بقلم / شريف نادي.. الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان
تُعد البرازيل واحدة من الدول الرائدة في أمريكا اللاتينية في تبنّي سياسات إنسانية تجاه المهاجرين واللاجئين، إذ تعتمد على تشريعات تقدمية تعكس احترامها لحقوق الإنسان والتزامها بالتضامن الدولي. وخلال السنوات الأخيرة، شهدت البلاد تطورًا ملحوظًا في التعامل مع قضايا الهجرة واللجوء والتجنيس، مما جعلها نموذجًا يُحتذى به في المنطقة.
قانون الهجرة الجديد في البرازيل
في خطوة غير مسبوقة، أقرّت البرازيل القانون رقم 13.445 لعام 2017، المعروف بـ”قانون الهجرة الجديد”، والذي دخل حيز التنفيذ في نوفمبر من العام ذاته، ليحل محل “قانون الأجانب” الذي يعود إلى حقبة الحكم العسكري. ويمثل هذا القانون تحولًا جوهريًا في نهج الدولة تجاه المهاجرين، إذ يقوم على مبادئ حقوق الإنسان والمساواة ومحاربة التمييز.
ومن أبرز بنود القانون:
الاعتراف بالمهاجرين كأفراد يتمتعون بالكرامة الإنسانية والحقوق الأساسية.
تسهيل إجراءات الحصول على التأشيرات والإقامة الدائمة.
تقديم حماية خاصة لضحايا الاتجار بالبشر والاستغلال.
تعزيز الإدماج الاجتماعي والاقتصادي للمهاجرين واللاجئين.
سياسات اللجوء وحماية اللاجئين في البرازيل
تتبنى البرازيل سياسة لجوء متقدمة مستندة إلى اتفاقية جنيف لعام 1951 وبروتوكولها لعام 1967، إلى جانب “إعلان قرطاجنة” الإقليمي. وتمنح الحماية للاجئين الفارين من الاضطهاد، النزاعات المسلحة، أو الأزمات الإنسانية.
ومن بين أبرز المبادرات في هذا السياق “عملية الترحيب” (Operação Acolhida)، التي أطلقتها الحكومة منذ عام 2018 لاستقبال آلاف الفنزويليين الهاربين من الأزمة الاقتصادية والسياسية في بلادهم. وتشمل العملية توفير المأوى، والرعاية الصحية، والغذاء، بالإضافة إلى دعم إعادة التوطين في مدن أخرى داخل البرازيل، وذلك بالشراكة مع الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني.
التجنيس في البرازيل: قوانين مرنة وجاذبة
تعتمد البرازيل نظام “حق الأرض” (Jus Soli)، حيث يحصل أي طفل يولد على الأراضي البرازيلية على الجنسية تلقائيًا، بغض النظر عن جنسية والديه. كما توفر الدولة آليات تجنيس ميسّرة للمهاجرين، وفق الشروط التالية:
الإقامة القانونية لمدة أربع سنوات على الأقل.
إتقان اللغة البرتغالية.
سجل جنائي نظيف داخل البرازيل وفي بلد المنشأ.
ويمكن تقليص فترة الإقامة المطلوبة في بعض الحالات:
سنتان فقط لمن قدموا خدمات جليلة للبرازيل أو يمتلكون مهارات استثنائية أو عديمي الجنسية.
سنة واحدة فقط للمتزوجين من برازيليين أو الذين لديهم أبناء برازيليون أو القادمين من دول ناطقة بالبرتغالية.
كما تسمح البرازيل بازدواج الجنسية، ما يتيح للمجنسين الاحتفاظ بجنسيتهم الأصلية، وهو عامل جذب رئيسي للراغبين في الحفاظ على روابطهم الثقافية والوطنية.
التحديات والآفاق المستقبلية
رغم الإطار القانوني المتقدم، لا تزال هناك تحديات تواجه تنفيذ هذه السياسات، أبرزها بطء الإجراءات البيروقراطية ونقص الموارد، لا سيما في المناطق الحدودية مثل ولاية رورايما، التي تستقبل آلاف الفنزويليين شهريًا.
غير أن التعاون الوثيق بين الحكومة البرازيلية والمنظمات الدولية والمجتمع المدني ساهم في تحسين الأوضاع تدريجيًا، وسط توقعات بمواصلة تطوير السياسات لضمان إدماج المهاجرين بشكل أكثر فعالية.
نموذج يُحتذى به
تمثل تجربة البرازيل في التعامل مع قضايا الهجرة واللجوء والتجنيس نموذجًا يُحتذى به في احترام حقوق الإنسان وتعزيز التعاون الدولي. ويعكس هذا النهج التزام البرازيل بقيم الإنسانية والعدالة الاجتماعية، ما يجعلها وجهة مفضلة للعديد من الباحثين عن الأمان والكرامة.
يقترح هوبز في كتابه “الليفياثان” ما يمكن تسميته بفرضية “ابتزاز الحماية”، وهي قائمة على التخلي الإرادي للحق الذاتي في الحرية في سبيل الحفاظ على أمن الجماعة “غريزة المحافظة على الذات”. فما دمت باعتباري أنا الدولة التي لوحدها تستطيع أن تحميكم من أنفسكم “حرب الكل ضد الكل”، فإنه من واجبكم أن تتخلوا عن حريتكم. وهنا يمارس الليفياثان الشكل الأقصى لعملية الابتزاز، فكلما ازداد الخوف كلما نهض الليفياثان وتقوّى، وذلك تحت بند الحماية.
الدولة في فكر هوبز
إن هوبز يقدم لنا وبجدارة وثيقة نشوء الدولة في ذاتها، أي تلك الدولة التي تمتلك الجهاز العنفي المجرد والتي تستطيع ممارسته متى تشاء مادامت تمتلك الحجة الأخلاقية “حماية الجماعة”.
خطر التقارب الهوياتي عند هوبز
لم يختر الفيلسوف الإنجليزي “هوبز” هذا المثال من الدولة ترفًا، فهو أدرك أن النمط المعاش من التشكيلات الاجتماعية “الهوياتية” جديرٌ بأن ينتهي إلى انقراض الإنسان، أي تلك المجتمعات التي تتبنى الشكل الهش من الهوية باعتباره الحقل المفهومي الوحيد للانتماء.
إن التقارب الهووي، سواء بشكله الطائفي أو العرقي أو الديني أو الجهوي، هو بمثابة الإعلان الصريح عن زوال المجتمعات. ولعل أكبر أمثلتنا عن هذه التطبيقة الهوبزية، هو ما تعيشه الجماعات المتقاسمة المقسومة داخل الدولة السورية “حرب الكل ضد الكل”.
أزمة الهوية في سوريا
الهويات المتعددة والمتشعبة التي تطفو على الوجه السوري كفيلة بأن تجعل هذه البقعة الجغرافية ساحة معركة تكرارية ولا نهائية. فما دمت لا أتوفر إلا على صيغ معينة من الانتماء، وهي الصيغة الأسوأ، وهنا نقصد الانتماء للهوية، فإن الآخر المختلف عني سيتحول في ذات اللحظة إلى عدو.
فباعتباري أملك هويةً فريدةً تستلف من الأنا جماعية عنجهيتها، فإن الآخر يصبح معدوم الخيار أمام هذا الغول الهوياتي، فإما أن يضطر إلى الإدماج معي أو يتعرض إلى النفي الوجودي.
القتل العبثي والهوية القاتلة
إن هذا الفائض اللاعقلاني من المواجهة بين الهويات، سواء الطائفية أو العرقية أو الدينية أو الجهوية، يحوّل الإنسان السوري إما إلى قاتل أو مقتول، ومن ثم فهو مضطر إلى أن يستملك على استراتيجية معينة لكيفية الحفاظ على نفسه، وذلك من خلال الانتماء إلى الجماعة الهووية القادرة على المواجهة.
فكل قاتلٍ هوي هو في كينونته قاتلٌ جبان. إنه لا يملك مقدرةً حيويةً للحفاظ على ذاته المرهقة إلا بعملية قتل الآخر، فهو دائماً يعيش أزمة خوف. ومن ثم تخوض الجماعة عملية قتل عبثية، إذ إن القتال الهووي مجردٌ من أي هدف أخلاقي.
