تدعمه دول عربية..هل سد النهضة جزء من الصراع على قيادة المنطقة؟

على مدار ثماني سنوات لم تتوقف المفاوضات الثلاثية بين مصر وأثيوبيا والسودان حول سد النهضة دون التوصل لأى اتفاق بين الأطراف حول قواعد ملء وتشغيل السد الذى أعلنت أديس أبابا منذ أيام انتتهاء مرحلة المل ء الرابع له.
وتسود الخلافات بين أثيوبيا (دولة المنبع) ومصر والسودان (دولتي المصب)، حول السد وطريقه تشغيله خاصة في ظل مخاوف مصرية من تأثير السد على حصة مصر من ماء النيل ما يهدد بأزمة كبيرة قد تواجهها الدولة المصرية التي تعتمد على النيل في الزراعة بشكل كبير.
حرب كلامية
وعقب فشل الجولة الأخيرة من المفاوضات الثلاثية التي استضافتها العاصمة الإثيوبية أديس أبابا يومي 23، 24 سبتمبر/ أيلول الماضي، تبادلت مصر وأثيوبيا الاتهامات والبيانات الرسمية.
وانتقد بيان رسمي لوزارة الخارجية الإثيوبية مطالبة مصر بحصة وصفها بـ”استعمارية” من المياه، وتمسكها بما وصفه البيان بـ “معاهدة إقصائية تعود للحقبة الاستعمارية”، في إشارة إلى اتفاقيتي 1902 و1929، اللتين عقدتهما بريطانيا (دولة الاحتلال لمصر والسودان) وإثيوبيا بتحديد حصة مصر المائية، وإلزام إثيوبيا بعدم إقامة أي مشروعات على النيل، من شأنها إعاقة تدفق النهر، إلا بموافقة مصر.
كما استنكر البيان الإثيوبي نهج الوفد المصري الذى شارك في جولة المباحثات معتبرا أنه يقوض “اتفاق إعلان المبادئ عام 2015″، الموقع في العاصمة السودانية (الخرطوم)، بين الدول الثلاث.
من جانبها، صعدت مصر من موقفها الرافض للمارسات الأثيوبية في ملف سد النهضة، أعرب وزير الخارجية المصري سامح شكري،في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، عن رفض مصر لسعي إثيوبيا لفرض الأمر الواقع على 100 مليون مصري، لافتا إلى معاناة مصر من نُدرة مائية، وعجز في احتياجاتها المائية يصل إلى 50%.
كما أكدت وزارة الموارد المائية المصرية رفض الجانب الإثيوبي لـ “الترتيبات الفنية المتفق عليها دولياً، التي من شأنها تلبية المصالح الإثيوبية، دون الافتئات على حقوق دولتي المصب”، وذلك تراجعا عن توافقات سابقة.
ورغم هذه الحالة من التلاسن والحرب الكلامية، هناك جولة مباحثات جديدة بين الدول الثلاث من المقرر عقدها في القاهرة خلال أكتوبر الجاري.
أزمة تهدد مصر
وتعتبر مصر أكثر المتضررين من سد النهضة خاصة أنها من اكثر دول العالم المهددة بالفقر المائي.
رقميا، مصر لديها موارد مائية تقدر بحوالى 60 مليار متر مكعب سنويا معظمها من النيل واحتياجاتها الفعلية 114 مليار متر مكعب أي حوالى الضعف.
كما تعتمد في مصادرها المائية على ٩٥٪؜ من النيل، وتبلغ حصة كل مواطن حوالى 560 متر مكعب أي حوالى نصف خط الفقر المائى الذي يقدر بالف متر مكعب مياه للفرد.
كما تعاني مصر من ثبات حصتها من الموارد المائية المتجددة منذ منتصف القرن الماضي رغم تضاعف تعداد السكان أربعة أضعاف.
ويهدد سد النهضة مستقبل الزراعة في مصر ما سيكون له تأثيرات سلبية كبيرة نظرا أن القطاع الزراعي يمثل مصدر الرزق الوحيد لاكثر من 50% من السكان .
وبحسب مراقبون فإن الخطر الذى يمثله سد النهضة يمثل تهديدا وجوديا على الدولة المصرية يتطلب تحركات ربما أكثر من مجرد التفاوض التي لم تجني مصر منها على مدار سنوات سوي إضاغة الوقت وإكتمال بناء السد.
صراع إقليمي
ويري الدكتور طه علي أحمد الباحث في شؤون الشرق الأوسط أن “قضية سد النهضة تعكس حالة توازن القوى الإقليمية في منطقة حوض النيل والتي لم تعد لصالح الدولة المصرية على مدار السنوات العشر الأخيرة، كما نؤكد أيضا بأن هذه القضية أضحت مسرحاً لعدد من الفاعلين الذي يشتركون في مناكفة الدولة المصرية لأغراض تخص مشروعاتهم الإقليمية، والتي تقتضي إضعاف الدولة المصرية في المقام الأول”.
وقال لوكالتنا ” لهذا، فقد استند الموقف الإثيوبي منذ بداية الأزمة على حالة الوهن التي أصابت الدولة المصرية بعد عام 2010، حيث لم تبد أية جدية، بل وسعت للتلاعب بالدولة المصرية، وقد أكدت على ذلك الطريقة التي تم الاعلان بها عن السد والتي تزامنت مع حالة الضعف التي أصابت الدولة المصرية بعد 2010، حيث تغيرت مسميات السد بين “السد إكس”، و”سد الألفية”، ثم “سد النهضة”، فضلا عن رفض الجانب الأثيوبي لقبول أية عروض من الجانب المصري بشأن ضمان معايير الأمن والسلامة، وأمور أخرى تؤكد على النهج غير التعاوني من جانب الاثيوبيين”.
