الصراع على البحر الأحمر..سر التحالف التركي الألماني في القرن الإفريقي

وكالات_ الشمس نيوز

منطقة القرن الأفريقي أصبحت مركزًا حيويًا للاهتمام الدولي والإقليمي في السنوات الأخيرة، وذلك بسبب أهميتها الجغرافية والاستراتيجية حيث تُعتبر هذه المنطقة نقطة ربط مهمة للتجارة الدولية، وتطل على مناطق إنتاج ونقل النفط، مما يجعلها محط أنظار العديد من الأطراف.

وتظل منطقة القرن الأفريقي بشكل عام ذات أهمية كبيرة، لكن الصومال تحديدًا تتمتع بموقع استراتيجي خاص، حيث شهدت منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي زيادة ملحوظة في الاهتمام الدولي بتعزيز النفوذ فيها.

في ظل هذا الاهتمام المتزايد، تتحول منطقة البحر الأحمر بسرعة إلى منطقة مشتعلة بالصراعات، حيث تسعى العديد من الأطراف الدولية والإقليمية لضبط معادلات السيطرة عليها بشكل غير مسبوق تاريخيًا واستراتيجيًا.

خطوات تركية-المانية للتوسع في أفريقيا

في الآونة الأخيرة، شهدت العلاقات التركية الصومالية زخمًا ملحوظًا، حيث قامت تركيا بتعزيز شراكتها مع الصومال خصوصًا في المجالات الدفاعية ومجالات الطاقة. التقرير الأخير أشار إلى أن تركيا تسعى لمساعدة الصومال في الدفاع عن مياهها الإقليمية، كما وقعت اتفاقًا لاستكشاف النفط والغاز على سواحل البلاد الشرقية.

وفي خطوة استراتيجية أخرى، قالت صحيفة “صباح” التركية إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعلن عن مشروع إنشاء قاعدة فضائية في الصومال، بتكلفة استثمارية ضخمة تبلغ 6 مليارات دولار.

لهذا رفضته تركيا ..ماذا تريد أثيوبيا من مذكرة التفاهم مع أرض الصومال ؟

وذكرت الصحيفة أن القاعدة المخططة لإنشائها ستتيح لتركيا إجراء تجارب على الصواريخ الباليستية والصواريخ الفضائية، مما يعزز قدراتها التكنولوجية ويؤكد وجودها في قطاع ظل لعقود حكراً على القوى الكبرى.

على مدار السنوات الأربع الماضية، شهدت الشراكات التركية مع الصومال نموًا مستمرًا، حيث تم تصدير منتجات الدفاع، بما في ذلك الطائرات بدون طيار، إلى المناطق التي تشهد نزاعات مثل ليبيا وإثيوبيا.

وفي الوقت نفسه يؤكد مراقبون عدم مقدرة تركيا على أن تكون المستثمر الوحيد لهذه المشاريع في الصومال، حيث أن هذه المشاريع الكبيرة وخاصة القاعدة الفضائية في حاجة ماسة لإستثمارات ضخمة وشركاء دوليين، مع الإشارة إلى ألمانيا كأحد أهم المرشحين للمساهمة في التمويل.

وبحسب تقارير، ألمانيا، التي تسعى لتعزيز نفوذها في القارة الإفريقية، تتعاون مع تركيا من خلال شركات للتضليل. وفي إطار الصراع المتصاعد للهيمنة في المنطقة، دخلت ألمانيا في منافسة مع الوجود الفرنسي، لكنها تفضل عدم الكشف عن تحركاتها لتجنب الصدام المباشر مع فرنسا. لهذا، لجأت إلى بناء تحالفات مع دول مثل تركيا وإيطاليا.

ويجدر بالذكر، دعم تركيا للإسلاميين في السودان، فبحسب صحيفة “إنديبيندينت”، انضم عناصر النظام السوداني السابق بعد قيام ثورة ديسمبر 2018، إلى أعضاء جماعة “الإخوان المسلمين” الذين اتخذوا من تركيا ملاذاً آمناً لهم. ويرتبط الجانبان بمصالح وثيقة، تتجسَّد بشكل عام في الدعم الداخلي لحزب العدالة والتنمية التركي الذي يحكم تركيا منذ عام 2002، وخدمة المشروع التركي التوسعي.

وبحسب تقارير، تقاتل قوات الإسلاميين في السودان ضمن صفوف قوات الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان ضد قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي” منذ بداية الصراع، بالإضافة الى تواجد كتيبة كاملة تابعة للإسلاميين “كتيبة البراء ابن مالك” التي تقاتل في صف قوات الجيش السوداني.

