هل إقالة رؤساء البلديات خطوة نحو ميلاد ربيع الشعوب التركية؟

تحليل تكتبه/ ليلى موسى

حكومة العدالة والتنمية برئاسة أردوغان، وفق سياستها البرغماتية ومشروعها التوسعي، لطالما استغلت دورها الوظيفي في (خلق الفوضى، الوساطة) واستثمار أهمية موقعها الجيواستراتيجيي منذ 2011 حيث كان ربيع الشعوب. وحققت انجازات ومكتسبات وتوسعات مستغلة حال الفوضى المستشرية، وغياب في الكثير من الأحيان لمشاريع وطنية، وأشباه دول تفتقد إلى أدنى معايير المواطنة والديمقراطية في البلدان التي شهدت حراكاً ثورياً عملت على التوغل فيها. مقحمةً نفسها في أزمات الدولة على أنها المخلص وناشرت الديمقراطية وضاربت سيادة الدول عرض الحائط، وكان أفضل من عبر تاريخياً عن حال تركيا هو؛ المثل الروسي “الضيف الذي يأتي دون موعد حتماً هو تركي”.

عبر خطاباته الغوغائية مستغلاً المشاعر الوجدانية بالدرجة الأولى ومصدراً نفسه أباً روحياً حامياً للإسلام والسنة والمسلمين والنموذج الاقتصادي الذي ينبغي يحتذى به. فجلب لشعوب المنطقة التهلكة كما وصف المثل البلغاري هناك “حيث دعس القدم التركي لا ينبت الحشائش”.
انجازات وتوسعات محققاً مكتسبات وسفاًنا سياسة صفر مشاكل مع المحيط الإقليمي جالباً معه عداءات إقليمية، ومخاطباً مواقف وأحداث تاريخية تثبت أنه لا جسور ثقة تبنى مع غازٍ دخيل على المنطقة.

سياسات طالما صدرت مشاكلها الداخلية إلى الخارج عبر التوسعات والتدخلات في الشؤون الخارجية لدول الجوار. باتت تكوي بنار الانتفاضات الداخلية ومقاطعات إقليمية خارجية.
حيث الأجواء مكتملة الأركان لإحداث تغيير حقيقي في الداخل التركي، حيث عمت الانتفاضة 2015، كما في داخل إيران 2019 لكنها خمدت بقوة العسكرة والقبضة الأمنية لعدم توفر بيئة إقليمية ودولية داعمة.
التدخلات التركية في أزمات المنطقة والهروب إلى الأمام يعيد بنا الذاكرة لما فعلته حكومة دمشق وما افتعلته من أحداث قامشلو 2004 لقطع الطريق أمام رياح التغيير، محاولاتها تلك باءت بالفشل وكان ما كان في الربيع العربي 2011.
لذا. أحداث 2023 كانت كفيلة بخلط الأوراق من جديد وفرض توازنات جديدة كفيلة بإزالة ستار ولم تعد الخطابات الغوغائية لحكومة العدالة والتنمية تجدي نفعاً. ولم يعد بإمكان أردوغان الاختفاء خلف أصبعه. بعد أحداث غزة، والتطبيع مع حكومة دمشق والانفتاح على دولاً عربية طالما نعت حكامها بالديكتاتورية.
فكان السبيل إحياء سياسة صفر مشاكل مجدداً مع محيطه الإقليمي وخاصة الدول العربية كخطوة استباقية للسيطرة على الوضع الداخلي التركي حيث التضخم الاقتصادي وأزمة الحريات والحقوق وانقسام الشارع التركي الذي بات واضحاً في الانتخابات الأخيرة. وفشل تعاملها مع الأزمات الداخلية مثل الزلزال الأخير على سبيل المثال.
متناسياً أن مفاتيح الانفتاح مع المحيط الإقليمي يستلزم أن يكون الداخل متماسك وقوي ومتين. لذا وجدنا بالرغم من حالة الانفتاح عبر البوابة الاقتصادية لم تبن جسور الثقة وتزيل الشكوك والهواجس. وحلت الملفات الخلافية الجوهرية محلها، وهذه الهواجس لها أسس منها عدم التزام حكومة العدالة والتنمية الايفاء بالتزاماتها من جهة. ومن جهة أخرى التاريخ التركي الحافل بالخيانات وناكر الجميل بحسب المثل الكردي أن (الأتراك خبزهم وماؤهم على ركبتهم)، أي لا يؤتمنوا. وربما تيقنت هذه الدول بأن حكومة العدالة والتنمية باتت ورقة محروقة والمستقبل مع تركيا المستقبلية ليس العدالة والتنمية. إلى جانب أولويات هذه الدول للتفرغ للخطر الإيراني.
حكومة العدالة والتنمية. بالرغم من مساعيها بالعمل على تهدئة المحيط الإقليمي تيقنت بأنها لم تتمكن من إبعاد الخطر عنها. وباتت حالة التخبط واضحةً في تصاريح أردوغان تارة بالحديث عن التطبيع مع حكومة دمشق وتارة بالانضمام إلى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، وتارة إلى احتلال اسرائيل للأناضول وإقامة كردستان الكبرى.

