الجبهة الشعبية تعدّل أوتار باريس..سيناريوهات ما بعد فوز اليسار الفرنسي؟

بقلم :نزار الجليدي .كاتب ومحلل سياسي مقيم بباريس

رغم أنّ نتائج الانتخابات التشريعية الفرنسية في دورتها الثانية اتسّمت بنهاية اللاّغالب و اللاّمغلوب لكنها تعتبر منصفة وعادلة و هي منحت الائتلاف الرئاسي الحاكم بقيادة الرئيس ماكرون “معا من أجل الجمهورية” وعموم الفرنسيين المعتدلين و الوسطيين جرعة أكسيجين إضافية كان سيحرمهم اليمين المتطرف منها لو فاز في هذه الانتخابات، وحينها كانت البلاد ستدخل النفق المظلم الذي تقف الأن على أعتابه بفضل فوز الجبهة الشعبية بالمرتبة الأولى مع عدم تمتعها بالأغلبية المطلقة التي تمكنها من تشكيل الحكومة الجديدة .
وبالتالي تجد نفسها أمام حلين :
الأول التعايش مع مؤسسة الرئاسة وأحزابها التي حلّت في المرتبة الثانية على ما بينهما من اختلافات عميقة .أو التحالف مع اليمين المتطرّف الذي حل ثالثا وهو الأمر المستبعد للتناقض التام بين الفكرين و البرامج .

ماذا لو انسحب بايدن..هل تنجح كامالا هاريس في منافسة ترامب ؟

ويبقى ممكنا تحالفا مفاجئا براغماتيا بحتا قد يحدث وهو تحالف الوسط و اليمين المتطرف لإبعاد اليسار على الحكم .وهذه خطوة قد يقدم عليها الرئيس الفرنسي بمراهقته السياسية المعروفة خاصة وأنه فعلها من قبل حينما استنجد بأصوات اليمين المتطرف في الجمعية الوطنية المنحلة حينما أراد تمرير قانون الهجرة الجديد .
وبقطع النظر عن هذه السيناريوهات فانّه يحسب للجبهة الشعبية الفرنسية أنها عدّلت الأوتار مجدّدا في المشهد السياسي ومنعت انزلاق البلاد الى التطرف و العنصرية. وهي قد تواصل القيام بمزيد من التعديل إذا ما تنازلت عن بعض ما وعدت به ناخبيها و الذي يتناقض مع ما أقرتّه الحكومة الحالية ورضيت بالتحالف مع ما من سيتبقى منها من أحزابها من الوسط . رغم أنّ ذلك لن يكون بالسهولة المتحدّث بها لكن البراغماتية التي ميزت اليساريين في فرنسا و سهّلت دخولهم في تحالف انتخابي قد تسهّل عملية التعايش السياسي التي تحدّثنا عنها.فزعماء الجبهة الشعبية وأبرزهم جان لوك ميلانشون يجدون أنفسهم أمام مسؤولية تاريخية جسيمة لأن بأيديهم مفاتيح انقاذ البلد أو إدخاله أزمة سياسية خانقة فضلا عن الاقتصادية الموجودة بالفعل. ..وأي إساءة لاستعمال هذه المفاتيح قد يعاقبون عليها من قبل الفرنسيين في الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2027.
فماهي هذه الجبهة و برامجها و خصوصيتها؟
الجبهة الشعبية الجديدة
تحصّلت على 172 إلى 215 مقعدًا من اصل 577 .لتحلّ في المرتبة الاولى بعد أن حلّت ثانيا في الدورة الأولى بنسبة 28 في المائة.
و”الجبهة الشعبية الجديدة” هي تحالف انتخابي يساري واسع للأحزاب في فرنسا، لم يتجاوز عمره الشهر، وقد تم إطلاقه في 13 جوان 2024للتصدّي لزحف اليمين المتطرف الذي كان قد فاز بالانتخابات البرلمانية الاوروبية .
وتجمع الجبهة الشعبية الجديدة بين أحزاب مثل “فرنسا الأبية” (LFI)، والحزب الاشتراكي، و حركة “الخضر” (Les Ecologistes)، والحزب الشيوعي الفرنسي، وحركة “الأجيال” (Generations)، وحركة “المكان العام” (Place Publique)، وعدة أحزاب ومجموعات يسارية أخرى.

