تطورات متسارعة يشهدها الصراع المسلح في السودان في ظل انشغال العالم بالحرب الإسرائيلية على غزة التي سحبت الأضواء من الصراع الممتد من أكثر من 7 أشهر بالسودان دون أن تنجح القوي الدولية والإقليمية في إقناع طرفي الصراع بوقف الحرب التي أدت لتشريد ملايين السودانيين، فضلا عن ألاف القتلي والمصابين.وبحسب تقارير سودانية فإن قوات الدعم السريع تقترب من السيطرة على إقليم دارفور في غرب السودان بعد أن تمكنت من الاستيلاء على فرق الجيش الرئيسية في ولايات جنوب ووسط وغرب وشرق دارفور، ولم يتبق أمام بسط نفوذها على الولايات الخمس، سوى الفاشر العاصمة السياسية والإدارية لإقليم دارفور التي أعلنت الحركات المسلحة الرئيسية أنها ستدافع عنها إلى جانب الجيش، مما يهدد بصراع إثني وانقسام الإقليم على أساس عرقي.
وبحسب مراقبون فإن الحرب التي أحرقت الأخضر واليابس بالسودان لا تبدو نهايتها قريبة وربما ينتهي بها الأمر لسيناريو التقسيم الذي يخشاه معظم السودانيين خاصة بعد إنفصال جنوب السودان منذ سنوات.
سيناريو بغيض
ويري رامي زهدي الخبير المصري في الشؤون الأفريقية أن “الأمور في السودان تسير بوتيرة متباطئة أحيانا ومتسارعة في معظم الأحيان نحو مزيدا من التعقيد”.
وقال لوكالتنا “منذ بداية الصراع من نحو سبعة أشهر مضت، اتفقت أراء خبراء كثر أن طول امد الصراع في السودان وغياب أفق الحل أو مبادئها علي الاقل ليس في مصلحة الشعب السوداني ولا الدولة السودانية التي تتجه نحو سيناريو بغيض وهو سيناريو التقسيم”.
وأشار إلي أن “هذه الفكرة حتي وإن نجحت في إيقاف الحرب ألا إنها تظل النهاية الأسوء علي الإطلاق للأزمة، والبداية لمزيدا من التوتر والصراعات في المستقبل القريب وفقدان لدولة هامة كبيرة مؤثرة في المنطقة وهي السودان الذي لم يلبث أن يحاول النهوض بعد أن فقد جنوبه وإنفصلت عنه دولة جنوب السودان، والأن يلوح في الأفق للأسف احتمالات مرجحة لفقدان شرقه أو غربه أو كلاهما، وبات التقسيم علي أساس جغرافي أو عرقي أو بقوة السيطرة العسكرية علي الأرض خطر قريب للحدوث”.
وبحسب الباحث “فإنه إن لم يكن التقسيم بشكل مباشر واضح، فالخطر التالي في الأزمة هو وجود حكومتين، وجيشين وربما شعبين خاصة مع توارد الأنباء عن انتصارات لقوات الدعم السريع مع غياب للحسم من قبل القوات المسلحة النظامية السودانية، معتبرا أن ” هدف تقسيم الدولة السودانية لأكثر من اقليم أو دولة مع تعدد نطاقات النفوذ الخارجية يظل هدفا استراتيجيا لقوي خارجية تحاول فرض مزيدا من السيطرة علي المنطقة خاصة منطقة البحر الأحمر وكذلك السيطرة علي مناطق الثروات الطبيعية سواء معدنية أو نفطية وبقاع الأراضي الاكثر خصوبة والمؤهلة للزراعات الحديثة والمزارع الحيوانية المتطورة”.
