في ذكري استشهاد عمر المختار..هل ليبيا بحاجة لـ ثورة جديدة ؟

تحل اليوم السبت 16 أيلول ذكري البطل الليبي المقاوم عمر المختار ذلك الخسميني الذى لم تمنعه شيخوخته من رفع راية المقاومة في وجه أعداء بلاده ومستعمري وطنه، اليوم وفي ظل ما تشهده ليبيا من دمار وخراب ومقتل قرابة 20 ألف مواطن في ساعات بسبب فشل الحكومات الليبية المتصارعة على الحكم .. هل يمكن أن نري مختار جديد يقود ثورة جديدة تحرر ليبيا من احتلال الميليشيات وفساد الساسة والأحزاب؟
فجأة وبدون مقدمات، عادت ليبيا لتحتل صدارة نشرات الأخبار العالمية ووكالات الأنباء الدولية،هذه المرة ليس بسبب الانتخابات التي ينتظرها الليبيين منذ عقود دون معرفة موعدها، أو بسبب صراع سياسي لم يتوقف منذ أكثر من عقد من الزمان، أو حرب جديدة طالما اشتعلت نتيجة صراعات الميليشيات المسلحة التي تسيطر على مقاليد الأمن بالبلاد.
رغم كل ما تشهده ليبيا من أزمات سياسية وعسكرية ولكن تصدرها عناوين وكالات الأنباء العالمية هذه المرة جاء بعد مقتل أكثر من 5 ألف شخص وفقد عشرات الأف وتدمير مدن واحياء بكاملها جراء الإعصار المدمر الذى ضرب البلاد.
اللافت للنظر أن كارثة ليبيا الجديدة جاءت قبل أيام من الاحتفال بيوم الشهيد الذى يوافق 16 سبتمبر من كل عام ذكري إعدام البطل عمر المختار أسد الصحراء قائد المقاومة ضد الاحتلال الإيطالي والبريطاني في ليبيا في إشارة واضحة على حاجة ليبيا لاستحضار فكر المقاومة للتخلص من فساد الساسة وأمراء الحرب في ليبيا.
وتعيش ليبيا منذ أكثر من 10 سنوات حالة من الفوضي السياسية والعسكرية، حيث تسيطر الميليشيات المسلحة على معظم مناطقها، كما يوجد بها من حكومتين أحدهما ترفض تسليم السلطة منذ شهور، والأخر غير معترف بها دوليا، إضافة لوجود برلمان بشرق ليبيا ومجلس أعلي للدولة بغربها، فضلا عن وجود قوات أمنية بالغرب وأخر بالشرق، بجانب ميليشيات موالية لزعماء الأحزاب والكيانات السياسية وهو ما جعل ليبيا أشبه بكيانات منفصلة الضحية الوحيدة فيها المواطن.

كارثة دانيال
واجتاح إعصار دانيال يوم الأحد 10 أيلول مناطق شرق ليبيا مخلفا فيضانات مدمرة أدت لخسائر كبيرة في الأرواح، وبحسب وسائل إعلام بلغ عدد الضحايا بمدينة درنة الساحلية بين 18 ألفاً و20 ألف شخص، استنادا لعدد المباني والأحياء التي دمرت خاصة أن الفيضانات حدثت خلال الليل والناس نيام.
ووفقا لتقارير صحفية، جرفت السيول بيوت بأكملها بمن فيها من عائلات، واختفت أحياء بكل ملامحها، ونزح عشرات الآلاف من الأشخاص، ولا تزال الجثث التي لم تنتشل من تحت الأنقاض أو في البحر غير معروفة الهوية والعدد، وبقاؤها في مياه السيول يزيد من خطر الإصابة بالأمراض.

وهناك حالة من الغضب في الأوساط الليبية تجاه تعامل السلطات مع الكارثة خاصة بعد إعلان المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة الخميس 14 أيلول أنه كان من الممكن تفادي سقوط معظم الضحايا، مشيرة إلى قلة التنظيم في ظل الفوضى المخيمة في ليبيا منذ سقوط نظام معمر القذافي”.

