت قيادة الإدارة الذاتية وقيادة قوات سوريا الديمقراطية خلال عشر سنوات العمل على تغذية الفكر القومي والفكر الوطني بهذا المسار. مما عرّض الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية لأبشع حرب فكرية وميدانية وإعلامية. فهذه الرؤية الفكرية والسياسية التي تتبناها قادة الادارة الذاتية وقادة قوات سوريا الديمقراطية تتجاوز الفكر القومي والوطني التقليدي.

وهذا هو السبب الحقيقي في عدم اعتراف النظام السوري بهذه الإدارة حتى الآن. يدرك النظام السوري أن الاعتراف بهذه الادارة يهدد بنيته الفكرية والسياسية التقليدية. ولهذا السبب أيضاً أعلن الائتلاف السوري محاربته للإدارة الذاتية، وسعى إلى هدمها بالتحالف السياسي والميداني مع تركيا.
جاء العداء الأكثر شراسة من الحكومة التركية ضد الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية. يدرك قادة هذه الدولة أن تحول نظرية حزب الاتحاد الديمقراطي في القومية والوطنية إلى واقع عملي في سوريا سيهدد بشكل مباشر البنية الفكرية والسياسية للجمهورية الآتاتركية التي جعلت الوطنية سجينة الفكر القومي التركي المتعصّب. وأخيراً، نلاحظ أن المجلس الوطني الكردي، رغم هامشية وزنه السياسي، أعلن هو الآخر عدم الاعتراف بالإدارة الذاتية، بل مارس ويمارس حرباً إعلامياً أكثر ديماغوجية ضدها بالتعاون السافر مع الحكومة التركية والائتلاف السوري المعارض.

إقرا أيضا

تاريخ من الحقوق الضائعة..متى يُكفر النظام العالمي عن جرائمه بحق الشعب الكردي؟

قوات سوريا الديمقراطية: مناطق الإدارة الذاتية ليست لقمة سائغة..فيديو وصور

قد تغضب أردوغان.. واشنطن توجه رسالة لـ الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية.. ماذا قالت

كيف نجح المخطط الغربي في تدمير العلاقات العربية التركية الكردية ؟

بات واضحاً وخاصة بعد القرنيين الاخيرين تماماً أنه لا يمكن التوصل إلى حلول صائبة وديمقراطية لدى تناول العلاقات بين شعوب ومجتمعات المنطقة

 

أحمد شيخو

بات واضحاً وخاصة بعد القرنيين الاخيرين تماماً أنه لا يمكن التوصل إلى حلول صائبة وديمقراطية لدى تناول العلاقات بين شعوب ومجتمعات المنطقة وعلى رأسها العلاقات العربية-الكردية و التركية–الكردية وفق المنظور القوميّ والدولتيّ والسلطويّ، ما لم تؤخذ الترابط  والتفاعل و العرى الجيوسياسية والجيوستراتيجية لميزوبوتاميا وبلاد الشام وشبه الجزيرة العربية ومصر والأناضول بعين الحسبان. 

هذا وثمة تبادل ثقافيّ كثيف وتكامل يحدّد المقاربات الجيوسياسية والجيوستراتيجية الوثيقة المتّبعة طيلة التاريخ بين الساحات الثلاثة اللواتي قطنها وتركّز فيها المجتمعات الكردية والعربية والتركية وغيرها، ولعل متطلبات الأمن القومي لهذه الشعوب والمناطق والدول فيها وكذلك المسارات التاريخية والجغرافية للأنبياء والرسل من زرادشت وإدريس ونوح وإبراهيم إلى موسى وعيسى ومحمد إنما تعكس وتبين الترابط والتفاعل المتبادل و الواضح بين شعوب المنطقة التي تسكن هذه الساحات المهمة في العالم.

