19 تموز..حكاية ثورة سوريا الحقيقة التي يحاربها الجميع

دجوار أحمد آغا
تقوم الشعوب بثورات من أجل إحداث تغيرات في حياتها وطريقة عيشها وأسلوب ممارستها لإدارة نفسها، الأمثلة كثيرة (ثورة الشعب الفرنسي ضد لويس السادس عشر والهجوم على سجن الباستيل، ثورة الشعب الجزائري ضد فرنسا وتقديم مليون ونصف شهيد، ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا ضد القيصر نيقولاي رومانوف الثاني، ثورة الشعب الكردستاني ضد النظام القمعي الفاشي التركي،) بينما تقوم الأنظمة بالانقلابات ضد بعضها البعض وتسميها ثورات ويكون هدفها استلام السلطة والسيطرة على ثروات ومقدرات الشعب والوطن.
شعوب الشرق الأوسط لا تتقبل بسهولة فكرة الاحتلال والاستعمار والعبودية، فهي لديها ميراث كبير من المقاومة والصمود في وجه الغزاة والطامعين في ثرواتها، إلى جانب غناها بالثروات الطبيعية كالنفط والحبوب والمياه. لذلك نرى بأن أنظار العالم كله تتجه نحو هذه المنطقة من أجل السيطرة عليها واستغلالها وفرض الخنوع والذل والتبعية عليها.
لكن هذه الشعوب وفي مقدمتها الشعب الكردي الذي خرج من أحشائه قائد مفكر عظيم وضع خارطة طريق له ولكل شعوب المنطقة والعالم من أجل الخلاص من ظلم وطغيان الأنظمة المستبدة الحاكمة، يُدعى عبد الله أوجلان. هذا القائد المفكر الذي كنّا بحاجة ماسة له لينير لنا طريقنا ويضع نظرية ثورية تسير وفقها لنصل إلى تحقيق طموحاتنا وأهدافنا في الحرية والعيش بسلام.
وفق هذه الرؤية الفكرية والمنهج العلمي التحليلي الذي رسمه هذه القائد، سارت شعوب المنطقة وكما قلنا في طليعتها الشعب الكردي الذي التف حول حركة حرية كردستان منذ بداية تأسيسها في أواخر سبعينيات القرن المنصرم وخاض معها الكفاح تلو الكفاح وحقق الكثير من المكتسبات والإنجازات أخرها وليس الأخير فوز حزب الشعوب الديمقراطية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في كردستان وتركيا وضمن ظروف وشروط قاسية للغاية، حقق الحزب المركز الثالث على المستوى العام وحصل على 81 نائباً في البرلمان.
أما هنا عندنا في سوريا التي بدأت شرارة ثورتها الحقيقية خلال أحداث انتفاضة قامشلو في الثاني عشر من آذار 2004 والتي من خلالها برز الشعب كقوة جماهيرية حاشدة وقادرة على الوصول الى ما تريده وعلى طريقتها الثورية. حيث سبقت القوى والأحزاب السياسية وسارت في طريق الانتفاضة العارمة والتي هزت أركان الحكم في دمشق مما دفع بقادتها الى الإسراع في حل الموضوع وتدخل الوسطاء والعشائر والأحزاب السياسية وغيرها. لكن الشعب لم يستكين وبدأ ينظم نفسه وفق مبدأ الدفاع الذاتي والحماية الذاتية حيث نشط خلال المرحلة من 2004 ولغاية 2011 المناضلين الثوار بين الشعب واستطاعوا ان ينظموا الشعب من خلال عقد الاجتماعات الجماهيرية وشرح طرق المقاومة والكفاح لنيل الحرية.