فساد الحكومات
وما يكشف حالة عدم الاكتراث لدي المسؤولين اللييين تجاه الأزمة ما تداولته وسائل إعلام من إعلان الصديق حفتر النجل الأكبر لرجل ليبيا القوي خليفة حفتر نيته الترشح للرئاسة في الانتخابات التي لم يتم تحديد موعدها وذلك بعد أثل من 24 ساعة فقط من وقوع كارثة الإعصار!.
وبحسب صحيفة الغارديان في افتتاحيتها الخميس 14 أيلول فإن “كارثة فيضانات ليبيا لم تتسبب فيها الطبيعة فقط بل ساهم فيها البشر”.

https://twitter.com/Mohammed78990/status/1702952786671874474

وتقول الصحيفة إن “الفيضانات في شرق ليبيا أحدثت دمارا مروعا، وفي درنة، حيث انهار سدان بعد هطول أمطار غزيرة وصلت إلى حد الإعصار، وقد تسبب إعصار دانيال في غرق أحياء بسكانها. وابتلع البحر أحياء وهو الآن يلقي بالجثث على طول الشاطئ.
وبحسب الصحيفة فإن الرعب واليأس الذي يشعر به الليبيون يقابله غضبهم من الحكومات المتنافسة التي قسمت البلاد وسعت إلى السلطة والربح بينما تتجاهل احتياجات الشعب.
وترى الصحيفة إن “الكارثة التي تشهدها ليبيا تفضح إخفاق الحكومات في حماية مواطنيها، بل وتعريضهم لخطر أكبر، مشيرة إلي أن نظام القذافي أعقبه أكثر من عقد من الثورة والحرب الأهلية والجمود السياسي، وخلاله لم يتم إهمال البنية التحتية الأساسية فحسب بل تم نهبها أيضاً مشيرة إلى تقارير أفادت أن أحد سدي درنة لم تتم صيانته منذ عام 2002”.
وتقول الصحيفة إنه “حتى عندما لاحت الكارثة في الأفق، أخفقت السلطات في شرق ليبيا، التي يسيطر عليها القائد العسكري خليفة حفتر، في أداء واجباتها الأساسية رغم إن المسؤولين شهدوا تأثير العاصفة دانيال في اليونان وكان أمامهم أيام للتخطيط لعملية الإخلاء”.
وتضيف الصحيفة إنه “حتى بعد أن ضربت الكارثة البلاد، لا تزال جهود الإنقاذ والإغاثة تتعرض للعرقلة بسبب السياسة، فضلاً عن تدمير البنية التحتية الأساسية، فضلا أن الحكومة المعترف بها دولياً في طرابلس وحكومة حفتر المنافسة لا يضعان المعاناة الإنسانية في المقام الأول”.
ما شهدته درنة من دمار وخراب بسبب كارثة تسبب فيها البشر قبل الحجر، تذكرنا بما عاصرته ليبيا أثناء الاحتلال الإيطالي، ففي كتابه “بنغازي في فترة الاستعمار الإيطالي” يصف المؤرخ وهبي البوري حال المدن الليبية أثناء الاحتلال بأنها “مدن أشباحٍ دمرتها القنابل” !
هذا التشابه الحاصل بين ماضي ليبيا المأساوي تحت الاحتلال، وعاصرها المؤسف في ظل أمراء الحرب والفساد يقودنا للحديث عن شخصية ليبية غيرت مسار التاريخ ووقفت بكل حزم أمام محاولات الاحتلال استباحة الأرض والثروات وقادت الثورة والمقاومة ضد الاستعمار حتى لقي ربه شهيدا على يد أعداءه رافعا شعار “نحن لا نستسلم ننتصر أو نموت”.
أنه أسد الصحراء عمر المختار الذى تحل ذكري استشهاده السبت 16 أيلول والذى يحتاج الليبين لاستحضار سيرته وتاريخه المقاوم لاستعادة دولتهم التي استبد بها الفساد، وخربها الساسة بصورة جعلت الآلاف من الليبين جثث بلا مأوي ابتلعها البحر في لحظة ثم عاد ليلقيها على الشاطىء دون رحمة لتبقي شاهدة على جرائم ارتكبها ليبيين بحق شعبهم ربما لا تقل بشاعة إن لم تكن تزيد عما ارتكبه المحتل الغاشم والمستعمر الغريب.