مصير الحاضر والمستقبل

وعليه، من غير الممكن صياغة قراءة وتحليل صحيح لتلك العلاقات التي تخطّ مصير الحاضر واللحظة والمستقبل، إلا بمعالجة كلية متكاملة. فغالباً ما ربطت الشريحة الكردية الهرمية العليا (التي واجهت إشكاليات السلطة والدولة بالأكثر) مصيرها على مدار التاريخ وأقلها في القرنين الاخريين بمصير السلطات والدول الأقوى منها بناء على استقلال ذاتي نسبيّ. ولم تندفعْ كثيراً وراء نظام سلطة أو دولة منفصلة خاصة بالمجتمع الكرديّ. فهكذا مبادرة لم تتماش ومصالحها في هذه الوجهة، بسبب الظروف التاريخية والاجتماعية السائدة. وانطلاقاً من هذا المنظور تم معالجة التاريخ المشترك للكرد مع العرب والأتراك، والذي يمتدّ طيلة السنوات الألفيين الأخيرة تقريباً.

 وبخوضهم معركة حطين و ملازكرد طوعاً، والتي توّجوها بالنصر المؤزر جنباً إلى جنب مع الشعوب العربية والتركية وشعوب المنطقة، حقّقوا مشاطرتهم لسلطة ودولة جديدتين على دعامة إسلامية تسود بلاد الشام والجزيرة العربية ومصر و الأناضول وميزوبوتاميا وبالمركز منها كردستان. ذلك أنّ الحقائق الجيوسياسية والجيوستراتيجية النابعة من تلك المناطق، قد جعلت مشاطرة السلطة والدولة الإسلامية بين الشرائح الفوقية للقوميات الثلاثة ضرورة اضطرارية. ورغم عدم وجود مصلحة ملحوظة للشعوب في تشاطر السلطة والدولة، ورغم ردّهم على العيش تحت السقف المشترك للسلطة والدولة بالمقاومة مراراً وتكراراً؛ إلا إنهم لم يتخلفوا عن العيش معاً بموجب لوازم الحياة المشتركة من جهة، وبسبب الحروب الدينية والمذهبية المندلعة حينذاك من جهة ثانية. 

غزو كردستان

ولطالما تأسست هذه الشراكة بين الهرمية التركية القومية العليا والسلطات العربية الفوقية والشريحة الكردية العليا على الطواعية. بينما لا نلمس كثيرا ظاهرة اسمها “غزو كردستان” ضمن تقاليد الفتح العربي والتركيّ. أما حروب الغزو المخاضة بين الفينة والأخرى، فلم تحصلْ إلا بمشاركة من الأعيان الكرد. وعليه، لا يمكن توصيف هذا النمط من الحروب بالغزو.

ينبغي الفهم العميق لهذا الواقع التاريخيّ في علاقات شعوب المنطقة وخاصة العلاقات العربية-الكردية و العلاقات التركية-الكردية على صعيد حلّ القضية الكردية في راهنناً. فقد عمل أساسا بهذا الواقع، الذي لعب دورا معيّنا في نهاية كلّ منعطف أو نقطة تقاطع أساسية على طول تاريخ هذه العلاقات. أي أثناء سياسة انفتاح الإمبراطورية العثمانية على الشرق في عهد السلطان ياووز سليم (1512–1521)، وفي تشكيل الألوية الحميدية في عهد السلطان عبد الحميد (1876–1909)، وأثناء انخراط جمعية الاتحاد والترقي العثمانية في الحرب العالمية الأولى وما بعدها كأمر واقع لا مناصّ منه؛ والأهمّ من كلّ ذلك خلال حرب التحرير الوطنية المعاصرة بقيادة مصطفى كمال، وكما أثناء التحالف التاريخي العربي الكردي الاستراتيجي أيام العباسيين وأبو مسلم الخرساني الكردي  وكما أيام الناصر صلاح الدين الأيوبي وتحرير بيت المقدس و كذلك تعاون إبراهيم باشا ومحمد علي باشا ولاة مصر الكرد مع الإمارات الكردية مع إمارة بدرخان وإمارة رواندوز أثناء سحقهم للجيش العثماني ووصولهم لقرب اسطنبول، وكما في التعاون  والنضال المشترك أثناء ثورات تحرير المنطقة من الاستعمار الفرنسي والإنكليزي ومقاومتهم كما في سوريا والعراق ولبنان والأردن وفلسطين وغيرها.

