تجمع الانقلابيين..هل يعزز تحالف دول الساحل فرص حدوث انقلابات جديدة بإفريقيا ؟

تغيرات دراماتيكية تشهدها منطقة الساحل الأفريقي منذ انقلاب النيجر أواخر يوليو/ تموز الماضي الذى قوبل باهتمام دولي غير مسبوق مع التهديد بالتدخل العسكري لإعادة النظام السابق.
ومع تمسك قادة الانقلاب بالنيجر برفض الضغوط الدولية والأفريقية التي تقودها فرنسا لاعادة نظام بازوم الموالي لباريس، وإعلانهم طرد السفير الفرنسي من نيامي، فضلا عن وقف أشكال التعاون الاقتصادي والعسكري مع فرنسا تلقوا دعم ومساندة سياسية وعسكرية من بوركينا فاسو ومالي حيث رفضت الدولتان تهديدات ايكواس “المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ” للنيجر وأعلنتا وقوفهما بجانب حكام نيامي الجدد.
وأحدث انقلاب النيجر شرخا في علاقة الدول الثلاث بإيكواس، إذ تعهدت مالي وبوركينا فاسو بتقديم المساعدة للنيجر إذا تعرضت لأي هجوم خارجي، وذلك ردا على التهديد باستخدام القوة لاستعادة الحكم الدستوري في البلاد.
وجاء انقلاب الجابون أواخر أغسطس ليعزز من موقف قادة الانقلاب في النيجر، ويوجه صفعة جديدة لدعاة التدخل العسكري، وحلفاء فرنسا في إفريقيا خاصة مع تصاعد موجة العداء لباريس داخل إفريقيا وبالتحديد منطقة الساحل التي شهدت 5 انقلابات عسكرية ضد أنظمة موالية لباريس.

تحالف دول الساحل
وجاء الإعلان عن توقيع اتفاق التعاون العسكري بين دول الساحل الذى تم توقيعه السبت 16 أيلول بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو والذى ينص على مساعدة الدول الثلاث بعضها بعضا إذا تعرض أي منها لتمرد داخلي أو عدوان خارجي ليعزز من قوة ونفوذ ما يمكن وصفه تحالف مناهضي فرنسا بإفريقيا خاصة أنه يجمع 3 دول انقلبت جيوشها ضد أنظمة كانت توصف بالولاء لباريس.
وبحسب وسائل إعلام، فقد جاء في ميثاق الاتفاق الذي وقعته الدول الثلاث وأطلقت عليه اسم “تحالف دول الساحل” أن الاتفاق يرمي إلى إنشاء هيكل للدفاع المشترك والدعم المتبادل بين الأطراف الموقعة عليه، كما ينص على أن “أي اعتداء على سيادة ووحدة أراضي طرف متعاقد أو أكثر يعتبر عدوانا على الأطراف الأخرى يستوجب تقديم المساعدة، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة لاستعادة الأمن وضمانه”.
ويعتقد مراقبون أن التحالف الجديد قد يغير من خارطة التحالفات بالغرب الأفريقي ويفتح الباب لتشكيل تكتلات جديدة تتوافق مع التغيرات التي تشهدها المنطقة خصوصا وإفريقيا بشكل عام.

