كيف تأثر البيان الختامي للقمة العربية بالتقارب السعودي مع تركيا وإيران ؟

على العكس من الدعاية التي سبقت انعقادها وروجت لها كقمة تاريخية، لم يختلف البيان الختامي للقمة العربية الثانية والثلاثون عن غيره من بيانات القمم السابقة.
فبعد ساعات قليلة من انطلاق فعالياتها بمدينة جدة، اختتمت فى نفس اليوم أعمال القمة العربية الثانية والثلاثون أعمالها في مدينة جدة السعودية على مستوى القادة، الجمعة، بحضور رؤساء وملوك وأمراء عدة دول عربية، من بينهم رئيس النظام السوري بشار الأسد وذلك لأول مرة منذ 2010، كما شهدت القمة مشاركة الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي.

إعلان جدة
وأعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان اعتماد القرارات الصادرة عن القمة ومشروع جدول الأعمال و”إعلان جدة”.
وأكد بن سلمان في كلمته أمام القمة، على عدم السماح بأن تتحول المنطقة العربية إلى منطقة صراعات، وشدد على محورية القضية الفلسطينية، وقال: “… نعمل معا من أجل التوصل إلى حلها”.
وأعرب عن أمله في أن تسهم عودة سوريا إلى الجامعة في دعم أمنها، مُرحبا بحضور الرئيس السوري بشار الأسد.
تضمن البيان الختامي للقمة “إعلان جدة” أكثر من 32 بندا شملت العديد من القضايا الهامة في المنطقة، منها القضية الفلسطينية والأزمة السورية والوضع اللبناني، والتعامل مع إيران، وكذلك قضايا الأمن القومي العربي والأمن الغذائي والملفات الاقتصادية والاجتماعية.
وأكد البيان على استمرار تمسك الدول العربية بدعم المبادرة العربية لحل الدولتين والأزمات المستجدة في السودان وليبيا، والرفض التام للميليشيات والكيانات المسلحة خارج نطاق الدولة، وتوحيد المواقف في علاقات الدول العربية بمحيطها الإقليمي والدولي.
أما في الشأن السوري، فقد شددت مسودة البيان على تجديد الالتزام بالحفاظ على سيادة سوريا ووحدة أراضيها واستقرارها، وتكثيف الجهود لمساعدتها على الخروج من أزمتها، وإنهاء معاناة الشعب السوري.
ونجاهل البيان الإشارة بشكل مباشر للتدخلات التركية والإيرانية فى شؤون الدول العربية وهو ما أرجعه مراقبون للتقارب الحاصل فى العلاقات بين إيران والسعودية من جانب، والرياض وتركيا من جانب أخر.

الأسد وزيلينسكي
ورغم أن القمة تشهد عودة نظام الأسد لأول مرة بعد أكثر من 12 عاما من اخر مشاركة لسوريا فى القمة العربية ألا إن ما ميز قمة جدة هو الحضور المفاجىء للرئيس الأوكراني زيلينسكي وهو الحضور الذى اعتبره البعض دليلا على استمرار قوة التأثير الأمريكي على دول المنطقة رغم تقاربها مع الصين وروسيا فى الأونة الأخيرة.
ويري د.سالم الكتبي الخبير الإماراتي فى العلاقات الدولية إن قراءة البيان الختامي للقمة العربية في جدة يتضح أنه تم التركيز على عدة قضايا هامة بالنسبة للدول العربية، مثل القضية الفلسطينية والتحديات التي تواجه السودان واليمن.
وقال الكتبي ” رغم عدم ذكر تدخل إيران وتركيا بشكل صريح، إلا أن البيان أشار إلى ضرورة وقف التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول العربية، ورفض دعم تشكيل الميليشيات والجماعات المسلحة المنبثقة خارج إطار الدولة. هذا يعكس الاهتمام بالحفاظ على سيادة واستقلال الدول العربية.

