القمة العربية بالجزائر .. هل ينجح العرب في إنهاء عقدة الفشل؟

  • تحليل تكتبه الباحثة الأردنية دانييلا القرعان
  • د.دانييلا القرعان
    د.دانييلا القرعان

     اعتادت الأنظمة الرسمية العربية أن يأتي موعد عقد اجتماع القمة في كل عام وهي منغمسة في خضم القضايا الإقليمية والخلافات الداخلية، لكن ما الذي يجعل مسألة عقد القمة العربية في الجزائر تحديداً مختلفاً بعض الشيىء؟، أما الجواب فلأنها للسنة الثالثة على التوالي يتعطل فيها عقد هذه القمة، بالتالي، كلما يحصل تأجيل تستجد خلال فترة التعطيل قضايا ومشاكل وموضوعات جديدة تصير بعض الدول تحث على بحثها مقابل تحفظ البعض الأخر على ذلك، فعدا عن موضوع القضية الفلسطينية الشغل الشاغل للعرب في كل قممهم، فإن موضوعاً مفاجئاً ذات صلة قد يطرح في هذه القمة للمرة الأولى في تاريخ العرب متعلق بالموقف من مسارات التطبيع، من هنا يعرف كلنا أن الدولة المستضيفة بالعادة تكون مهتمة ولو إعلامياً بإنجاح القمة المقامة في عاصمتها وتحاول ترتيب جدول أعمال متوافق عليه في ظل كثرة القضايا والمشاكل والمسائل القديمة والجديدة والتي تجعل من هذا الجدول جدولاً حافلاً، لذا، نجد الدبلوماسية الجزائرية تحاول جاهدة أن تخرج بجدول أعمال رشيق تلافياً للتركيز في القمة على مواضيع يحسب أنها تجاهلاً لمواضيع أخرى.

    عودة سوريا للجامعة العربية

    إضافة لتطورات قضية اليمن والمسألة الليبية والجمود الديمقراطي في العراق وتونس والسودان، تسربت الكثير من الأخبار عن توقع صدور قرار بإعادة سوريا الى الحاضنة العربية (قرار تدعمه الجزائر) وإعادة نقل قضية الصحراء المغربية الى الواجهة أو العلاقات الجزائرية المغربية (قرار تدعمه المغرب)، وطبعاً لن نستثني خصوصية الوضع اللبناني المرعب وتعثر علاقاته العربية والذي يستوجب بالفعل تحركاً ما بشأنه، ولعل مبادرة دولة الكويت الأخيرة في هذا الشأن تصب في هذا الجانب، المهم، كل هذا وذاك يجعل (بحسب رأينا) من أمر التوافق على جدول أعمال من أكثر المهام صعوبة، رغم تعويل الكثير على موقع الجزائر في العالم العربي وعلى قدرتها في جمع شمل الأمة بمكان واحد وزمان واحد دفعاً نحو أي حلحلة ولو للبؤر الساخنة أو تجاوزاً لبعض الخلافات العربية العربية.

    ونظراً للتفاوت الكبير في وجهات نظر الأنظمة العربية حول بعض القضايا العربية والإقليمية المطروحة، ستظل القرارات المتوقعة متسمة بالضبابية أو تعيش فترة مخاض عسير، وهناك صعوبة في تبني صناع القرار العربي موقفاً عربياً حازماً وحاسماً حيال بعض المسائل، لهذا فإن الكل يسأل، هل ستنجح هذه القمة في توحيد الصوت العربي ووقف الخسائر على المستوى الإقليمي والدولي؟ وهل سيتمخض عن هذه القمة قرارات مصيرية تحدد مستقبل العالم العربي وقضاياه أم ستبقى هذه القرارات حبراً على ورق؟ وهل مستوى الحضور في القمة (وهي مسألة بالغة الأهمية بالنسبة للجزائر) سيكون رفيعاً على مستوى الملوك والرؤساء أم على مستوى مسؤولين من الصف الثاني والثالث رفعاً للعتب فقط؟

    هل يمكن لأحد أن يتوقع مثلأ من سيمثل اليمن ومن سيمثل السودان ومن سيمثل ليبيا ومن سيمثل سوريا (إن حضرت) ومن سيمثل العراق العاجز عن اختيار رئيس وزراء لغاية الأن؟.

