التجاوز إلى المحتوى
ليلي موسي
قبل عامين من هذا التوقيت غزا أردوغان ومرتزقته منطقتي سري كانيه (رأس العين) وكري سبي (تل أبيض) بتحريض روسي وضوء أخضر من الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب، في الوقت الذي لم يمضِ بضع أشهر على دحر ما تسمى بـ ” دولة الخلافة في بلاد الشام والعراق” (داعش) – ميدانياً وجغرافياً- وفي آخر جيوبه في منطقة الباغوز على يد قوات سوريا الديمقراطية؛ وبدعم ومساندة من التحالف الدولي، لتبدأ شعوب المنطقة تنفس الصعداء، والعيش بحرية، وبدء مرحلة جديدة من العمل السياسي بالتوجه نحو عملية الانتقال السياسي، لاستكمال تطلعات السوريين في التغيير، وإيصال سوريا إلى بر الأمان، وتنمية المنطقة اقتصادياً وعلى كافة الأصعدة.
أسلحة محرمة
قبل عامين من هذا التاريخ، استخدم أردوغان ومن معه من أزلامه الذين يسمون بـ ” الجيش الوطني” كافة صنوف الأسلحة والمحرمة دولياً؛ حيث طال القصف المنطقة المأهولة بالمدنيين العزل، الأمر الذي تسبب بتهجير ونزوح أكثر من 300 ألف من سكان المنطقة؛ ومخلفاً مئات من الضحايا والجرحى، ودماراً شاملاً للممتلكات والمنازل، مرتكبين بذلك عدواناً، وجرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية.
وما زال أردوغان ماضياً في ارتكابه لجرائمه بمختلف أنواعها؛ ضارباً عرض الحائط جميع الأعراف والمواثيق الإنسانية والدولية، منتهجاً بذلك سياسات واستراتيجيات تقوم على التطهير العرقي والتغيير الديمغرافي بحق سكانها الأصليين، والعمل على تتريك المنطقة، من خلال توطين عوائل وعناصر من جماعاته المتطرفة الراديكالية من جبهة النصرة؛ والإخوان المسلمين، وداعش وغيرهم من السوريين والأجانب من مختلف أصقاع العالم؛ جاعلاً من المنطقة تعج بالفوضى والقلاقل وفقدان الأمن والاستقرار بعد ما كانت تنعم بالسلم والأمان في ظل الإدارة الذاتية التي كانت تدار من قبل أبناءها.
الميثاق الملي
وبالرغم من اتفاقيتين حينها الأولى مع الأمريكان والأخرى مع الروس لوقف تمدد الزحف الأردوغاني الاحتلالي العدواني للمنطقة، لم تلتزم تركيا ببنود تلك الاتفاقيتين؛ مستغلةً جميع الفرص بشن هجماتها المستمرة على ريفي سري كانيه، وتل تمر، ومناطق الشهباء، سيعاً منها لاستكمال مشروع ” الميثاق الملي”، والذي يشمل كامل الشمال السوري.
التواجد التركي الذي تحول إلى مصدر قلق وعدم الراحة من قبل المجتمع الدولي لتجاوزها جميع الأعراف والمواثيق الدولية في دعمها للإرهاب؛ وتغذية فكر التطرف وثقافة الكراهية، مما يشكل بذلك تهديداً جدياً على السلم والأمن الدوليين.
مما دفع ذلك الولايات المتحدة الأمريكية بالإعلان حينها عن حالة الطوارئ الوطنية بقرار 13894 بتاريخ 14 أكتوبر\ تشرين الثاني 2019، بسبب الهجوم العسكري التركي على شمال وشرق سوريا؛ الذي أسهم في تقويض حملة هزيمة الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، وتعريض المدنيين للخطر، ومزيد من التهديدات لتقويض السلام والأمن والاستقرار في المنطقة، ولا يزالون يشكلون تهديداً غير عادي للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة، لذلك، قررت أنه من الضروري استمرار حالة الطوارئ الوطنية المعلنة في الأمر التنفيذي رقم 13894 فيما يتعلق بالحالة السورية.