من هو عمر المختار؟
في أجواء أسوء بكثير مما تشهده ليبيا حاليا، عاش عمر المختار، الذى لا يوجد تاريخ دقيق لولادته، ولكن الشىء الوحيد المؤكد أن حياته كانت سلسلة من المقاومة والنضال فهو الفدائي الذى حارب الاستعمار البريطاني بجانب المصريين، وهو المقاوم الذى ساند ثوار تشاد في مقاومة الاحتلال الفرنسي في شبابه، وهو العجوز الثائر الذى قاد ثوار ليبيا لمقاومة الاحتلال الايطالي لبلاده.
كما شارك عمر المختار أيضا في القتال الذي نشب بين السنوسية والفرنسيين في المناطق الجنوبية في السودان.
أسد الصحراء هكذا وصف الليبين عمر المختار للتعبير عن فخرهم واعجابهم بذلك البطل الذى نسجت حوله الأساطير التي تخلد قوته وشجاعته حيث يروي أنه أثناء رحلة للسودان برفقة بعض معاونيه قابلهم أسد هددهم، فبدلا من ترك جمل للأسد كي ينصرف عنهم، امتطى جواده وأطلق سلاحه صوب الأسد وانطلق يطارده ثم عاد لهم برأسه.
وفي عام 1911 أعلنت إيطاليا الحرب على الدولة العثمانية التي كانت تحكم ليبيا ودخلت قواتها للأراضي الليبية، وفي عام 1912 أعلنت روما ليبيا مستعمرة إيطالية، ومنذ ذلك الوقت قاد المختار، البالغ وقتها من العمر 53 عاما، المقاومة الليبية ضد الإيطاليين لنحو 20 عاما، أوقع خلالها خسائر فادحة بصفوف الإيطاليين.
وفي 11 سبتمبر / أيلول 1931 نجح الإيطاليون في أسر عمر المختار بعد معركة قتل فيها جواده وتحطمت نظارته.
وبعدها بثلاثة أيام في 14 سبتمبر / أيلول، وصل القائد الإيطالي غراتسياني إلى بنغازي، وأعلن على عجل انعقاد المحكمة الخاصة 15 سبتمبر / أيلول 1931، وفي الساعة الخامسة مساء اليوم المحدد لمحاكمة عمر المختار صدر الحكم عليه بالإعدام شنقا.

المختار في عيون أعدائه
يكفي لمعرفة قيمة مكانة عمر المختار أن تقرأ ما كتبه عن أعدائه، ففي مذكراته يصف القائد “غراتسياني” -الذي أشرف على تنفيذ حكم إعدام عمر المختار المجاهد الليبي بأنه “أسطورة الزمان الذي نجا آلاف المرات من الموت ومن الأسر، واشتهر عند الجنود بالقداسة والاحترام، لأنه الرأس المفكر والقلب النابض للثورة العربية في برقة، وكذلك كان المنظم للقتال بصبر ومهارة فريدة لا مثيل لها سنين طويلة”.
ويصف الجنرال الإيطالي لحظة لقائه بالمختار قائلا ” ارتعش قلبي من جلالة الموقف، أنا الذي خضت المعارك والحروب العالمية والصحراوية، ورغم هذا كانت شفتاي ترتعشان ولم أستطع أن أنبس بحرف واحد، فانتهت المقابلة وأمرت بإرجاعه إلى السجن لتقديمه للمحاكمة في المساء، لقد خرج من مكتبي كما دخل علي، وأنا أنظر إليه بكل إعجاب وتقدير.
و قبل أن يتدلى جسده المنهك من حبل المشنقة، ألقى المجاهد الليبي عمر المختار بكلماته الخالدة خلال لقائه بالفريق أول “رودولفو غراتسياني”: نحن لا نستسلم، ننتصر أو نموت، وهذه ليست النهاية، بل سيكون عليكم أن تحاربوا الجيل القادم والأجيال التي تليه، أما أنا فإن عمري سيكون أطول من عمر شانقي.
وبالفعل صدقت نبؤءة قائد المقاومة البطل وأصبحت كلماته الأخيرة نارا أشعلت مقاومة الاستعمار في العالم العربي طيلة قرابة القرن، وألهمت الثوار روح المقاومة ضد المحتلين في المنطقة العربية وخارجها.
واليوم، وفي ظل ما تعانيه ليبيا من فساد وإفساد وصراع على السلطة وتشرذم وانقسام تبدو حاجة الليبيين ملحة وضرورية لاستحضار سيرة ذلك البطل المختار الذى تحل ذكراه اليوم 16 أيلول.
على الليبيين البحث فيما بينهم عن قائد جديد للمقاومة يسير على نهح أسد الصحراء عمر المختار ليوحد الصفوف ويواجه المحتلين والفاسدين حتى لو كانوا من نفس الوطن والطينة، فما كشفته كارثة الاعصار من فساد وخراب بليبيا يفوق ما ارتكبته قوات الاحتلال على مدار تاريخها.