عودة سوريا
بالنسبة لتأثير هذه القمة وعودة العلاقات العربية مع سوريا على حل الأزمة السورية، أكد الكتبي “أنه يمكن أن تكون لها تأثير إيجابي في تعزيز الجهود العربية لمساعدة سوريا في تجاوز الأزمة.
مضيفا ” بالتعاون مع سوريا، يمكن للدول العربية أن تلعب دورًا أكثر فعالية في التوصل إلى حل سياسي شامل يلبي تطلعات الشعب السوري ويضمن استقرار المنطقة. إلا أنه من الضروري أن تتوافر إرادة سياسية قوية وتعاون فعال بين الدول العربية لتحقيق ذلك”.
وبشأن قدرة الدول العربية على حل الأزمة السورية دون الرجوع لواشنطن وعقوباتها، اعتبر الخبير الإماراتي إن “ذلك يعتمد على القدرة الذاتية والتنسيق الفعال بين الدول العربية”. مشددا على أنه “يجب على الدول العربية أن تتبنى استراتيجية موحدة وتعاونية لحل الأزمة السورية، وتعزيز الدبلوماسية العربية للتواصل المباشر مع الأطراف المعنية في النزاع”.
حوار سوري سوري برعاية عربية
ويعتقد الكتبي أن “الجهود العربية يمكن أن تشمل هذه الجهود دعم عملية المفاوضات بين الحكومة السورية والمعارضة، وتشجيع إقامة حوارات بناءة للوصول إلى تسوية سياسية شاملة”.علاوة على ذلك، يمكن للدول العربية أن تلعب دورًا فعالًا في توفير الدعم الإنساني والاقتصادي للشعب السوري، وذلك من خلال تعزيز الجهود الإنسانية لتوفير المساعدات الضرورية للمتضررين من النزاع، وتعزيز الاستثمارات العربية في سوريا لتعزيز عملية إعادة الإعمار وتوفير فرص العمل”.
كما يمكن للدول العربية بحسب الخبير الإماراتي ” تتعاون في تبادل المعلومات والاستخبارات لمكافحة التهديدات الأمنية في المنطقة، بما في ذلك مكافحة الإرهاب والتطرف وهو ما يتطلب ذلك توحيد الجهود وتعزيز التعاون الأمني بين الدول العربية وتبادل الخبرات والممارسات الناجحة في هذا الصدد”.
وأشار إلي أنه على الرغم من التحديات التي تواجه الدول العربية في حل الأزمة السورية بدون الاعتماد على واشنطن وعقوباتها، إلا أن العمل المشترك والتكامل الإقليمي بين الدول العربية يمكن أن يعزز قدرتها على التأثير في الأوضاع السياسية والاقتصادية في المنطقة، وتحقيق تقدم حقيقي نحو حل سلمي ومستدام للأزمة السورية”.

رسائل حضور زيلينسكي
ويري الكتبي أنه “يمكن اعتبار دعوة زيلينسكي للمشاركة في القمة العربية لجامعة الدول العربية في الرياض كخطوة سياسية تهدف إلى تحقيق توازن استراتيجي وتعزيز التعاون الدبلوماسي بين السعودية وأوكرانيا. مضيفا” قد تكون هناك مصالح مشتركة تدفع السعودية لتوسيع شبكة علاقاتها الدولية وتعزيز تعاونها مع دول غير عربية، بما في ذلك أوكرانيا، وعلينا ان ندرك ان المملكة العربية السعودية لها وزنها الاستراتيجي الضخم والقوي والفعال ومن لايدرك ذلك فهو واهم”.
وحول تأثير حضور زيلينسكي على علاقات السعودية مع موسكو، يري الخبير الإماراتي أنه “من المهم أن نذكر أن روسيا تدرك حساسية الوضع الجيوسياسي في المنطقة، وقد تكون مدركة للتحولات والتحديات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط. لافتا إلي أن تلك “الدعوة المقدمة لزيلينسكي قد تُعَزِّز من الحوار الدبلوماسي الذي تقوم فيه المملكة العربية السعودية وكوسيط موثوق فيه وبما يعزز أيضا التفاهم بين السعودية وروسيا، وتؤكد أن الدولتين قادرتين على الحفاظ على علاقة متوازنة مع دول أخرى رغم وجود علاقات قوية بينهما”.
وختم الخبير الإماراتي تصريحاته بالتأكيد على أنه “لا يمكن تحديد تأثير ذلك على العلاقة الروسية السعودية بشكل قاطع. يجب علينا مراقبة التطورات المستقبلية والقرارات السياسية الأخرى لتحديد التأثير الفعلي على العلاقة بين البلدين. قد تؤدي الأحداث المستقبلية المختلفة والمتغيرة باستمرار، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي، إلى تعديلات في التوازنات والتفاعلات بين السعودية وروسيا”.

الاتفاق السعودي الإيراني
من جانبه يري محمد شعت الباحث المصري فى الشؤون الدولية أن “البيان الختامي للقمة العربية لم يشر صراحة إلى التدخل التركي والإيراني لأن هناك محاولات للتهدئة مع الأطراف الإقليمية وتجاوز الخلافات، وهناك محاولات من جانب تركيا وإيران للتقارب مع دول المنطقة في ظل الأزمات التي تعاني منها كلا الدولتين، إضافة إلى أن المرحلة الحالية نستطيع أن نسميها مرحلة اختبار سلوك، خاصة بعد الاتفاق السعودي الإيراني، كما أن الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد أحمد أبو الغيط أشار صراحة في كلمته إلى هذا التدخل”.
وقال شعت “المهم فيما يتعلق بالنسبة لتركيا وإيران هو رعاية الميلشيات، وهو الأمر الذي ذكره البيان الختامي والذي أكد على عدم السماح بأي شكل برعاية الميلشيات”.
وفيما يتعلق بعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية يري الباحث “أنها بداية لحل الأزمة، ففي حال وجود إجماع عربي على مواجهة الأزمة السورية سيساعد هذا الإجماع بلاشك في تخفيف الأزمة على الأقل وسينعكس بالإيجاب حال اتخاذ النظام السوري خطوات للم الشمل يتم دعمها عربيا، وبالطبع ستكون واشنطن وعقوباتها عقبة أمام حل الأزمة بشكل كامل، خاصة فيما يتعلق بإعادة الإعمار، لكن مستقبلا قد تحدث تفاهمات بين واشنطن والدول الفاعلة في المنطقة لحل الأزمة. لذلك فإن العودة السورية للجامعة هي بداية لحل الأزمة وليس حلا كاملا”.

Exit mobile version