سيناريوهات الصراع في النيجر واحتمالات الحرب بالساحل الأفريقي

على غير العادة ، تصدرت أخبار منطقة الساحل وغرب أفريقيا عناوين الصحف ووسائل الإعلام العالمية بعد انقلاب ليس بجديد على المنطقة التي تمثل الانقلابات العامل الأساسي في التغيير في معظم دولها.
وتحولت أخبار النيجر التي لم يكن أحد يسمع عنها إلي مادة خصبة لوسائل الإعلام الدولية بعد انقلاب عسكري شهدته البلاد أواخر يوليو/تموز الماضي أطاح بنظام الرئيس محمد بازوم المحسوب على فرنسا وهو ما أثار أزمة كبيرة داخل غرب إفريقيا خاصة بعد تهديد المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا المعروفة اختصارا بـ”إيكواس” بالتدخل العسكري في النيجر وإعادة الرئيس المعزول بالقوة.
سر الاهتمام بالنيجر
ومنذ الإنقلاب في النيجر تتصاعد الأحداث بشكل متسارع وسط اهتمام دولي كبير لم يحدث في انقلابات مشابهة في دول أفريقية أخري مثل بوركينا فاسو ومالي، وهو ما يعكس ما تمثله النيجر في الصراع بين القوي الكبري التي تتنافس على موارها وثرواتها.
وبحسب تقارير فإن النيجر التي تعتبر من أفقر دول إفريقيا منتج رئيسي للذهب واليورانيوم، كم توصف بأنها البلد الذي يضيء شوارع باريس بينما يعيش أغلب سكانه في الظلام.
وتعتبر النيجر رابع أغنى دولة في العالم من حيث احتياطيات اليورانيوم وهو ما جعلها محط صراع بين القوي الكبري، وتزداد أهمية يورانيوم النيجر في ظل الحرب الأوكرانية ورغبة الغرب في تقليص الاعتماد على اليورانيوم القادم من روسيا أو عن طريق حلفائها.
وتعيش النيجر وعموم دول غرب إفريقيا منذ الانقلاب حالة من الترقب خاصة في ظل تصاعد حالة التوتر بين نيامي وباريس على خلفية قرارات المجلس العسكري الحاكم بطرد السفير الفرنسي من البلاد وتعليق كل الاتفاقيات مع فرنسا التي تدعم التدخل العسكري لاستعادة نفوذها وسيطرتها على البلاد التي تضىء شوارع باريس بمواردها.
وبحسب مراقبون فإن الحرب حال اندلاعها ستكون الجماعات المتطرفة أكبر المستفيدين منها، وستمتد تداعياتها وتتسع بشكل يهدد عموم المنطقة خاصة أنها قد تتحول لحرب بالإنابة بين الدول الكبري حيث تدعم روسيا المجلس العسكري في حين تدعم فرنسا والغرب الرئيس المعزول ومجموعة إيكواس.
الموقف من التدخل العسكري
ويري رامي زهدي الخبير المصري في الشؤون الأفريقية أن “الأوضاع بالنيجر مازالت إلي الأن في مرحلة الصراع السياسي ولم يصل الأمر لتدخل عسكري بشكل واضح أو مؤكد، لافتا إلي أنه حتى الأن احتمالية التدخل العسكري تظل مقبولة نظريا ولكتها شديدة التعقيد عمليا”.
وقال زهدي لوكالتنا “هناك عوامل كثيرة تتحكم في هذا الصراع حاليا في النيجر، والأمر الأن عبارة عن أوراق ضغط متبادلة بين الطرفين، حيث يلوح قادة الانقلاب بمحاكمة بازوم بتهمة الخيانة العظمي، في حين أن مجموعة إيكواس تتراجع عن طرح فكرة التدخل العسكري لاعادة الشرعية لكنها في نفس الوقت تعطي أوامر لجاهزية الجيوش وتعلن خطة عسكرية للتدخل لمزيد من تأكيد التهديد والضغط على القادة العسكريين بالنيجر”.
وبحسب الباحث فإنه “حتى الأن الحلول السلمية الأقرب للتطبيق لأنه مهما كانت خسائرالسلم لن تكون مثل خسائر الحرب ومن يستطيع بدء الحرب لن يملك انهاءها أو وقف تمددها”.
