خبراء عرب : مبادرة الإدارة الذاتية طريق النجاة لحل الأزمة السورية

فى ظل انسداد أفق الحل السياسي الداخلي للأزمة السورية، وفشل المجتمع الدولي فى تقديم حل للصراع الممتد منذ أكثر من 12 عاما، طرحت الإدارة الذاتية لشعوب شمال وشرق سوريا مبادرة لحل الأزمة وصفها مراقبون بأنها بادرة جيدة ونقطة ضوء يمكن الاعتماد عليه فى الوصول لحل نهائي للمقتلة السورية التي راح ضحيتها عشرات الالاف من السوريين.
وشددت المبادرة التي طرحتها الإدارة الذاتية فى الثامن عشر من نيسان الماضي علي وحدة الأراضي السورية واعتماد نموذج اللامركزية في الحكم، وتوزيع عادل للثروات بين كل المناطق السورية، والاستعداد لاستقبال اللاجئين السوريين في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، ومكافحة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية، وذلك من خلال حوار سوري- سوري بدعم عربي ودولي، يفضي إلى تحقيق الاستقرار في البلاد واستعادتها عافيتها.
وحدة الأراضي السورية
ورحب مراقبون عرب بالمبادرة التي تعبر عن انفتاح الإدارة الذاتية لشعوب شمال وشرق سوريا على إيجاد حل حقيقي للأزمة السورية خاصة مع تأكيدها على وحدة الأراضي السورية وهو ما يكشف زيف الادعاءات التي روجتها البعض حول نزعات انفصالية لدى كرد سوريا.
واعتبر الناشط السياسي السوري سمير عزام منسق تجمع السوريين العلمانيين أن مبادرة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بمثابة إعلان مبادئ جيد لأحد أطراف الصراع فى الأزمة السورية.
وأشاد عزام فى تصريحات خاصة لوكالتنا بتأكيد المبادرة على وحدة سوريا أرضا وشعبا، وتشديدها على ضرورة مشاركة كل مكونات السوريين الإثنية والدينية والطائفية في حل القضية السورية وحفظ حقوقهم وثقافاتهم.
كما أشاد السياسي السوري بإعلان المبادرة استعداد الإدارة الذاتية لمشاركة الثروات الوطنية المتوفرة بمناطقها مع كل المناطق السورية وهو ما من شانه أن يساهم فى عدالة توزيع الثروات السورية بكل المناطق ويؤكد جدية الإدارة فى الوصول لحل يرضي جميع الأطراف السورية.

إعلان نوايا وليست مبادرة
ويعتقد منسق تجمع السوريين العلمانيين أن مبادرة الإدارة الذاتية تعتبر أقرب لـ إعلان نوايا من كونها مبادرة حل للقضيه السورية وذلك للعدة أسباب ربما أبرزها أن القضي السوري مدولة وصدر بشأنها قرارات من مجلس الأمن بعد عجز السوريين وأطراف الصراع المحليين على حلها .
كما إن المبادرة موجهة بشكل أساسي للنظام، فى حين أن رأس النظام قراره ليس بيده بل يخضع بشكل ما لحلفائه الإيرانيين والروس اللذان يتشاركان مع الأتراك فى محور أستانا المخالف لقرارات الشرعيه الدولية الخاصة بحل القضية السورية بحسب عزام.

التشاور مع القوي الديمقراطية لا النظام
وأشار إلي أنه رغم ما تحمله المبادرة من نقاط إيجابية تجاه حكومة دمشق ألا إن رد النظام عليها كان سلبيا بدرجة كبيرة، حيث واصل فرض حصار خانق على أحياء الشيخ مقصود والأشرفية بمدينة حلب، وعلى مناطق الشهباء، معتبرا أن هذه الممارسات أثبتت أنه من غير الممكن إيجاد حل للأزمة السورية مع نظام الأسد.
ودعا السياسي السوري الإدارة الذاتية للتشاور مع القوى الديمقراطية بمناطق غرب وجنوب الفرات لتشكيل قوة وطنية موحدة من القوى والتيارات التي تؤمن بمشروع الجمهورية السورية اللامركزية، وتقديم مشروع حل للقضية السورية للأمم المتحدة بديلا عن النظام أو ائتلاف إسطنبول.

