أكد القادة والرؤساء العرب في ختام أعمال مؤتمر القمة العربية التي انعقدت في الجزائر، ضرورة إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل بالشرق الأوسط.
وشدد القادة العرب على تمسكهم بمبادرة السلام العربية لعام 2002 بكافة عناصرها وأولوياتها، والالتزام بالسلام العادل والشامل كخيار استراتيجي.
كما أكد “إعلان الجزائر” على الالتزام بمبادئ عدم الانحياز وبالموقف العربي المشترك من الحرب في أوكرانيا الذي يقوم على نبذ استعمال القوة والسعي لتفعيل خيار السلام عبر الانخراط الفعلي لمجموعة الاتصال الوزارية العربية.
ودعا القادة العرب إلى حل ليبي ليبي يحفظ وحدة وسيادة ليبيا والوصول إلى انتخابات في أسرع وقت، مع التأكيد على رفض التدخلات الخارجية بجميع أشكالها في الشؤون الداخلية للدول العربية،
وافتتحت أعمال القمة بكلمة للرئيس التونسي قيس سعيّد رئيس الدورة الماضية، دعا فيها إلى “تجاوز الخلافات” و”لم الشمل” من أجل الانتصار على من يشنون “حربا ضروسا لإسقاط الدول” سلم بعدها رئاسة الدورة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.
وبدوره أشار تبون إلى أن “العالم العربي لم يعرف في تاريخه المعاصر مرحلة عصيبة كما هو الآن”، مشيرا إلى الخطر على “الأمن الغذائي” في المنطقة، لذلك “يتعين علينا بناء تكتل اقتصادي عربي منيع يحفظ مصالحنا المشتركة”.
وعقدت جامعة الدول العربية التي تضم 22 دولة، آخر قمة لها في مارس 2019 في تونس، قبل تفشي وباء كوفيد-19. ومنذ ذلك الحين، قامت دول عدة أعضاء في المنظمة، التي وضعت تاريخيا دعم القضية الفلسطينية وإدانة إسرائيل على رأس أولوياتها، بتطبيع لافت مع الدولة العبرية.
وأعلن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان استضافة بلاده للقمة العربية المقبلة.
تترقب الشعوب العربية البيان الختامي لقمة الزعماء العرب التي تستضيفها الجزائر وذلك للمرة الأولي منذ أكثر من منذ ثلاث سنوات.
وتأت قمة الجزائر فى ظل أوضاع استثنائية تعيشها المنطقة العربية مع استمرار الانقسامات حول الصراعات التي تشهدها المنطقة، خصوصا في سوريا وليبيا والعراق.
وتواجه قمة الجزائر التي أطلق عليها قمة “لم الشمل” تحديات كبيرة خاصة بعد إعلان عدد من الزعماء والملوك العرب عدم حضورهم أعمال القمة.
ووفقا لتقارير صحفية فمن المؤكد غياب 6 من الزعماء العرب فى مقدمتهم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وأمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الصباح، ورئيس الإمارات محمد بن زايد، وسلطان عمان هيثم بن طارق، وملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، إضافة إلى رئيس لبنان ميشيل عون.
غياب القادة عن القمة ليس الأزمة الوحيدة التي أفقدت قمة الجزائر رونقها وأهميتها، فالقمة العربية التي يفترض بها الدفاع عن سيادة وإستقلالية أعضائها تجاهلت فى جدول أعمالها مناقشة الاحتلال التركي لشمال سوريا والعراق والانتهاكات التركية المستمرة لسيادة ليبيا.
وبحسب مراقبون فإن القمة العربية فشلت قبل أن تبدأ، ولا يمكن التعويل عليها أو انتظار قرارات قوية تجاه الأزمات التي تعصف بالدول العربية أو الجرائم التي تواجهها الشعوب علي يد الاحتلال التركي بسوريا والعراق.
العثمانية الجديدة
وقال الكاتب والمحلل السياسي المصري، إبراهيم شعبان، إن هناك بند دائم على مختلف الاجتماعات الوزارية والقمم العربية، بإدانة التدخل التركي السافر في الشؤون العربية منذ أكثر من 10 سنوات. لكن القضية تكمن في أن هذه البنود عبر مختلف الاجتماعات “مجمدة” ولا يتم تفعيلها أو تحويلها إلى سياسات حقيقية جماعية من جانب الدول العربية.
