شهدت بلدة إعزاز السورية بريف حلب اليوم الجمعة مظاهرات شعبية تنديدا بتصريحات رئيس “الحكومة السورية المؤقتة” التابعة للمعارضة عبد الرحمن مصطفى، الذي بارك التقارب السوري- التركي، قبل أيام.
وخلال التظاهرات الغاضبة تعرض “رئيس الائتلاف الوطني” السوري المعارض، سالم المسلط، للضرب والطرد ووصفه بالـ الشبيح.
تعرض رئيس الائتلاف السوري المعارض سالم المسلط، للضرب والطرد من مظاهرة #أعزاز اليوم.
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن المئات من أبناء إعزاز، تجمعوا بريف حلب الشمالي في مظاهرة غاضبة ومنددة طالبوا فيها بحجب الثقة عن مصطفى.
وتصاعد غضب المتظاهرين، بينما عمد بعضهم إى تحطيم سيارة المسلط بعدما ضربوه وطردوه ومرافقيه، من التظاهرة، تحت هتافات “شبيحة.. شبيحة”.
يأتي ذلك، ردا على تصريحاته الأخيرة التي سببت موجة من الاستياء لدى أبناء ريف حلب الخارج عن سيطرة نظام الأسد.
وكان عدد من النشطاء من مدينة عفرين الواقعة تحت سيطرة القوات التركية والفصائل الموالية لها، أصدروا بياناً دعوا فيه “أحرار الثورة السورية للمشاركة في مظاهرة مركزية ستقام في المدينة، الجمعة”.
البيان، وصف مصطفى بـ “عراب المصالحة” وعبر عن رفض الوصاية على الثورة السورية من أي جهة.
دعوات إسقاط حكومة الائتلاف
بدوره أصدر ما يعرف بـ”الحراك الثوري” في الشمال السوري، بياناً دعا فيه للخروج في مظاهرات لإسقاط “الحكومة السورية المؤقتة” ورئيسها.
وكان ناشطون في مدينة جرابلس الواقعة ضمن منطقة درع الفرات الخاضعة لسيطرة الفصائل الموالية لتركيا قد أقدمو أول أمس، على حرق صورة مصطفى بعد تصريحاته الأخيرة.
بداية الأزمة
وكان مصطفى قال في وقت سابق لقناة “تي آر تي خبر” التركية، إن أنقرة تتصرف بما يتماشى مع توقعات الشعب السوري، مضيفاَ، بأن “عملية التقارب لن تسفر عن نتائج تخالف توقعات الشعب السوري والمعارضة السورية”.
يأتي ذلك استمراراً لحالة الغضب الشعبي في الشمال السوري على خلفية التقارب بين النظامين التركي والسوري، واللقاء الذي جرى بين وزير الدفاع السوري ونظيريه التركي والروسي في موسكو، ولعدم اتخاذ الفصائل الموالية لتركيا والحكومة السورية المؤقتة موقفا صارما تجاه هذا التقارب.
وفي نهاية الشهر الماضي التقى وزيرا الدفاع التركي والسوري في موسكو، في أول لقاء رسمي على هذا المستوى بين الدولتين منذ بدء النزاع في سوريا في 2011، كما من المفترض أن يعقد قريباً لقاء على مستوى وزيري الخارجية.
في أول تعليق له، قال الرئيس السوري بشار الأسد، الخميس، وفق بيان صادر عن الرئاسة، إنّ “هذه اللقاءات حتى تكون مثمرة فإنّها يجب أن تُبنى على تنسيق وتخطيط مسبق بين سوريا وروسيا من أجل الوصول إلى الأهداف والنتائج الملموسة التي تريدها سوريا من هذه اللقاءات، انطلاقا من الثوابت والمبادئ الوطنية للدولة والشعب المبنية على إنهاء الاحتلال ووقف دعم الإرهاب”.
وقبل اندلاع النزاع العام 2011، كانت تركيا حليفاً اقتصاديا وسياسيا أساسيا لسوريا. وجمعت الرئيس التركي رجب طيب إردوغان علاقة صداقة بالأسد.