دور روسي
ويري محفوظ ولد السالك الباحث الموريتاني في الشؤون الأفريقية أن “الدول الثلاث المؤسسة للتحالف تشترك في أنها محكومة من طرف أنظمة عسكرية وصلت السلطة عن طريق انقلابات، كما أنها مناهضة لفرنسا، ولا تريد بقاءها على أراضيها، فضلا عن أنها تواجه ذات التحديات الأمنية ممثلة في الهجمات المستمرة للجماعات المسلحة، بل والتهديد الذي تشكله تلك الجماعات لبقاء الأنظمة الحاكمة”.
وقال لوكالتنا “من هذا المنطلق آثرت هذه البلدان تشكيل إطار يوحدها، تسعى من خلاله لتعزيز التعاون على الصعيدين الاقتصادي والأمني”.
وبحسب الباحث فإن “أثار وقوف روسيا خلف هذا التحالف تبدو واضحة، حيث إن نائب وزير خارجيتها زار بوركينا فاسو ومالي، قبل إعلان ميلاد التحالف، والتقى وزير دفاع النيجر في باماكو، لافتا إلي أنه من المعروف أن الدول الثلاث قريبة من روسيا، فمالي توجد بها عناصر من مجموعة فاغنر، وبوركينا فاسو وقعت اتفاقيات عسكرية مع موسكو، والنيجر طلبت نشر عناصر من فاغنر على أراضيها”.
وأشار ولد السالك إلي أن “التحالف الجديد موجه بالأساس لتحالف مجموعة الخمس في الساحل التي انسحبت منها مالي قبل أزيد من سنة، ذلك أن مجموعة الخمس ينظر إليها على أنها مدعومة من فرنسا، كما أنه تحالف في وجه المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “إيكواس” التي تفرض عقوبات اقتصادية على النيجر، ومن قبل فرضتها على مالي وبوركينا فاسو بسب الانقلابات العسكرية، والآن تلوح بالتدخل العسكري في نيامي”.
وحول مدي إمكانية أن يساهم التحالف الجديد في دعم وتشجيع الانقلابات بالمنطقة، أكد الباحث أن “هناك تساهل كبير إقليميا ودوليا مع الانقلابات، بدأ ذلك في مالي حين أطاح الجيش بالرئيس المدني المنتخب الراحل إبراهيم بوبكر كيتا، والتساهل مع هذا الانقلاب هو الذي جعل انقلابا آخر يحصل في بضعة أشهر بنفس البلاد، ثم توالت الانقلابات في بوركينا فاسو بمعدل انقلابين وفي غينيا كوناكري، ثم النيجر، والجابون، ولا يستبعد أن تضم القائمة دولا أخرى جديدة، ما دامت الإجراءات المتخذة لا ترقى لمستوى الجرم المتمثل في الاستيلاء على السلطة بالقوة”.

واقع جديد
ويري محمد تورشين الباحث السوداني في الشؤون الأفريقية أن “التحالف الجديد يأتي في سياق تأطير التعاون الذى سبق وأعلنته المجالس العسكرية الحاكمة في مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتحويل تحالفهم إلي واقع”.
وقال لوكالتنا ” التحالف الجديد يقضي بالتدخل عسكريا لحماية أى دولة من الثلاث في حالة مهاجمتها سواء من الايكواس أو أى دولة أخري”.
وتوقع تورشين أن “يجذب التحالف الجديد عدد كبير من القوي السياسية والمدنية بالدول الثلاث، كما قد تنخرط فيه دول جديدة تتشابه أوضاعها مع أوضاع الدول الموقعة عليه”.
وبحسب الباحث فإن “تأسيس هذا التحالف يجعل من احتمالية التدخل العسكري في النيجر سواء من قبل الايكواس أو فرنسا احتمالية ضعيفة ومستبعدة نظرا لأن إقدام أى جهة على خطوة التدخل العسكري سواء في النيجر أو غيرها من دول التحالف الجديد يضع المنطقة في حالة حرب مفتوحة تترك أثارها على الجميع ولن يتحملها أحد”.
وحول انعكاسات إعلان هذا التحالف على غرب إفريقيا، أكد الباحث إن “الوضع الأن تغير، وهذا التحالف سيدفع جميع القوي المتفاعلة في المنطقة سواء الايكواس أو فرنسا أو أمريكا وحتى القوي الاقليمية الأخري لمراجعة قرارتهم وتصوراتهم وسياساتهم تجاه المنطقة بشكل كبير”.
ولفت إلي “احتمالية أن يتم توسيع التحالف خلال الفترة المقبلة ليشمل دول وسط إفريقيا خاصة أن الخطوة تنال رضا الكثير من المجموعات العسكرية في إفريقيا، مشددا على أن هذه الخطوة ستقود منطقة الساحل وعموم إفريقيا لواقع جديد وترسم تصورات سياسية جديدة”.

Exit mobile version