وأكد شعبان ، إن تركيا وطوال السنوت الماضية لم تخف نزعتها الاستعمارية عبر ما تسميه بالعثمانية الجديدة واتبعت سياسة “تمددية”، في الأراضي العربية .
واعتبر ان التواجد التركي في شمال العراق، أشبه ما يكون باحتلال وربما يعود هذا الى ضعف الدولة في العراق بشكل عام. وكذلك في سوريا، فتركيا مسؤول رئيسي عن الدمار الذي لحق بسوريا عبر مساندتها جماعات جهادية ومتطرفة في الداخل السوري، واقتطاعها آلاف الكيلومترات لحسابها وجماعات معارضة سورية تابعة لها، وقد استباحت تركيا الشمال السوري منذ عم 2011، وعملت على “تتريك” المنطقة ونشر الثقافة واللغة التركية فيها. بالإضافة إلى إنشاء ما لايقل عن 113 موقعا عسكريا تركيا في شمال سوريا تتوزع ما بين قاعدة عسكرية ونقطة مراقبة، تنتشر في 5 محافظات سورية، بواقع 55 في حلب، و43 في إدلب، و9 في الرقة، و4 في الحسكة و2 في اللاذقية، وفق بعض التقارير، وهذه النقاط العسكرية التركية، احتلال تركي سافر في قلب الأراضي السورية.
وأوضح إبراهيم شعبان، أن جزء كبير من عدم فضح الاحتلال التركي داخل الأرضي السورية، يعود إلى تعليق عضوية سوريا في الجامة العربية منذ نوفمبر 2011، ما يجعل الجرائم التركية في قلب سوريا غائبة عن الشارع العربي.
كما اعتبر المحلل المصري أن ما وصفه بـ “الانبطاح العربي” أمام تركيا يغريها بتوسيع مناطق تدخلها ومنها ما يحدث في ليبيا. فبعد التوغل في العراق واستباحة سيادته، وبعد احتلال شمال سوريا فإن “العثمانية الجديدة” وجدت لها مقعد ثابت في ليبيا، ووقعت اتفاقيات عسكرية وأمنية وأرسلت آلاف المرتزقة للعاصمة طرابلس بدءًا من عام 2019.
واختتم شعبان، بإنه ليس مطلوبًا فقط من القمة العربية القادمة في الجزائر مطلع نوفمبر، توجيه إدانات عابرة للدور التركي، ولكن التوقف أمام تفاصيل هذا التدخل وكشفه أمام الرأي العام العربي، وطرح مشروع قانون للمطالبة بالانسحاب التركي فورا من كافة الدول العربية واحترام سيادة الدول العربية.
فشلت قبل بدايتها
من جانبه، يري الكاتب والمحلل السياسي المصري مجدى صادق أن القمة العربية القادمة بالجزائر التي تنعقد لاول مرة منذ عام 2019 أثبتت فشلها قبل أن تبدأ.
وأعتبر فى تصريحات خاصة أن أكبر دليل على فشل القمة هو إعتذار 6 من القادة العرب حتي الآن رغم أن شعار القمة هو “لم الشمل”!!
واستنكر صادق غياب القضايا العربية الملحة عن القمة العربية مثل الاحتلال التركي لسوريا والعراق والتدخلات والاتفاقيات التي يعقدها نظام أردوغان مع حكومة الدبيبة فى ليبيا بما يهدد الأمن القومي العربي.
وأشار إلي ان حالة الالتباس التي تعيشها الدولة الجزائرية وسياستها الخارجية سواء دعمها لجبهة البوليساريو وسياسة التصعيد التي تمارسها تجاه مملكة المغرب يجعل من استضافتها للقمة العربية قرار خاطىء خاصة فى ظل ما تمر به المنطقة من أزمات ما كان يتطلب قمة إستثنائية فى دولة لا خلاف على سياستها.
وتساءل الكاتب المصري عن أسباب عدم إدراج قضية الاحتلال التركي للشمال السوري والتواجد غير الشرعي للأتراك في ليبيا والعمليات العسكرية التي ينفذها نظام أردوغان فى شمال العراق علي جدول أعمال القمة ؟ أليست العراق وسوريا دولا عربية يجب الوقوف بجانبها فى مواجهة الاحتلال التركي ؟
وكشف صادق عن تعاون عسكري وسياسي وتجاري كبير بين الجزائر وتركيا، واصفا الجزائر بأنها تحولت لقاعدة عسكرية تركية فى ظل حكم الرئيس تبون وهو ما يهدد الأمن القومي العربي.