وأشار إلي أن “هناك انقسام في مجموعة ايكواس وخلافات بين دولها حول التدخل العسكري، كما إن هناك خلافات بين الاتحاد الأوروبي وخاصة بين فرنسا وإيطاليا التي ترفض التدخل العسكري، فضلا عن موقف الولايات المتحدة التي لم تصف ما حدث في النيجر بالانقلاب، إضافة للاتحاد الافريقي الذي يرفض التدخل أيضا”.
وتابع : “كما أن هناك تباين في مواقف الدول السبع التي تمثل جوار النيجر حيث أعلنت مالي وبوركينا فاسو وقوفهم مع النيجر عسكريا والتدخل لمواجهة أى عمل عسكري ضد نيامي، كما رفضت 3 دول هى ليبيا والجزائر وتشاد التدخل العسكري سياسيا رغم مطالبتهم بعودة الشرعية، في حين وافقت دولتين فقط هما نيجيريا وبنين على التدخل العسكري، لافتا في الوقت نفسه إلي أن نيجيريا التي تقود مجموعة إيكواس تواجه رفض داخلي للعملية حيث رفض مجلس الشيوخ أى عمل عسكري بالنيجر خاصة أن قبائل الهوسا وهي قبائل مشتركة تعيش في النيجر ونيجيريا ولها نفوذ كبير في إدارة الأمور بنيجيريا”.
مستقبل الساحل الأفريقي
وبحسب الباحث فإن “قارة افريقيا حدث فيها 205 انقلاب في أخر 70 سنة نجح منها 100 انقلاب، وهناك عدد كبير من الانقلابات لم تعلن من الأساس أو تم التكتيم عليها”، مشيرا إلي أن “أخر 25 انقلاب في افريقيا كان منهم 21 في منطقة الساحل وغرب افريقيا فهذه منطقة معتادة على الانقلابات حيث لا يجدون وسيلة للخلافات السياسية سوي الانقلاب أو المواجهات المسلحة”.
وأكد زهدي أن “النيجر ذاتها تعيش الانقلاب الرابع حيث شهدت 3 انقلابات سابقة منذ استقلالها ولم يحدث زخم أو اهتمام دولي أو تهديد بتدخل عسكري ضد انقلاب بأفريقيا وما أكثرها كما يحدث الأن في انقلاب نيامي الأخير”.
لافتا إلي أنه “تم التعامل مع ما تم من انقلابات في الساحل والصحراء الأفريقية وأخرهم ما شهدته بوركينا فاسو ومالي وغينيا بيساو التي شهدت انقلاب على الانقلاب، وانتهي الأمر بتقنين وضع المنقلبون مع توفر قدر مناسب من الأرادة الشعبية لقبول الوضع الجديد”.
سيناريوهات الحرب
وحول سيناريوهات الحرب حال اندلاعها، يري الباحث أن “التكلفة الاقتصادية المباشرة للحرب تتعدي 2 مليار دولار وظروف الدول بالمنطقة لا تسمح لها بتمويل الحرب، وبالتالي سوف يتضح موقف التمويل الدولي بشكل مباشر أو معلن”.
وتابع : “التكلفة غيرالمباشرة للحرب كبيرة جدا، لان اقتصاد المنطقة مرتبط ببعضه البعض خاصة أن النيجر دولة حبيسة يحدها 7 دول، وتجمعها حركة تجارة كبيرة مع كل هذه الدول، وهناك أنابيب بترول وغاز تمر عبر ارضيها وهو ما يهدد بتوقفها أو تفجيرها ما يكون له تداعيات كبيرة على المنطقة”.
ويري خبير الشؤون الأفريقية أن “الخطر الأكبر حال اندلعت الحرب هو وجود قواعد عسكرية فرنسية وألمانية وأمريكية داخل النيجر، وبالتالي هذه القواعد تكون مصدر أزمة في حالة الحرب لانها ستكون أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الاشتراك بشكل مباشر في الحرب وهو ما يجعلها في مواجهة شبه مباشرة مع روسيا التي تدعم الانقلاب وستساعده عسكريا”.