القتال الطائفي
الاقتتال الطائفي مثلاً لا يظهر فقط لأنه مدفوع بكراهيةٍ تجاه الآخر، بمعنى أنه غير مجبولٍ فقط بالحالة السايكولوجية. إن أساس الاقتتال الطائفي إنما يحمل على بُعده الحيواني، وهي غريزة المحافظة على الذات.
وبكرّةٍ واحدة، فإن الاستعمال الهوياتي، سواء بشكله الطائفي أو العرقي أو الجهوي لخلق عملية الانتماء، إنما هو في مضمونه أسوأ أنواع الانتماء. إنه الشكل البدائي والحيواني للبشر، التي لطالما نهضت الثقافات واختلطت وتدامجت وتمازجت لإزاحة هذا الشكل العنيف في مقابل اقتراح أشكالٍ حيويةٍ أخرى من أنثروبولوجيتنا.
الموت بلا معنى
إن السني داخل البقعة السورية عندما يقتل علوياً أو بالعكس، فإنه يقدم هذا العمق العقيم والبدائي للانتماء. إنه في تلك اللحظة يستقيل من أنثروبولوجيته ويقدم أسخف نمط من أنماط الانتماء.
وهنا يتحول القتل إلى موت بلا معنى أو بلا هدف، ومن ثم يصبح القتل عددياً لا يحمل بين جنباته أية رؤية. إن الاقتتال الطائفي ليس ممارسةً للعنف، فحتى العنف يحمل في داخله بعض الجماليات.
غياب الليفياثان السوري
أمام هذا الفائض من القتل، يقترح هوبز حلاً من الخارج، أي ينتج هوبز مصدراً خارجياً هو بمثابة “الأنا القاهرة”، أو كما يسميه الفيلسوف الفرنسي جاك لاكان “الآخر الكبير”، الذي يستطيع أن يضبط هذه الطوائف بما تمتلكه من قوة عنيفة وشرعية قادرة على ضبط الهويات.
ما نشاهده داخل سوريا الجديدة من احتكار حمل السلاح وضبط الجماعات المسلحة وتوحيد الجيش هي كلها تنويعات على مقترح هوبز، والذي سميناه “ابتزاز الجماعة”. ولكن ما نفتقده في الحالة السورية هو العامل السايكولوجي، وهو ما ينبهنا إليه هوبز: أن مفهوم بناء الدولة يبدأ كحالة سايكولوجية.
نحو تعديل الشعور الاجتماعي
ما يتطلبه الوضع السوري ليس إنتاج برامج سياسية أو إدارية، بل إعادة بناء الهيكلية الاجتماعية، بمعنى آخر تعديل الشعور الاجتماعي وإنتاج الثقة بين المجتمعات من خلال طرح سيسيولوجيا مغايرة.
السؤال الآن: هل يمكن لسوريا أن تنتج “ليفياثان” خاصاً بها؟ المشكلة لا تكمن في طرح الليفياثان، بل في أن أي مغامرة في إنتاج ليفياثان جديد قد لا تخرج عن مغامرة إعادة إنتاج النظام السابق.
حدثَ جدلٌ كبيرٌ حولَ تعديل بعض العبارات والمفاهيم في المناهج الدراسية في سوريا- بعد انتصار (الثورة) وسقوط النظام السابق. ومن أكثر الأمور إثارةً للجدل عبارةٌ تمّ تعديلها، تهدّدُ السلمَ الأهليّ والانتماءَ الوطنيّ.
وأمّا القديمةُ والتي كانت معتمدةً في كتاب الديانة الإسلامية، تقولُ إنّ معنى (المغضوب عليهم، والضّالين) هو(المُبتعدون عن سُبل الخير)، وتمّ تعديلها إلى (اليهود والنصارى)!
قبلَ أن نتحدّثَ عن بناء نظامٍ سياسيّ في سوريا، يجبُ أن نعملَ على بناء نظامٍ تشاركيّ- وطني- ثقافي- وسلوكيّ؛ نظامٍ مواطنيّ- إنسانيّ، يجعلُ سوريا تقفُ على قدمين صلبتين، والكلامٌ ينطبقُ على دول شرقنا البائسِ كلها.
في قضايا الاعتقاد، القرآنُ لا يتهاون ولو بقيد شَعره، ولكنّ الحسابَ عليها يومَ القيامة، أمّا في قضايا التعايش، فإنه يدعو إلى السلم الأهليّ، حتى مع المختلف معك عقائدياً.
مع الأسف، كثيرٌ منا يظنّ أنّ المغضوبَ عليهم والضالين هم اليهودُ والنصارى، وهذا رأيٌ بشريّ مخالفٌ للقرآن، وتفسيرهُ كارهٌ للآخر، رافضٌ للعيش معه، يساعدُ على ثقافة القطيعة ويهدّد السلمَ الأهليّ.
هذا فهمٌ سلفيّ، وعند العَوام يعتمدُ على حديثٍ آحاد، عن عديّ بن حاتم، رواه الترمذيّ والإمام أحمد، وقال عنه علماءُ الحديث السابقون أنه ضعيف سنداً ومتناً: ” لعنَ اللهُ اليهودَ والنصارى، اتّخذوا من قبور أوليائهم مساجدَ..”، إذ كيف يلعنهم الرسولُ والمسلمون قد اتّخذوا من قبر نبيّهم مسجداً! كما اتّخذوا من قبور الصحابة وآل البيت والأئمة مساجدَ!
كيف يلعنهم وقد طلبَ من أصحابه اللجوءَ إلى نصارى الحبشة! كيف يلعنهم وقد تزوّج منهم ماريّة القبطية! كيف يلعنهم وقد سمحَ للأحباش أن يحتفلوا بقدّاسهم في مسجده! كيف يلعنهم وقد وقّع مع اليهود ميثاقاً وطنياً من خلال صحيفة المدينة!…
فالحديثُ مخالفٌ لعمل المسلمين وسنّة النبيّ، وهذا كافٍ لإبطاله؛ كما لا توجدُ فتوىً تراثية تقولُ بالدعاء على اليهود والنصارى كما يفعل خطباء اليوم، وهذا الدعاءُ ظهرَ على المنابر في المرة الأولى أثناء الحملات الصليبية، وتمّ استثمارُه وإحياؤه عند احتلال فلسطين، فلا يجوزُ الدعاءُ بالسوء على أيّ طائفةٍ أو جماعةٍ بعينها، حتى لو كنتَ تختلف معهم سياسياً أو عقائدياً؛ إذ يبدأ الوعيُ الحقيقيّ وتُبنى البلادُ عندما يكون التديّنُ شأناً فردياً والقيم الإنسانية شأناً وثقافةً جمعية، ومن فقدَ إنسانيته بطلَ تديّنه.
دعونا من أصحاب التفسير والأثر، وتعالوا لنرى القرآنَ وكيف ينظرُ ويوجّه ويحكمُ ويفسّر لنا مَن هم (المغضوب عليهم والضالون)؛ وهو ما يمكن الاعتماد عليه بمصطلح (تفسير القرآن بالقرآن)؛ هذا القرآن الذي دعا دوماً إلى ثقافة التشاركية لا إلى ثقافة القطيعة، يقول تعالى: ( يا أيها الناسُ، إنّا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم، إنّ اللهَ عليمٌ خبير).( الحجرات 13)
فالضالون هم الذين يؤذون الناسَ، ولا يعملون الصالحاتِ، والدليلُ قوله تعالى في سورة المؤمنين: ( قالوا ربنا غلبَتْ علينا شقوتُنا، وكنّا قوماً ضالّين)(المؤمنون 106). أيضاً هم القانطون من رحمة الله، كما في سورة الحجر: ( ومَن يقنط من رحمة ربّه إلاّ الضالون)(الحجر 56). أيضاً الطغاة والبُغاة، كما في سورة المطففين: ( وإذا رأوهم قالوا إنّ هؤلاء لضالّون)(المطففين 32).
أمّا المغضوب عليهم، فهو القاتلُ،: (ومن يقتلْ مؤمَناً متعمّداً فجزاؤهُ جهنّمُ خالداً فيها وغضبَ اللهُ عليه وأعدّ له عذاباً عظيماً)(النساء 93). وكذلك الظانّ بالله ظنّ السوء، يقول تعالى في سورة الفتح: (الظانين بالله ظنّ السوء عليهم دائرة السوء وغضب اللهُ عليهم ولعنهم..)(الفتح 6). أيضاً من المغضوب عليهم شهداءُ الزور، يقول تعالى: (ألم ترَ إلى الذين تولّوا قوماً غضبَ اللهُ عليهم، ما هم منكم ولا منهم، ويحلفون على الكذب وهم يعلمون)(المجادلة 14).
