هل تندلع حربا إقليمية..مستقبل الحرب في غزة ما بعد اغتيال العاروري

بقلم د.سامي عمار

قضية القضايا هي وبيت المقدس تاجها، أرضها ارتوت بدماء شهداءها في مشاهد بشعة من الدمار في غزة لتهز مشاعر دول العالم برمته حتى تلك البعيدة عن الشرق الأوسط مثل بيليز وبوليفيا اللتان قطعتا علاقاتهما الدبلوماسية مع إسرائيل رغم امتناع دول عدة بالشرق الأوسط عن ذات الخطوة واكتفت بالتنديد والتصريحات.

مظاهرات حاشدة غاضبة تندد بقتل المدنيين في ميادين العالم ومواقف وقرارات أممية تعطي زخماً دولياً للقضية الفلسطينية وفرصة يمكن استثمارها لنصرتها، وخسارة لصورة إسرائيل التي استثمرت بها مليارات الدولارات لهندستها في وسائل الإعلام ودوائر صناعة القرار الغربي كدولة ضعيفة ومظلومة ومعتدى عليها من جيرانها الحالمين برميها في البحر على حد ادعائهم!

ويعتبر كل هذا الزخم الذي اكتسبته القضية أحد مكاسب تلك الحرب رغم فداحة الخسائر البشرية التي تجاوزت عشرين ألف شهيد ويشكل الأطفال نصفهم تقريباً وهو ما يشكل أضعاف أعداد الشهداء في مجازر الاحتلال سابقاً والتي كانت تتراوح بين 70 و400 شهيد كحد أقصى وإن كانت صبرا وشاتيلا استثنائية! بل ويتجاوز أعداد ضحايا كافة الحروب التي أشعلتها إسرائيل مجتمعه بما في ذلك حرب ١٩٤٨ التي ورطت العرب في مأزق جيوسياسي كارثي ومزمن يلقي بظلاله علي واقعهم حتي اليوم بوجود اختراع في صورة دولة اخترعتها القوى الدولية بينهم!

ووسط تصريحات الساسة الغاضبة، تمت إزاحة الستار عن البرنامج النووي العسكري الإسرائيلي الذي ظل سرياً ومحل تساؤل وتشكيك فيما كانت تمتلك إسرائيل سلاحاً نووياً أم لا، فمع تصريح عميحاي الياهو وزير التراث لضرب غزة بالنووي واعتبار مقاتلي حماس والمدنيين لا اختلاف بينهم، بات امتلاك إسرائيل للنووي أخيراً أمراً مؤكداً.

ماذا يحدث إذا قامت دولة فلسطينية في سيناء؟

كما تم فضح مخططات إسرائيل لتصفية القضية الفلسطينية بالدفع بالغزيين نحو سيناء وتوطينهم فيها، تارةً عبر تعمد قصف المناطق الشمالية لغزة لدفعهم باتجاه الجنوب ثم مهاجمة الجنوب لدفعهم نحو سيناء، وتارةً أخرى عبر التلميح بوضع خطة لضح مليارات الدولارات لبناء بنية تحتية ووحدات سكنية وخدمية في سيناء لتأهيلها لبناء دولة فلسطينية فيها وهو الأمر الذي رفضته القاهرة حيث شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي على خطورة تصفية القضية الفلسطينية ورفض مخطط التهجير، رغم التصريحات الإعلامية لساسة إسرائيليين بضرورة استغلال الوضع الاقتصادي في مصر وتقديم حزم إغرائية للقاهرة لقبول هذه الصفقة وإنهاء صداع غزة الذي أصاب قادتها ولم تتمكن من علاجه إلى اليوم.

هنا أتساءل، هل ستكتفي إسرائيل بتهجير الغزيين لسيناء، وإذا حدث سيناريو “بناء دولة فلسطينية في سيناء” أو تهجير كل الغزيين لها، لا أستبعد أن تتحول سيناء إلى قاعدة مدججة بالسلاح ومقاتلي المقاومة الفلسطينية بين حماس والجهاد الإسلامي وغيرهم للانطلاق منها بهجماتهم على إسرائيل ومن ثم لن تتردد إسرائيل في الرد ومقاتلتهم والتذرع بهم للعدوان على سيناء واحتلالها من جديد، وستتخذ كل السبل الدبلوماسية وآلاتها الإعلامية في شرق وغرب العالم لتبرير عدوانها على سيناء مثل 67، طالما كانت مطمعاً لها، ولعل واقعة تحرش لسائح الأجنبي في دهب وما تلفظ به أن سيناء أرض إسرائيل فاضحة وكاشفة لنوايا الصهاينة وما يضمرونه تجاه سيناء وما قد يروجون له في أروقتهم ومحافلهم.