إعصار دانيال..إعلان درنة الليبية مدينة منكوبة بعد مقتل 150 شخص

ارتفع عدد ضحايا إعصار دانيال الذى ضرب ليبيا قادما من اليونان إلي أكثر من 150 شخص في مدينة درنة وحدها.
وكان إعصار “دانيال” قد وصل إلى ليبيا متسبباً بأمطار غزيرة أوقعت عشرات الضحايا حتى الآن.
وأعلنت السلطات الليبية درنة مدينة منكوبة بعد ارتفاع عدد ضحايا الفيضانات في المدينة وحدها إلى 150 قتيلا.

وأعلنت اللجنة العليا للطوارئ إثر ذلك، حالة استنفار من أجل إغاثة المنكوبين جرّاء السيول والفيضانات في البلاد.

خسائر فادحة
بدورها، أكدت السلطات الليبية أن الأمطار الغزيرة ألحقت أضرارا كبيرة وفادحة بالبنية التحتية والممتلكات، فيما يتواصل البحث عن عدد من المفقودين.
فيما اجتاحت سيول عدة مدنا في شرق البلاد وغربها، وتسبّب جريان الأودية بإغراق المنازل والمستشفيات وتضرر السيارات وتدمير الطرقات.
بدوره، أكد الهلال الأحمر وفاة أحد عناصره وفقدان آخرين وخسارة سيارتين أثناء محاولة إخراج العائلات العالقة، معلنا وصول الوضع في بعض مدن شرق ليبيا إلى الخط الأحمر بسبب السيول.
كما أعلن المتحدث باسم القيادة العامة للجيش الليبي أحمد المسماري، فقدان الاتصال بـ 5 جنود من قواتهم رفقة آلياتهم أثناء عملية إنقاذ للعائلات العالقة داخل مدينة البيضاء.
في حين يتوقع أن ترتفع حصيلة الوفيات خلال الساعات القادمة، مع استمرار عمليات البحث عن مفقودين وصعوبة الوصول إلى بعض المناطق المتضرّرة.

يشار إلى أن أكثر المدن المتضررة حتى الآن، هي درنة شحات والبيضاء شرق البلاد.

وقد أعلنت السلطات المحلية، خروج الوضع عن السيطرة داخلها حتى في المناطق التي لم يتوقع ضررها، منوهة إلى أنه تم إجلاء عائلات إلى الفنادق ودور الرعاية، فيما لا يزال عدد العالقين داخل منازلهم غير محدّد.

مشاهد مرعبة
وأظهرت مقاطع فيديو متداولة على منصات التواصل الاجتماعي، استغاثة وصراخ مواطنين داهمتهم المياه داخل منازلهم، وأخرى وثقت للسيول وهي تجرف مواطنين وسيارات في الشوارع التي تحوّلت إلى أنهار، كما أظهرت لقطات أخرى فرق إنقاذ من الجيش الليبي والهلال الأحمر يحاولون إجلاء الناس.

ويمتد الوادي بطول حوالي 75 كيلومترا، ويتجه نحو الشمال من مشارف مدينة القيقب جنوب غرب درنة ليصب في البحر المتوسط.

كما تبلغ مساحة حوض التجميع للوادي حوالي 575 كيلومترا مربعا.
وللوادي تاريخ طويل مع الفيضانات والسيول، خصوصا عندما تضرب عواصف وأمطار شديدة المنطقة، ففي سنة 1941 حدث فيضان ضخم، يُقال إنه جرف دبابات ألمانية إلى البحر من وادي درنة ووادي الناقة.
وبين عامي 1958-1959 حدث فيضان هائل أدى إلى خسائر بشرية ومادية.

Exit mobile version