إذاً، المغضوبُ عليهم والضالون من الممكن أن يكونوا من أمّة محمد أو عيسى أو موسى.. أو أي ملّة أخرى، فهم غيرُ محصورين بجماعةٍ محدّدة.
الملاحظة الأهمّ هي أنّ كلّ الآيات التي تصف المغضوب عليهم والضالين تتحدث عن الأخلاق والسلوكيات، فالأخلاقُ هي الأساسُ، والشعائرُ الدينية إن لم تُنتجْ أخلاقاً مع الآخر فهي مسيئةٌ للدين الذي يحملها، لذلك قال سبحانه وتعالى:(أرأيتَ الذي يكذّب بالدّين..)، لم يقلْ: بالإسلام أو بالمسيحية، ثم ذكرَ صفاتٍ إنسانية أخلاقية: (فذلك الذي يدعّ اليتيم، ولا يحضّ على طعام المسكين)(الماعون 2). وبملاحظة عدد آيات العبادات في القرآن نجدها 130 آية، من أصل 6236 آية، بمعدّل نسبة 2% بينما آيات الأخلاق عددها في القرآن 1504 آيات، بمعدل 24%، ومما سبقَ نجد أنّ المغضوبَ عليهم والضالين صفةٌ أخلاقية لا عقائدية، وهنا المشكلة، كما أنها صفةٌ ليست دائمة، بل لازمة للموصوف بها ما دام الفعلُ لازماً لسلوكه، وتنتفي الصفةُ عنه بالإقلاع عنها.
لا توجدُ في القرآن إطلاقاً دعوةٌ لكراهية اليهود والنصارى، كما لا يوجدُ إطلاقاً وضعُ مِلّةٍ كلّها في سلّة واحدة، ولنسمع ماذا قال القرآن عن اليهود: (وقطّعناهم في الأرض أمماً، منهم الصالحون، ومنهم دون ذلك)(الأعراف 168)، انظروا في أدبيات القرآن الجميلة. وعندما تحدّث عن المسيحية قال: (ولتجدنّ أقربهم مودّةً للذين آمنوا الذين قالوا إنّا نصارى، ذلك بأنّ منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون)(المائدة 82). هذا بالنتيجة يعني أنّ المغضوبَ عليهم والضالين قد يكونوا من أي ملّةٍ.
بقيت مسألة: هل اليهودُ والنصارى كفّارٌ بالنسبة لنا كمسلمين؟ وليكن الجوابُ كذلك من القرآن لا من عندي، آيتين ربما آخر ما نزل من القرآن، في البقرة والمائدة: ( إنّ الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين، من آمن بالله واليوم الآخر، وعملَ صالحاً، فلهم أجرهم عند ربّهم، ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون )(البقرة 62)، فهل تحاسبُ آخر لأنه مختلفٌ معك عقائدياً! إذن أنت تتألّه على الله وتخالف القرآن- القائل: ( إنّ الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إنّ اللهَ يفصلُ بينهم يومَ القيامة، إنّ اللهَ على كلّ شيءٍ شهيد)(الحج 17)، لا أن تفصلَ أنت بينهم.
في هذا السياق، يحضرني مقتبسٌ من كتاب (الذات الجريحة)- الدكتور العراقي سليم مطر، حيث كتب : ” إنّ الدافعَ الأول للجوء إلى الدكتاتورية لأيّ سلطة جديدة هو ضعفُ القاعدة الاجتماعية للفئة الحاكمة، بسبب الاعتماد على أقلية لا تمثل إلا جزءاً من الشعب، مثل تجمّع عشائري أو طائفي أو ديني أو مناطقي أو سياسي أيديولوجي.. أو كلها معاً.
فمن أجل تعويض ضعف القاعدة الاجتماعية للسلطة يتم الاعتمادُ على الأجهزة الأمنية والحزبية القمعية، وبقدر ما تتمكن الدولة من تمثيل مختلف الفئات الدينية واللغوية والمناطقية والأثنية، بقدر ما تضطر بدرجة أقل لاستعمال القوة في ديمومة سلطتها
إنّ الديمقراطية لا تقوم إلا في الدولة القوية، ولا تكون الدولة قوية إلا بمدى قدرتها على تمثيل أوسع قاعدة من فئات الوطن، والدولة لا يمكنها أن تمثل كلّ تنوعات المجتمع من دون امتلاك أساسٍ (فكري تاريخي تربوي) وطني وشامل متفق عليه من قبل جميع هذه التنوعات، مهما اختلفت قناعاتها ومشاريعها السياسية.
فمن دون هوية وطنية موحدة لا يمكن أن توجد دولة وطنية موحدة، وإلا فإنّ العنفَ البوليسي والحروب الخارجية هي الوسيلة الوحيدة لديمومة الدولة التي لا تستند على هويةٍ وطنية متكاملة موحدة.
إنّ الحاجةَ لبناء هويةٍ وطنية موحدة هي حاجة إنسانية ملحّة، فأية مجموعة لا يمكن أن تمضي حياتها تعيش في رقعة واحدة وتشترك في تفاصيل الحياة اليومية من دون حدّ أدنى من الشعور بالانتماء لمثلٍ أو فكرة مشتركة؛ فليس هناك فردٌ أو جماعة يختار طواعية عدمَ الارتباط ببلاده وأبناء بلاده. إنه أمرٌ قاسٍ ومتعب أن تشعرَ بالاغتراب عن أناسٍ تتعايش معهم كلّ يومٍ وتشاركهم الأرضَ والهواء والماء والسماء. ”
في حياة كل واحد فينا لحظة بيقف فيها ويسأل نفسه: “هو ده اللي أنا عايزه؟” ساعات الإجابة بتكون لأ. ساعات بنحس إن اللي فات كان مجرد بروفة، وإننا محتاجين نعيد المشهد كله من الأول.
بس بقى… وإيه يعني؟ وإيه يعني نبدأ من الصفر؟ البدايات الجديدة مش ضعف ولا هروب، دي جرأة، قوة، وخطوة أولى عشان نعيش الحياة اللي نستحقها.
البداية: فرصة مش عقاب
البداية الجديدة دايمًا بتخوف. كأنك واقف قدام بحر كبير ومش عارف المياه دي دافية ولا ساقعة، سهلة ولا فيها أمواج. بس لو فضلت واقف مكانك، عمرك ما هتعرف. المشكلة مش في إنك تبدأ، المشكلة الحقيقية في إنك تفضل واقف متردد.
“البداية مش هروب من الماضي، دي إعلان إنك مش مستعد تستسلم.”
كل حاجة جديدة بتبدأ بخطوة
فكّر كده، كل حاجة في حياتك بدأتها بخطوة واحدة. أول مرة اتعلمت تمشي، أول مرة ركبت عجلة، وأول مرة جربت حاجة كنت خايف منها. البدايات الجديدة زي كده بالظبط. الخطوة الأولى صعبة، بس بعد كده كل حاجة بتتزبط.
“أصعب خطوة في أي رحلة هي أول خطوة… بس برضه هي أهم خطوة.”
الماضي مش حمل.. هو درس
كل واحد فينا شايل معاه شوية تجارب صعبة، حاجات تعبته أو كسرته. بس مين قال إن الماضي لازم يفضل شبح؟ إحنا مش مطالبين نمسح الماضي، إحنا مطالبين نتعلم منه. أي درس مر بيك هو نقطة نور في طريق جديد هترسمه بنفسك.
“مافيش حاجة اسمها فشل، فيه حاجة اسمها: أنا اتعلمت وماينفعش أكرر الغلط تاني.”
البدايات الجديدة: لوحة ترسمها بإيدك
تخيل إنك رسام واقف قدام لوحة فاضية، ومسك فرشة الألوان. كل لون هتحطه هو قرار، وكل خط هو خطوة. اللوحة دي مش هتكون كاملة من أول مرة، بس مع كل لمسة هتلاقي نفسك أقرب للصورة اللي في خيالك.
“مش لازم تكون البداية مثالية، المهم إنها تكون حقيقية.”