وسواء كانت مقولة “إسرائيل من النيل إلى الفرات” خرافة أو مخطط حقيقي ستظل تلك الدولة متمسكة بعقلية وعقيدة أمن ثابتة تتلخص في أن بقاء وقوة إسرائيل رهن فناء وضعف الدول المحيطة بها، فهي كالكبد المزروع في جسد يرفضه، وطالما وقفت دول عتيدة على حدودها سيظل وجودها في تهديد، فمنذ اندلاع الثورة السورية التي تلاها حرب أهلية ضارية، لم تكل الطائرات الإسرائيلية ولم تدخر وقتاً ولا جهداً في قصف المطارات السورية خاصة في دمشق وحلب بحجة وجود وكلاء وأذرع إيرانية بها، بل ويمثل توجيهها لضربة ناجحة في الضاحية الجنوبية لبيروت وقتل صالح العاروري تطوراً استخباراتياً بالغ الأهمية واختراقاً محترفاً للموساد في لبنان وربما بالمنطقة برمتها، وسيعيد له جزء من سمعته أمام شعب إسرائيل خاصة بعد فشله في توقع طوفان الأقصى المفاجئ في ٧ أكتوبر، ولا أتوقع جر لبنان لحرب شاملة مع إسرائيل شبيهه بحرب ٢٠٠٦ نظراً للخسائر الفادحة التي تكبدها اقتصاد إسرائيل والضغوط العالمية لعدم اتساع رقعة القتال خارج غزة.

لذا ستظل عملياتها في العمق اللبناني محدودة ودقيقة ضد قيادات حماس هناك على غرار عملية العاروري، التي اعتبرتها ضربة لإيران أيضاً، والجدير بالذكر أن أغلب دوائر صناعة القرار في الغرب تنظر لحرب غزة أنها حرب بالوكالة مع إيران بسبب تصريحات الأخيرة المدعية أن طوفان الأقصى كان انتقام إيراني لاغتيال قاسم سليماني عام ٢٠٢٠ إلا أن حماس نفت ذلك حتي لا يتبدد الدعم الدولي للقضية الفلسطينية، وأنا أؤمن بشدة بأن الربط بين إيران والقضية الفلسطينية يضعف الأخيرة ويفرغها من مضمونها وقد يجعلها حرباً إيرانية – غربية بالوكالة مثل تلك الدائرة باليمن وسوريا، وهو ما قد يبرر استماتة واشنطن في دعم إسرائيل خاصة مع دخول الحوثيين المدعومين إيرانياً علي خط المواجهة وضرب السفن ذات الصلة بإسرائيل بالبحر الأحمر علاوة علي هجمات المسيرات والصواريخ علي جنوب إسرائيل والتي سقط بعضها في سيناء دون إصابة إيلات، وهي الواقعة الأولى بالصراع العربي الإسرائيلي حيث ظلت اليمن خارجه دائماً دون مواجهة إسرائيلية مباشرة.

وأرى أن الدور اليمني أو بالأحرى الحوثي بحرب غزة يعكس مدى تطور المشروع والنفوذ الإيراني بالمنطقة الذي زاد ترابطاً وتنسيقاً واندماجاً فيما بين أطرافه وأذرعه وكأنه بات كيان واحد، بل ويرسم صورة مستقبلية للحروب القادمة التي لن تنحسر داخل رقعة جغرافية محددة، فإذا قامت حرب في غزة أو جنوب لبنان، ستتدحرج كرة النار بالمنطقة بدءاً من باب المندب حتي بيروت بلا شك كما هو المشهد الآن.

ولا يجب النظر للقضية الفلسطينية بعدسة ضيقة كصراع فلسطيني إسرائيلي، بل هناك صورة أكبر كلفت واشنطن وحلفائها أموالاً ووقتاً أكبر لضمان استدامة الاختراع “إسرائيل” في منطقة شديدة التعقيد والوعورة سياسياً وطائفياً.