    جدوي بقاء جامعة الدول العربية


    على ذات الصعيد، لا أحد من العرب يرغب بإعادة فتح موضوع جدوى إنشاء جامعة الدول العربية نفسها في ظل إستمرار إنتقالها من فشل الى فشل، لكنها أسئلة بريئة ستظل تتكرر عند عقد كل قمة، أولها: ما دور هذا الكيان المسمى جامعة الدول العربية في جمع كلمة العرب وحل مشاكلهم الداخلية؟ ولماذا يواجه النظام العربي في كل مرة تردد وتذبذب في عقد اجتماعات القمة؟ فنحن في حالة قمة الجزائر، يشاع مرة أنه تم تأجيلها ومرة إلغائها ومرة نقلها الى عاصمة أخرى، وها هي تصريحات الخارجية الجزائرية تصدر مختلفة عن تصريحات مسؤولي الجامعة في هذا الشأن، فقد كان من المفترض أن تحتضن الجزائر القمة العربية خلال شهر مارس/آذار المقبل؛ لكن بسبب جائحة كورونا كما أعلنت الجامعة العربية تم إرجاء عقدها، لكن، وبحسب المعطيات المطروحة والسيناريوهات المحبكة والظاهرة، فإننا نرجح أن أسباب الإرجاء سياسية بحتة وليست صحية، فالكل يعرف عقدة علاقات الجزائر مع بعض الدول العربية على رأسها المغرب، لذا، كيف نطلب أن تكون قمة الجزائر مختلفة واستثنائية عن سابقاتها؟، فقد فشلت جميع القمم السابقة في لم الشمل العربي ولم يتمخض عنها أي قرارات وتوصيات حاسمة بشأن القضايا العالقة، لذا نرى أن عقد القمة العربية في الجزائر قد تزيد الأمور سوءاً وتعقيداً، وإذا تعثر موضوع عقدها أكثر فلا نستبعد أن يتم عقدها في بداية هذا الصيف في دولة أخرى وعلى الأرجح في السعودية، ويبقى هناك إحتمالاً ضئيلاً بإمكانية عقدها في الجزائر نفسها لكن في العام المقبل، وكل هذا مرهون بجهود العمل الدبلوماسي والتمهيدي ونتائح المشاورات والحوارات التي قامت وتقوم بها الدبلوماسية الجزائرية على نار هادئة، والجزائر كدولة جديرة بهذا الدور لو منحت الفرصة.

    بالمقابل، في حال نجاح الجزائر في عقد القمة على أرضها، فإن ذلك سيتم بالتزامن مع اقتراب عقد صفقة إصلاحات عربية من البلورة، ومع إنكشاف المشهد الضبابي وحصر أولوية القضايا الساخنة القابلة للبحث، عندها فقط، قد يكون لنا موعد مع موقف عربي موحد فيه بعض القوة أمام المجتمع الخارجي، ويجب أن لا ننسى سطوة الإنفتاح الاعلامي الجاري الذي لم يعد يحتمل أي تلاعب بالألفاظ والالتفاف على الحقائق التي تعرفها كل الشعوب العربية ولم تعد قساوتها خافية على أي مراقب بعيد أو قريب.

    إسرائيل والقمة العربية

    من جهة أخرى، نحن لا يفاجئنا أن نشعر بمراقبة الكيان الإسرائيلي لهذه القمة بالذات، فالموقف الجزائري الرسمي والشعبي كان دوماً داعماً وسنداً للقضية الفلسطينية التي كما قلنا هي المحور الأساسي والأهم في كل قمة واجتماع، وكلنا تابع كيف قام لاعبو الجزائر في تصفيات كأس العرب لكرة القدم المنعقدة في الدوحة قبل فترة قصيرة برفع علم فلسطين في الملعب وإهداء فوزهم الى أهل فلسطين والقدس، لذا تخشى اسرائيل من أن تنبعث إنطلاقة التّقارب العربي من الجزائر، فالجزائر بحكم علاقاتها الدولية لديها فرصة كبيرة في تحقيق مصالحات عربية عربية من جهة، والوقوف في وجه تغلغل السياسة الإسرائيلية في المنطقة والقارة الإفريقية من جهة أخرى، وهذا موقف يحسب لها،
    كلمة أخيرة حول ملف عودة سوريا في إشغال مقعدها في الجامعة بإعتباره الملف الأعقد في هذه القمة، إن هكذا قرار (إذا صدر مع تحفظ بعض العرب عليه) سيكون خطوة متقدمة في عملية لم الشمل العربي شريطة أن يقدم النظام السوري بالمقابل تنازلات سياسية واضحة على طريق تضميد جراح أزمته وعودة مهجريه، وإلا ستؤدي عودة سوريا إلى الحضن العربي إلى المزيد من الانقسام وزيادة حدة الخلافات، نحن لدينا الكثير من المؤشرات التي تؤكد توقعنا بعودة سوريا الى الجامعة العربية في هذه القمة، وتتجلى هذه المؤشرات في نجاح النظام السوري في بسط سيطرته على معظم أراضيه والدعم الروسي المطلق لعودته إلى حاضنته العربية، وسيل الزيارات والاتصالات العديدة التي قام بها بعض المسؤولين العرب مع دمشق مؤخراً لبحث العلاقات الثنائية وعودة سوريا للجامعة، تزامناً مع قيام الأردن بفتح معابره الحدودية مع سوريا إضافة لطرحه الملف السوري على طاولة مناقشات عاهل الأردن الملك عبدالله الثاني مع الرئيس الأمريكي بايدن في واشنطن مؤخراً وتشديد جلالته على المصالحة وضرورة إيجاد حل سلمي للأزمة. بناءً عليه، هل ترون أنه سيكون هناك شيئاً جديداً في قمة الجزائر إذا ما تم عقدها؟.

Exit mobile version