وكما فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على بعض من القيادات والفصائل المشاركة ما تسمى بعملية نبع السلام في منطقتي سري كانيه وكري سبي؛ وهي في حقيقتها نبع الإرهاب منهم أحمد احسان الفياض والملقب بـ ” حاتم ابو شقرا”، وفصيل الشرقية الذي يترأسه المتورط بعملية اغتيال السياسية هفرين خلف الأمين العام لحزب سوريا المستقبل بتاريخ 12\ أكتوبر \ 2019، ومازال يتنعم بكامل الحرية برعاية أردوغان وحكومته وتكريمه من قبل بعض قادة ما تسمى بـ ” الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”.
إفلاس أردوغان
ويبدو أن سياسات أردوغان الخارجية وأدواته في المنطقة تقترب من إفلاسها رويداً رويداً، حيث شهدت العديد من الدول تساقط الجماعات الإخوانية في السودان وتونس ومصر وليبيا والمغرب؛ ويبدو جاء الوقت المناسب في سوريا لاجتثاث هذه الجماعة، فأردوغان الذي غزا سري كانيه وكري سبي بتحريض روسي وضوء أخضر أمريكي.
فبعد عامين من الهجوم تستقبل الولايات المتحدة وبكافة مؤسساتها السياسية والعسكرية والبحثية وفدي مجلس سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وتأكيد على استمرارية دعمها لسكان المنطقة والعمل على إشراكهم في العملية السياسية؛ وتخصيص ميزانية لقوات سوريا الديمقراطية في حملتها في ملاحقة خلايا تنظيم داعش في المنطقة، وبالتزامن مع وجود وفد من جماعة الائتلاف، والذي لم يحظى بترحيب واستقبال الذي حظي به وفدي الإدارة والمجلس، مما دفع برئيسها سالم المسلط إلى الإعلان الذي لم يخفي فيه غضبه وانزعاجه صراحة متهماً بعدم وقوف أمريكا على نفس المسافة من أطياف المعارضة السورية؛ في إشارة إلى مجلس سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.
من ناحية أخرى، روسيا لم توقف قصفها على منطقة إدلب السورية لمحاصرة الفصائل الراديكالية المتطرفة المدعومة تركياً مهدداً إياهم بإخراجهم من سوريا وضرورة تحرير إدلب، واتهام أردوغان بتنصله من الاتفاقية التي وعد من خلالها الالتزام على العمل بفصل الجماعات الإرهابية عن المعتدلة.
مخيمات اللجوء
عامان ومازال مهجري سري كانيه وكري سبي يعيشون في مخيمات اللجوء ومراكز الإيواء ظروفاً قاسية وغير إنسانية؛ ويعانون من الحرمان في ظل الحصار المفروض على المنطقة عبر إغلاق المعابر وأخص بالذكر معبر تل كوجر \ اليعربية المنفذ الوحيد الذي كانت تدخل منها المساعدات الإنسانية الدولية؛ ولم يتوقف عند هذا الحد إنما ما زالوا يعيشون تهديدات من دولة الاحتلال التركي تهدد أمنهم الوجود من خلال القصف المستمر وقطع المياه عنهم سواء من محطة مياه علوك أو حبس مياه نهر الفرات في ظروف استثنائية تعيشها المنطقة في ظل انتشاء وباء كورونا هم بأمس الحاجة إليه، حيث أن أردوغان لم يكتف من تهجيرهم من سكاناهم الأصلية؛ بل يسعى من وراء ممارسته تلك تهجير من سوريا ككل ليضمن بقاءه واستمرارية احتلاله للمنطقة أسوة بلواء اسكندرونة وقبرص.
إذاً ما دام أردوغان متدخلاً في شؤون أية دولة سيكون هناك تواجد واستمرارية لوجود الإرهاب والتطرف وفوضى وفقدان الأمان والاستقرار؛ وهو لن يتخلى عن أدواته هذه لأنها الوسيلة الوحيدة لتحقيق أجنداته في المنطقة‘ وخاصة في الوقت الذي يعاني من معارضة شديدة داخلياً وتدهوراً اقتصادياً، وعزلة إقليمية ودولية إلى حداً ما.
لذا التهديد مازال جدياً بالرغم من تحجيمه في بعض الدول والمجتمعات إلا أنها موجودة ايديولوجياً وبقوة لذا العمل يتطلب بالدرجة الأولى العمل على تحرير المناطق المحتلة؛ وتجفيف منابع وبؤر الإرهاب، وتقديم الجناة للعدالة، والعمل على العودة الآمنة للمهجرين وبضمانات دولية إلى مناطقهم؛ والإسراع في عملية الانتقال السياسي وفق القرارات الدولية، وخاصة القرار الأممي 2254.