خارطة طريق واقعية
من جانبها، اعتبرت الباحثة السياسية المصرية د.فريناز عطية أن المبادرة تمثل طريق حصيف وواقعي لحل المشكلة والأزمة السورية.
وأكدت عطية فى تصريحات خاصة لوكالتنا: إن المبادرة تتضمن العديد من الجوانب المهمة التي تمثل خريطة طريقة عملية لحل الأزمة السورية حيث دعت للتعايش السلمي وقبول الأخر واللامركزية واحترام قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالأزمة السورية فضلا عن التوزيع العادل للموارد لكافة المناطق السورية كما أكدت على وحدة الأراضي السورية .
وأشارت إلي أن المبادرة رغم أنها صادرة عن الإدارة الذاتية ألا إنها لم تركز على تعزيز مصلحة الكرد وحدهم كمكون بل على العكس ركزت على تحقيق المصلحة السورية لكل المكونات دون تمييز لمكون أو عرق كما تعتبر الكرد جزء من الدولة السورية وليس لهم ميزة عن بقية المكونات وهو ما ينفي كل ما الاتهامات التي تلاحق الكرد بوجود نوايا انفصالية وغيرها .
الدور العربي فى الأزمة السورية
وأشادت الباحثة المصرية بإعلان المبادرة دعوتها الدول العربية لدعم الموقف السوري والوقوف بجانبها ومساعدة سوريا على تحقيق السلام وانهاء الأزمة الممتدة منذ 12 سنة، معتبرة أن وجود دور عربي فعال ربما يساهم فى تعزيز فرص الوصول لحل سلمي للأزمة.
وأثنت فريناز على دعوة المبادرة الشعب السوري للتوحد فى مواجهة الاحتلال التركي وانهاء العدوان على مناطق شمال شرق وغرب سوريا الخاضعة للاحتلال والوقوف فى وجه نوايا تركيا فى اقتطاع الأرض السورية، معتبرة أن وحدة السورين الحل الوحيد لتحرير أراضيهم من الاحتلال التركي .
وختمت الباحثة المصرية تصريحاتها بالتأكيد على أن المبادرة عادلة ومنصفة بشكل كبير وإذا تم تطبيقها على أرض الواقع يمكنها إصلاح الحاضر، وتجفيف آلم الماضي ورسم خارطة للمستقبل وهو ما سيؤدي لاعادة الحياة بسوريا بعد أن دمرت الحرب أركانها ومفاصلها على مدار أكثر من عقد من الزمان.

10 سنوات من الدمار ..من المستفيد من استمرارية الأزمة السورية؟

تجليل تكتبه ليلي موسي /ممثلة مجلس سوريا الديمقراطية بالقاهرة

بعد أكثر من عقد مرّ على الأزمة السورية، وما آلت إليها من الأوضاع المأساوية والكارثية على كافة الأصعدة، وتداعياتها التي ستمتد لعقود من الزمن، أرهقت كاهل الشعب السوري وعجز عنها المجتمع الدولي. ففي الوقت الذي تحولت فيه إلى مستنقع أغرقت العديد من القوى والجهات والدول، وعقدة كداء أمام المجتمع الدولي يصعب حلها والخروج منها، بل وأكثر من ذلك ما أفرزت من مشاكل وأزمات وقضايا شكلت تحديات وعراقيل أمام الجهود الدولية في مسعاها بحلحلة الأزمات التي تعاني منها دول المنطقة.
السؤال الذي يطرح نفسه، من المستفيد من استمرارية الأزمة وتجذيرها؟

شرارة الحراك الثوري
شكلت انطلاقة شرارة الحراك الثوري السوري الأمل للشعب السوري الذي طال انتظاره بغدٍ يضمن له حياة كريمة وجواً مفعماً بالديمقراطية والمواطنة والعدالة؛ التي طالما كان يحلم بها ويسعى إلى تحقيقها. لكن سرعان ما تحول ذلك الأمل إلى كابوس بفعل عوامل داخلية وخارجية مخلفة أزمة أفرزت أكثر من ثلاثة عشر مليوناً بين نازح ومهجر داخلي وخارجي والعدد مرشح للزيارة في ظل تردي الأوضاع المعيشية واستمرار الصراع وعدم وجود لأية حلول تلوح في الأفق على المدى المنظور، وبنية تحتية شبه مدمرة، فنسبة مما يعيشون تحت خط الفقر قرابة 90% من المجموع الإجمالي، وتراجع مستمر في قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي؛ و استمرار الإرهاب وتنشيطه في بعض الأحيان بفعل بعض القوى والدول الداعمة له؛ استمرار الانتهاكات التي تمارس من القوى الإرهابية وداعميها من الدول المحتلة لسوريا؛ وفي مقدمتهم دولة الاحتلال التركي، ومئات الألوف من الضحايا والمعتقلين والجرحى؛ وجغرافية مقسمة بحكم الأمر الواقع إلى مناطق نفوذ تدار بأنظمة حكم مختلفة، واستمرار الاحتلال التركي للعديد من المناطق السورية.
وغيرها من التداعيات التي أرهقت المجتمع الدولي الذي سعى لخطو بعض الخطوات لحلحة الأزمة في مسعى منه لتجفيف منابع الإرهاب، وإيقاف موجات الهجرة وممارسة بعض الضغوط لإيقاف تصدير المرتزقة من السوريين إلى دول الجوار وغيرها من الإجراءات.
مساعي استبشر بها الشعب السوري خيراً ولو لم تكن بحجم ومتطلبات الأزمة التي تعاني منها سوريا، ولكن على الأقل كانت بداية للتوقف على الأوضاع الإنسانية والحفاظ على مناطق خفض التصعيد واستمرارية في مكافحة الإرهاب واستئصال جذوره.