وتابع: ” حتي الأن، تحدثنا الأنباء سواء رسمية أو عبر مشاهدات غير رسمية لسيطرة قوات الدعم السريع على مناطق في الخرطوم، وتقدم كبير في إقليم دارفور (غربا). في المقابل، تحصن أعضاء الحكومة وقادة الجيش في مدينة بورتسودان المطلة على البحر الأحمر بشرق البلاد، مما يعني أن الطرفان مازالا في مراحل من الشدة والتمسك بتحقيق نصر حاسم يقضي به أحدهم علي الأخر وأنهما لا يرغبان في تقديم أي تنازلات لإنهاء حالة الحرب وتناول حلول سياسية عاجلة ممكنة”.
لافتا إلي أنه “إن ظلت الأمور هكذا، وإن افترضنا إمكانية وصول أي من الطرفين لإنتصار حاسم علي الطرف الثاني فإن ذلك يعني أننا في طريقنا لأن نفقد السودان الدولة والشعب، وأن تواجه المنطقة ودول الجوار خاصة بيئة صراع وتوتر غير مسبوقة تهدد امن وسلم المنطقة بالكامل وربما تمتد آثارها للعالم”.
ووفقا لـ زهدي فإنه “حتي الأن لم تفلح جولات التفاوض المتعددة سوى في إبرام وقف موقت للقتال التي كانت سرعان ما تستأنف بمجرد انتهاء المهل، وكانوا يعتبرونها فرصة للإستعداد لمزيدا من القتال والمعارك والتحرك اللوچيستي.
وشدد على أن “الجميع يعلم أنه لا حل علي الإطلاق مهما تعددت الوسطات الدولية، مالم توجد النية الصادقة لدي أطراف المشكلة للحل وتغليب صالح السودان فوق مصالحهم الشخصية”.
خطر جديد
وكشف الباحث أنه “يظهر في الأفق خطر جديد، يتمثل في توسيع وتعدد اطراف القتال بدخول قبائل وعشائر اما لنصرة او دعم أي من الطرفين او دخولهم كطرف رئيس في المعارك دفاعا عن مصالح أو خوفا من ضرر، وبالتالي ظهرت موجات من عملية تسلح المدنيين، والتزود بمزيدا من السلاح والتحصينات للقبائل التي كانت في الأصل مسلحة ما يهدد بارتفاع أعداد الضحايا”.
وأشار إلي أن “الخسائر البشرية فقط حتي الأن تشير لمقتل أكثر من 10 آلاف شخص، وفق تقدير لمنظمة “أكليد” يعتقد على نطاق واسع أنه أدنى من الحصيلة الفعلية، لان غياب البيانات الرسمية وعمليات الحصر الدقيق ثمة مثل هذه الحروب التي علي الأغلب تنتهك بها كثيرا من المعايير الدولية للحروب وتحدث بها جرائم حرب يصعب في أحيان كثيرة اثباتها بالأدلة الكاملة، كذلك تسببت المعارك بنزوح أكثر من ستة ملايين شخص، وتدمير معظم البنية الأساسية في السودان الذي كان يعد حتى قبل اندلاع النزاع من أفقر بلدان العالم وعاني شعبه قبل الثورة وبعدها علي حد سواء”.
وحول السيناريو الأقرب للسودان في ظل المعطيات الحالية أكد خبير الشؤون الأفريقية “انه من المتوقع أن تشهد السودان تكرار للسيناريو الليبي لعدة سنوات، وأن تظل السودان دولة بلا دولة، وبلا سيادة واستمرار نزوح الشعب السوداني داخليا او هجرته خارجيا، ويتوقع ظهور حركات سياسية ضد فكرة التقسيم وقد يظهر دعم قوي دولية صديقة للسودان للعمل علي رجوع الدولة السودانية، لكن وبصغة عامة، الامر ليس قريبا علي المدي الزمني، سواء انتهي بالتقسيم، أو بوقف الحرب وإدارة عملية سياسية”.
كشفت الأنباء الواردة من السودان عن حدوث حملة اعتقالات بصفوف وزراء الحكومة من المكون المدني في إجراء وصفها البعض بإلإنقلاب العسكري.