التوسع والمنافسة

ونقلا عن صحيفة الأناضول التركية، حضر وزير الخارجية التركي المؤتمر الوزاري الثالث لمراجعة الشراكة التركية الأفريقية في جيبوتي لتعزيز العلاقات بين الدولتين.
جيبوتي، الدولة التي لطالما كانت حليفا لفرنسا، وقد ظهر الوجود العسكري الأجنبي في جيبوتي منذ تأسيس المحمية الفرنسية في ثمانينيات القرن الـ19 وتمكنت فرنسا من الاحتفاظ بقاعدة عسكرية لها عقب استقلال البلاد عام 1977، وظلت تلك القاعدة هي الوحيدة حتى مطلع القرن الـ21، حين بدأ الحضور العسكري الأجنبي يغزو البلاد بشكل ملحوظ، وقبل مضي العقد الثاني من القرن الـ21، أصبح احتضان قواعد عسكرية أجنبية ظاهرة جليّة في جيبوتي.

وتحاول فرنسا التوسع في “ارض الصومال”، التي تسعى للانفصال عن الصومال، عبر علاقاتها مع الدولة الصهيونية “إسرائيل”، كما تعمل كلا من فرنسا وإسرائيل على دعم قوات الدعم السريع في السودان عن طريق دولة الإمارات العربية، حيث يسلح كلا من فرنسا وإسرائيل “حميدتي” بالأسلحة وأجهزة التجسس والتشويش والمسيرات الانتحارية، تلك الأسلحة التي تنقل إلى مطار أبو جرس يتم تهريبها إلى السودان.

تورط فرنسي في السودان

في نفس السياق، أكدت منظمة العفو الدولية في تحقيق نشرته على موقعها الإلكتروني أن التكنولوجيا العسكرية الفرنسية الصنع، التي تتضمنها ناقلات الجنود المدرعة المُصنَّعة في دولة الإمارات العربية المتحدة، تُستخدم في ساحة المعركة في السودان. وهذا يتعارض بشكل واضح مع حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على دارفور منذ أكثر من عام، في ظل النزاع المستمر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

انقلابات أفريقيا..تمدد روسي أم عقاب أمريكي لـ فرنسا ؟

وفقاً لمنظمة العفو الدولية، أسفرت التحقيقات حول الأحداث في السودان عن نتائج تشير إلى أن قوات الدعم السريع تستخدم ناقلات جنود مدرعة في مناطق متعددة من السودان، وقد صُنعَت هذه المركبات في الإمارات العربية المتحدة. وقد أظهرت التقارير أن هذه الناقلات المدرعة التي تستخدمها قوات الدعم السريع تتضمن أنظمة دفاع تفاعلية متطورة، تم تصميمها وتصنيعها في فرنسا.

ومن المعروف أن الإمارات تملك علاقات جيدة مع كلًا من إسرائيل وفرنسا، وبحسب وسائل إعلام مصرية، تقوم إسرائيل بدعم حميدتي بالسلاح وأجهزة التنصت والمراقبة منذ بداية الحرب

التنمية المستدامة في إفريقيا

بقلم د.مروة عواد

 التنمية المستدامة في إفريقيا تعتبر قلب تطلعات القارة الإفريقية، وركيزة أساسية تسعى لتحقيق توازن بين النمو الاقتصادي، العدالة الاجتماعية، والمحافظة على البيئة لضمان رفاهية الأجيال الحالية والمقبلة. من خلال هذه المنظور، تبرز فرصة ذهبية أمام القارة لتجاوز عقباتها الراهنة نحو مستقبل مشرق ومزدهر.

وتتخذ شكلاً من أشكال التطور الذي يضمن استيفاء حاجات الزمن الراهن دون المساومة على قدرات الأجيال القادمة في تلبية حاجاتهم، معتمدة على تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي، الحفاظ على البيئة، وتحفيز العدالة الاجتماعية.
تبرز أهمية التنمية المستدامة في إفريقيا في كونها السبيل لمواجهة التحديات الجسام مثل الفقر، ندرة الموارد، الأمراض، وآفات تغير المناخ، ممهدة الطريق نحو غدٍ يزخر بالاستقرار والازدهار، بما يدفع نحو تحقيق الأمن والسلام على مستوى المنطقة. مع ذلك، تقف القارة أمام سلسلة من التحديات كعائق أمام تحقيق أهداف التنمية المستدامة، تتمثل في نقص البنية التحتية التكنولوجية، التحديات الخاصة بالأمن الغذائي والحصول على المياه النظيفة، شبح الفقر المدقع والفوارق الطبقية، بالإضافة إلى تداعيات تغير المناخ.