أمام الخيار الثاني بحسب زهدي فهو أن “لا تشترك القواعد العسكرية الأجنبية في الحرب وتكتفي بالدعم اللوجيسيتي للإيكواس ولكنها في هذه الحالة أيضا ستكون أهدافا سهلة للقوات العسكرية في النيجر والقوات المتحالفة معها أو الجماعات الإرهابية أو الأفراد الذين يمكنهم القيام بعمليات ضد مصالح هذه الدول”.

خطر الفوضي
وحذر الباحث من “أن هذه البيئة هي الأنسب للجماعات الارهابية والمتطرفة التي تجد في الفراغ والفوضي والأزمات طريق ممهد لتقديم نفسها كبديل للحكومات وتستطيع أن تتمدد في هذه الأجواء وتتمكن من تحقيق أهدافها بشكل كبير”.
وحول مستقبل الوجود الروسي في إفريقيا بعد مقتل زعيم فاغنر، أكد الباحث أنه “لا يمكن الجزم بمستقبل فاغنر في أفريقيا بعد مقتل زعيمها وخطط روسيا في المستقبل تجاه هذه القوات التي حققت نجاحات كبيرة في افريقيا، وهل ستواصل تلك النجاحات أم يكون مقتل زعيمها بداية النهاية لفاغنر وعملياتها سواء في إفريقيا أو غيرها من مناطق الصراع “.

سوريا والسودان والنيجر..لماذا تشتعل نيران الحروب بالشرق الأوسط ولا تنطفىء؟

إذا سقطت عينيك على خارطة الشرق الأوسط فلن تجد سوي نيران تندلع وأخري تخبو ولا تنطفأ، أزمات وثورات وانقلابات، فتن واغتيالات، حروب وصراعات..لماذا الشرق الأوسط دون غيره ساحة لتصفية الحسابات الدولية وهل تلعب القوي الكبري دورا في استمرار الصراعات والأزمات بالمنطقة؟

ربما لا يوجد منطقة في العالم تشهد أزمات وصراعات وحروب كما يحدث في الشرق الأوسط، فلا تكاد تخبو نيران الحرب في منطقة حتى تشتعل في أخري، ولا تنتهي أزمة حتى يندلع صراع، ولا يحدث تغيير دون سقوط ضحايا.
الغريب في أزمات الشرق الأوسط أنها تندلع دون أسباب منطقية لاندلاعها ولا تنتهي رغم وجود تدخل دولي وجهود أممية تزعم العمل على حلها، ولا أدل على ذلك من الأوضاع بسوريا وليبيا أو السودان التي يجتمع مجلس الأمن من أجلهما بشكل شبه دوري، وتتواجد بهما بعثات أممية ومبعوثين للقوي الكبري دون أن تتحرك الأزمة قيد أنملة نحو طريق الحل ولو حدث سرعان ما تعود للمربع الأول مرة أخري.
ويعتقد مراقبون أن كل الأزمات التي تشهدها المنطقة بشكل عام جزء من صراع دولي واقليمي لتحويل المنطقة لبؤرة من الأزمات التي لا تنتهي بما يسهل استنزاف مواردها ونهب ثرواتها.
لعنة الجغرافيا
ويري د.إياد المجالي أستاذ العلاقات الدولية بجامعة مؤتة الأردنية أن حالة الصراع القائم في المنطقة هي لعنة الجغرافيا التي تدرك أهميتها محاور إقليمية مهمة، والتي لا يمكن النظر لها بتجرد او بمعزل عن حالة التنافس الإقليمي والدولي في بؤر متعددة من الشرق الأوسط.
وقال لوكالتنا ” ما تشهد المنطقة ارتداد منطقي لاستراتيجية القوي الكبري وفي مقدمتها الولايات المتحدة بابقاء المنطقة في صراع وتوتر لتتمكن من أحكام سيطرتها وتحقيق أهداف محددات السياسة الخارجية، وتمكين نفوذها على الممرات المائية وطرق الملاحة الدولية وعلى ثروات المنطقة”.
ويعتقد الباحث أن ما تشهده المنطقة من أنماط الصراع القائم متعدد الأشكال تصب جميعا في مصالح القوى الكبرى عبر حرب الانابة”.