يوسف العظمة

 ولعل الواقعة البطولية لوزير الحربية في سوريا يوسف العظمة الكردي الذي استشهد وهو يدافع عن دمشق في معركة ميسلون 24 تموز عام 1920 في وجه الاحتلال الفرنسي خير وأوضح دليل، بالإضافة إلى إسهام الكرد  كأفراد ومجتمعات في بناء الدول العربية الحالية لبقائهم فيها وإسهامهم في بناء معالمها وصروحها، حيث كانت المنطقة سابقاً حرة التجوال والسكن بين البلدان المسلمة بمختلف أقطارها من ميزوبوتاميا والأناضول إلى الحجاز ومصر والمغرب وغيرها . 

ولأول مرة عمل على وقف هذا التمثيل المشترك والطوعيّ والتاريخيّ والجغرافيّ في سيادة السلطة والدولة؛ بعد تقسيم المنطقة من قبل التدخلات الخارجية وعلى رأسها البريطاني والفرنسي مع التوافق الروسي وضخ الفكر القوموي والإسلاموي وبناء الدولة القومية الأداة والآلة المستخدمة في تقسيم جغرافية وشعوب المنطقة والشرق الأوسط و البعيدة كل البعد عن القيم المجتمعية والأخلاقية والثقافية المشتركة للمنطقة وشعوبها، وعندها حكمت سلطات لا تعبر حتى عن إرادة الشعب العربي التي تكلمت واحتكرت اسمها لأغراض السلطة وخدمة الغريب البعيد والقوى المهيمنة العالمية دون مصالح الشعب العربي وتحالفاته وعيشه المشترك مع الكرد وشعوب المنطقة.

القومية العربية والكرد 

 إنّ تصيير سلطات الدويلات القومية العربية مناوئة للكرد قد أخلّ بالعلاقات التاريخية والشراكة الاستراتيجية وبالتحالف التقليديّ بين الشعبين، فأقصي الكرد كليا من النظام القائم في هذه الدويلات وتم منع خصوصياتهم وثقافتهم ولغتهم وإدارتهم الذاتية كحقوق طبيعية وعادلة لهم. أما المشروع المقدّم إلى الشريحة الكردية الفوقية، فأستند إلى المبدأ الأساسيّ الذي يتجسد في إمكانية صونها لوجودها ومصالحها الخاصة كأفراد–مواطنين للدويلات القومية العربية وليس كون لهم مجتمعات لها حقوقها أيضاً، مقابل التخلي عن كردايتيتها وهوية مجتمعها الكردي والانصهار في بوتقتهم وقبول التعريب لمناطقهم وثقافتهم وخصوصا في سوريا والعراق وغيرها.

مؤامرة 15 شباط

وفي تركيا كان ذلك عبر مؤامرة 15 شباط 1925 التي تشير إلى رفض العماد الديمقراطيّ للجمهورية والدولة المنشأة كدولة للشعبين الكردي والتركي وشعوب ميزوبوتاميا والأناضول. وحسابات الإمبراطورية الإنكليزية –القوة الرأسمالية المهيمنة آنذاك– في فرض التمييز الإثنيّ على الجمهورية، كي تتمكن بالتالي من بسط نفوذها على الموصل وكركوك ( باشور كردستان/إقليم كردستان العراق) التي تعدّ منطقة نفطية؛ قد لعبت دوراً محدّداً ومصيرياً في حبك خيوط هذه المؤامرة.

 وهكذا، حقق مشروع إنكلترا في بناء جمهوريات صغرى أو دويلات قومية صغيرة نجاحاً ملفتاً في الشرق الأوسط وبلاد الشام والحجاز شمال أفريقيا وبلاد الأناضول وميزوبوتاميا مع تقسيم كردستان بينها، مثلما كانت الحال في أغلب أصقاع العالم. وبالمقابل، فإنّ جميع القوى الثقافية والشعوب، بل وحتى الدول القائمة في منطقة الشرق الأوسط المقسّمة اجتماعياً وعلى صعيد الدول، قد منيت بخسائر فادحة في قواها، وتعرضت للانقسام المتواصل، واشتبكت فيما بينها باستمرار، لتغدو واهنة خائرة القوى. وقد أحرزت الهيمنة الإنكليزية نجاحها تأسيساً على ذلك.