حقاً هي اختراع استراتيجي قوى وعبقري ومجال استثمار مجدي لمليارات الدولارات الأمريكية كما وصفها جو بايدن في أكثر من مناسبة وهو وصف دقيق ردده الرئيس الأمريكي منذ بداية مسيرته السياسية مؤكداً شغفه بهذا الاختراع وتصريحه بأنه صهيوني، حيث قال أن والده قد أخبره بعدم ضرورة أن يكون الصهيوني يهودياً وإن لم تكن إسرائيل موجودة لاخترعتها أمريكا، ذلك الأمر الذي يطرح تساؤل عن تاريخ والده الكاثوليكي وصلته بالصهيونية واحتفائه بها.

ووفق مقال نشرته جريدة تايمز أوف إسرائيل، فإن عائلة بايدن وتاريخه ممتلئين باليهود، مثل أبنائه الثلاثة المتزوجين من فتيات يهوديات وبالتالي جميع أحفاده يهود.

ويقوم هذا الاختراع بالوظيفة التي اختُرع من أجلها بكفاءة وفعالية وأحيانًا يتجاوز التوقعات كما حدث في ١٩٦٧، َولا يقل قيمةً عن اختراع بريطانيا لسياسة ‘فرق تسد’ في مستعمراتها، ذلك التكنيك الذي مكنها من السيطرة علي المستعمرات الشاسعة لعقود إن لم تكن قرون في بعض الأراضي. ففي إحدى تصريحاته، قال بادين إذا غادرت أمريكا منطقة الشرق الأوسط سيسيطر عليها كلاً من روسيا والصين المنافستان لها وبالتالي تراجعاً للهيمنة الأمريكية علي العالم الذي يمثل الشرق الأوسط قلبه الجيوسياسي الاستراتيجي.

 الخلافة الإسلامية

وفي إحدى تجلياته، وقف نتنياهو أمام خريطة للمنطقة العربية يتحدث عن الخلافة الإسلامية وحدودها الجغرافية، وقيمة تموضع وتمركز إسرائيل استراتيجياً بالمنتصف لتحول دون عودتها ومنع اتصال ووحدة وتكامل تلك الكتلة العربية الضخمة التي إذا اتحدت ستشكل متحدياً ونداً للقطب الأمريكي لا يقل قوة عن الاتحاد السوفيتي.

ذلك الأمر الذي يدفعني للتساؤل هل الخوف من عودة الخلافة أو بالأحرى دولة توحد العرب والمسلمين على غرار الخلافة في نسخة محدثة أمراً شائعاً بين ساسة الغرب! ودافعاً يضمرونه وراء سياساتهم الشرق الأوسطية المضعِفة للدول العربية والاسلاموفوبيا، إنه أمر يستحق البحث والتفكير حقاً!

ففي أوروبا، يتحجج اليمين المتطرف دائماً بخطورة أسلمة الدول الأوروبية إذا لم يتم كبح جماح هجرة المسلمين وانتشار الدعاة هناك، تضيق في هولندا وأخر في ألمانيا وثالث في سويسرا، رغم معاناة القارة العجوز من عوز شديد في القوة العاملة مع انخفاض معدل المواليد وتزايد مواطنيها لأمريكا الشمالية وتزايد المتقاعدين.

إسرائيل.. الاختراع العظيم الذي تجاوز حدود الأهداف التي تم ابتكاره من أجلها والذي تحول لقوة تحتل وتغزو وتثير الحروب الطاحنة وتعيد رسم حدود وخريطة المنطقة كما تشاء،

وتؤكد صحف عالمية كثيرة أنه لم يعد الكثير من ساسة وشعوب العالم ينظرون لإسرائيل بتعاطف كدولة تمت هندستها للم شمل اليهود المضطهدين والهاربين من هولوكوست النازي وتوطينهم في أرض تم نسج أساطير وحجج توراتية لملكية اليهود لها، حيث يرونها مجرد دهان خارجي لاختراع حديث الصنع في مصانع القرار الغربي، والتي طالما استثمرت في صورة المضطهَد المظلوم بل وجنت أرباحاً طائلةً من استعطاف ودعم دول العالم لها لعقود طويلة، ولعل أزمة غزة فاضحة وكاشفة!

وكيف تبدو المنطقة العربية غداً، هل هي على أعتاب صلح عربي إيراني واحتمال تقزم إسرائيلي، أم شرقاً أوسطياً جديداً يلوح بالأفق يكون فيه الاختراع “إسرائيل” في مركزه وعرب منقسمين على هامشه، لكني أراها أرضاً مليئة بالفرص للعرب إذا ما استُثمِرت!

تابعوا الشمس نيوز على جوجل نيوز

Exit mobile version