ووفقا للكاتب فإن إحتضان الجزائر لتركيا ساهم بشكل كبير فى ضعف أجندة أعمال القمة وغياب السياسات والجزائم التي ترتكبها تركيا بحق دول عريبة كسوريا والعراق عن طاولة المناقشات.
وشدد على أن قمة الجزائر لن تقدم جديدا ولا يمكن أن ننتظر منها خيرا للشعوب العربية ولا طائل من عقدها من الأساس.
بعد أن دخلت الجامعة العربية حيز النظام الدولي كفاعل مهم, تظافرت المتغيرات وتسارعت لتخلق من عوامل ومعايير الواقعية السياسية في العلاقات الدولية محددات سياسية ومصالح متعددة لكافة الأطراف الأعضاء في هذه المنظمة الدولية على مدى العقود الماضية ومنذ تأسيسها عام 1945م, خاصة مع تنامي مؤشرات الفوضى والصراع التي تصدرتها أقطار الوطن العربي في أعقاب استقلال أغلبها وبدء احتدام الصراع العربي الإسرائيلي في مواجهة مباشرة ومن ثم سلام هش و شكلي ومن ثم تطبيع وانبطاح كامل وشامل دون أي مكاسب سياسية حقيقية من كامب ديفيد إلى وادي عربة وأخيرا التطبيع الكامل مع عدد من الأطراف العربية الامر الذي زاد من اتساع الفجوة والتقاطع بين أعضاء الجامعة العربية.
الدور الذي تمارسه جامعة الدول العربية كفاعل دولي يفرض تأثيره المباشر على الساحة العربية والإقليمية بين الدول الأعضاء, من خلال نشاطات من شأنها ضبط العلاقات العربية العربية وتعالج ابرز القضايا الشائكة التي تمس الأمن والسلم المجتمعي للدول الأعضاء, لتأتي القمم العربية منذ تأسيسها وقد سبق وجمعت الملوك والرؤساء العرب ومنذ عام 2000م تحديدا وفق بروتوكول ديبلوماسي محدد بالتشاور والتعاون المنسجم لمصالح الدول الأعضاء, ألا إن الواقع قد خالف تلك الأهداف لتزداد حدة الخلافات نتيجة حتمية لحجم الخلافات التي تنامت على شكل عوائق أمام تحقيق مشاريع سياسية عربية مشتركة, لأكثر من 40 اجتماع قمة منها 28 قمة عادية و9 قمم طارئة و3 اقتصادية لغاية عام 2017 لم تحقق أي توافقات عربية عربية تذكر.
في حين تأتي تحضيرات الجزائر لعقد قمة عربية في بدايات شهر 11 من العام الحالي , محاولة جديدة ينتظر منها تحقيق ما أعلنته الجزائر لشعار ( لم الشمل) , بإطار المسار الدبلوماسي بإجراء مصالحات وتقريب وجهات النظر بين الأطراف الأعضاء, رغم هشاشة الواقع السياسي للعلاقات العربية وتنامي حجم التحديات بينها.
تظهر مؤشرات الدعوة التي وجهها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الى رؤساء وقادة دول مجلس الجامعة العربية لحضور القمة المزمع عقدها في الجزائر بداية شهر نوفمبر من هذا العام مجالا خصبا لتحقيق أهداف المصالحة ولم الشمل كهدف استراتيجي يجمع القيادات السياسية في خضم أوضاع دولية غير مستقرة تخضع لأزمات مركبة وصراع محتدم في الجبهات الدخلية للإقليم وحرب شرسة في أوكرانيا فرضت تداعياتها الأمنية والاقتصادية على مختلف دول العالم, لتأتي قمة الجزائر بطموحات وأمال تسعى من خلالها الجامعة العربية إلى البحث في آليات العمل المشترك لحل الخلافات القائمة بين المغرب والجزائر والجزائر وتونس وبين مصر وليبيا على التوالي.