تركيا وأوجلان
من دون سابق إنذار وجدنا أنه عمّت وسائل الإعلام التركية وتسابق المسؤولين بالحديث عن عملية سلام مع أوجلان والكرد. ويبدو أن المثل اليوناني إذا “تحدث التركي عن السلام، فأعلم أن الحرب قادمة”. كان أصدق تعبير عما تشهده تركيا حالياً.
حيث بعد دعوة دولت بهجلي للسيد أوجلان للتحدث في البرلمان والإعلان عن الاستسلام. في نفس اليوم شنت تركيا قصف عنيف استهدف البنى التحتية في شمال وشرق سوريا، مستهدفةً سبل العيش ضاربةً جميع الأعراف والمواثيق الدولية والإنسانية ومستغلاً الحرب الإسرائيلية في غزة وجنوب لبنان والمواجهة الإيرانية –الإسرائيلية. وعدم وجود قضية السورية ضمن أولويات المجتمع الدولي.
يليها الانقلاب على الديمقراطية متجاهلاً إرادة الشعب باختيار ممثليه في رئاسة البلديات عبر تعيين وصياً على البلديات بدلاً من الرؤساء المنتخبين. السؤال الذي يطرح نفسه. في هذه المرحلة الحساسة والمفصلية في تاريخ المنطقة ووضوح معالم خرائط جديد تفرض على المنطقة ومن ضمنها تركيا. يشكل إقدام تركيا على هذه الخطوة مؤخراً بداية تحول داخل تركيا، ونشاهد وكأننا أمام ميلاد ربيع الشعوب في تركيا. حيث ظهرت بوادرها عبر البيانات الصادرة من أحزاب المعارضة والمواقف التي أبدتها حيال الإجراءات الأخيرة؟.
أن حكومة العدالة والتنمية لم تستخلص دورساً من التاريخ وتجارب شعوب المنطقة واصرارها على نهجها بفرض سياساتها متجاهلة إرادة شعبها؟. أما تجربتها مع ربيع الشعوب بأن التغيير قادم لا محال وعليها التعامل معها بحكمة والاستجابة لمطالب الشارع التركي؟ أو ستكرر تجربة حكومة دمشق بالتعامل مع الأزمة تارة بطرح مصطلح تركيا المفيدة، أو طرح بعض الاصلاحات مثل قانون 107 ومن ثم الالتفاف عليه بمجرد تغير الظرف؟
لكن الحقيقة الثابتة لا تقبل الشك بأن التغيير قادم. وهنا تبرز الحكمة بالتعامل معه، والابتعاد عن سياقات السباق مع الزمن.
يبدو الحل أمام حكومة العدالة والتنمية طريقان لا ثالث لهما. أولاً إحداث تحول ديمقراطي حقيقي عبر إيجاد حل جذري لأزماتها وقضاياها الداخلية وفي مقدمتها القضية الكردية والكف عن تصدير أزماتها إلى الخارج عبر الانتقال إلى النظم اللامركزية تضمن مشاركة حقيقية لجميع مكونات المجتمع التركي. بديلاً عن نظامها شديد المركزية منبع جميع أزماتها وقضاياها. أو الاصرار عل نهجها متمثلة بالقبضة الأمنية، وبالتالي نكون أمام بداية انهيار لدولة وربما انقسامها. وتكرار تجارب دولة المنطقة حيث اللا حل وأشباه دول وحكومات. تنتهي بها المطاف بحرب أهلية بحسب المثل الأرمني “إذا لم يجد التركي من يقتله يقتل أباه”.