وبحسب وسائل إعلام شهدت العاصمة السودانية الخرطوم في ساعات الصباح الباكر انتشارا عسكريا كثيفا، بالتزامن مع حملة اعتقالات طالت شخصيات سياسية وزعامات حزبية سودانية.
اعتقال الحكومة
وقالت قناة سكاي نيوز أنه تم وضع رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك تحت الإقامة الجبرية.
ومن مقر إقامته الجبرية دعا عبد الله حمدوك من السودانيين التمسك بالسلمية واحتلال الشوارع للدفاع عن ثورتهم.
كما قامت قوات عسكرية، باعتقال عددا من الوزراء في حكومة حمدوك، من بينهم وزير الإعلام حمزة بلول ووزير الصناعة إبراهيم الشيخ ووزير شؤون مجلس الوزراء خالد عمر يوسف، بالإضافة إلى شخصيات سياسية وحزبية وأعضاء مدنيين في المجلس السيادي.
وكشفت أسرة المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء بأن قوة عسكرية اعتقلت المستشار فيصل محمد صالح بعد اقتحام منزله.
كما تم اعتقال أمين سر حزب البعث العربي الاشتراكي علي الريح السنهوري.
وأعلنت وزارة الإعلام السودانية اعتقال أعضاء المكون المدني بمجلس السيادة الانتقالي لافتة إلى أنه تم اعتقال عدد من وزراء الحكومة الانتقالية بواسطة قوات عسكرية مشتركة.
وبحسب وكالة أسوشييتد برس فقد تم اعتقال 5 مسؤولين حكوميين حتى الآن.
فصل الخرطوم
بالتزامن مع ذلك تحدثت تقارير عن انتشار إغلاق طرق وجسور في الخرطوم، كما تم فصل المناطق الرئيسية في العاصمة السودانية عن بعضها البعض.
كما انقطعت خدمات الإنترنت في العاصمة السودانية الخرطوم.
أول تعليق أمريكي
في أول تعليق دولي على الأحداث عبر المبعوث الأميركي الخاص للقرن الإفريقي عن قلق بالغ بشأن تقارير الانقلاب العسكري في السودان.
موقف الشعب السوداني
وعلى الصعيد الداخلي وفي أول تعليق على الأحداث دعا تجمع المهنيين السودانيين الشعب السوداني وقواه الثورية ولجان المقاومة في الأحياء بكل المدن والقرى والفرقان، للخروج للشوارع واحتلالها تماماً، والتجهيز لمقاومة أي انقلاب عسكري بغض النظر عن القوى التي تقف خلفه.
على الصعيد الشعبي خرجت تظاهرات في بعض شوارع العاصمة السودانية، قام خلالها محتجون بإحراق إطارات، فيما قام شباب بوضع متاريس في شوارع مدينة الخرطوم بحري.
وفى تعليقه على أنباء الانقلاب العسكري وجه المكتب السياسي لحزب المؤتمر السوداني نداء للشعب السوداني، معتبرا أن ما يحدث ردة إلى حكم القمع والإرهاب، والعودة إلى العهد المظلم لتقويض ثورة ديسمبر المجيدة ونضالات الشعب السوداني، مشيرا إلى قيام قوات عسكرية فجر اليوم باعتقال الوطن واعتقال عدد من أعضاء مجلسي السيادة والوزراء وبعض ولاة الولايات وأعضاء لجنة ازالة التمكين وقيادات قوى إعلان الحرية والتغيير وعدد من قيادات تجمع المهنيين.
ودعا البيان ما وصفها بـ جماهير الشعب السوداني قاطبة وفي كافة ربوع السودان الخروج إلى الشوارع فوراً في كافة أحياء وقرى وأرياف ومحليات ومدن السودان، للاصطفاف صفاً واحداً منيعاً؛ ومقاومة هذا الانقلاب العسكري.