بعد تكرار الانقلابات..هل أصبحت أفريقيا أرضا خصبة للجماعات الإرهابية؟

على الرغم من هذه التحديات، هناك إنجازات ملموسة في إفريقيا في مجال التنمية المستدامة قد تجلت في استثمارات متزايدة في الطاقة المتجددة، مشاريع زراعية تحافظ على الأمن الغذائي والموارد الطبيعية، بالإضافة إلى برامج التعليم والتدريب التي تُعنى بالاستدامة. التكنولوجيا، من جانبها، توفر فرصاً استثنائية لتسريع العملية التنموية من خلال حلول مبتكرة تتخطى التحديات القائمة كالزراعة الذكية التي تُقلل الطلب على الماء والطاقة وتُعظم الإنتاج، وتطبيقات صحية توفر خدمات الرعاية عن بُعد.
لتحسين مسيرة التنمية المستدامة في إفريقيا، تتمثل الاستراتيجيات في تعزيز الوصول إلى تعليم ذي جودة عالية يُمكن الشباب من المساهمة في التنمية الاقتصادية، ضخ استثمارات كبيرة في البنية التحتية الرقمية لدعم الابتكار وريادة الأعمال، الاهتمام بالزراعة المستدامة وتكنولوجيا المياه لضمان الأمن الغذائي، وتشجيع الاعتماد على الطاقة المتجددة بما يقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري.
وفي الختام، تقف التنمية في إفريقيا كمعبر نحو مستقبل يعج بالفرص والوعود لازدهار واستدامة أكبر. رغم كافة التحديات، يبقى الابتكار والتعاون هما المفتاح لتحويل هذه التحديات إلى فرص قيّمة لصالح كافة أبناء القارة
.