دولت بهجلي : من لا يحب الأكراد ليس تركياً

قال دولت بهجلي رئيس حزب الحركة القومية وحليف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إنه إذا كان هناك مواطن لا يحب الأكراد، فهو ليس تركيا.

جاء ذلك خلال مشاركة رئيس حزب الحركة القومية دولت بهجلي في “ندوة ضياء جوك ألب حول الذكرى المئوية لوفاته” التي نظمتها مؤسسة البحوث السياسية والاجتماعية والاستراتيجية التابعة للأكاديمية التركية.

وقدم بهجلي معلومات عن حياة ضياء جوك ألب، وذكر بكلماته قائلا: “إذا كان هناك تركي لا يحب الأكراد، فهو ليس تركيًا؛ وإذا كان هناك كردي لا يحب الأتراك، فهو ليس كرديًا”.

يأتي ذلك في أعقاب الدعوة التي أطلقها بهجلي لحل الأزمة الكردية من خلال تصفية حزب العمال الكردستاني والإفراج عن زعيمه عبد الله أوجلان.

وقال بهجلي إن صفحات الحرب العالمية الأولى لا تزال مفتوحة، فالحساب لم ينته بعد، والهجمات الوحشية لم تتوقف، في الوقت الذي تدور فيه بسرعة عجلة الاستغلال، والتوسع الإمبريالي، والخناجر المسمومة التي تنزل على الجغرافيات والمشاكل الاقتصادية المستمرة، ومطاحن السلب والنهب والقتل والإبادة الجماعية التي أقيمت على أرواح ودماء المظلومين، واستهدفت المنطقة بشكل خاص، وحاصرتهم حصاراً قاسياً وعنيفاً.

وأضاف زعيم الحركة القومية: “في الذكرى الـ101 للجمهورية التركية، لن نعترف بأي خيار ثانٍ سوى تحطيم كل أنواع التهديدات، وكل أنواع الأخطار، ومخططات الشر المتصاعد والقتل المتصاعد بروح التضامن الوطني والانطلاقة الروحية المقاومة. لقد تعلمنا الدرس من التاريخ سطراً سطراً”.

وأعتبر بهجلي أن هناك محاولات لنقل حرب غزة إلى تركيا، ولهذا يلجأون إلى عدادات الاستخبارات وألعاب الدائرة المغلقة والوصفات التعاونية.

أوجلان يشعل حراكا سياسيا داخل تركيا..هكذا تحدث عنه بهجلي وأردوغان

وشدد بهجلي على ضرورة أن يكون الأتراك في حالة تأهب، مضيفا: ” مخططهم أن ننفصل عن بعضنا البعض، حزب العمال الكردستاني هو عدو الأتراك والأكراد وحتى كل كائن حي، أرسل أسياد منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية الانفصالية رسالة دموية إلى تركيا بناءً على تعليمات بارونات الإرهاب، في اليوم الذي حضر فيه رئيسنا اجتماع البريكس، ومباشرة بعد خروجنا التاريخي يوم الثلاثاء. لقد دُست هذه الرسالة الدموية تحت أقدامنا. لقد تم القضاء على الخونة الذين تسللوا من سوريا، وأصبحت قلوب شهدائنا المتألمة صوتا واحدا ضد الإرهاب”.

وفي نهاية تصريحاته أكد بهجلي على أنه لن يتمكن الإرهابيون والعناصر المعادية من تحقيق نتائج، ولن يتمكنوا من تجاوز تركيا، ولن يتمكنوا من إبعاد تركيا عن طريقها وتصميمها على القتال.

Exit mobile version