لكنّ العلاقة بين الطرفين انقلبت رأساً على عقب مع بدء الاحتجاجات ضد النظام في سوريا. ودعت أنقرة بداية حليفتها إلى إجراء إصلاحات سياسية، قبل أن يدعو أردوغان الأسد إلى التنحي.
أثار رسمٌ كاريكاتيري أعاد نشره الفنان السوري، علي فرزات عبر حسابه الشخصي في “فيس بوك” قبل يومين موجة غضب عارمة بين أوساط السوريين، حيث أظهر لقطة خلفية لجسد امرأة عارية، مع “إشارة مبطنة” لقيادية في “الائتلاف الوطني السوري” المعارض، بقوله: “الائتلاف ما في شي بيرفع راسكم غير مؤخرة ربى”.
وبحسب قناة الحرة الأمريكية، يعتبر فرزات من أبرز رسامي الكاريكاتير السوريين، ويعرف بمناهضته للنظام السوري، منذ مطلع أحداث الثورة السورية، وحادثة “تكسير أصابعه” الشهيرة، من قبل عناصر أفرع المخابرات.
وعلى الرغم من أنه لم يذكر اسم المرأة التي تضمنها منشوره بشكل مباشر أولا، إلا أن سياق التعليقات التي تفاعل من خلالها مع متابعيه أظهرت أنه يقصد “ربا حبوش”، والتي تشغل منصب نائب رئيس “الائتلاف الوطني السوري.رسم الكاريكاتير المثير للجدل
وسرعان ما أسفر ذلك عن حالة غضب وجدل عارمة بين سوريين، والذين أطلقوا حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان: “متضامن مع ربا حبوش”، واستنكروا طريقة “الانتقاد السياسي” التي اتبعها فرزات من خلال “جسد المرأة”.
متضامن مع الأستاذة ربا حبوش ضد سفاهات المدعو علي فرزات ، للأسف اذا كان هذا التافه فنان عالمي ويمثل النخبة السورية، فربما هذا يفسر لنا لماذا وصلت سوريا الى ماهي عليه والحقيقة الدائمة التي يجب ان نعترف بها دائما ، أن الشبيحة موجودين في طرفي الصراع وليس في طرف واحد @RubaHaboshpic.twitter.com/2N6hMjDdOD
— Dr.Mokhles Nazer مخلص الناظر (@Dr_MokhlesNazer) March 21, 2022
ورأى عدد من الباحثين والناشطين والعاملات في مجال حقوق المرأة أن الرسم “تحقيري” ويوجه “إساءة وإهانة” للمرأة ككل وجسدها من جهة، بينما يتجاوز الحدود الأخلاقية، على خلاف الغايات التي يريد الفن إيصالها.
لكن فرزات قال في المقابل خلال حديث له لموقع “الحرة”: “تحدثت عن حالة وممارسات لصوصية من قبل الائتلاف”، مضيفا: “لا يهمني أشخاص ولم أشر للمرأة المذكورة. أنا لم أكتب عنها. رسمت عن ممارسات، وعريّت الناس من الداخل وليس من الخارج”.
تنديد وغضب
ونشرت منظمة “اللوبي النسوي السوري” بيانا، الثلاثاء، نددت فيه “بالإساءة للنساء العاملات في الشأن العام، وللنساء عموما، سواء لفظيا أو من خلال الفن عبر استخدام أجسادهن للإساءة والإهانة”.
واعتبرت المنظمة أن ما أقدم عليه الفنان فرزات هو “شكل من أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي”، مضيفة: “أصبحت الإساءة للنساء تيمة يستخدمها بعض الأشخاص في الفضاء العام، وآخرهم فنان كاريكتور سوري، باتت تلك الإساءات سمة في كثير من أعماله، عبر استخدامه جسد المرأة كأداة للتحقير من خلال كلامه ورسومه”.