والخوف؟
آه الخوف موجود، ده طبيعي. كلنا بنخاف من المجهول، من الغلط، ومن كلام الناس. بس اسمعني كده: الناس اللي بيتكلموا، هما نفسهم اللي مش عارفين يتحركوا. وأنت؟ أنت اللي قررت تتحرك، حتى لو كنت خايف.
“الخوف مش عيب، العيب إنك تسيبه يمنعك تعيش حياتك.”
مشهد النهاية: لسه بعيد
الأجمل في البدايات الجديدة إنها مالهاش نهاية. دايمًا هتلاقي نفسك بتتعلم حاجة جديدة، بتاخد قرار جديد، وبتكتب مشاهد أحلى في قصتك. البدايات دي هي الطريقة اللي بنقول بيها: لسه عندي كتير أعيشه وأعمله.
“الحياة مش فيلم ليه نهاية محددة، هي سلسلة حلقات أنت اللي بتكتبها.”
الفكرة كلها
الفكرة مش في إنك تكون عارف الطريق كله، الفكرة إنك تبدأ. خليك مرن مع نفسك، صدق إنك تستحق فرصة جديدة، وابني الحكاية اللي تليق بيك.
“وإيه يعني نبدأ من الصفر؟” الجملة دي مش بس عنوان، دي شعار لحياتك الجديدة. افتكر دايمًا:
“أنت مش الصفر، أنت البداية.”
يشيعُ في بلاد مصرَ والشام والعراق استعمالُ كلمة( الاستكراد )، يتداولها العامةُ للتعبير عن موقفٍ أو حال. ولكي يثبتَ المرءُ في هذه البلاد أنه ليس غبياً أو بهلولاً، في حديثٍ أو مجلسٍ أو معاملة، يلفظها علناً: (أنا لستُ كردياً). وإذا أراد الواحدُ أن يثبتَ للآخر أنه ذكي وليس أحمقاً حتى تنطلي عليه الحيلةُ، يحذّرهُ بقوله: أتستكردني؟!
الاستكرادُ لفظةٌ مؤذيةٌ جداً للأكراد، وهم يسمعون الناسَ يتبرؤون منهم ليثبتوا أنهم ليسوا بحمقى!
إنّ كلمةَ الاستكراد- التي خرجت من عند المصريين أولاً- كانت في بداية الأمر مديحاً، ولقباً يُطلَق للمجاملة على غير الأكراد، تقديراً لهم ومبالغةً في احترامهم. فالأكرادُ الذين حكموا مصرَ والدول المجاورة لها أيام السلطان صلاح الدين الأيوبي، اُشتهروا بالعدل والمعاملة الحسنة مع الناس، على أنّ الحكّام والقادة قبلهم ومن جاء بعدهم أيضاً من المماليك كانوا على النقيض من ذلك، برفع الضرائب على العامة وضربهم وتعذيبهم، وتودّدهم للإفرنجة الذين لم يلقوا من عامة المسلمين سوى الكراهية والرفض.
الأكراد- إذ لم يتساهلوا في مواجهة الصليبيين- لانت وتواضعت نفوسهم لعامة الناس في مصرَ وغيرها من الأمصار التي حكموها. واقترنَ عند الناس العدلُ والأخلاق الحسنة بالعنوان الكرديّ، نظراً لكون الحكّام والقادةُ الكبار في الدولة كانوا أكراداً، فأسد الدين شيركو وصلاح الدين الأيوبي وقاضي القضاة والقاضي الفاضل وقادةُ الديوان والجيش في معظمهم كانوا كُرداً.
ومن هنا فإنّ الناسَ البسطاء في مصرَ كانوا يجاملون الشرطة وحرّاسَ السجون والضباط الصغار في الجيش من المصريين بإطلاق لقب (الكردي )عليهم، لتبجيلهم وتعظيمهم عبرَ تشبيههم بطبقة الحكّام والأشراف في الدولة. والسببُ في أغلب الأوقات كان من أجل تجنّب الأذى من الشرطة وحراس السجون، وأحياناً في سبيل نيل الحاجات.
وحين كان الواحدُ يطلقُ لقبَ (الكردي) على أيّ شخصٍ في ذلك العهد، كان يعني بمثابة تشريفٍ للمقام وتعظيمٍ للشأن. لكنّ المصريين أفرطوا في استعمال المدح لرجالهم بالوصف الكرديّ، حتى كان السارقُ والمحتالُ والزاني ومن ارتكبوا جرائمَ مختلفة يتوسّلون إلى سجّانيهم وشرطتهم ألاّ يعذبوهم، بإطلاق اللقب الكردي عليهم: أنتَ كرديّ ولا تظلم. أنتَ كردي أي أنك طيبٌ ومتسامح.
لكنّ الشرطةَ وحرّاسَ السجون الذين كانوا يصرّون على إذاقة هؤلاء العذاب والضرب كانوا يردّون فوراً: (أتستكردني)!، أنا لستُ كردياً، وسأشبعكَ ضرباً. وهكذا بمرور الزمن تبدّلَ المفهومُ تدريجياً من مدحٍ إلى قدح. وأصبح القولُ (أنتَ كرديّ) حيلةً لنيل مرامٍ غير مقبول. وحتى يتخلّص المسؤولُ أو القائمُ على الشأن من الإحراج كان يجيب: (لا تستكردني. أنا لستُ كردياً). وهكذا، وربما لسوء حظّ الأكراد وطالعهم، أصبح عنوانهم الذي أوحى بالمجد والمديح إلى كلمةٍ متداولة لدى عامة شعوب المنطقة، تحملُ معنىً سلبياً، وذلك لتقطّع أسباب معرفة أصول الكلمة عندهم، أو الجذر الثقافي لهذه الشتيمة.
مظلومية الشعب الكردي
ملاحظة 1: الشعب الكردي من أكثر الشعوب مظلوميةً في العالم. ورغم ذلك لم يذكر التاريخ أنّ الأكرادَ احتلوا أرضَ أحدٍ ليتوسّعوا على حساب شعوبٍ أخرى، أو ليقوموا بإبادة شعبٍ آخر بهدف السيطرة عليه، كما فعل جيرانهم العربُ والفرس والترك، الذين امتلأ تاريخهم بالسواد بغرض بقائهم على مدى التاريخ.
ملاحظة2: إنّ المصريين أكثرُ ميلاً من الشعوب الأخرى إلى الفكاهة وإطلاق الأوصاف على الجميع، وحتى على أنفسهم (الصعايدة مثلاً عندهم والنوبيين) سخريةً وتفريغاً لشحنات الغضب والإحباط الناتجة عن الأزمات المعيشية المتلاحقة.
الطريفُ في الأمر أنه طالما استكردَ العالمُ بعضه البعض منذ مئات السنين! ومنذ 13 عاماً والنظام يستكردُ الشعبَ بقوله: انتهى الأمر والأمور بخير، والمعارضةُ تستكردُ العالم بقولها: سننتصرُ بإرادتنا ومبادئنا. والروسُ يستكردون تركيا، والأتراكُ يستكردون الجماعات والفصائل المسلحة بتسميتهم (الجيش الوطني الحرّ).. والآن جاء الجولاني ليستكردَ الجميع بخارطة طريقه الإرهابية.
وبما أنّ الجميعَ يحاولُ أن يستكردَ الجميع، فإنّ الجماهيرَ والشعبَ السوري قد يتحوّلُ في عام 2025 إلى أكراد!
السنة دي مش مجرد أيام بتعدي، دي قرار… قرار إنك تكون المتحكم مش المتحكم به. قبل ما تستعد للسنة الجديدة 2025، محتاج تقف مع نفسك وقفة صادقة وتسأل: إيه اللي فعلاً يستاهل أكمله معايا؟ وإيه اللي لازم أسيبه ورايا؟
هات ورقة وقلم، وتعالى نخطط مع بعض:
• إيه الأفكار اللي فعلاً هتساعدني أحقق أهدافي؟
فكر: هل عندك معتقدات أو أفكار موقفاك؟ يمكن تكون الفكرة دي عن نفسك أو عن قدراتك. هل تستاهل تفضل متمسك بيها؟
• إيه المشاعر اللي محتاجها عشان أعيش حياة مليانة فرحة وبهجة؟
يمكن تكون محتاج تسيب مشاعر الذنب، الخوف، أو حتى الضغط المستمر. وتاخد معاك شعور حب غير مشروط لنفسك، وامتنان على أبسط النِعم.