الانتخابات البريطانية..ماذا بعد فوز حزب العمال واستقالة سوناك

وعلى الرغم من أن الجبهة الشعبية الجديدة ليس لها زعيم رسمي، إلا أن ميلنشون رئيس حزب “فرنسا الأبيّة” هو الأقرب لقيادتها ومن الممكن أن تتحوّل الى جبهة سياسية استراتيجية دائمة.
وهي ليست المرّة الأولى التي تتوحّد فيها هذا
قوى اليسار الفرنسي (اشتراكيين وشيوعيين وراديكاليين) حيث حدث ذلك لأول مرة عام 1936 تحت اسم “الجبهة الشعبية” درءا لخطر محاولات اليمين والفاشية حكم البلاد، و وهو ما حدث بالفعل حيث حظيت فرنسا لأول مرة في تاريخها بحكومة اشتراكية لكن حكمها لم يدم طويلا، فقد انهارت خلال سنة مع استمرار الإضرابات العمالية ودخول البلاد في الحرب العالمية الثانية.
و تختلف مكونات هذا التحالف في كثير من الملفات المحلية والدولية، لكن البراغماتية السياسية كما قلنا طوى كل الخلافات وتم وضع هدف انقاذ البلاد من المتطرفين فوق كل الاعتبارات.
وأعلنت نقاط برنامجها الحكومي الذي اتفقت عليه كالتالي:
*مكافحة جميع أشكال العنصرية ومعاداة السامية وكراهية الإسلام.
*توفير تعليم مجاني والحفاظ على حريته، وإصلاح المطاعم المدرسية، ودعم الأنشطة اللاصفية ودعم قطاع النقل.
*إلغاء التأمين ضد البطالة وهو ما سيضر بملايين الفرنسيين و المهاجرين.
*زيادة الحد الأدنى للأجور إلى 1600 يورو.في حدود 5الاف دينار تونسي.
*تغيير سن التقاعد من 64 إلى 60 سنة.و بالتالي العودة الى الحالة القديمة.
*زيادة رواتب موظفي الخدمة المدنية بنسبة 10%.
وتعزيز القدرة الشرائية عبر “تحديد سقف لأسعار السلع الأساسية من الغذاء اليومي والطاقة والوقود”.
*فرض عدة تدابير إصلاحية على قوانين الضرائب.
بناء أماكن إيواء تحسبا لحالات الطوارئ.
*إيقاف إنشاء مشاريع الطرق السريعة وغيرها من المشاريع المضرة بالمناخ.
*إلغاء قوانين اللجوء والهجرة التي أقرها ماكرون.

الدفاع عن سيادة الشعب الأوكراني وحريته، وتوفير الأسلحة اللازمة وإلغاء ديونه الخارجية.

يسارهم ويسارنا

تجربة الجبهة الشعبية الجديدة و نجاحها في الائتلاف الانتخابي و المفاوضات الحالية تذكّرنا و تذكرّ التونسيين بالجبهة الشعبية في تونس و التي تشكّلت كائتلاف انتخابي ثم ككيان سياسي قبل أن تنتهي وتتشظّى بسبب أخطاء سنأتي على ذكرها لاحقا.
وفي كل الانتخابات التي شاركت فيها لم تحصّل الجهة الشعبية نتائج تذكر رغم تمكنها من تكوين كتلة برلمانية في برلمان 2014/2019 ب15نائبا .
فقد تحصلت في الانتخابات البلدية لسنة 2028 على 7.6 بالمائة .فيما تحصل كل من ناطقها الرسمي حمة الهمامي في الانتخابات الرئاسية في2014على نسبة 7.82% .فيما تحصل المنجي الرحوي على 0.81% في الانتخابات الرئاسية 2019.
وهو تاريخ نهاية الجبهة الشعبية وذلك بسبب الزعامات حيث فشلت في ترشيح مترشح وحيد لتلك الانتخابات.
والواقع أنّ نهايتها كانت منذ رفضها أي تحالف سياسي لتكوين الحكومة عقب انتخابات 2014 وخاصة رفض التكتل مع حزب نداء تونس(وسطي)الذي حلّ في المرتبة الأولى و الذي يقف على نقيض مع النهضة التي حلّت ثانيا لكن تعنّت اليساريين هو ما أنتج سياسة التوافق المغشوش بين النهضة و النداء و وهو الذي عاد بالوبال على تونس وعجلّت بنهاية كل الأحزاب الكبرى.
ورغم كل ذلك يبقى اليسار في تونس أكبر التيارات السياسية سنّا في البلاد و الأكثر قدرة على التجميع لكنه لم يفلح في أن يكون مشروع حكم وهويميل و يحب ممارسة المعارضة أكثر من رغبته في المخاطرة بالحكم لأنّ برامجه مع الأسف لم تتطور و بقيت حبيسة ستالين وماركس ومن ولاهم .
وبالتالي فاليسار التونسي اليوم هو خارج التاريخ و خارج الجغرافيا .وعليه أن يتواضع بالتعلّم من تجارب غيره .
فرنسا أمام تحديات صعبة سوف تجعل الفرنسيين أمام خيار القطع مع إرثهم الحضاري باعتبار فرنسا مهد التنوير والثورة ومبادئ المساواة والأخوة والحرية Fraternité Égalité Liberté إلى فرنسا جديدة دون هوية ودون تميز.
على مستوى المؤسسات يبدو أن المدة الباقية من العهدة الرئاسية سوف تكون سببا كافيا لإعادة التفكير في نهاية الجمهورية الخامسة والمرور إلى الجمهورية السادسة وذلك بكل ما سوف تحمله من شلل سياسي ومؤسساتي.

