تحليل يكتبه/ آلان معيش – إعلامي كردي سوري
عندما وصلت شعلة نيران جسد بوعزيزي التونسي إلى سوريا وفاحت منها رائحة الياسمين، استنشقها السوريون بعشق، وتعالت الأصوات المطالبة بالحرية والعدالة والمطالبة بسقاط النظام الأسدي.
مظاهرات مليونية خرجت، وأُلفت شعارات وأغاني وكتب ولافتات ومسرحيات ..ألخ، وذلك ترحيباً بنسمات الحرية التي كانت قاب قوسين.
وفي خضم الأشهر الست الأولى التي مثلت الثورة السورية الحقيقة بكافة مفاهيمها وأهدافها ومسمياتها، تأسس بعدها ما يسمى بـ “الأئتلاف الوطني السوري لقوى المعارضة” بقيادة الدولة الإخوانية قطر لتعلن من نفسها منطلقاً “للحراك الشعبي” والوصول إلى أهداف الثورة التي بدأتها أطفال درعا من خلال كتابات على جدران المدارس.
ولكن ماذا حدث وكيف استطاع النظام السوري الإيقاع “بالثورة” وتحويلها إلى حرب داخلية دامية، خلفت القتل والدمار والخراب والهجرة وجرائم حرب؟.
في بداية انطلاق المظاهرات تدخلت القوات الأمنية للنظام السوري وشنت حملات اعتقال واسعة ضد المتظاهرين الرافضين لحكمه وسياسته التعسفية، وأطلقت الرصاص الحي عليهم، ولكن دون جدوى. حينها لجأ النظام إلى أسلوب إخراج الثورة عن مسارها الحقيقي ونخرها من الداخل.
انشقاقات رجال النظام
بعد فترة وجيزة شاهدنا انشقاقات واسعة من صفوف النظام السوري متوجهين إلى صفوف “المعارضة ” التي كانت تُدار من قبل تركيا وقطر بالدرجة الأولى، واستلموا مناصب ذي صلاحيات قوية … وهنا بدأت الحكاية.
فالقيادات التي بدأت بإدارة المعارضة، عانى الشعب السوري الويلات منهم وكانوا يشرفون على تعذيب المواطنين وإصدار قرارات مجحفة بحق الشعب السوري.
أتبع النظام هذا الأسلوب ليزرع أجندته الخاصة في أذرع المعارضة ويبعدها عن أهدافها التي آمن بها الشعب السوري والتحق بالثورة في سبيل تحقيقها والتي حرم منها لعقود بسبب عائلة الأسد، بدءً من الأب وصولاً إلى الأبن.
معارضة فى خدمة أردوغان
ومن هذا المنطلق سلمت “المعارضة” نفسها إلى تركيا، وباتت أنقرة الآمر الناهي بتحركاتها. ناهيك عن أن حكومة أردوغان حولتها إلى حفنة من المرتزقة المتطرفين تجاوزوا النظام في ارتكاب الجرائم وحولت المدن إلى بؤرة للمجموعات الإرهابية وممراً آمناً لتنظيمي القاعدة وداعش الإرهابييَن، ومن هذه النطقة بدأت قصة “بيع المعارضة” إلى روسيا ومنها إلى النظام وأصبحت الثورة كلمة يتداولها تجار الحرب فقط.
مقايضة المدن السورية بين روسيا وتركيا وبغياب ما تسمى بـ “المعارضة” بدأت في 24 آب/أغسطس عام 2016 ، عندما دخل الجيش التركي بحجة محاربة داعش إلى جرابلس، في حين أنها سلمت حلب “عاصمة الثورة” إلى النظام السوري وروسيا، وبذلك بدأ مسلسل تسليم المناطق للنظام حتى مهد الثورة السورية “درعا”، لتجتمع قيادات “المرتزقة” في إدلب وتتحول بذلك إلى مأوى آمن لجميع الفصائل المتطرفة.
استمر المسلسل إلى أن وصل لعفرين، فقايضتها تركيا بالغوطة الشرقية واحتلتها، لتحول ما تسمي نفسها بـ “الثورة” إلى قتال الكرد بدلاً من قتال قوات النظام السوري والتي خرجوا ضده وضد حكمه الجائر، مستهدفين بذلك الكرد والمكونات المتعايشة معها.
محاربة الكرد
في ظل هذه المخططات، نزح أكثر من 6 مليون سوري وقُتل عشرات الآلاف منهم، وتحولت سوريا إلى ميدان لتصفية الحسابات الدولية، والمعارضة إلى “مناديل المراحيض” تستخدمها تركيا متى ما شاءت.
كل هذا السيناريوهات، تُبين أن تركيا باعت الثورة واتفقت مع النظام وروسيا منذ بداية الأحداث، وبذلك يحافظ الأسد على كرسي الرئاسة وتتمكن تركيا من محاربة الكرد وترسل مرتزقة المعارضة إلى أوكرانيا واذربيجان وليبيا.
انتهت الثورة!… استخدام هذا المصطلح بات جريمة، مقارنة بالممارسات التي صنفت بأنها جرائم حرب التي تُرتكب بيد من يدعون الثورة. فلا فرق بينهم وبين النظام الاستبدادي. فهم عادوا إلى حضن الأسد، وأصبح الائتلاف أحد أجزاء حزب البعث، ويجاهد من أجله بمسميات مختلفة.
لا مبادئ للثورة بعد اليوم.. خلقوا أزمة يستفيد منها الكبار وتبقى الضحية الشعب السوري، الذي أصبح أكبر حلم له، الحصول على تنكة زيت وربطة خبز وسماعات يحمي آذانه من خطابات الائتلاف البعثي الأسدي.