كيف أصبحت المرأة الكردية نموذج ملهم لثورات النساء فى الشرق الأوسط ؟

بقلم/ مالافا علي

 

تصدر شعار (المرأة الحياة الحرية) كل ميادين عالم التواصل الافتراضي والفعاليات العالمية المقامة لدعم مقاومة المرأة في روجهلات كردستان (شرق كردستان) وإيران ,النساء رفعن صوتهن عالياً في وجه العنف الممارس ضدهن وتدريجياً انضمت النساء من دول الشرق الأوسط وأوروبا إلى حملة مناهضة العنف ضد النساء في إيران .
وبدأت التظاهرات النسائية ضد النظام الملالي منذ عدة أسابيع احتجاجا على مقتل الفتاة الكردية جينا أميني بتاريخ 16سبتمبر 2022في طهران بسبب تعذيب “شرطة الأخلاق” الإيرانية ومنذ ذلك الحين الاحتجاجات مستمرة في إيران وشرق كردستان.
لكن السؤال هنا ،هذا الشعار “جن جيان آزادي ” (المرأة ,الحياة , الحرية ) من أطلقهُ للمرة الأولى؟

فلسفة أوجلان
تبنت حركة تحرر كردستان بقيادة القائد الكردي والأممي عبدالله أوجلان منذ خمسونَ عاماً مع بداية النضال من أجل حرية الشعب الكردي وتحقيق حرية المرأة ورفع القيود عنها ، شعار المرأة الحياة الحرية ، ولطالما رددته النساء المنضويات ضمن الحركة المقاومة في الأجزاء الأربعة لكردستان ( كردستان سوريا, كردستان العراق , كردستان تركيا ,كردستان إيران ) .
الحراك الكردستاني إتخذ من حرية المرأة أيدلوجية له وارتبط تطور وتقدم هذا الحراك مع ازدياد عدد النساء المنضوياتِ في صفوفهِ كون قضية المرأة كونية وليست مرتبطة بحدود جغرافية أو تاريخية ما .
فالمرأة باختلاف الجغرافيا والأزمنة تعرضت لانتهاكاتٍ جسيمة مسَتْ وجودها وهويتها، وتمثل الظلم الممارس بحقها بصور عديدة أبرزُها تحويلها إلى سلعةٍ جنسية مسخرة لحاجاتِ الرجل إضافةً إلى تحويلها لِآلة إنجاب الأطفال من أجل زيادة النسل، والوسيلة الأفضل لممارسة الدين عليها ناهيك عن تحويلها إلى كائنٍ ضعيف في المنزل والعمل والمدرسة لا يحقُ لها إبداءَ الرأي والانخراط في الوسط الاجتماعي بحرية.

https://alshamsnews.com/2022/05/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%85-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%b4%d9%8a%d8%b1%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%84%d8%b3%d8%b7%d9%8a%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%a8%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84.html

المرأة الكُردية لم ترضخ طويلاً لُحكم وسلطة الرجل بل كَسرتْ القيود وأسقطتْ كُلَّ الأقنعة عن نظام الدولة الرأسمالية والدين والسياسة وعرّت حقيقتهم للخليقة، بدأت بخلع لباس الذُّل والخنوعّ لفكر الرجل ، رفضت الإمتثال لرجال السلطة والدين وخاضت النضالَ المُسلح ضد كُلّ من حاولَ أنْ يحتلَ أرضها ويقتلَ أبنائها.
ففي سوريا بدأت ثورة المرأة من مدينة كوباني (عين العرب ) واستطاعت أن تقود الثورة بكل قوة لِتُدْخِلَ الثورةَ إلى كل بيت في منطقة شمالِ وشرقِ سورية، صارتْ أيقونةً ونموذجاً للنضال والحرية ، للدفاع والتنظيم ، للتربيةِ والتدريب .
المرأة الكُردية بحدِ ذاتِها ثورة نهضت من بين الركامِ والعاداتِ والتقاليدِ الباليةِ، نفثتْ الرماد عن روحِها ،حولَتْ تاريخَ 5000 عامٍ من الانكسار والإنكار والعبودية إلى ماضٍ ولىَ ، ماضٍ يستحيل أن تسمح لهُ بالعودة حتى وإنْ دفعت الثمن من روحها ودمها ،قطعت أشواطاً طويلة في سبيلِ تحقيقِ نهضةٍ جدية لِكُل النساء من كافة المكونات ، و رغمَ كل العقبات والنكسات التي مرت بها إلى أنَّها لم تَعْدُلّ عن طريق الثورة التحريرية فتعمقت في فلسفة الحرية والديمقراطية والبيئة، وكانت أفضل من حققت المساواة في المجتمع وتحدت كل العادات والتقاليد البالية وشجعت المرأة العربية إلى التجرأ للانضمام إلى الحراكِ الثوري المقاوم لكل أشكال العنف الممارس ضد المرأة.

