الأسوء لم يأت بعد..الكارثة العالمية بعد كورونا وأوكرانيا!

بقلم الدكتور/ سامي عمار

يُحكى أن شعوب الانكا والمايا في أمريكا الوسطى اعتادت تقديم قرابين بشرية في طقوس دموية تنظمها بشكل ممنهج خلال احتفالات عامة من أجل نزول المطر، ورغم غزو الإسبان، إلا أنهم كانوا بالفعل على وشك التلاشي بسبب موجات الجفاف المتتالية التي ضربت منطقة الكاريبي لعقود.

وظل المناخ سيد الأسباب في استنبات الحضارات أو بمعني أدق التجمعات البشرية سواء كانت متقدمة أو متخلفة بمعايير زمانها.

وفي القرن 18، استيقظت البشرية على ثورة صناعية سببت ثراء وراحة الانسان لكن معدلات ثاني أكسيد الكربون باتت كارثية مع الاعتماد على الفحم مما قاد لتأزم الاحتباس الحراري العالمي خاصة مع تأخر الدول في استشعار الخطر.
ورغم تبعات وباء كورونا وحرب أوكرانيا، إلا أن هناك أزمة أكبر بكثير تلوح بالأفق تنتظر عالمنا، فمع ذوبان الجليد في المناطق القطبية المتجمدة سيرتفع مستوى البحر مما يعرض الأراضي المنخفضة للغرق حتماً مثل هولندا التي أنفقت أموال طائلة لتجنب مصير غرق أراضيها المنخفضة تحت مياه الأطلسي على غرار المدن الإيطالية التي تغرق أجزاء من مدنها تحت مياه البحر المتوسط مثل فلورنسا مما دفعها لدفع المليارات للمواطنين فقط لعدم النزوح منها بسبب الغرق، ويوجد تنبؤات بغرق دولاً بأكملها مثل المالديف، وفي مصر تعتبر منطقة الدلتا والساحل الشمالي مهدده بنفس المصير مما سيعرض الأراضي الزراعية للبوار بسبب المياه المالحة في عصر تكافح فيه الحكومة المصرية لتوسيع الرقة الزراعية بمشاريع ملياريه التي تآكلت بالفعل بسبب البناء المخالف عليها، وإن كانت “الدلتا الجديدة” بارقة أمل إلا أن الغرق سيزيد الضغوط على موارد مصر المائية وأمنها الغذائي.
والملفت للانتباه تصريحات الرئيس بوتين منذ أيام عن خطة لتطوير طرق النقل بالقطب الشمالي بما يُعرف “بممر الشمال” كبديل لقناة السويس وهي فكرة قديمة إلا أن الجليد بالشتاء يشل حركة التجارة، ومع انتقال تنافس الناتو وروسيا على مناطق النفوذ الجيوسياسي والجيواستراتيجي للشمال والتغير المناخي، سيصبح ممر الشمال حقيقي مع تشغيله بالصيف والشتاء، مما يمثل مأزق خطير لقناة السويس!

وعلاوة على هذا، ستتكرر موجات الحرارة المرتفعة كل ١٠ سنين رغم تكرارها بالماضي كل ٥٠ سنة، وستؤثر بالسلب على أغلب سكان العالم في الدوام بالعمل وهو ما حدث بالفعل في اليونان العام الماضي حينما منحت أجازه لموظفيها بسبب موجة الحر الشديدة، وتكرارها سيتسبب في موجات جفاف واسعة في عدة دول خاصة المتاخمة للمناطق الصحراوية مثل الصحراء الكبرى الأفريقية وكذا أزمات مياه خانقة وموجات نزوح بشرية ضخمة، مما يعيد للأذهان ما حدث بدارفور من اقتتال طاحن كان سببه المباشر الشح المائي وتراجع المراعي مع موجات الجفاف المتتالية، وتعتبر بحيرة أرال بآسيا الوسطى نموذج صارخ حيث جفت مياهها في فترة قياسية وظلت مراكب الصيادين على أرض البحيرة الجافة في مشهد مروع التي كانت يوماً تعج بالصيادين والأسماك.

ولا يعتبر حوض نهر النيل في منأى من هذا السيناريو المفزع، بل كانت إدارة المياه بفترة الجفاف الممتد نقطة شديدة المحورية في مفاوضات سد النهضة الإثيوبي، ومن سنوات عدة دخلت مصر بتصنيف الشح المائي، أما السودان وإثيوبيا فقد عانتا ويلات الحروب بسبب الجفاف الذي دفع القبائل للقتال من أجل الآبار بل ومطالبة أقاليم انفصالية بالاستقلال مع شح الماء والموارد.
هذا بجوار الاضطرابات البيئية كالفيضانات وحرائق الغابات التي ستصبح أقل توقعاً وأكثر عنفاً، وخسائر مالية ضخمة بالدول التي لديها مشاريع يعتبر استقرار ودفء المناخ عامل تميز كما حدث بتركيا واليونان بالصيف الماضي حينما دمرت حرائق الغابات منتجعات فاخرة.

وكذلك سيحدث عدم انتظام للنشاط الزراعي مع فقدان القدرة على زراعة المحاصيل التي تعطي بعض الدول ميزة عن أخرى بسبب مناخها، وسيضطر أغلبهم لتغيير محاصيله لتتناسب مع ارتفاع درجات الحرارة عالمياً.

ولا شك أن الأمراض ترتبط بالمناخ الذي يوفر لها البيئة الحاضنة والمحفزة للتحول إلى وباء، وكثير من الفيروسات والجراثيم التي لا تمثل تهديد الآن قد تتحول بفضل توفر مناخ مختلف لأوبئة عالمية، ففي الماضي كان تكرار الأوبئة يحدث خلال فترات متباعدة قد تصل لقرون مثل الطاعون أو الموت الأسود تلك الجرثومة التي ضربت العالم خلال قرون متباعدة وقد تنكمش تلك الفترة لتصبح سنوات بفضل التغير المناخي! ومع زيادة تلوث الهواء ستزيد الأمراض ذات الصلة مثل أمراض الرئة وهو ما سيؤثر حتماً بالقوة الإنتاجية لدى الانسان بالمستقبل.

ولن تكون البنية التحتية في مأمن من تبعات الأزمة، ففي ألمانيا توقفت حركة القطارات بالصيف مع تمدد قضبان الحديد، وتعطلت شبكات الكهرباء ببعض الدول بسبب موجات الحرارة المرتفعة التي لا تتحملها شبكة الكهرباء، وللتكيف مع الوضع الجديد ستضر الحكومات لإنفاق تريليونات الدولارات مما يعني ضغوط اقتصادية أشد على شعوبها للنجاة من الكارثة العالمية القادمة!

ورغم تسابق الدول لتحقيق الحياد الكربوني، إلا أن السؤال لم يعد كيف بل مَن سينجح في التكيف والبقاء؟

إقرا أيضا

https://alshamsnews.com/2022/03/%d8%af%d9%88%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%8a%d9%87%d9%88%d8%af-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%a7%d8%b2%d9%8a%d9%88%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%8f%d8%af%d8%af-%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%a1%d8%a9-%d9%81%d9%89-%d8%a7.html

https://alshamsnews.com/2022/04/%d9%85%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%a7%d9%86-%d9%84%d9%88%d8%a8%d8%a7%d9%86-%d9%81%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%84%d9%8a%d8%b2%d9%8a%d9%87-%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%a1%d8%a9-%d9%81%d9%89-%d9%85%d8%b3%d8%aa%d9%82.html

Exit mobile version