أثار الزعيم العراقي الشيعي مقتدي الصدر الجدل حول مستقبله السياسي واحتمالية إنهاءه للعزلة التي فرضها على نفسها واعتزاله العمل السياسي.
وكشف الصدر عن تلقيه العديد من المطالبات بالعودة للساحة السياسية، مجددا فى الوقت نفسه تمسكه باعتزال العمل السياسي، منددا بما أسماه “استشراء” الفساد في البلاد.
وكان التيار الصدري قد انسحب من العملية السياسية في أغسطس/آب 2022 وقرر عدم المشاركة في أي انتخابات بزعم أنه ينأى بنفسه عن المشاركة مع من يصفهم بـ”الساسة المفسدين”.
وسحب مقتدي الصدر نواب كتلته من البرلمان في أعقاب سلسلة أحداث بدأت بتظاهرات لأنصاره وانتهت باشتباكات داخل المنطقة الخضراء في بغداد مع فصائل مسلّحة منضوية ضمن هيئة “الحشد الشعبي”.مطالب بالعودة
وفي تغريدة عبر منصة “إكس” توير سابقا، قال الصدر “بعد أن ظن الكثير أن أسباب فشل الحكومات المتتالية في العراق هو وجود ما يسمون بـ”التيار الصدري” وما يضفي وجوده فيها من إثارة الخلافات بين أحزاب الحكومة، أو ما يدعونه من وجود الفساد داخل التيار والعصمة في باقي الأحزاب عند بعض ذوي القلوب الحاقدة والعقول النخرة، فبان لهم بعد انسحابنا من فساد الحكومة وحكومة الفساد استمرار الفشل والتلكؤ والتبعية والفقر والتسلط على رقاب الفقراء وانتشار الإرهاب الميليشياوي وترك الحقوق والمهادنة مع المحتل”.
وتابع “تيقن بعضهم أن التيار براء مما كان يُنسب إليه من ألسن الكذب والنفاق والدجل وصفحات الفتنة وأدعياء المذهب ليتقاسموا السلطة وانتخابات هجرها الشعب رغما على انوف الفاسدين”.
وأضاف الصدر: “لا أعني جهة بعينها، فالكل إما فاسد وإما متحالف مع الفاسدين حتى من طالب الإصلاح قبل حين أو تحالف مع الاصلاح قبل حين”.
وواصل تغريدته بقوله “اليوم يطالبني الكثيرون بالنهوض بعد أن استكثروا عليّ كثرة الإعتزال، ثمّ الرجوع، فوا عجبا، ثم وا عجبا”، مردفا “نعم يطالبونني بالتغيير بعد إذ هجروني وهجرة ثورة الإصلاح وخيمتها الخضراء وأساؤوا الظن بيّ وحسبونني طالب سلطة أو حكم فأعوذ بالله من سلطة الفساد”.
انتخابات مجالس المحافظات
وقاطع التيار الصدري بتوجيه من زعيمه مقتدى الصدر انتخابات مجالس المحافظات التي أفضت إلى تصدّر القوى الشيعية الموالية لإيران.
وحصل تحالف ‘نبني’ بقيادة هادي العامري على 43 مقعدا وائتلاف ‘دولة القانون’ الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي على 35 مقعدا وتحالف ‘قوى الدولة الوطنية’ بزعامة عمار الحكيم على 24 مقعدا وتحالف ‘تقدم الوطني’ على 21 مقعدا بزعامة رئيس البرلمان المعزول محمد الحلبوسي.
وسعى الصدر طيلة الفترة الماضية إلى التأثير في الرأي العام تمهيدا للعودة إلى العمل السياسي، مستثمرا عددا من القضايا والحوادث على غرار حادثة حرق المصحف في السويد، إذ حث أنصاره على التظاهر أمام السفارة السودية لنصرة الإسلام، فيما دعا الصدريين بعد اندلاع الحرب على غزة للتوجه إلى الحدود للمشاركة في القتال ضد إسرائيل، بالإضافة إلى مطالبة البرلمان والحكومة بغلق السفارة الأميركية في بغداد.
يتوجه العراقيون صباح الإثنين لصناديق الاقتراع لاختيار مجالس المحافظات فى الانتخابات التي تجري لأول مرة منذ 10 سنوات.
ومنذ أسابيع وشوارع المدن العراقية تمتلأ بلافتات الدعاية للمرشحين في انتخابات مجالس المحافظات المقرر أن تجري الاثنين 18 كانون الأول / ديسمبر الجاري وذلك للمرة الأولي منذ العام 2013 وسط أزمات سياسية كبيرة تشهدها الساحة السياسية فى العراق.
ووفقا لوسائل إعلام عراقية، تجري الانتخابات فى 15 محافظة، ولا تشمل محافظات إقليم كردستان المتمتع بحكم ذاتي والواقع في شمال العراق.
ويبلغ عدد من يحق لهم التصويت 17 مليون ناخب موزعين على 7166 مركزاً انتخابيا.