عند بدء الاحتجاجات بشكل علني في 15 اذار 2011 في درعا بجنوب سوريا، شارك أبناء الشمال السوري وبفعالية في هذه الاحتجاجات السلمية المطالبة بالحرية والعدالة. ولكن فيما بعد عندما تحولت هذه الاحتجاجات إلى ما يشبه الحرب الأهلية وتم عسكرتها من الطرفين (ما سمت نفسها بالمعارضة والنظام) قرأت القيادة السياسية الكردية ذات الخط والنهج الثوري التحرري المشهد السوري بشكل صحيح حيث امتنعت عن الانضمام إلى أي طرف من طرفي النزاع وانتهجت الخط الثالث المتمثل في حماية الشعب والحفاظ على مكتسباته الوطنية وبنيته التحتية ساعية في الوقت نفسه إلى لعب دور محوري وهام في مسألة حل الأزمة بحيث يكون الحل سورياً دونما تدخل من جانب الدول الإقليمية تحديداً وبضمانات دولية من قوى داعمة فعلية للشعب السوري.
نتيجة هذا التوجه السياسي المغاير لما هو موجود على الساحة السياسية التقليدية في الشرق الأوسط بين معارضة وموالاة، تم إبعاد الممثلين الحقيقيين للشعب السوري عن المباحثات بين طرفي النزاع وفق قرار الأمم المتحدة 2254 الصادر في 2015. على الرغم من أن شعوب شمال وشرق سوريا كانت قد حققت بعد ثورة 19 تموز 2012 التي انطلقت من كوباني في روج افا لتمتد وتشمل معظم مناطق شمال وشرق سوريا وتحقق أول أهدافها في اعلان الإدارة الذاتية في الجزيرة بتاريخ 21 /1 / 2014 بعد اتفاقهم على تشكيل عقد اجتماعي يتضمن حقوق وواجباتهم جميعاً.
اعتمدت ثورة 19 تموز على نهج وفكر علمي تحليلي يأخذ طبيعة مجريات الأحداث والتاريخ بعين الاعتبار ويستند إلى ارث فكري فلسفي يعتمد مبدأ الديالكتيك في ربط تطور المجتمعات وفق الحضارة العصرانية الديمقراطية في مواجهة الحداثة الرأسمالية التي أصبحت كغول ضخم يبتلع الشعوب بشكل وحشي.
هذه الثورة أصبحت نجمة ساطعة في سماء كفاح ونضال المرأة من أجل تحقيق ذاتها وحريتها، خاصة بعد أن استطاعت أن توقف زحف التطرف الإرهابي تحت مسمى “تنظيم داعش” الموغل في الاجرام والوحشية.
أظهرت هذه الثورة أهمية التحرر الفكري وتغيير الذهنية الذكورية السلطوية والسعي لتحقيق مجتمع أخلاقي سياسي بيئي يتخذ من حرية المرأة أساساً له ويعمل من أجل بناء اقتصاد كومينالي ويحقق العدالة الاجتماعية من خلال تطبيق الصلح كعرف اجتماعي دنما الحاجة إلى القانون الذي هو من مفرزات الدولة والسلطة.
رغم الوضع الصعب والظروف القاسية التي تمر بها معظم المناطق السورية، إلا أن وهج ثورة 19 تموز ما زال يشّع كشمعة في عتمة الليل تنير الطريق وتعطي فسحة أمل لكل المناطق السورية سواء المحتلة من جانب تركيا أو تلك القابعة تحت سلطة وسيطرة النظام.
لذا يجب علينا أن نقف جميعاً مع هذه الشمعة ونحميها بكل قوتنا وامكاناتنا الذاتية ونطلب من أصدقائها شعوب العالم أن يقفوا معنا في مواجهة الاعتداءات والتهديدات المستمرة والمتكررة وخاصة من جانب نظام أردوغان الفاشي القمعي الذي رسم خطوط حمراء منذ بداية الأزمة السورية وتم تجاوزها بكل أريحية من جانب النظام وروسيا وإيران دون أن يحرك ساكناً، اللهم أنه أجرى مقايضات كبيرة وكثيرة على حساب دماء وتضحيات السوريين تخلى بموجبها عن دعم من كان يسميهم بالثوار مقابل أن يحتل مناطق في الشمال السوري.

https://alshamsnews.com/2022/06/%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%aa%d9%86%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%b1%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d9%87%d8%af%d9%81-%d8%b1%d8%a6%d9%8a%d8%b3%d9%8a-%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%a1.html

Exit mobile version