• مين الأشخاص اللي وجودهم بيضيف لحياتك جمال؟
العلاقات اللي بتديك دعم، حب، ومرح، محتاج تحافظ عليها. أما العلاقات اللي بتستنزفك، يمكن حان وقت إعادة تقييمها.
• إيه اللي محتاجه في صحتك الجسدية؟
جسمك شريكك في رحلتك، فكر في الخطوات اللي هتخليك أكثر صحة وقوة، عشان تقدر تستمتع بإنجازاتك.
وأخيراً، اسأل نفسك: أنت مين دلوقتي؟ وعايز تكون إيه؟
اللحظة الحالية هي بداية رحلتك، قراراتك هي اللي هتصنع 2025. حدد أولوياتك، قرر مصيرك، اختار اللي يناسبك، وتجاوز كل حاجة بتعطلك.
السنة الجديدة مش هدية، هي فرصة… والفرص بتحتاج شجاعة. إيه قرارك؟
ابدأ عامك الجديد بنقاء داخلي ووضوح
قبل ما تبدأ صفحة جديدة في 2025، خد وقتك تعمل عملية “جرد وغربلة” شاملة لكل جوانب حياتك. زي ما بتنضف مكانك لما تحس بالفوضى، محتاج تنضف حياتك عشان تديها مساحة للأشياء الجديدة والمبهجة.
• اجرد من حياتك الماضي المؤلم والذكريات السيئة.
مفيش داعي تحبس نفسك في أحداث انتهت أو لحظات مكنتش الأفضل. سامح، مش عشان اللي حصل، لكن عشان نفسك تستحق تعيش بسلام.
• ابعد عن الأشخاص المؤذيين والمستنزفين.
اللي مش بيضيف لحياتك حب، دعم، أو طاقة إيجابية، وجودهم عبء مش لازم تشيله معاك السنة الجديدة.
• نظف فوضى يومك ومسؤولياتك.
هل في مسؤوليات مش بتاعتك، لكن شايلها عشان عادات أو ضغط من اللي حواليك؟ حان الوقت تقول “لا”.
• اجرد هاتفك.
امسح الأرقام اللي بقت مصدر توتر أو حزن، الصور والمقاطع اللي بتحمل ذكريات مؤلمة. موبايلك مش ألبوم للماضي، خليه أداة لبناء مستقبلك.
• اجرد دولابك.
الملابس اللي مش بتلبسها، والأشياء اللي بقت مجرد حِمل، تخلص منها. اديهم لحد يستفيد، وافتح مساحة لشيء جديد يناسبك.
• نظف ذكرياتك وقلبك.
العقل والقلب محتاجين تنظيف دوري زي أي مكان. شيل الخوف، شيل الحزن، وابدأ تدي نفسك فرصة للحب، الأمل، والفرحة.
لما تملأ قلبك بالحب والامتنان، هتشوف الفرق مش بس في إحساسك، لكن في كل تفاصيل حياتك. هتلاقي نفسك أكثر خفة، أكثر بهجة، وأكثر استعداداً لاحتضان كل حاجة حلوة جاية في 2025.
السنة الجديدة هي فرصتك تكون النسخة الأفضل من نفسك. القرار ليك، وأنت تستحق الأفضل.
حرر الماضي، لتصنع مساحة للمستقبل
في علم الطاقات، كل شيء حولك يحمل طاقة، حتى الصور اللي بنشوفها عادية. الصور اللي في تليفونك، ألبومات ذكرياتك، وحتى الأشياء الصغيرة اللي تحتفظ بيها بدون وعي، ممكن تكون سبب في تعطيل طاقتك.
فكر في ده: عايز علاقتك بنفسك أو بشخص جديد تزدهر، لكنك لسه ماسك في صور أو ذكريات لعلاقة سابقة انتهت؟ ده مش بس بيربطك بالماضي، لكنه بيمنع المستقبل من الدخول لأنه ببساطة “مالوش مكان..
و ده عن تجربة..جربها بنفسك و مش هتصدق نفسك، لو شخص بعد عنك فجأة هيرجع ولو شخص عايزه يقرب هيقرب بمجرد تخليك عن الماضي بخطوة بسيطة..
دور في حياتك:
• إيه الحاجة اللي ماسك فيها وبتمنع التغيير؟
• فين مساحة حياتك اللي مليانة فوضى ومحتاجة ترتيب؟
يمكن تلاقي إنه مجرد خطوة بسيطة، زي مسح صورة، التبرع بقطعة قديمة، أو كتابة صفحة تعبر فيها عن اللي جواك، ممكن تخلق تغيير كبير في حياتك.
اسأل نفسك:
• إيه الشيء اللي ممكن أجربه عشان أفتح باب جديد؟
• إيه التغيير البسيط اللي ممكن أعمله النهاردة، بس تأثيره يفضل معايا سنين؟
تذكر، الماضي مكانه وراك، لكن المستقبل محتاجك دلوقتي. احذف، حرر، وابدأ تصنع مساحة لكل اللي بتحلم بيه. لأن اللي جاي دايماً بيستاهل.
سارة مجدي
أنا دايمًا كنت بعاني من قلق شديد وتعلق للسيطرة على أي حاجة في حياتي..بحاول اعمل الصح و افضل مركزة علي النتيجة..يعني اشتغل واعمل اللي عليا و احسن حاجة و استني ترقية، اعامل شخص بشكل كويس و استني نتيجة معينة انه مثلاً يقدرني و يعاملني بطريقة في خيالي..
قضيت سنين بحاول اسيطر وعشان أوصل لمرحلة التسليم وان مش هقدر اتحكم في حاجة، بقع وأقوم زي طفل لسه بيتعلم المشي..
حاولت أتعلم وأدرب نفسي، وكنت بنجح أوقات وأوقات لأ. فكرة إني مش محبوبة أو مش مقبولة عند شخص كانت عاملة زي إحساس تقيل فوق صدري زي الجبل، وخلتني أتعامل مع مواقف كتير بطريقة أسوأ بسبب إني بحاول دايمًا أرضي الناس. ودي حاجة مش فخورة بيها خالص.
في مرة شفت فيديو صدفة على الإنستجرام لكاتبة اسمها ميل روبينز. الفيديو كان عن حاجة اسمها نظرية “Let Them”، ولما شفت الفيديو حسيت إنه لمسني جدًا. النظرية دي علقت في دماغي بطريقة مش عارفة أنساها، ومن وقتها غيرت حياتي تمامًا..
إيه هي نظرية “Let Them”؟
ميل روبينز شرحت النظرية بطريقة بسيطة جدًا، وقالت: “لو أصحابك مش عازمينك على الغدا الأسبوع ده… سيبهم.
لو الشخص اللي معجبة بيه مش عايز يدخل في علاقة جدية… سيبيه.” الموضوع شكله بسيط جدًا في الأول، بس لما تفكر فيه بجد، مش سهل في التطبيق، خصوصًا لو كنت زيي..
الفكرة الأساسية إننا بنضيع وقت ومجهود كبير عشان نحاول نخلي الناس يتصرفوا بالطريقة اللي إحنا عايزينها.
النظرية بتقول إنك تسيبهم يتصرفوا على طبيعتهم. الناس هتبان على حقيقتهم من خلال تصرفاتهم، وانت مش محتاج تعمل حاجة غير إنك “تسيبهم”. القرار اللي بجد بيكون عندك هو إنت هتتصرف إزاي تجاه ده.
النظرية دي بتشتغل إزاي؟
غلوريا زانغ، معالجة نفسية ومقدمة برنامج “The Inner Child Podcast”، قالت إن النظرية دي بتخلينا نتحرر من مسؤولية إننا نحاول نسيطر على حاجات برا نطاق تحكمنا. وأكدت إنك عمرك ما تقدر تجبر حد يتصرف بطريقة مش عايزها. ولو حاولت، النتيجة دايمًا هتكون خوف وزعل أكتر.
الكلام ده لمسني جدًا، خصوصًا إني قضيت وقت طويل في حياتي بفكر في قراراتي بناءً على رد فعل الناس، وده خلاني أنسى أنا أصلاً عايزة إيه.