وعندما أصبحت ما تسمى الجمهورية التركية مناوئة للكرد أخلّ ذلك بالتحالف التقليديّ بين الكرد والترك، فأقصي الكرد كلياً من النظام القائم. وكان المشروع المقدّم إلى الشريحة الكردية الفوقية هنا، فيستند إلى المبدأ الأساسيّ الذي يتجسد في إمكانية صونها لوجودها كأفراد–مواطنين أتراك، مقابل التخلي عن كردايتيتها وعن هويتها الكردية الأصيلة. بل ويتعدى ذلك بالغا حدّ تلقينها أنّ السبيل إلى اكتساب القوة والارتقاء في أروقة النظام يمرّ من إعلاء شأن التركياتية البيضاء وتطويرها، مقابل إنكار الكردايتية وإبادتها.

القانون الفولاذيّ

 وهكذا يصاغ “القانون الفولاذيّ” لكينونة الوجود ضمن الجمهورية. في حين إنّ الموقف الذي أبدته الشريحة العليا بادئ ذي بدء من خلال اعتراضها وتمردها الجزئيّ، قد تحوّل إلى طاعة أفرزتها تمشيطات “التأديب والتنكيل” الصارمة التي سيّرها النظام.

 ولربما كانت هذه المرة الأولى في تاريخ المجتمع الكرديّ، التي تضمن فيها الشريحة العليا (الاستثناء لا ينفي القاعدة) وجودها مقابل تعريض وجود مجتمعها الذاتيّ الذي تنتمي إليه للإنكار والإبادة والاجتثاث من الجذور. وهكذا باتت تدين بوجودها وتطورها إلى مدى خدمة التركياتية البيضاء وهذا المصطلح، مختلف عن التركياتية التقليدية. فهي زمرة عميلة معدّة موضوعيا وذاتياً، ومصقولة بأساليب الهيمنة الغربية في التآمر. إنها شكل متطرف من أشكال فرنسيي المشرق، مشحون بالعنف إلى أقصى الحدود، ومتظاهر بالقوموية التركية الجازمة. أي إنّ تلك الشريحة ستحمي وجودها وتطوّره بحسب ما تقوم بخدمة هذه التركياتية البيضاء.

أما الشرائح الشعبية الأخرى، التي أمست بلا رأس أو قائد، فهي بمنزلة المادة الشيء، ومنفتحة على كلّ أشكال الإنكار والإبادة والإذابة. في حين إنّ أبسط تماس مع الكردايتية يعني الموت المحتوم. بالمقابل، فالتخلي عن الكردايتية بات السبيل الوحيد للنجاة والحياة.

التطهير العرقي والثقافي

 وهكذا، تدور المساعي للقضاء على الكردايتية، ليس من جهة كونها ظاهرة فحسب، بل وبكلّ ما تشتمل عليه من رموز ومسمّيات. ويدخل مشروع التطهير الثقافيّ الخفيّ المسلّط على الكردايتية طيلة تاريخ الجمهورية جدول الأعمال، ويرى النور خطوة وراء خطوة ويوما بعد يوم يسري هذا المشروع على كافة الثقافات الأخرى أيضا. ولكنه صمّم أساساً من أجل الكردايتية. وأمست الغاية الأولية التي تصبّ فيها جميع السياسات الداخلية والخارجية، هي الامتثال لذاك “القانون الفولاذيّ”، والسهر على خدمته. ونظراً لتطبيقه خفية بنسبة كبرى، فإنّ الأحزاب ومنظمات المجتمع المدنيّ المشادة والعالم الاقتصاديّ والسياسيّ المعاش يصبح متمحوراً حول “القانون الفولاذيّ” ذاته، دون إدراك منها، ودون التفات إلى تلك السياسات.

 كما تقيّم التنظيمات الخارجية أيضا بناء على خدمة “القانون الفولاذيّ” نفسه؛ من قبيل: هيئة الأمم المتحدة، حلف الناتو، والاتحاد الأوروبيّ وروسيا والصين. كما إنّ حصة هذا القانون معيّنة في الانقلابات والمؤامرات والاغتيالات، وفي شتى أنواع التعذيب والاعتقال.