فرنسا تحبس أنفاسها..هل تكون ماري لوبان أول إمراة تحكم الإليزيه ؟

لا يزال عدم اليقين سيد الموقف السبت عشية الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية في فرنسا حيث بات المرشحون ملزمين عدم الإدلاء بأي تصريحات علنية حتى صدور نتائج اقتراع الأحد الذي تبدو المنافسة محمومة فيه بين الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون ومرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن.
وتفيد استطلاعات الرأي أن ماكرون ولوبن اللذين سبق أن تواجها في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية في العام 2017، هما الأوفر حظا للتأهل مجددا الأحد مع أن زعيم اليسار الراديكالي جان لوك ميلونشون يستفيد أيضا كما لوبن، من موجة تأييد جديدة.
وفي حال تكرار سيناريو العام 2017، أظهرت خمسة استطلاعات للرأي فوز الرئيس ماكرون في 24 أبريل بفارق ضئيل مع نتائج ترجح نيله نسبة أصوات تراوح بين 51 و54 %.
وتبدو فرص المرشحين العشرة الآخرين محدودة جدا إلا ان عدم اليقين يتواصل إذ يؤكد الخبير السياسي باسكال بيرينو أن “هذا الاقتراع هو الأول الذي تبلغ فيه نسبة الأشخاص المترددين أو الذين غيروا موقفهم هذا المستوى مع خمسين بالمئة تقريبا”.
وقالت جان دين ماسيو وهي استاذة موسيقى تبلغ الثامنة والثلاثين في سوق باريسية الجمعة “الأمور بدأت ترتسم لكن بشكل مبهم لكن بصراحة سأتخذ قراري النهائي عندما أكون داخل العازل”.
ولا يزال الغموض يلف نسبة المقاطعة لهذا الاقتراع الذي ستكون نتائجه موضع ترقب كبير في أوروبا وخارجها.
ويخشى الكثير من الخبراء السياسيين أن يتخطى مستوى المقاطعة في الدورة الأولى النسبة القياسية المسجلة العام 2002 وقدرها 28,4% أي ان تكون أعلى بكثير من النسبة المسجلة العام 2017 والبالغة 22,2%.
وقالت كريستين مازو وهي موظّفة متقاعدة تبلغ 75 عامًا في سوق في باريس، “لا أحد من محيطي سيصوّت”.
وأثرت الحرب في أوكرانيا على الحملة التي انطلقت من دون حماسة لكنها انتعشت بعض الشيء في الأيام الأخيرة مع بروز فرضية احتمال فوز مارين لوبن التي ستكون أول امرأة وممثل لليمين المتطرف تصل إلى الرئاسة في حال فوزها، وهو ما سوف يشكل زلزالا سياسيا ليس في فرنسا وحسب، بل وفي أوروبا كلها.
ونجحت لوبن ابنة جان ماري لوبن ممثل اليمين المتطرف على مدى عقود في فرنسا، في إظهار حزبها بصورة أكثر اعتدالا مع شنّها حملة مقنعة ركزتها على القدرة الشرائية التي يضعها المواطنون في أعلى سلم أولياتهم في حين يرتفع التضخم جراء الحرب في أوكرانيا.
وبانتظار صدور النتائج الأحد عند الساعة 18,00 ت غ. يحظر منذ منتصف ليل الجمعة على المرشحين عقد اجتماعات عامة وتوزيع منشورات والقيام بالدعاية عبر الإنترنت، ولن تنشر أي مقابلة أو استطلاع للرأي أو تقديرات.
لكن يمكن لبعض المرشحين أن يظهروا السبت من خلال المشاركة في تظاهرات. وأعلن عن تنظيم “مسيرات من أجل المستقبل” في فرنسا بمبادرة من منظمات يسارية.
وكرس المرشحون الجمعة لمداخلات إعلامية محدودة أو زيارات قصيرة في محاولة أخيرة لإقناع الناخبين الفرنسيين البالغ عددهم 48,7 مليون شخص.
فقد قام إيمانويل ماكرون صباح الجمعة بزيارة قصيرة غير معلنة إلى سوق نويي سور سين عند أبواب باريس.
وزارت لوبن من جهتها ناربون في جنوب فرنسا حيث قدمت نفسها على أنها مرشحة “فرنسا الهادئة”.
وقالت وهي تحمل كأس نبيذ في يدها بانها لا تشعر “بنشوة” انتصار محتمل مضيفة أنه يجب انتظار الدورة الثانية.

Exit mobile version