الفكرة بسيطة جدًا: مش هتقدر تتحكم في الناس، لا أفعالهم ولا كلامهم ولا تصرفاتهم. الحاجة الوحيدة اللي تقدر تتحكم فيها هي انت.
اتعلم تسيب الناس يبقوا هما “نفسهم”
اتعلمت إني لازم أقبل الناس على حقيقتهم، سواء كانوا زي ما بحبهم أو لا. دايمًا كنت حاسة بضغوط إني أعيش بالشكل اللي الناس متوقعاه مني، وده خلاني أطبق نفس الضغط على الناس اللي حواليا.
بقيت أسأل نفسي سؤال مهم: “هل أنا بتعامل مع الشخص ده على حقيقته، ولا على الصورة اللي أنا عايزاها؟” لو الإجابة إن ده عن الصورة اللي في دماغي، بعرف إن ده وقت إني أعيد التفكير في نفسي.
كل ما أركز أكتر على قبول الناس كما هما، بشوفهم وبشوف نفسي بوضوح أكتر… حتى لو ده معناه إن الحقيقة مش دايمًا جميلة.
إزاي النظرية غيرت علاقاتي؟
أي نمو أو تطور بيجي دايمًا مع إحساس بعدم الراحة، وده مش حاجة جديدة. لما بواجه حقيقة أي شخص زي ما هو، بقدر أعمل قرارات أوعى عن نفسي وعن نوعية الناس اللي أنا عايز أحيط نفسي بيهم. نظرية “Let Them” أجبرتني أركز على نفسي: إزاي بتعامل مع المواقف اللي بتضغطني، وإيه أنماط التفكير اللي بتتكرر عندي، والمناطق اللي محتاجة تحسين وتطوير.
روبينز بتسمي ده “حماية السلام العاطفي”، والنظرية كمان بتخليني أبعد عن التدخل في حياة الناس وأركز أكتر على حياتي. أنا مش مثالية، بس بقيت أسمح لنفسي أغلط، وأسيب اللي حواليا يغلطوا هم كمان. ببطّل أحاول أسيطر على آراء الناس وقراراتهم. والأهم من كل ده، بقيت أقبل الحياة على حقيقتها، في كل نواحي حياتي.
و ساعات بضعف و بحاول أقول اللي كنت متوقعاه من الشخص اللي خذلني..بس برجع افكر نفسي ان الشخص التاني اختار الاختيار ده بناء علي تفكيره و تقديره ومش هقدر اغير ده حتي لو واجعني..فبسيبه. بسيب الشخص يتصرف زي ما هو بيتصرف و بفكر نفسي مش هينفع اخلي شخص يحبني او يعمل اللي بحبه و هو مش عايز..لان في الاخر ده هيأذي مشاعري انا..و الشخص لو مش مقرر يتغير او يعمل اللي يفرحني أنا اللي هزعل و هتضغط.
الحقيقة إن تطبيق نظرية “Let Them” مش سهل، لكنه مريح لقلبك.
دايماً بفكر نفسي أقبل الناس زي ما هما بدل ما أحاول أغيرهم وده خلاني أتحرر من حمل ثقيل، وبدأت أشوف الحياة بمنظور جديد. مفيش حاجة أحسن من إنك تلاقي السلام جوا نفسك، وتدرك إن قوتك الحقيقية في اختيار ردود أفعالك، مش في التحكم في حياة الآخرين.
أنا لسه بتعلم، ولسه بغلط، لكن لأول مرة في حياتي بحس إني خفيفة… مش مجبرة أثبت حاجة لحد، مش مجبورة أعيش على توقعات الناس. بعيش لحظاتي بحقيقتها، وأدي نفسي وللي حواليا المساحة نكون زي ما إحنا. وفي ده، لقيت نوع من الحرية ماكنتش فاكرة إنها موجودة.
فلو كنت بتدور على طريقة تريح قلبك وتخفف عنك، جرب إنك تسيب الأمور تمشي بطبيعتها… وسيبهم. أوقات كتير، ده بيكون أكبر هدية ممكن تقدمها لنفسك.
في ظل عالم يموج بالأزمات والتحولات السياسية، طُرحت نظرية الفوضى الخلاقة كأداة استراتيجية استخدمتها القوى الكبرى لإعادة صياغة المنطقة العربية وفق مصالحها الخاصة. ورغم الجدل الذي أثارته، فإن آثارها المباشرة كانت واضحة في عدد من الدول العربية التي عصفت بها رياح هذه النظرية، والتي لم تكن مجرد أفكار نظرية بل تطبيقات عملية هدفت إلى تفكيك المجتمعات وإعادة تشكيلها وفق قوالب جديدة.
ترجع جذور مصطلح الفوضى الخلاقة إلى الفيلسوف اليهودي برنارد لويس، الذي رأى في الفوضى وسيلة لإعادة بناء المجتمعات بما يخدم المصالح الكبرى للقوى العالمية. وقدمت هذه النظرية نفسها كحالة من الاضطراب المتعمد الذي يُحدث تغييرات جذرية في بنية المجتمعات. وبالنسبة للشرق الأوسط، كان الهدف المعلن من هذه الفوضى نشر الديمقراطية كوسيلة لمواجهة “التطرف الديني”، إلا أن التطبيق العملي للنظرية أدى إلى انهيار دول واندلاع صراعات دموية تركت شعوب المنطقة في حالة من التمزق.
الفوضى الخلاقة في الدول العربية
كانت ليبيا أحد أبرز مسارح الفوضى الخلاقة، حيث أدى التدخل الدولي للإطاحة بنظام معمر القذافي إلى انهيار الدولة. ومع غياب مؤسسات قوية تحمي البنية الاجتماعية والسياسية، تحولت البلاد إلى ساحة صراع بين الميليشيات المسلحة، وأصبحت مسرحًا لتدخلات إقليمية ودولية.
لم يكن العراق بعيدًا عن تطبيق هذه النظرية. فبعد الإطاحة بنظام صدام حسين في عام 2003، تفككت مؤسسات الدولة، وسادت حالة من الفوضى. اتسعت الصراعات الطائفية، وأصبح العراق نموذجًا مأساويًا لفقدان الأمن والاستقرار، حيث فشلت كل محاولات إعادة البناء في ظل التجاذبات الإقليمية والصراعات الداخلية.
وشهد اليمن أيضًا موجة عارمة من الاضطرابات، حيث استغلت نظرية الفوضى الخلاقة الخلافات الداخلية لتحويل البلاد إلى ساحة حرب متعددة الأطراف. انهيار الدولة المركزية، تصاعد الصراعات القبلية والطائفية، وتحول اليمن إلى أزمة إنسانية مستمرة، كانت كلها نتائج مباشرة لهذه السياسة.
أما في السودان، فقد أظهرت الأحداث الأخيرة كيف يمكن للفوضى السياسية أن تتطور إلى صراعات دموية. فبعد عقود من الانقسام والاضطرابات، دخل السودان في حلقة مفرغة من النزاعات، حيث ساهم غياب الرؤية السياسية الموحدة وضعف المؤسسات الوطنية في تحويله إلى نموذج آخر للفوضى الخلاقة.
ولقد وصلت الفوضى الخلاقة إلى ذروتها في سوريا، حيث تحولت انتفاضة شعبية إلى حرب شاملة تعددت أطرافها. التدخلات الدولية، وانقسام المعارضة، وصراع المصالح الإقليمية، كل ذلك ساهم في تحويل البلاد إلى ساحة حرب كارثية. ومع تدمير المدن، وتشريد الملايين، وتحول سوريا إلى ملعب لقوى إقليمية ودولية، أصبحت البلاد شهادة حية على الكلفة الباهظة للفوضى الخلاقة.
التجربة المصرية
وسط هذا المشهد المضطرب، برزت التجربة المصرية كحالة مغايرة أثبتت أن الوعي الشعبي والتحام مؤسسات الدولة يمكن أن يكونا حصنًا منيعًا أمام مخططات الفوضى. فمع اندلاع ثورة 30 يونيو 2013، لعب الجيش المصري دورًا محوريًا في الحفاظ على الدولة ومنعها من الانزلاق نحو الفوضى. ولم يكن الجيش وحده العامل الحاسم، بل كان المثقفون والمفكرون المصريون في طليعة المواجهة الفكرية، حيث ساهموا في توعية الشعب بمخاطر انهيار الدولة.