ويتنافس 6000 مرشح يتنافسون على 285 مقعداً في جميع المحافظات، أكبرها عدداً مجلس محافظة بغداد الذي يضم 49 عضواً، يليه مجلس محافظة البصرة ويضم 22 مقعداً.
وتخوض الانتخابات 1600 امرأة، يمثلن نسبة 25% المحددة لهن. وخصصت أيضاً 10 مقاعد للأقليات المسيحية والإيزيدية والصابئة.
ويتوقع مراقبون ضعف الإقبال الشعبي على المشاركة في العملية الانتخابية نظرا لفشل الإدارات المتلاحقة بالعراق على حل الأزمات التي تعانيها البلاد.غضب شعبي وأزمات
ويري مناف الموسوي مدير مركز بغداد للدراسات أن “الانتخابات الحالية ستكون من أضعف الانتخابات على مستوي المشاركة الشعبية نظرا لأزمة الثقة التي أنتجتها سوء الإدارة بالعراق ما دفع قطاع كبير من العراقيين للعزوف عن المشاركة وهو ما ظهر في الانتخابات الماضية وسيظهر بشكل أوضح فى الانتخابات الحالية”.
وقال لوكالتنا ” القوي السياسية ابتعدت بشكل كبير وواضح عن القواعد الشعبية نتيجة السياسات المستخدمة من هذه القوي والاستمرار في عملية المحاصصة والتغول الحزبي وتحول الأحزاب لخدمة أصحاب النفوذ وتحقيق مصالح قياداتها خاصة مع وجود نقص كبير فى مستوي الخدمات مثل التعليم والصحة وبقية القطاعات الأخري والتي تعاني أكثر منها مناطق الوسط والجنوب”.
وأشار إلي أن ” انتخابات مجالس المحافظات تجري بعد 10 سنوات من التجميد بقانون الانتخابي سيء الصيت المرفوض من قبل القواعد الشعبية والمواطنين والمرجعية الدينية وتصر عليه القوي السياسية نظرا لأنه يخدم مصالحها ويوفر لها العودة من جديد للواجهة السياسية”.
وبحسب مدير مركز بغداد للدراسات فإن “كل هذه المؤشرات تقود إلي أضعف انتخابات قد تشهدها العراق والمشاركة ستكون حزبية فقط خاصة مع انسحاب التيار الصدري بما يملكه من شعبية فضلا عن القوي الوطنية والمستقلين وهوما يزيد من فرص ضعف الانتخابات وكونها عدم معبرة عن الشعب العراقي”.
كما اعتبر الموسوي أن “أزمة إبعاد رئيس البرلمان محمد الحلبوسي ستؤثر أيضا على نسب المشاركة وتزيد من ضعف العملية الانتخابية”.
ويعتقد الخبير العراقي أن “الأغلبية الصامتة قد تلجأ لرفض هذه الانتخابات وما ستسفر عنه من نتائج بالطرق الدبلوماسية والقانونية، لافتا إلي أنه “ما بعد الانتخابات قد يكون أكثر إشكالية مما قبلها وسيبدأ الصراع الانتخابي واضحا في ضوء النتائج التي ستفرزها الانتخابات وهو ما سيكون له تأثيرات على مسار العملية السياسية بالعراق”.
تمهيدية للبرلمان
من جانبه يري السياسي العراقي فايق يزيدي أن “الانتخابات المحلية لن تحمل أى تغيير في الخارطة السياسية بالعراق أو موازين القوي بل يمكن اعتبارها تمهيدية لانتخابات مجلس النواب المقبل”.
وقال لوكالتنا “كل قوي سياسية ستحافظ على مكانتها ومقاعدها في محافظتها والمشهد قد يختلف فقط في كركوك التي تتمتع بوضع وخصوصية مختلفة، وسيكون فيها تنافس كبير ولن تستطيع أى قائمة في كركوك تحقيق الأغلبية والانفراد بحكم المحافظة وستجد القوي السياسية نفسها مضطرة للعودة للتوافقات لحسم الصراع داخل المحافظة”.
وأشار إلي أن “الانتخابات المحلية استحقاق شعبي ديمقراطي يمهد لاعادة مجالس المحافظات التي يفترض أن تنظم عملية ادارة المحافظات وأن يكون هناك تطبيق للامركزية بشكل أكبر لتخفيف العبء عن الحكومة الاتحادية، كما أنها تمثل فرصة حقيقية أمام الناخب العراقي لمنح صوته لمن يحقق مطالبه ويوفر خدماته”.
وتوقع يزيدي أن “تحافظ القوي الحاكمة بالعراق على صدارتها للمشهد خاصة فى ظل مقاطعة التيار الصدري ووجود ممثلين لجميع المكونات الدينية والعرقية والمذهبية داخل ما يسمي بتحالف إدارة الدولة الذى يتولي مقاليد الأمور حاليا في العراق”.