ولكن يبدو بأن هناك العديد من القوى والدول.؛ وبالرغم من تورطهم في المستنقع السوري الذي القى بظلاله على سياساتهم وعلاقاتهم الخارجية وأوضاعهم الداخلية؛ مخلفة بذلك أوضاع اقتصادية متردية وخلق شرخ وانقسامات داخل مجتمعاتهم بين مؤيد ورافض لتدخلاتهم في المستنقع السوري؛ لكنهم مصرون بالإبقاء على الأزمة لأطول مدة ممكنة لما تحمله سوريا من أهمية جيوستراتيجية بالنسبة للشرق الأوسط والعالم عموماً. فحل الأزمة يفشل ضمان استمرارية بقاءهم وتحقيق مشاريعهم وأطماعهم الاستعمارية والاقتصادية في سوريا، وهو السبيل لضمان بقاءهم في العديد من دول المنطقة التي تعاني من أزمات على صلة وثيقة بالوضع السوري.
لذا؛ نجدهم يحاربون أية حلول ومشاريع تسهم في الحفاظ على الهوية والسيادة والوحدة السورية شعباً وجغرافيةً. لذا، يعملون للإبقاء على الصراع وتغذية بؤر التوتر والإرهاب وترهيب الشعب ودفعهم إلى الهجرة وانهاكه بحيث يصل لمرحلة يقبل بكل ما يفرض عليه من وقائع جديدة تخدم سياستهم الهادفة إلى هندسة ديمغرافية جديدة لسوريا؛ بما يخدم ويضمن استمراريتهم ومصالحهم في سوريا والمنطقة على وجه العموم.
فبعد أية عملية توافقية ساعية إلى الاتجاه نحو الحل وايقاف النزيف الدموي ودنو من تجفيف منابع الإرهاب؛ نجدهم يخرجون بتوصيات جديدة تضمن استهداف كيانات ومناطق معينة تحت حجج وذرائع واهية للإبقاء على الأزمة على ماهي عليها وبل تجذيرها أكثر فأكثر.