نساء شرق سوريا
وتتعدد صور العنف من عنفٍ جسدي ولفظي ونفسي واجتماعي وسياسي واقتصادي وفكري ، لذلك كان ينبغي للمرأة أنْ تكونَ مُنظمة ومُحنكة سياسياً ومثقفة لتستطيعَ مواجهة كل أشكال التصفية النسائية والهيمنة الذكورية.

https://alshamsnews.com/2022/09/%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d9%85%d9%8a%d9%86-%d8%a5%d9%84%d9%89-%d8%ac%d8%af%d8%a7%d8%a6%d9%84-%d9%85%d9%87%d8%b3%d8%a7-%d8%a3%d9%85%d9%8a%d9%86%d9%8a-%d9%85%d8%a7-%d8%a7.html

ففي شمال وشرق سوريا هناك مئات النساء امتطين جواد السياسة ، تُبدينَ آرائهن بحرية ومحط إهتمام من المحيط المحلي والعالمي وعليهِ في الغمار السياسي لمع بريقُ اسم الكثيرات وإنْ ذكرتُ إسما دون غيره سأظلِّمُ الكثيرات .
كذلك في الاقتصاد ،أسست اقتصادها الخاص لتعتمد على نفسها وتخرج من هيمنة وتحكم الرجلِ بحياتها وتتحررَ منَ الابتزاز الاجتماعي من الأب أو الزوج أو الأخ أو العم وحتى الابن .
في التدريب والتعليم تحولت إلى مدرسة تعليمية مليئة بالحب والمعرفة لكل الأجيال واستخدمت أفضلَ المُصطلحات التي تحررُ النساءَ والرجالَ من مُستنقع المصطلحات والمفاهيم الخاطئة .
أمّا في العدالة الاجتماعية ، وضعت قوانين خاصة بالمرأة وكتبت عقدها الاجتماعي ، عبر هذه القوانين ضبطتْ الواقع الذكوري ووضعتْ حداً لزواج القاصرات والأطفال ومنعتْ تعدد الزوجات.

ثورة الجدائل
في المجال العسكري برزت آلاف الأسماء اللواتي سطرن بطولات لن ينساها التاريخ وهيهات أن تتكررَ تلك الجسارة والبطولة ، أسست صورةً صحيحة ونموذجاً إيجابيا وسليماً للمرأة القائدة والمقاتلة على كافة الجبهات وتصدتْ لِكل القِوى الظلامية التي أرادتْ أن تقمع إرادتها وتستحوذ مجدداً على كيانها فكانت قلعةً صامدة في وجه تنظيم داعش الإرهابي على طولِ جغرافيةِ شمال وشرق سوريا ، وتصدرَ اسمُها وصورتُها، الصحفَ والمواقِعَ والكتبَ العالمية وعُرِفتْ باسمِ قوة الجدائل التي هزت عرشَ تنظيمِ داعش وحررت العشرات والآلاف من النساء الإيزيديات والعرب من بين فكي الموت والعبودية في مدن الرقة والطبقة ،دير الزور ومنبج والموصل ، وصلت إلى شنكال في كردستان العراق وساعدت المرأة هناك على تأسيسِ وحداتِها الخاصة بحمايةِ شنكال أُسوةً بوحدات حماية المرأة التي تأسست في روج آفا بتاريخ 3 نيسان 2013 في مدينة عفرين الكردية.
لكن هذهِ الثورة التحريرية والنهضة الفكرية والاقتصادية والسياسية لم تستلطفها الأنظمة الذكورية وخاصةً الدولة التركية المحتلة التي بدأت بشنِ هجماتها على هذه الثورة مستهدفةً إرادة المرأة واحتلت مدن عفرين وسري كانيه وكري سبي (تل أبيض ), واستشهدت نساء كثيرات إضافة إلى خطف واختفاء العشرات، كما حاولت تصفية التنظيم النسوي عبر استهداف ناشطات نسويات بمسيراتها وطائراتها الحربية كونها مُدركة أنَّ هذا المجتمع بات يستمدُ قوتهُ منْ المرأة الحُّرة التي جسدت الديمقراطية الحقيقة.
العديد من دول العالم والمنظمات الحقوقية النسائية استقبلن اليوم العالمي لِمناهضة العنفِ ضدَّ المرأة بفعالياتٍ واحتفالاتٍ عديدة ،إلا النساء في إيران وشمال وشرق سوريا كان الاستقبال مُختلفاً.
في إيران العشرات من النساء فقدنَ حياتهنَ لانضمامهن إلى التظاهرات المنادية بحرية المرأة وفي شمال وشرق سورية استقبلنَ يوم 25 تشرين الثاني 2022 بسقوط صواريخ تركية وطائرات حربية تقصفهن , نساءٌ ارتقينَ إلى الشهادة مثل الناشطة النسوية هدية عبدالله والإدارية جيجك ولايزال العدوان التركي مستمراً بهذه الحرب على هذهِ المنطقةِ ضارباً عرض الحائط كل القوانين والمواثيق الدولية .
أفضل النساء اللواتي واجهن العنف والتميّز الجنسي بالقوة والتنظيم والتدريب هُنَّ النساء الكُردياتْ في روج آفا لكن تركيا تُريد أنْ ترضخَ المرأة الكُردية للاستسلام وتتخلى عن فلسفة الديمقراطية والحرية وتخنعَ للنظام الذكوري السلطوي بقيادة رجال الدين ، لكن مع كلِّ ذلك المرأة لم تتخلى عن نهجها التحرري وكما احتضنت شعار ( المرأة الحياة الحرية ) لأول مرة، لا تزال تدافع عنه بِكُّلِ ما أُتيتْ من عزيمة وإرادة لتجعل هذا الشعار شعار القرن الحالي والقادم .

Exit mobile version