لقد قدمت مصر نموذجًا متكاملًا في مواجهة الفوضى الخلاقة، حيث تعاونت القيادة السياسية مع الجيش ومؤسسات الدولة لحماية البلاد من الانهيار. هذا التحالف بين الشعب والمؤسسات الوطنية أثبت أن الوقوف صفًا واحدًا أمام محاولات زعزعة الاستقرار كفيل بإفشال أي مخططات تهدف إلى نشر الفوضى.
ولإجهاض مخططات الفوضى الخلاقة هذه، يجب أن تدرك الشعوب والدول العربية أن الوقاية خير من العلاج، وأن بناء الحصانة الوطنية يتطلب رؤية شاملة تعتمد على عدة ركائز. أولًا، يجب تعزيز المؤسسات الوطنية لتكون قادرة على مواجهة الأزمات، عبر تطوير البنية الإدارية والأمنية للدولة وإبعادها عن الاستقطابات السياسية أو الأيديولوجية. ثانيًا، يجب ترسيخ ثقافة الحوار والاعتدال داخل المجتمعات، والتأكيد على قيم المواطنة التي تضمن أن تكون الولاءات للوطن وليس للطوائف أو الجماعات.
ثالثًا، يلعب التعليم دورًا رئيسيًا في بناء وعي الأجيال الجديدة، لذا يجب التركيز على تطوير المناهج التي تغرس قيم التفكير النقدي والوحدة الوطنية. رابعًا، لا بد من وجود إعلام واعٍ يكون قادرًا على كشف المؤامرات وتقديم خطاب يرفع الوعي العام بمخاطر الانزلاق إلى الفوضى. كما أن التعاون الإقليمي بين الدول العربية يعد ضروريًا لتشكيل جبهة موحدة ضد التدخلات الخارجية التي تستغل نقاط الضعف. وأخيرًا، فإن الاستثمار في الشباب باعتبارهم طاقة المستقبل، عبر توفير فرص العمل وتشجيعهم على المشاركة السياسية، هو الضمانة الحقيقية لحماية المجتمعات من أي محاولة لزعزعة استقرارها.
إذا تمكنت الشعوب والدول العربية من العمل وفق هذه الركائز، فإنها لن تكتفي بإفشال خطط الفوضى الخلاقة فحسب، بل ستفتح أبوابًا جديدة لبناء مستقبل مستقر ومزدهر للأجيال القادمة.
في علم النفس، قانون الانعكاس بيقول إن الإنسان زي المراية، حياته بتعكس أفكاره ومشاعره وأفعاله. بمعنى إن اللي بتحس بيه أو بتفكر فيه، بيترجم لطريقة تصرفك، واللي بدوره بيجذب نفس الطاقة من العالم اللي حواليك. لو كنت مليان سلبية وغضب، هتلاقي إن المواقف والأشخاص اللي بتقابلهم غالبًا بيعكسوا المشاعر دي. ولو كنت مليان إيجابية وتقبل، هتلاقي إن حياتك هتتغير للأحسن..
في كتير مش بيصدقوا في علم النفس أو قوانينها، ولا أنا كنت بصدق أنا جربت اصدق على سبيل التجربة و الفضول..قلت لنفسي مش جايز حياتي تتغير؟ هخسر ايه ؟ و أغنية الفنان محمود العسيلي في الخلفية “ما هي كده كده بايظة” و قلت اجرب ..
جالي وقت في حياتي و كان جوايا غضب و خذلان من أشخاص و مواقف و شغل مش متقدرة فيه..و فضلت مكاني، وكل حاجة مش حباها موجودة مكنش قدامي حل الا انا اجرب..
تعالوا نعرف حدوتة نور الأول!
في يوم من الأيام، نور كان واقف على شاطئ البحر وقت الغروب. الموج كان بيطلع وينزل قدامه، والسكون حوالين المكان كان بيحسسه بغربة غريبة. نور كان بيمر بفترة صعبة في حياته، مليانة إحباط وتوتر. كل حاجة حواليه كانت بتضغط عليه، شغله مش مستقر، علاقاته مع أصحابه وأهله متوترة، وحتى صحته النفسية مش في أحسن حالاتها.
وقف قدام البحر وقال بصوت واطي كأنه بيكلم نفسه:
“ليه كل حاجة ضدي؟ ليه الدنيا مش ماشية زي ما أنا عايز؟”
في اللحظة دي، شاف راجل كبير في السن، قاعد قريب منه، باصص للمية وكأنه بيفكر في حاجة عميقة. الراجل لاحظ نظرات نور الثقيلة وقال له بابتسامة هادية:
“شايف البحر ده؟”
نور استغرب السؤال ورد بحذر:
“أيوة، شايفه… ليه؟”
الراجل أشار بإيده على الموج وقال:
“الموج ده بيعكس كل حاجة بتحصل حواليه. لو رميت حصى في المية، هتعمل دوائر ترجع لك. ولو حطيت إيدك بهدوء، المية تبقى هادية. حياتنا زي المية دي. اللي بتبعثه للعالم، بيرجع لك.”
نور بص للمية، لكنه ما فهمش الفكرة بشكل كامل. سأل الراجل:
“تقصد إيه؟ يعني أنا السبب في اللي بيحصل لي؟”
الراجل ابتسم وقال:
“مش بتلوم الظروف ولا الناس؟ كل حاجة بنحس بيها أو بنعملها بتنعكس علينا. لو فكرت في اللي ناقصك طول الوقت، هتفضل حاسس بالنقص. لو شفت كل حاجة سلبية، هتلاقي الدنيا كلها سودا. لكن لو بدأت تغير جواك، هتلاقي اللي حواليك بيتغير.”
نور فضل ساكت شوية، كان كلام الراجل بيحرك حاجة جواه. سأل:
“طب يعني أعمل إيه؟ أغير إزاي؟”
الراجل قام وأخد خطوة ناحية البحر، ونور تبعه. الراجل قال:
“جرب تبدأ بحاجة بسيطة. زي البحر ده، حاول تكون هادي. لو حد زعلك، بدل ما ترد بنفس السلبية، رد بابتسامة، سامح او متسامحش متردش حتي.
لو حسيت انك مضايق، فكر في حاجة واحدة حلوة حصلت لك او قدام عنيك في حاجة حلوة انت اصلاً مش شايفها. التغيير مش بيحصل في يوم وليلة، لكنه يبدأ بخطوة واحدة حتى لو صغيرة.”
نور بدأ يفكر في كلام الراجل، وهو راجع بيته قرر يجرب. من اليوم ده، بدأ يغير الطريقة اللي بيشوف بيها نفسه والدنيا. لما كان يواجه مشكلة، بدل ما يغرق في السلبية، كان بيفكر: “إيه اللي ممكن أعمله عشان أغير الوضع..أو اغير اللي حاسه ازاي؟”
مع الوقت، نور لاحظ إن حياته بتتحسن. علاقاته بقت احسن، شغله بقى مستقر أكتر، وحتى هو نفسه بقى مرتاح. نور فهم إن البحر كان بيعلمه درس بسيط:
الدنيا بتعكس اللي جواك، زي المية اللي بتعكس السما. لو حطيت جواك نور، الدنيا كلها هتنور معاك.
قانون الانعكاس باختصار بيقول إن حياتنا ومشاعرنا وأفكارنا بتعكس اللي جوانا. يعني، اللي بنشوفه في الناس أو في المواقف حواليك، غالبًا بيكون انعكاس لحاجة فيك أنت، سواء حاجة إيجابية أو سلبية.
إزاي ده بيأثر علينا؟
1. مشاعرك هي المراية
لو حد بيزعلك أو بيضايقك، جرب تسأل نفسك: “هل اللي بيعمله بيعكس حاجة أنا مش عاجباني في نفسي؟” مثلًا، لو انت بتشوف حد أناني وبتضايق منه جدًا، ممكن تكون دي صفة عندك بتحاول تهرب منها أو تتجاهلها؟ لو حد بيعمل حاجة بتضايقك اكتر من مرة ؟ هل الموقف ده اتكرر معاك قبل كده ؟ اسأل نفسك ايه اللي كنت محتاجه زمان ومحصلش و اتضايقت اوي عشان غالباً انت مشاعرك لسه مخزنها تجاه الموقف ده بالتحديد..خد مسؤولية انك تغير احساسك اللي جوه قبل ما تحاول تغير الشخص اللي بيضايقك..