مجموعة أستانا
قبل أيام خرجت مجموعة أستانا – بنسختها 17 برعاية روسية إيرانية تركية- بمجموعة من التوصيات ومن بينها استهداف مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، تلك الإدارة التي يحمل أبناءها مشروعاً وطنياً حافظوا على النسيج الاجتماعي والسلم الأهلي ووحدة التراب السوري؛ وحاربوا الإرهاب ومازالوا مستمرون في مكافحة خلايا تنظيم داعش.
وسرعان ما انتهزت دولة الاحتلال التركي الفرصة وقامت بترجمة تلك التوصيات إلى وقائع معاشة عبر الاستمرار في قصفها للمناطق الآهلة بالمدنيين العزل مخلفة عشرات من الجرحى والضحايا من المدنيين غالبيتهم نساء وأطفال وتفريغ العشرات من القرى الآهلة وتشريدهم، واستهداف تجمعات وسيارات وسكنات بالطائرات المسيرة.
حيث أنها لم تعد تخشَ من شيء لأنها باتت تدرك بأن نجاح تجربة الإدارة الذاتية وتعميمها على عموم سوريا ستكون السبيل لإنهاء الإرهاب والحفاظ على التراب السوري ودمقرطة الدولة ونهاية مشاريعها الاحتلالية التوسعية للمنطقة؛ وبالتالي ستكون نهاية لسلطة حكومة العدالة والتنمية برئاسة أردوغان. لذا نجدها –تركيا- تستهدف العجوز الثمانيني والشاب العشريني.
استهدافهم هذا لم يكن عن عبث بل على العكس تماماً، إنه بداية استهداف المرأة المقاتلة والسياسية والإدارية حتى يحافظ بالبقاء على هذه المجتمعات متخلفة وهشة ومليئة بالتناقضات وعبدة، لأنه – أي النظام التركي – يعلم علم اليقين أنه بتحرر المرأة ستتحرر المجتمعات، ولن يكون هناك فرصة لضمان بقاء الأنظمة الديكتاتورية المستبدة التي تتغذى من استعباد المرأة. واستهداف الثمانيني للقضاء على الروح والجذور المتعلقة بالتراب والوطن. وما استهدافه قبل أيام لمنزل يجتمع فيه مجموعة من الشبيبة الثورية الذين يعتبرون ديناميكية المجتمعات والروح الثائرة الرافضة للخضوع والاحتلال؛ فهي تستهدف الجميع دون استثناء. وفي كل عملية قصف تشنها على المنطقة تصاحبها موجة جديدة للهجرة وتنشيط للإرهاب والتطرف.
ولم تتوقف ممارساتها عند هذا الحد، بل وتسعى مع أدواتها وداعميها إلى فرض حصار خانق على مناطق الإدارة؛ عبر إغلاق المعابر في مسعى منها لتجويع الشعب ودفعهم لمحاربة الإدارة.
والسياسات التركية هذه تخدم العديد من الأطراف ومنها الحكومة السورية بإطالة عمر الأزمة التي تعتبر ضمان لبقائها في السلطة؛ ومتنفس للإيرانيين باستكمال مشاريعهم، وروسيا التي قدمت مسودة دستور فيدرالي لسوريا عام 2016، نجدها تناقض نفسها اليوم بمحاربة الإدارة الذاتية وتنعتها بالانفصالية. وهي تعلم يقيناً بأن الإدارة الذاتية تعتبر أحد أهم الحلول والأكثر نجاعة للحفاظ على وحدة وسلامة الجغرافية السورية. ولكن يبدو بالرغم من عجزها من الاستمرار في دفع تكلفة تواجدها في سوريا لتردي أوضاعها الاقتصادية من جهة، لكنها من جهة ثانية تبدو في مسعى أخير منها لتحقيق أكبر قدر ممكن من المصالح بالإضافة إلى مسعاها إلى الجانب التركي والإيراني وغيرها من الدول المستفيدة بالإبقاء على الأنظمة المركزية في المنطقة؛ والإبقاء على نظام الحكم في سوريا على ماهو عليه. لذا، لم يأتِ التصريح الأخير للمبعوث الرئاسي الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف بخصوص بقاء الأسد حيث أنه حذر من “يسعى إلى وضع دستور جديد لتغيير صلاحيات الرئيس، ومن أجل محاولة تغيير السلطة في دمشق، فهذا طريق نحو اللا إمكان. وعلى المعارضة تقديم مقترحات محددة وملموسة، وعدم القول إنه لا يمكن إحراز تقدم أثناء وجود بشار الأسد في السلطة. هذا نهج غير بنّاء ومرفوض”.
إلى جانب مساعيها الحثيثة بالتنسيق مع بعض الدول العربية بإعادة الحكومة السورية إلى محيطها العربي؛ والرجوع إلى مقعدها في الجامعة العربية.
طبعاً، لا نستثني إيران من ذلك وطموحها بتحقيق مشروع الهلال الشيعي؛ إلى جانب دول فاعلة في الأزمة بشكل غير مباشر مستفيدة من الأزمة وبقاء الأنظمة المركزية حتى تضمن بقاء نظامها ومنع انتقال رياح التغيير إلى مجتمعاتها.
لذا، مادامت المعارضة السورية تعاني من تشرذم، وتلك التي تحظى بدعم دولي مرهون بشكل كامل للخارج –ارتهان الائتلاف لتركيا- وعدم نيل المعارضة الوطنية لأية شرعية دولية؛ والتي يتم اقصاءها بشكل ممنهج طالما لا تخدم أجندات الدول الطامعة بسوريا وخيراتها؛ وتمسك النظام السوري بذهنيته الاقصائية والرافضة لأية مشاركة وتغيير، ووجود دول وقوى تغذي الأزمة وتجذرها في ظل عدم احتلال الأزمة السورية سلم الأولويات عند الدول العظمى وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية؛ فهذا يعني أن الأزمة مستمرة ولن يكون هناك حلول على المدى المنظور، وربما تشهد بعض الانفراجات ولكنها ستكون بسيطة وبطيئة.

إقرا أيضا

جفاف وأزمات مياه وفقر .. هل تتحول سوريا ما بعد الحرب لـ أرض لا تصلح للحياة ؟

فى ظل موقف أمريكي ضعيف..هل يقود الانفتاح العربي على دمشق لإسقاط قانون قيصر؟

Exit mobile version