خاصة بعد أن تزايدت التصريحات المتضاربة حول إمكانية عقد القمة بموعدها , نظرا لاتساع الفجوة والخلاف العربي العربي المعلن منها والمخفي, لتأتي تباينات المواقف العربية من القمة في الجزائر نتيجة حتمية للاختلاف في وجهات النظر بعد أن وصلت إلى حد الصراع والتوتر في أغلبها, والغموض الذي سيطر على مواقف الدول العربية من الأزمات المركبة في الواقع السياسي للمجتمع الدولي, الأمر الذي يعرقل التقارب في وجهات النظر ضمن إطار الجامعة العربية, لإذابة الخصومات الظاهرة عبر سنوات تخللها توتر في علاقات الجزائر والمغرب وعودة الفوضى المسلحة في ليبيا وخلق مساحات واسعة من التقاطع بين القاهرة والجزائر نتيجة مواقف الأخيرة من سد النهضة الإثيوبي, والتداخل الحاصل في العراق ولبنان والأزمة اليمنية وعودة اصطفاف البعض مع إيران وروسيا والخلافات العميقة حول حضور سوريا في هذه القمة.
جملة التحديات تلك تشكل عبئا كبيرا على قمة الجزائر , الأمر الذي شكل مسوغا إلى تأجيلها , في حين تبدوا دوافع انعقادها اكثر إلحاحا من تلك المعوقات , فالأزمة الأوكرانية وتداعياتها جاءت من أبرز الدوافع لانعقاد هذه القمة , خاصة وان الحرب الروسية الأوكرانية قد فرضت نتائجها الاقتصادية الخطرة على كافة الأطراف وأدخلت المنطقة في أزمة اقتصادية خانقة, الأمر الذي عجل من انعقاد القمة في الموعد المحدد لها, لاتخاذ قرارات مشتركة تواجه الأزمة الطاحنة في سلاسل إمداد الطاقة والأغذية القادمة من الأراضي الروسية والأوكرانية على السواء. فالأوضاع المستجدة على مسرح الأحداث السياسية داخليا لدول مجلس الجامعة العربية باتت أيضا دافعا موضوعيا وضروريا للبحث في سبل التوافق بمساعي دبلوماسية تعالج انعكاس الأزمات القائمة على الأمن والسلم المجتمعي في الإقليم.
أما في جانب تحليل أبعاد قمة الجزائر, ومدى نجاحها في معالجة الخلافات القائمة بين الدول الأعضاء ؟ أم ستكون حلقة في مسلسل القمم العربية التي لاتسمن ولا تغني من جوع؟ فشعوب المنطقة تأمل أن تحقق هذه القمة نتائج إيجابية وبرامج عملية تفضي الى قرارات عملية تنعكس عليها بالأمن والاستقرار . فشروط نجاح القمة مرتبط الى حد بعيد في رغبة القادة العرب على تجاوز السجالات التي باتت ذات كلف عالية وخطيرة على شعوب المنطقة, وتفعيل المساعي الدبلوماسية الرامية لرأب الصدع بين اغلب الدول العربية وتعزيز أفاق التعاون المشترك. فمؤشرات نجاح قمة الجزائر وأعمالها في تخفيف حدة التوتر في بؤر الصراع في اليمن وسوريا والعراق وليبيا تستدعي الحذر وإجراء مصالحات توافقية تخدم أهداف القمة وتتجاوز إشارات التصعيد والقطيعة بين الدول الأعضاء, فاستمرار هذه التحديات ستشكل سببا في وأد القمة قبل ولادتها.
اعتادت الأنظمة الرسمية العربية أن يأتي موعد عقد اجتماع القمة في كل عام وهي منغمسة في خضم القضايا الإقليمية والخلافات الداخلية، لكن ما الذي يجعل مسألة عقد القمة العربية في الجزائر تحديداً مختلفاً بعض الشيىء؟، أما الجواب فلأنها للسنة الثالثة على التوالي يتعطل فيها عقد هذه القمة، بالتالي، كلما يحصل تأجيل تستجد خلال فترة التعطيل قضايا ومشاكل وموضوعات جديدة تصير بعض الدول تحث على بحثها مقابل تحفظ البعض الأخر على ذلك، فعدا عن موضوع القضية الفلسطينية الشغل الشاغل للعرب في كل قممهم، فإن موضوعاً مفاجئاً ذات صلة قد يطرح في هذه القمة للمرة الأولى في تاريخ العرب متعلق بالموقف من مسارات التطبيع، من هنا يعرف كلنا أن الدولة المستضيفة بالعادة تكون مهتمة ولو إعلامياً بإنجاح القمة المقامة في عاصمتها وتحاول ترتيب جدول أعمال متوافق عليه في ظل كثرة القضايا والمشاكل والمسائل القديمة والجديدة والتي تجعل من هذا الجدول جدولاً حافلاً، لذا، نجد الدبلوماسية الجزائرية تحاول جاهدة أن تخرج بجدول أعمال رشيق تلافياً للتركيز في القمة على مواضيع يحسب أنها تجاهلاً لمواضيع أخرى.