بعد تكرار الانقلابات..هل أصبحت أفريقيا أرضا خصبة للجماعات الإرهابية؟

تعيش منطقة غرب أفريقيا فترة حرجة وشديدة الاضطراب من حيث عدوى الانقلابات العسكرية، واستفحال ظاهرة الإرهاب، فدائما ما نسمع أن مالي وبوركينا فاسو والنيجر ونيجيريا هي مناطق نشاط الإرهابيين في غرب القارة، لكن هذا لا يعني أن هذه الجماعات الإرهابية ليست لها طموح ومصلحة في توسيع نفوذها إلى مناطق أخرى كدولة غانا مثلا التي نجت حتى الآن من كتائب الساحل التي هاجمت كوت ديفوار وتوجو المجاورتين، وعليه يكون السؤال هل تعد غانا أرضا خصبة لوصول تلك الجماعات الإرهابية في المستقبل؟
نبدأ جولتنا في الإجابة، من موقع “تريندز للبحوث والاستشارات ” وورقة بحثية لـ ” د.محمد السبيطلي” – رئيس برنامج الدراسات الإفريقية – بمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية – الرياض، بعنوان ” غانا في مواجهة التهديدات الإرهابية ” والذي ناقشت محورين أولهما؛ الموقع الذي تحتله غانا في استراتيجية الحركات المسلحة المنتشرة والنشطة في منطقة الساحل والصحراء.
يستعرض الباحث موقع غانا -ضمن مجموعة دول أخرى- كحالة استثنائية على خارطة النشاط الإرهابي في المنطقة، ويدلل بالقول، برغم العجز الذي يصيب مجموعة الدول المجاورة لغانا، بسبب ضعف أداء أجهزتها الأمنية، وهشاشة مؤسساتها السياسية والسيادية، فإن هذه الدول التي تقع على الشريط الساحلي الممتد من المغرب وينتهي بغانا، شكَّلت عام 2022 حالة استثناء، إذ لم تشهد أيّ عملية إرهابية في هذا العام. والجماعات الإرهابية لم تفعل ذلك فقط لأنه ببساطة لم يحن الوقت المناسب لكي تتحرك صوب وُجهات جديدة.. ضمن استراتيجيهم في منطقة الساحل، إذ يُتوقع أن يتوسّع التنظيم نحو الساحل الأطلسي، و كل المؤشرات توحي بأن ذلك وشيكًا وليس ببعيد لعدة أسباب قدمها الباحث كالتالي:-
1- تشكّل غانا ما يمكن اعتباره قاعدة احتياط أو مستودعًا لوجستيًّا في استراتيجية التنظيمات الإرهابية، إذ ظلت ساحة لتجنيد المقاتلين
2- سعت الحركات الإرهابية إلى تأسيس خلايا نائمة تابعة لها في غانا تضم هؤلاء المقاتلين الذين عادوا إلى مواطنهم الأصلية شمال البلاد، في القرى والبلدات القريبة من الحدود مع بوركينا فاسو.
3- سعت التنظيمات الإرهابية إلى تحريض الأقليات المسلمة في غانا، مثل إثنية الفولاني ضد الحكومة في محاولة لكسب دعم هذه الأقليات. ومهما يكن من أمر، فإن التنظيمات العاملة في غربي أفريقيا، تتجه نحو تعبئة أبناء إثنية الفولاني في كل دول الإقليم.
4- التنافس بين تنظيم داعش وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة، من الممكن أن بودي إلى تقدم “داعش”، وإيجاد موقع قدم له في شمالي غانا.
في هذا السياق يوكد الباحث إن الجهاديين لديهم بالفعل موطئ قدم في غانا ، فالإرهابيون يتصرفون ويتحركون بالفعل منذ عام 2020 نحو غانا كقاعدة خلفية ينسحب إليها المقاتلون، ويعمل فيها الدعاة للتجنيد والدعاية، ولكنها أيضًا ممرٌّ آمن للعبور، والتموين، والتمويل، والتهريب.
وفي المحور الثاني من الورقة تطرق الباحث إلى ثلاث من الأُطُر والعوامل المغذية للعنف المتشدد، أو التي يمكن أن توظفها الحركات الإرهابية في تأجيج النزاعات، واستقطاب النشطاء والمقاتلين وتجنيدهم كالتالي :-
1- التفاوت الاجتماعي الكبير والعميق : تسعى جماعات العنف المسلح إلى استثمار انتشار مشاعر الحقد والكراهية، التي يخلّفها التفاوت الاجتماعي الكبير والعميق في غانا، بين الشمال عمومًا، وبين الشمال والجنوب. وقام الباحث بعرض أوضاع إثنية الفولاني في غانا والتي تثير جدلًا مزمنًا؛ ذلك أنها كانت – ولا تزال- الجماعة العرقية الأكثر استهدافًا وتهميشًا – من قبل الدولة الغانية.
2- الانقسامات والانشقاقات داخل المسلمين الغانيين: حيث حدث نوع من الانشقاق داخل المسلمين الغانيين، على أساس مذهبي ديني وإثني؛ وهنا استوقف الباحث عند أزمة توجه المسلمون الهوسا، نحو الطريقة الصوفية التيجانية الوافدة من السنغال،وبالتالي كان على هذه المؤسسة أن تتعامل مع المتغيرات المذهبية، الناتجة عن دخول مدارس ومذاهب أخرى مختلفة عن السائد التاريخي في غانا، وفي عموم غربي أفريقيا، منذ الاستقلال .
3- هشاشة النظام السياسي والاقتصادي: تميزت غانا بانها من أكثر بلدان منطقة غرب أفريقيا وخليج غينيا استقرارًا سياسيًّا ووقدرة على تحقيق نسب نمو اقتصادي، لكن هذا الوضع الإيجابي السياسي، والاقتصادي، والأمني، السائد في غانا، لا يمكنه أن يُخفي هشاشته الواضحة؛ فالاقتصاد الذي يعتمد على الصناعات الاستخراجية والتصدير، يظل مرتهَنًا للمناخات الدولية.
هذه الهشاشة التي يبدو عليها النظام الاقتصادي والسياسي في غانا، تعدّ – من قريب أو بعيد – أحد العوامل المغذية للتهديدات، التي تستفيد منها جماعات العنف والجريمة المنظمة، فغانا حتى وإن بدا أنها نجت -بصورة أو بأخرى- من نشاط الجماعات المتشددة العنيفة – ولو نسبيًّا – إلا أن ذلك لا يمنع وجود نشاط جماعات الإجرام المنظَّم، التي كثيرًا ما تستهدف الأجانب، من أجل الابتزاز.

مع تعدد الانقلابات في غرب ووسط افريقيا، وتمدد عمل ونشاط الجماعات الإرهابية، واحتدام التنافي الدولي يبقى أمام الدول الافريقية ضرورة اللجوء الى حلول مستقبلية واستباقية تمنع تعميق واستشراء الأزمات: وتتمثل هذه الحلول في اخاذا كل التدابير الممكنة لتحسين الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية للسكان، مع احترام الدساتير، وتفعيل القوانين في محاربة الفساد، وتحصين النظام السياسي من الاختراقات. أما مع تواصل عدم احترام المؤسسات وفساد النخب السياسية، والتفويت في جزء من السيادة الوطنية، وعدم افساح المجال لنشأة وتطور الرأسمال الوطني خدمة لمصالح أجنبية وتعميقا للتبعية، واستمرار فساد الأجهزة، فالمتوقع مزيد من انهيارات الدول أمام استفحال ظاهرة التطرف وخروج أقاليم مهمة عن سلطة الدول.

Exit mobile version