بعد تكرار الانقلابات..هل أصبحت أفريقيا أرضا خصبة للجماعات الإرهابية؟

تعيش منطقة غرب أفريقيا فترة حرجة وشديدة الاضطراب من حيث عدوى الانقلابات العسكرية، واستفحال ظاهرة الإرهاب، فدائما ما نسمع أن مالي وبوركينا فاسو والنيجر ونيجيريا هي مناطق نشاط الإرهابيين في غرب القارة، لكن هذا لا يعني أن هذه الجماعات الإرهابية ليست لها طموح ومصلحة في توسيع نفوذها إلى مناطق أخرى كدولة غانا مثلا التي نجت حتى الآن من كتائب الساحل التي هاجمت كوت ديفوار وتوجو المجاورتين، وعليه يكون السؤال هل تعد غانا أرضا خصبة لوصول تلك الجماعات الإرهابية في المستقبل؟
نبدأ جولتنا في الإجابة، من موقع “تريندز للبحوث والاستشارات ” وورقة بحثية لـ ” د.محمد السبيطلي” – رئيس برنامج الدراسات الإفريقية – بمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية – الرياض، بعنوان ” غانا في مواجهة التهديدات الإرهابية ” والذي ناقشت محورين أولهما؛ الموقع الذي تحتله غانا في استراتيجية الحركات المسلحة المنتشرة والنشطة في منطقة الساحل والصحراء.
يستعرض الباحث موقع غانا -ضمن مجموعة دول أخرى- كحالة استثنائية على خارطة النشاط الإرهابي في المنطقة، ويدلل بالقول، برغم العجز الذي يصيب مجموعة الدول المجاورة لغانا، بسبب ضعف أداء أجهزتها الأمنية، وهشاشة مؤسساتها السياسية والسيادية، فإن هذه الدول التي تقع على الشريط الساحلي الممتد من المغرب وينتهي بغانا، شكَّلت عام 2022 حالة استثناء، إذ لم تشهد أيّ عملية إرهابية في هذا العام. والجماعات الإرهابية لم تفعل ذلك فقط لأنه ببساطة لم يحن الوقت المناسب لكي تتحرك صوب وُجهات جديدة.. ضمن استراتيجيهم في منطقة الساحل، إذ يُتوقع أن يتوسّع التنظيم نحو الساحل الأطلسي، و كل المؤشرات توحي بأن ذلك وشيكًا وليس ببعيد لعدة أسباب قدمها الباحث كالتالي:-
1- تشكّل غانا ما يمكن اعتباره قاعدة احتياط أو مستودعًا لوجستيًّا في استراتيجية التنظيمات الإرهابية، إذ ظلت ساحة لتجنيد المقاتلين
2- سعت الحركات الإرهابية إلى تأسيس خلايا نائمة تابعة لها في غانا تضم هؤلاء المقاتلين الذين عادوا إلى مواطنهم الأصلية شمال البلاد، في القرى والبلدات القريبة من الحدود مع بوركينا فاسو.
3- سعت التنظيمات الإرهابية إلى تحريض الأقليات المسلمة في غانا، مثل إثنية الفولاني ضد الحكومة في محاولة لكسب دعم هذه الأقليات. ومهما يكن من أمر، فإن التنظيمات العاملة في غربي أفريقيا، تتجه نحو تعبئة أبناء إثنية الفولاني في كل دول الإقليم.
4- التنافس بين تنظيم داعش وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة، من الممكن أن بودي إلى تقدم “داعش”، وإيجاد موقع قدم له في شمالي غانا.
في هذا السياق يوكد الباحث إن الجهاديين لديهم بالفعل موطئ قدم في غانا ، فالإرهابيون يتصرفون ويتحركون بالفعل منذ عام 2020 نحو غانا كقاعدة خلفية ينسحب إليها المقاتلون، ويعمل فيها الدعاة للتجنيد والدعاية، ولكنها أيضًا ممرٌّ آمن للعبور، والتموين، والتمويل، والتهريب.
وفي المحور الثاني من الورقة تطرق الباحث إلى ثلاث من الأُطُر والعوامل المغذية للعنف المتشدد، أو التي يمكن أن توظفها الحركات الإرهابية في تأجيج النزاعات، واستقطاب النشطاء والمقاتلين وتجنيدهم كالتالي :-
1- التفاوت الاجتماعي الكبير والعميق : تسعى جماعات العنف المسلح إلى استثمار انتشار مشاعر الحقد والكراهية، التي يخلّفها التفاوت الاجتماعي الكبير والعميق في غانا، بين الشمال عمومًا، وبين الشمال والجنوب. وقام الباحث بعرض أوضاع إثنية الفولاني في غانا والتي تثير جدلًا مزمنًا؛ ذلك أنها كانت – ولا تزال- الجماعة العرقية الأكثر استهدافًا وتهميشًا – من قبل الدولة الغانية.
2- الانقسامات والانشقاقات داخل المسلمين الغانيين: حيث حدث نوع من الانشقاق داخل المسلمين الغانيين، على أساس مذهبي ديني وإثني؛ وهنا استوقف الباحث عند أزمة توجه المسلمون الهوسا، نحو الطريقة الصوفية التيجانية الوافدة من السنغال،وبالتالي كان على هذه المؤسسة أن تتعامل مع المتغيرات المذهبية، الناتجة عن دخول مدارس ومذاهب أخرى مختلفة عن السائد التاريخي في غانا، وفي عموم غربي أفريقيا، منذ الاستقلال .
3- هشاشة النظام السياسي والاقتصادي: تميزت غانا بانها من أكثر بلدان منطقة غرب أفريقيا وخليج غينيا استقرارًا سياسيًّا ووقدرة على تحقيق نسب نمو اقتصادي، لكن هذا الوضع الإيجابي السياسي، والاقتصادي، والأمني، السائد في غانا، لا يمكنه أن يُخفي هشاشته الواضحة؛ فالاقتصاد الذي يعتمد على الصناعات الاستخراجية والتصدير، يظل مرتهَنًا للمناخات الدولية.
هذه الهشاشة التي يبدو عليها النظام الاقتصادي والسياسي في غانا، تعدّ – من قريب أو بعيد – أحد العوامل المغذية للتهديدات، التي تستفيد منها جماعات العنف والجريمة المنظمة، فغانا حتى وإن بدا أنها نجت -بصورة أو بأخرى- من نشاط الجماعات المتشددة العنيفة – ولو نسبيًّا – إلا أن ذلك لا يمنع وجود نشاط جماعات الإجرام المنظَّم، التي كثيرًا ما تستهدف الأجانب، من أجل الابتزاز.

مع تعدد الانقلابات في غرب ووسط افريقيا، وتمدد عمل ونشاط الجماعات الإرهابية، واحتدام التنافي الدولي يبقى أمام الدول الافريقية ضرورة اللجوء الى حلول مستقبلية واستباقية تمنع تعميق واستشراء الأزمات: وتتمثل هذه الحلول في اخاذا كل التدابير الممكنة لتحسين الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية للسكان، مع احترام الدساتير، وتفعيل القوانين في محاربة الفساد، وتحصين النظام السياسي من الاختراقات. أما مع تواصل عدم احترام المؤسسات وفساد النخب السياسية، والتفويت في جزء من السيادة الوطنية، وعدم افساح المجال لنشأة وتطور الرأسمال الوطني خدمة لمصالح أجنبية وتعميقا للتبعية، واستمرار فساد الأجهزة، فالمتوقع مزيد من انهيارات الدول أمام استفحال ظاهرة التطرف وخروج أقاليم مهمة عن سلطة الدول.

Exit mobile version