عودة سوريا للجامعة العربية
إضافة لتطورات قضية اليمن والمسألة الليبية والجمود الديمقراطي في العراق وتونس والسودان، تسربت الكثير من الأخبار عن توقع صدور قرار بإعادة سوريا الى الحاضنة العربية (قرار تدعمه الجزائر) وإعادة نقل قضية الصحراء المغربية الى الواجهة أو العلاقات الجزائرية المغربية (قرار تدعمه المغرب)، وطبعاً لن نستثني خصوصية الوضع اللبناني المرعب وتعثر علاقاته العربية والذي يستوجب بالفعل تحركاً ما بشأنه، ولعل مبادرة دولة الكويت الأخيرة في هذا الشأن تصب في هذا الجانب، المهم، كل هذا وذاك يجعل (بحسب رأينا) من أمر التوافق على جدول أعمال من أكثر المهام صعوبة، رغم تعويل الكثير على موقع الجزائر في العالم العربي وعلى قدرتها في جمع شمل الأمة بمكان واحد وزمان واحد دفعاً نحو أي حلحلة ولو للبؤر الساخنة أو تجاوزاً لبعض الخلافات العربية العربية.
ونظراً للتفاوت الكبير في وجهات نظر الأنظمة العربية حول بعض القضايا العربية والإقليمية المطروحة، ستظل القرارات المتوقعة متسمة بالضبابية أو تعيش فترة مخاض عسير، وهناك صعوبة في تبني صناع القرار العربي موقفاً عربياً حازماً وحاسماً حيال بعض المسائل، لهذا فإن الكل يسأل، هل ستنجح هذه القمة في توحيد الصوت العربي ووقف الخسائر على المستوى الإقليمي والدولي؟ وهل سيتمخض عن هذه القمة قرارات مصيرية تحدد مستقبل العالم العربي وقضاياه أم ستبقى هذه القرارات حبراً على ورق؟ وهل مستوى الحضور في القمة (وهي مسألة بالغة الأهمية بالنسبة للجزائر) سيكون رفيعاً على مستوى الملوك والرؤساء أم على مستوى مسؤولين من الصف الثاني والثالث رفعاً للعتب فقط؟
هل يمكن لأحد أن يتوقع مثلأ من سيمثل اليمن ومن سيمثل السودان ومن سيمثل ليبيا ومن سيمثل سوريا (إن حضرت) ومن سيمثل العراق العاجز عن اختيار رئيس وزراء لغاية الأن؟.
جدوي بقاء جامعة الدول العربية
على ذات الصعيد، لا أحد من العرب يرغب بإعادة فتح موضوع جدوى إنشاء جامعة الدول العربية نفسها في ظل إستمرار إنتقالها من فشل الى فشل، لكنها أسئلة بريئة ستظل تتكرر عند عقد كل قمة، أولها: ما دور هذا الكيان المسمى جامعة الدول العربية في جمع كلمة العرب وحل مشاكلهم الداخلية؟ ولماذا يواجه النظام العربي في كل مرة تردد وتذبذب في عقد اجتماعات القمة؟ فنحن في حالة قمة الجزائر، يشاع مرة أنه تم تأجيلها ومرة إلغائها ومرة نقلها الى عاصمة أخرى، وها هي تصريحات الخارجية الجزائرية تصدر مختلفة عن تصريحات مسؤولي الجامعة في هذا الشأن، فقد كان من المفترض أن تحتضن الجزائر القمة العربية خلال شهر مارس/آذار المقبل؛ لكن بسبب جائحة كورونا كما أعلنت الجامعة العربية تم إرجاء عقدها، لكن، وبحسب المعطيات المطروحة والسيناريوهات المحبكة والظاهرة، فإننا نرجح أن أسباب الإرجاء سياسية بحتة وليست صحية، فالكل يعرف عقدة علاقات الجزائر مع بعض الدول العربية على رأسها المغرب، لذا، كيف نطلب أن تكون قمة الجزائر مختلفة واستثنائية عن سابقاتها؟، فقد فشلت جميع القمم السابقة في لم الشمل العربي ولم يتمخض عنها أي قرارات وتوصيات حاسمة بشأن القضايا العالقة، لذا نرى أن عقد القمة العربية في الجزائر قد تزيد الأمور سوءاً وتعقيداً، وإذا تعثر موضوع عقدها أكثر فلا نستبعد أن يتم عقدها في بداية هذا الصيف في دولة أخرى وعلى الأرجح في السعودية، ويبقى هناك إحتمالاً ضئيلاً بإمكانية عقدها في الجزائر نفسها لكن في العام المقبل، وكل هذا مرهون بجهود العمل الدبلوماسي والتمهيدي ونتائح المشاورات والحوارات التي قامت وتقوم بها الدبلوماسية الجزائرية على نار هادئة، والجزائر كدولة جديرة بهذا الدور لو منحت الفرصة.