إبادة عابرة للحدود

ولم تكتفي السلطات في الدولة والجمهورية التركية بممارسات الإبادة والإنكار في داخل تركيا وحدها ضد الكرد بل وفي عهد أردوغان وسلطته المشكلة حزب الحركة القومية التركية الفاشية تجاوز ذلك إلى محاربة الكرد أينما كان كما في سوريا والعراق واستعماله السلاح الكيميائي ضد أبناء وبنات الشعب الكردي  من الكريلا في قوات الدفاع الشعبي الكردستاني  HPGووحدات المرأة الحرة الكردستانية YJA-STAR المدافعين عن وجود وحرية وكرامة الشعب الكردي وشعوب المنطقة ضد الفاشية التركية وحتى أن الدولة التركية استعملت كل إمكانياتها حتى ينظر شعوب المنطقة ودولها والعالم للقضية الوطنية الكردية وللنضال الكردي من أجل الحرية والديمقراطية والحقوق بالنظرة والعدسة التركية المشوهة والمضللة.

ما الحل

 وعليه لكي تعود العلاقات العربية والكردية وكذلك التركية والكردية وغيرها إلى التحالف التقليدي الديمقراطي والشراكة الاستراتيجية و ربما في مراحل متقدمة إلى كونفدرالية ديمقراطية للأمم الديمقراطية في المنطقة والشرق الأوسط، لابد من التخلص من عدسة ونظرة الدولة التركية والتخلص من ذهنيات وسلوكيات الإبادة والإنكار و تجاوز المقاربة والسلوك والبعد القوموي والسلطوي والدولتي الوظيفي للهيمنة العالمية ونهبها للمنطقة وخيراتها ومرور دول المنطقة وخاصة وأولاً تلك التي تمتاز بالتعدد الاثني والقومي والديني والمذهبي بالتحول الديمقراطي وولوج درب الديمقراطية والتخلص من التزمت والصرامة المطلقة وتفضيل المرونة والحوار والتفاوض السلمي على الحلول العسكرية والأمنية وإعطاء مساحة أكبر للمجتمعات والشعوب المختلفة مقابل الدولة والسلطة والمركزية الشديدة وإعطاء كذلك حقوقها في التعبير والتنظيم والحماية الذاتية وإدارة مناطقها ضمن الحدود الحالية وفق كيانات سياسية واقتصادية واجتماعية شرعية تستند لأبعاد جغرافية واجتماعية في دساتير ديمقراطية حتى نستطيع إعادة بناء تكامل المنطقة ووحدتها الكلية ومجتمعيتها المقاومة وثقافتها الواحدة على أسس حقيقية متينة ومصالح مشتركة لكافة شعوبها ومجتمعاتها.

كما أن بناء علاقات بين شعوب المنطقة وفق قيم مجتمعية وثقافية واقتصادية مجتمعية وبفلسفة ديمقراطية ودبلوماسية اجتماعية موفقة، ودخول هذه العلاقات المنى والمسار الاستراتيجي بين مجتمعات وشعوب ودول المنطقة أي بناء العلاقات الديمقراطية سيسهم في  تعزيز الأمن والسلم والاستقرار في المنطقة وكذلك في مواجهة الأحادية المطلقة والنمطية والتطرف والإرهاب، وعندها لن تكون المجتمعات معرضة للتسلل والتغلل فيها من قبل الأعداء سواء من الداخل أو الخارج ولن تكون الدول في المنطقة مجبرة على الرضوخ وتقبل التدخلات والأجندات الخارجية حيث بالحلول الديمقراطية للقضايا الوطنية وعلى رأسها القضية الكردية والقضايا الاقتصادية والديمقراطية وغيرها، ستكون هذه الدول والبلدان محمية ومصانة من شعوبها وأبنائها ومن كل المنطقة ولأنها لن تكون بحاجة إلى خوض حروب مستمرة ضد داخلها ومحيطها خدمة للأخريين منطلقة من ذهنيتها المطلقة القوموية والإسلاموية للحفاظ على وجودها في السلطة وشرعيتها الدولية الممنوحة لها بقدر تبعيتها للنظام العالمي وتنفيذ أجندته.

إقرا أيضا

 

سوريا ليست أفغانستان.. قيادي بالحزب الديمقراطي الأمريكي لـ الشمس نيوز: الأكراد أهم حلفاء واشنطن بالشرق الأوسط ولا مجال للتخلي عنهم

بعد اعتقالهم.. هل يتم إعدام المشاركين بمؤتمر أربيل بتهمة التطبيع؟

 

Exit mobile version