وتابعت المنظمة المهتمة بحقوق المرأة: “نعبّر عن تضامننا مع السيدة ربا حبوش التي تعرضت للإساءة والعنف القائم على النوع الاجتماعي من قبل هذا الفنان”.
وردت حبوش على منشور الفنان السوري بتعليق، بقولها: “شكرا أستاذ علي فرزات، هذا من حسن تحضرك واحترامك للمرأة”، ليرد الأخير: “أنا لم أقصدك أنت. لماذا هذا التهجم. أنا قمت فقط بذكر الإيجابيات، وهذا مدعاة إعجاب واهتمام لي وفضلته على كل ماتم إنجازه من الائتلاف بصدق ولايسيء لك ولا للمرأة.؟؟بل بالعكس”.
وكتبت الباحثة والأكاديمية السورية، ريم تركماني عبر “فيس بوك”: “مرة أخرى يتقيأ علي فرزات رسما يستخدم فيه جسد النساء كوسيلة للهجاء السياسي، وينحدر إلى قاعٍ جديد بتسمية السيدة المستهدفة”.
وأضافت تركماني الثلاثاء: “ما يقوم به هو أحد أشكال العنف ضد المرأة التي تستهدف إبعادها عن الفضاء العام وتحقير دورها، وهو ليس مجرد هجوم شخصي، بل يستهدف أيضا كل سيدة تشتغل في الشأن العام”.
ماذا يقول فرزات؟
خلال حديثه مع موقع “الحرة” أشار فرزات إلى أنه لا يتحمل أي مسؤولية، ورد على منتقديه بالقول: “أنا رسمت عن لونا الشبل وأسماء الأسد بنفس الرسوم والصور. لماذا لم يناصرونهن. هم يقيسون الأمور بـ 40 مكيال!”.
وأضاف فرزات في رده على حالة الغضب والجدل السائدة: “القصة لأني كشفت حيل الائتلاف. هم يفخخون المرأة ويضعونها في واجهة اللصوصية. تمنيت لو أنهم يأتون بامرأة من عوائل الشهداء ويضعونها في الائتلاف”.
“هناك خلط عام واستخفاف في عقول الناس وتغييب. هناك قطيع”، بحسب تعبير فرزات، وتابع: “الائتلاف يبيع دم الشهداء بالجملة والمفرق. باعوا سوريا مفروشة بشعبها. اليوم يأخذوا مهمات إلى جنيف وسوتشي. يضعوا المرأة عنصر في الواجهة، بحيث لا يمكن الانتقاد؟”.
عندما وصلت شعلة نيران جسد بوعزيزي التونسي إلى سوريا وفاحت منها رائحة الياسمين، استنشقها السوريون بعشق، وتعالت الأصوات المطالبة بالحرية والعدالة والمطالبة بسقاط النظام الأسدي.
مظاهرات مليونية خرجت، وأُلفت شعارات وأغاني وكتب ولافتات ومسرحيات ..ألخ، وذلك ترحيباً بنسمات الحرية التي كانت قاب قوسين.
وفي خضم الأشهر الست الأولى التي مثلت الثورة السورية الحقيقة بكافة مفاهيمها وأهدافها ومسمياتها، تأسس بعدها ما يسمى بـ “الأئتلاف الوطني السوري لقوى المعارضة” بقيادة الدولة الإخوانية قطر لتعلن من نفسها منطلقاً “للحراك الشعبي” والوصول إلى أهداف الثورة التي بدأتها أطفال درعا من خلال كتابات على جدران المدارس.
ولكن ماذا حدث وكيف استطاع النظام السوري الإيقاع “بالثورة” وتحويلها إلى حرب داخلية دامية، خلفت القتل والدمار والخراب والهجرة وجرائم حرب؟.
في بداية انطلاق المظاهرات تدخلت القوات الأمنية للنظام السوري وشنت حملات اعتقال واسعة ضد المتظاهرين الرافضين لحكمه وسياسته التعسفية، وأطلقت الرصاص الحي عليهم، ولكن دون جدوى. حينها لجأ النظام إلى أسلوب إخراج الثورة عن مسارها الحقيقي ونخرها من الداخل.