وبحسب الباحث فإن “صانع القرار المصري اختار المضي في المسار التفاوضي، حيث ترفض الدولة المصرية الاقدام على اي عمل عدائي تجاه دولة إفريقية الأمر الذي يترتب عليه الدخول في حالة عدائية مع الأفارقة، فضلا عن القيود التي يفرضها المجتمع الدولي من عقوبات وحصار محتمل، لافتة أنه رغم خطورة الموقف الإثيوبي على الأمن القومي المصري بشكل عام، لكن القيادة المصرية ترى أنه لا تزال ثمة إمكانية للحل التفاوضي”.
أما عن خطورة سد النهضة على مصر، يؤكد الباحث أنه “تكفي الإشارة إلى أن العام الحالي لم يصل لبحيرة ناصر سوى مقدار قليل جدا من المياه ، مما جعل مصر تعتمد على مخزون بحيرة ناصر والذي لا يكفي لأكثر من عامين أو ثلاثة على أقصى تقدير، ناهيك عن ضعف قدرة السد العالي على توليد الكهرباء، وتأثر الزراعة المصري بشكل كارثي مؤكد”.
دعم دولي لأثيوبيا
وأشار علي إلي أن “غالبية المجتمع الدولي تدعم الموقف الإثيوبي، وفي مقدمتها إسرائيل وتركيا والولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى، بالإضافة لبعض الدول الخليجية الداعمة للموقف الاثيوبي سواء من خلال الاستثمارات أو الدعم السياسي لرئيس الوزراء أبي أحمد. وهو ما يعكس حالة من الانفصال بين التوجهات القومية العربية المزعومة من جانب هذه الدول ومواقفها الحقيقية، إذ يمثل الإضرار بمصالح مصر المائية تهديدا عميقا لمنظومة الأمن القومي العربي بشكل عام”.
أما بخصوص الهدف من وراء ذلك الدعم، فيري الباحث أن “اسرائيل عدو تقليدي للدولة المصرية، رغم وجود معاهدة للسلام معها، حيث يمثل إضعاف مصر وشغلها في أزمات داخلية طوال الوقت تأميناً ضد أية مخاطر محتملة قد تصلها من الجبهة الحدودية مع مصر، والحال نفسه بالنسبة لتركيا التي تخوض صراعا إقليميا مع الدولة المصرية التي وقفت في وجه المخطط الإقليمي لتركيا منذ عام 2013، أما الدول العربية فإن إضعاف الدولة المصرية وعدم تبوأها قيادة العالم العربي يفسح المجال أمام المشاريع الإقليمية المتصاعدة والمتنافسة أيضا كالإمارات والسعودية، كما أن إضعاف الدولة المصرية يجعلها في موقف “التابع” للرياض وأبوظبي، وهو ما يتجلى في انخراطهما في مشاريع تؤثر بالضرورة على الدولة المصرية كالاستثمارات الإماراتية في اثيوبيا واسرائيل وأخيرا الانخراط السعودي والاماراتي في المشروع الاقتصادي الدولي الجديد الذي ينطوي على الإضرار بقناة السويس المصرية”.
ويعتقد الباحث “إن كل ذلك ينطلق من رؤية ضيقة من جانب هذه الدول تجاه أمنها ومشروعاتها الإقليمية والتي تصطدم في واقع الأمر بإضعاف الأمن القومي العربي من خلال تعزيز أوضاع الخصوم التقليديين للعرب كإسرائيل وتركيا وإيران واثيوبيا.
خيارات مصر
ويري د.علي أنه “لا يوجد إمكانية لحل الأزمة على مائدة التفاوض، مشددا على أن الخبرة التاريخية وواقع سلوك الحكومة الاثيوبية تؤكد على استحالة حل القضية من خلال المسار التفاوضي التقليدي الذي طال لأكثر من 10 أعوام بدون جدوى. ”
وشدد الباحث على أن “المطلوب من الجانب المصري، تفعيل أوراق بديلة للمسار الدبلوماسي التقليدي، معتبرا أن التلويح بالورقة العسكرية يساعد على إدخال القضية في حالة من التوتر يمكن أن تؤثر بالضرورة على المفاوض الإثيوبي، خاصة أن فكرة الضغط الإقليمي والعربي تحديدا على أديس أبابا غير واردة لاسيما مع الدعم الإماراتي للسياسة المائية لأثيوبيا والتي عبرت عنها مشاركة الرئيس الإماراتي في فعاليات افتتاح “معرض المياه والطاقة” خلال زيارته لأديس أبابا في أغسطس الماضي، وعليه لا يتوقع ممارسة أية ضغوط إقليمية على أثيوبيا بل إن الواقع يشير لما يشبه التنسيق الإقليمي لدعم الموقف الاثيوبي ضد أمن الدولة المصرية، وهو ما يعزز أهمية التلويح بالورقة العسكرية لإحداث اضطراب في البيئة الاقليمية بشكل يدفع الجميع لإعادة النظر في الوضع الراهن”.

Exit mobile version