2. العلاقات انعكاس للذات
العلاقات اللي بتدخلها بتعكس حالتك الداخلية. لو كنت في حالة رضا وسلام داخلي، هتلاقي نفسك بتنجذب لناس بيقدروا ده. ولو كنت في صراع أو غضب، ممكن تلاقي نفسك بتجذب ناس بتعكس نفس المشاعر.
لما تدرك إن المواقف اللي بتحصل حواليك هي مراية ليك، هتبقى عندك فرصة كبيرة إنك تطور نفسك. كل موقف بيزعلنا أو بيفرحنا هو رسالة لينا عن حاجة جوانا محتاجة شغل أو احتفال.
تخيل إنك ماشي في الشارع وشفت حد متوتر وعصبي، وحسيت إنك مضايق منه. ممكن ده يكون انعكاس إنك أنت كمان عصبي ومش واخد بالك، أو يمكن محتاج تتعلم تتعامل مع توتر الناس بهدوء. الخلاصة:
قانون الانعكاس بيخلينا نبص للمواقف والناس كفرصة لفهم نفسنا أكتر. بدل ما نحكم أو نزعل من غيرنا، نفكر:
“إيه الرسالة اللي الحياة عايزة توصلهالي من الموقف ده؟”
لو عندك جزمة ضيقة مش على مقاسك، هترجع تلبسها؟ طيب لو قررت تلبسها، وسعت مع الوقت؟ غالبًا لا
ومهما حاولت تلبسها، الجزمة هتفضل تعورك وتضايقك.
طيب إيه اللي يخليك تحتفظ بجزمة ضيقة؟ هل متخيّل إنك مش هتلاقي جزمة تانية مقاسك؟ ولا مقتنع إنها أحلى جزمة ممكن تلاقيها، رغم إنها واجعة رجلك؟
وأنا هنا مش بتكلم عن الجزمة.
في ناس بيتمسكوا بعلاقاتهم القديمة، خصوصًا مع شركاء سابقين. زي ما بتحتفظ بجزمة مش مقاسك ومش مريحة، فيه ناس بتحتفظ بـ”إكساتهم” في حياتهم. والنتيجة؟ أذية مستمرة ليهم وللشخص التاني.
اللي بيتمسكوا بعلاقات قديمة انتهت، رغم إنها سببت وجع أو ألم. بدل ما نسيبها ونكمل حياتنا، بنرجع لنفس الدائرة ونكرر نفس الأخطاء.
ليه؟ هل عشان الذكريات الحلوة؟ ولا خوفًا من الوحدة؟
أوقات بنقنع نفسنا إننا “هنبقى صحاب” مع الشريك القديم، بس هل ده حقيقي؟
هل ممكن تنسى كل الذكريات، الحلوة والمؤلمة، وتتعامل طبيعي؟
العلاقة اللي سببت وجع قبل كده، غالبًا مش هتتغير.. وصعب مخطوبين أو في علاقة مش رسمية ومستحيل “متجوزين” و اتطلقوا يبقوا صحاب بس، الا لو اللي بيربطهم (أولاد) لازم يبقوا كده و يحافظوا علي علاقتهم تبقي طيبة كده عشان نفسية الأولاد.
ولو فكرت في فكرة “نبقى صحاب بس”، اسأل نفسك: هل ده منطقي؟ هل هتقدر تنسى كل الذكريات الحلوة والوحشة وتتعامل بشكل طبيعي؟ ولا مجرد وجودكم مع بعض هيكون زي البنزين جنب النار؟
ايه دليلي ان مينفعش نبقي “صحاب” مع اكس؟ وليه اخترت الجزمة بالتحديد كتشبيه؟
لو عرفنا ربنا شرح اطار العلاقات ازاي و الجواز هنفهم ليه..تقريباً مفيش حاجة ربنا مشرحهاش في القرأن..بس دايماً الناس بتتناسي قوانين ربنا و بتختار قوانين الدنيا مع ان في الاخر هتعرف كويس ان ربنا مسابش تفصيلة في حياتك الا و قالك تعملها ازاي.. انا مش شيخة ولا جبت كلام من دماغي بس بجتهد وقريت تفاسير و لقيت ايتين ممكن تكون سمعتهم قبل كده بس الأكيد انك هتقراهم المرة دي بمعني جديد..
زي ما بنلبس في العلاقات – و بنلبس الجزمة – التشبية ده أصلاً ربنا ذكره في القرأن مرتين.
{هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}
دي آية عظيمة جدًا بتوصف العلاقة بين الزوجين بأبسط وأجمل تشبيه. اللباس دايماً قريب منك، ملامس لجسمك، ومفيش حد يقدر يمشي من غيره، زي ما مفيش زوج يقدر يعيش من غير مراته ولا هي تقدر تعيش من غيره. اللبس بيستر الجسد، وده برضه التشبيه ان الزوجين لازم يستروا بعض، ويغطوا على عيوب بعض ويخفوا أسرار بيتهم عن أي حد.
اللباس كمان رمز للعفة، زي ما اللبس بيحمي الجسد، الزوجين بيحموا بعض من الحرام، هو سند ليها وهي سند ليه.
النبي عليه الصلاة والسلام قال: “إن كرهت منها خلقاً رضيت منها آخر”، يعني لو في صفة مش عاجباك في شريك حياتك، دور على الصفات الحلوة اللي بتحبها فيه.
الراجل والست زي اللبس، ملتصقين ببعض، ما ينفعش يستغنوا عن قربهم ده، وكل واحد فيهم لازم يكون للثاني غطا وستر وسكن يريحه من تعب الدنيا.
نيجي للسكن بقي..
السكن الحقيقي مش في أي علاقة
ربنا خلق الإنسان بطبيعة محتاجة للسكن، مش بس مكان نعيش فيه، لكن شريك حياة يحقق لنا الراحة النفسية والسكون الداخلي. وده اللي ربنا وضحه في القرآن الكريم لما قال:
ركز في كلمة “لتسكنوا إليها”.
السكن هنا مش مجرد وجود حد معاك، لكنه راحة روحية وشعور بالأمان. زي لما تكون تعبان، وتلاقي مكان يحضنك ويخليك تهدى و قلبك مطمن.
حتى سيدنا آدم عليه السلام، وهو في الجنة بكل نعيمها، حس بوحدة. تخيل كده، الجنة! ومع ذلك استوحش لأنه كان محتاج شريك. ربنا خلق له حواء من ضلعه لتؤنسه، وتحقق له السكن الحقيقي. الإنسان مش مخلوق يعيش لوحده، لكن مش أي علاقة تقدر تحقق السكن ده.
ربنا لما وصف العلاقة بين الزوجين، قدم لنا معادلة إلهية: السكن، المودة، والرحمة.
السكن: هو الراحة، الطمأنينة، والسكينة اللي بتيجي من شريك يطمنك ويخلي قلبك هادي.
المودة: الحب المتبادل اللي بيكبر مع الوقت.
الرحمة: اللي بتحمي العلاقة وتخلي كل طرف يراعي التاني مهما حصل.
ربنا قال إن العلاقة دي من آياته، يعني معجزة. تخيل، العلاقة بين اتنين ربنا خلقهم مختلفين تمامًا، فجأة يتحولوا لشركاء حياة يحبوا بعض ويخافوا على بعض أكتر من أي حد تاني. وده مش مجرد صدفة، لكنه تدبير رباني.
لو الجزمة ضيقة مش هتوسع، ولو العلاقة مؤذية مش هتتحسن. مش منطقي تفضل متمسك بحاجة بتأذيك، سواء كانت جزمة ولا علاقة. السكن الحقيقي هو لما تلاقي حد يشيل عنك تعب الأيام، يطمنك لما تكون خايف، ويكون سبب إنك تشكر ربنا على وجوده في حياتك.
الحياة أقصر من إنك تفضل متعلق بعلاقات مؤذية أو ذكريات قديمة. لو العلاقة اللي انتهت مش مناسبة ليك، سيبها تروح، وادعي ربنا يرزقك السكن الحقيقي اللي وصفه في كتابه الكريم. زي ما بتدور على جزمة مريحة على مقاسك، دور على علاقة فيها سكن لروحك، وصدق إن السكن الحقيقي هو مع الشخص اللي ربنا جعله ليك، مش أي حد وخلاص.