وسط أزمات وحروب وخلافات..القمة العربية بالجزائر بين الواقع والطموح 

بقلم الدكتور إياد المجالي

بعد أن دخلت الجامعة العربية حيز النظام الدولي كفاعل مهم, تظافرت المتغيرات وتسارعت لتخلق من عوامل ومعايير الواقعية السياسية في العلاقات الدولية محددات سياسية ومصالح متعددة لكافة الأطراف الأعضاء  في هذه المنظمة الدولية على مدى العقود الماضية ومنذ تأسيسها عام 1945م, خاصة مع تنامي مؤشرات الفوضى والصراع التي تصدرتها أقطار الوطن العربي في أعقاب استقلال أغلبها وبدء احتدام الصراع العربي الإسرائيلي في مواجهة مباشرة ومن ثم سلام هش و شكلي ومن ثم تطبيع وانبطاح كامل وشامل دون أي مكاسب سياسية حقيقية من كامب ديفيد إلى وادي عربة وأخيرا التطبيع الكامل مع عدد من الأطراف العربية الامر الذي زاد من اتساع الفجوة والتقاطع بين أعضاء الجامعة العربية.

الدور الذي تمارسه جامعة الدول العربية كفاعل دولي يفرض تأثيره المباشر على الساحة العربية والإقليمية بين الدول الأعضاء, من خلال نشاطات من شأنها ضبط العلاقات العربية العربية وتعالج ابرز القضايا الشائكة التي تمس الأمن والسلم المجتمعي للدول الأعضاء, لتأتي القمم العربية منذ تأسيسها وقد سبق وجمعت الملوك والرؤساء العرب ومنذ عام 2000م تحديدا وفق بروتوكول ديبلوماسي محدد بالتشاور والتعاون المنسجم  لمصالح الدول الأعضاء, ألا إن الواقع قد خالف تلك الأهداف لتزداد حدة الخلافات نتيجة حتمية لحجم الخلافات التي تنامت على شكل عوائق أمام تحقيق مشاريع سياسية عربية مشتركة, لأكثر من 40 اجتماع قمة منها 28 قمة عادية و9 قمم طارئة و3 اقتصادية لغاية عام 2017 لم تحقق أي توافقات عربية عربية تذكر.

في حين تأتي تحضيرات الجزائر لعقد قمة عربية في بدايات شهر 11 من العام الحالي , محاولة جديدة ينتظر منها تحقيق ما أعلنته الجزائر لشعار ( لم الشمل) , بإطار المسار الدبلوماسي بإجراء مصالحات وتقريب وجهات النظر بين الأطراف الأعضاء, رغم هشاشة الواقع السياسي للعلاقات العربية وتنامي حجم التحديات بينها.

تظهر مؤشرات الدعوة التي وجهها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الى رؤساء وقادة دول مجلس الجامعة العربية لحضور القمة المزمع عقدها في الجزائر بداية شهر نوفمبر من هذا العام مجالا خصبا لتحقيق أهداف المصالحة ولم الشمل كهدف استراتيجي يجمع القيادات السياسية في خضم أوضاع دولية غير مستقرة تخضع لأزمات مركبة وصراع محتدم في الجبهات الدخلية للإقليم وحرب شرسة في أوكرانيا فرضت تداعياتها الأمنية والاقتصادية على مختلف دول العالم, لتأتي قمة الجزائر بطموحات وأمال تسعى من خلالها الجامعة العربية إلى البحث في آليات العمل المشترك لحل الخلافات القائمة بين المغرب والجزائر والجزائر وتونس وبين مصر وليبيا على التوالي.

خاصة بعد أن تزايدت التصريحات المتضاربة حول إمكانية عقد القمة بموعدها , نظرا لاتساع الفجوة والخلاف العربي العربي المعلن منها والمخفي, لتأتي تباينات المواقف العربية من القمة في الجزائر نتيجة حتمية للاختلاف في وجهات النظر بعد أن وصلت إلى حد الصراع والتوتر في أغلبها, والغموض الذي سيطر على مواقف الدول العربية من الأزمات المركبة في الواقع السياسي للمجتمع الدولي, الأمر الذي يعرقل التقارب في وجهات النظر ضمن إطار الجامعة العربية, لإذابة الخصومات الظاهرة عبر سنوات تخللها توتر في علاقات الجزائر والمغرب وعودة الفوضى المسلحة في ليبيا وخلق مساحات واسعة من التقاطع بين القاهرة والجزائر نتيجة مواقف الأخيرة من سد النهضة الإثيوبي, والتداخل الحاصل في العراق ولبنان والأزمة اليمنية وعودة اصطفاف البعض مع إيران وروسيا والخلافات العميقة حول حضور سوريا في هذه القمة.

 جملة التحديات تلك تشكل عبئا كبيرا على قمة الجزائر , الأمر الذي شكل مسوغا إلى تأجيلها , في حين تبدوا دوافع انعقادها اكثر إلحاحا من تلك المعوقات , فالأزمة الأوكرانية  وتداعياتها جاءت من أبرز الدوافع لانعقاد هذه القمة , خاصة وان الحرب الروسية الأوكرانية قد فرضت نتائجها الاقتصادية الخطرة على كافة الأطراف وأدخلت المنطقة في أزمة اقتصادية خانقة, الأمر الذي عجل من انعقاد القمة في الموعد المحدد لها, لاتخاذ قرارات مشتركة تواجه الأزمة الطاحنة في سلاسل إمداد الطاقة والأغذية القادمة من الأراضي الروسية والأوكرانية على السواء.                           فالأوضاع المستجدة على مسرح الأحداث السياسية داخليا لدول مجلس الجامعة العربية باتت أيضا دافعا موضوعيا وضروريا للبحث في سبل التوافق بمساعي دبلوماسية تعالج انعكاس الأزمات القائمة على الأمن والسلم المجتمعي في الإقليم.

 أما في جانب تحليل أبعاد قمة الجزائر, ومدى نجاحها في معالجة الخلافات القائمة بين الدول الأعضاء ؟ أم ستكون حلقة في مسلسل القمم العربية التي لاتسمن ولا تغني من جوع؟   فشعوب المنطقة تأمل أن تحقق هذه القمة نتائج إيجابية وبرامج عملية  تفضي الى قرارات عملية تنعكس عليها بالأمن والاستقرار . فشروط نجاح القمة مرتبط الى حد بعيد في رغبة القادة العرب على تجاوز السجالات التي باتت ذات كلف عالية وخطيرة على شعوب المنطقة, وتفعيل المساعي الدبلوماسية الرامية لرأب الصدع بين اغلب الدول العربية وتعزيز أفاق التعاون المشترك.          فمؤشرات نجاح قمة الجزائر وأعمالها في تخفيف حدة التوتر في بؤر الصراع في اليمن وسوريا والعراق وليبيا تستدعي الحذر وإجراء مصالحات توافقية تخدم أهداف القمة وتتجاوز  إشارات التصعيد والقطيعة بين الدول الأعضاء, فاستمرار هذه التحديات ستشكل سببا في وأد القمة قبل ولادتها.

Exit mobile version