بالمقابل، في حال نجاح الجزائر في عقد القمة على أرضها، فإن ذلك سيتم بالتزامن مع اقتراب عقد صفقة إصلاحات عربية من البلورة، ومع إنكشاف المشهد الضبابي وحصر أولوية القضايا الساخنة القابلة للبحث، عندها فقط، قد يكون لنا موعد مع موقف عربي موحد فيه بعض القوة أمام المجتمع الخارجي، ويجب أن لا ننسى سطوة الإنفتاح الاعلامي الجاري الذي لم يعد يحتمل أي تلاعب بالألفاظ والالتفاف على الحقائق التي تعرفها كل الشعوب العربية ولم تعد قساوتها خافية على أي مراقب بعيد أو قريب.
إسرائيل والقمة العربية
من جهة أخرى، نحن لا يفاجئنا أن نشعر بمراقبة الكيان الإسرائيلي لهذه القمة بالذات، فالموقف الجزائري الرسمي والشعبي كان دوماً داعماً وسنداً للقضية الفلسطينية التي كما قلنا هي المحور الأساسي والأهم في كل قمة واجتماع، وكلنا تابع كيف قام لاعبو الجزائر في تصفيات كأس العرب لكرة القدم المنعقدة في الدوحة قبل فترة قصيرة برفع علم فلسطين في الملعب وإهداء فوزهم الى أهل فلسطين والقدس، لذا تخشى اسرائيل من أن تنبعث إنطلاقة التّقارب العربي من الجزائر، فالجزائر بحكم علاقاتها الدولية لديها فرصة كبيرة في تحقيق مصالحات عربية عربية من جهة، والوقوف في وجه تغلغل السياسة الإسرائيلية في المنطقة والقارة الإفريقية من جهة أخرى، وهذا موقف يحسب لها،
كلمة أخيرة حول ملف عودة سوريا في إشغال مقعدها في الجامعة بإعتباره الملف الأعقد في هذه القمة، إن هكذا قرار (إذا صدر مع تحفظ بعض العرب عليه) سيكون خطوة متقدمة في عملية لم الشمل العربي شريطة أن يقدم النظام السوري بالمقابل تنازلات سياسية واضحة على طريق تضميد جراح أزمته وعودة مهجريه، وإلا ستؤدي عودة سوريا إلى الحضن العربي إلى المزيد من الانقسام وزيادة حدة الخلافات، نحن لدينا الكثير من المؤشرات التي تؤكد توقعنا بعودة سوريا الى الجامعة العربية في هذه القمة، وتتجلى هذه المؤشرات في نجاح النظام السوري في بسط سيطرته على معظم أراضيه والدعم الروسي المطلق لعودته إلى حاضنته العربية، وسيل الزيارات والاتصالات العديدة التي قام بها بعض المسؤولين العرب مع دمشق مؤخراً لبحث العلاقات الثنائية وعودة سوريا للجامعة، تزامناً مع قيام الأردن بفتح معابره الحدودية مع سوريا إضافة لطرحه الملف السوري على طاولة مناقشات عاهل الأردن الملك عبدالله الثاني مع الرئيس الأمريكي بايدن في واشنطن مؤخراً وتشديد جلالته على المصالحة وضرورة إيجاد حل سلمي للأزمة. بناءً عليه، هل ترون أنه سيكون هناك شيئاً جديداً في قمة الجزائر إذا ما تم عقدها؟.