احتلال جديد
ويري الباحث المصري في العلاقات والأزمات الدولية هاني الجمال أنه “منذ اللحظة الاولي التي شعرت فيها القوي الكبرى في ذلك الوقت إنجلترا وفرنسا بكراهية العرب لهم وان مدة بقائهم في المنطقة بالشكل التقليدي سوف يزيد من حالة الاحتقان ضدهما خاصة بعد نجاح الثورة العربية ومحاولة تشكيل كيان عربي يساهم في مجابهة الكبار بدأت القوي الكبري تغيير استراتيجيتها في التعاطي مع منطقة الشرق الأوسط “.
وقال لوكالتنا ” بدأ البحث عن طريقة جديدة تجعل المنطقة العربية في حالة صراع مستمر، وتعددت صور هذا الصراع بداية من الصراع العربي الإسرائيلي والانحياز الكامل للجانب الإسرائيلي سواء تمييزه نسبيا بالأسلحة المتطورة او من عدم تنفيذ القرارات الدولية ضده من خلال الفيتو، وتارة أخرى الصراع العقائدي بين السنة والشيعة والذي مزق العديد من البلاد العربية، وتارة ثالثة صراع على الزعامة العربية وهو ما أوجد جفاء بل نزاعات عربية عربية”.
وتابع” كما تم اشعال الصراعات الاثنية بين العرب والكرد أو الإيزيدين أو البدون أو الأمازيغ أو العلويبن أو الدروذ وغيرها من الصراعات التي تعمل على تأجيج الوضع في المنطقة العربية وهو ما ينسحب الأن على الوضع في لبنان وحالة الفراغ الرئاسي وتمدد حزب الله وتغلوه على السلطة مستندا على القوة الايرانية في مواجهة القوي الداخلية المدعومة من فرنسا او السعودية و بالتالي صارت لبنان جرح لايتوقف نزيفه”.
وأشار إلي أن “نفس الوضع صار في سوريا ومحاولة تقليم اظافرها سواء من خلال إعادة انتشار جيشها في لبنان ودخولها في خصومة طويلة مع القوي السياسية الداخلية، وتحول المجتمع السوري بعد الثورة الشعبية إلى بؤرة صراع إقليمي بين إيران وتركيا وصراع دولي بين أمريكا وروسيا في ظل حالة الفراغ الأمني التي خلفتها أمريكا جراء انسحابها من منطقة شرق الفرات هذا بجانب قمع حرية الكرد في تأسيس وطني قومي لهم او الدخول في نظام سياسي جديد يعتمد على الكونفدرالية والاستفادة من ثرواته الطبيعية في مواجهة الاستيلاء عليها فضلا عن الازمة الكبرى وهي توطين الجماعات الإرهابية ذات الاجندات الدولية”.
وبحسب الباحث فإن “نفس الأمر تكرر في السودان الذي سيطرت عليها جماعة الإخوان المسلمين إبان حكم البشير والمساهمة في تقسيمه جنوبا وشمالا ثم تصاعد الازمة في دارفور ومحاولات الانفصال المتكررة، وإجهاض مكتسبات الثورة الشعبية ضد البشير و محاولة تأسيس دولة مدنية في المنطقة العربية وصولا للصراع الراهن بين الجيش السوداني وقوات الدعم وهما أيضا ينفذان اجندات دولية واقليمية”.
كما تطرق الباحث إلي الأوضاع بليبيا وأفريقيا قائلا ” الازمة في ليبيا دخلت نفق مظلم بعد الثورة على القذافي وأصبحت مسرح للصراع الإقليمي بين تركيا ومصر وصراع دولي بين روسيا ضد أمريكا و أوروبا، لافتا إلي أن نفس الأوضاع تشهدها منطقة القرن الأفريقي التي يستعر فيها الصراع بين روسيا والصين من جانب وأمريكا والدول الغربية من جانب أخر حيث يسعي الجميع لنهب ثروات المنطقة واستزاف مواردها الطبيعية ومحاولة تسكين العملاء الخاضعين لهم في سدة الحكم”.
ويعتقد الباحث أن “العامل المشترك في كل هذه الأزمات هو المنظمات الدولية المسيسة والتي تغض الطرف عما يحدث في المنطقة العربية في حين انها اشتطات غضبا عما يحدث في أوكرانيا فكل الازمات في المنطقة العربية خلف ستائرها مخطط دولي واقليمي لانهاكها باستمرار”.

Exit mobile version