انشقاقات رجال النظام
بعد فترة وجيزة شاهدنا انشقاقات واسعة من صفوف النظام السوري متوجهين إلى صفوف “المعارضة ” التي كانت تُدار من قبل تركيا وقطر بالدرجة الأولى، واستلموا مناصب ذي صلاحيات قوية … وهنا بدأت الحكاية.
فالقيادات التي بدأت بإدارة المعارضة، عانى الشعب السوري الويلات منهم وكانوا يشرفون على تعذيب المواطنين وإصدار قرارات مجحفة بحق الشعب السوري.
أتبع النظام هذا الأسلوب ليزرع أجندته الخاصة في أذرع المعارضة ويبعدها عن أهدافها التي آمن بها الشعب السوري والتحق بالثورة في سبيل تحقيقها والتي حرم منها لعقود بسبب عائلة الأسد، بدءً من الأب وصولاً إلى الأبن.
معارضة فى خدمة أردوغان
ومن هذا المنطلق سلمت “المعارضة” نفسها إلى تركيا، وباتت أنقرة الآمر الناهي بتحركاتها. ناهيك عن أن حكومة أردوغان حولتها إلى حفنة من المرتزقة المتطرفين تجاوزوا النظام في ارتكاب الجرائم وحولت المدن إلى بؤرة للمجموعات الإرهابية وممراً آمناً لتنظيمي القاعدة وداعش الإرهابييَن، ومن هذه النطقة بدأت قصة “بيع المعارضة” إلى روسيا ومنها إلى النظام وأصبحت الثورة كلمة يتداولها تجار الحرب فقط.
مقايضة المدن السورية بين روسيا وتركيا وبغياب ما تسمى بـ “المعارضة” بدأت في 24 آب/أغسطس عام 2016 ، عندما دخل الجيش التركي بحجة محاربة داعش إلى جرابلس، في حين أنها سلمت حلب “عاصمة الثورة” إلى النظام السوري وروسيا، وبذلك بدأ مسلسل تسليم المناطق للنظام حتى مهد الثورة السورية “درعا”، لتجتمع قيادات “المرتزقة” في إدلب وتتحول بذلك إلى مأوى آمن لجميع الفصائل المتطرفة.
استمر المسلسل إلى أن وصل لعفرين، فقايضتها تركيا بالغوطة الشرقية واحتلتها، لتحول ما تسمي نفسها بـ “الثورة” إلى قتال الكرد بدلاً من قتال قوات النظام السوري والتي خرجوا ضده وضد حكمه الجائر، مستهدفين بذلك الكرد والمكونات المتعايشة معها.
محاربة الكرد
في ظل هذه المخططات، نزح أكثر من 6 مليون سوري وقُتل عشرات الآلاف منهم، وتحولت سوريا إلى ميدان لتصفية الحسابات الدولية، والمعارضة إلى “مناديل المراحيض” تستخدمها تركيا متى ما شاءت.
كل هذا السيناريوهات، تُبين أن تركيا باعت الثورة واتفقت مع النظام وروسيا منذ بداية الأحداث، وبذلك يحافظ الأسد على كرسي الرئاسة وتتمكن تركيا من محاربة الكرد وترسل مرتزقة المعارضة إلى أوكرانيا واذربيجان وليبيا.
انتهت الثورة!… استخدام هذا المصطلح بات جريمة، مقارنة بالممارسات التي صنفت بأنها جرائم حرب التي تُرتكب بيد من يدعون الثورة. فلا فرق بينهم وبين النظام الاستبدادي. فهم عادوا إلى حضن الأسد، وأصبح الائتلاف أحد أجزاء حزب البعث، ويجاهد من أجله بمسميات مختلفة.
لا مبادئ للثورة بعد اليوم.. خلقوا أزمة يستفيد منها الكبار وتبقى الضحية الشعب السوري، الذي أصبح أكبر حلم له، الحصول على تنكة زيت وربطة خبز وسماعات يحمي آذانه من خطابات الائتلاف البعثي الأسدي.