مع تنامي ظاهرة الانقلابات العسكرية التي شهدتها العديد من دول القارة الأفريقية خلال الفترة الماضية، بدأت أصابع الاتهام تشير لدور روسي وراء الظاهرة التي تمددت كالنارفي الهشيم بخمسة دول إفريقية هى مالي وبوركينا فاسو وغينينا والنيجر والجابون خاصة مع وجود قوات فاغنر الروسية في معظم الدول التي شهدت إنقلابات، فهل حقا تقف موسكو المشغولة بالحرب في أوكرانيا وراء كل هذه الانقلابات أم إن هناك طرف أخر يهمه إضعاف باريس ووراثة مكانتها ؟
خلال العشر سنوات الأخيرة، شهدت القارة الإفريقية عشرات الانقلابات فضلا عن محاولات الانقلاب، وتحتل منطقة غرب القارة الصدارة التاريخية في هذه الأحداث، بنسبة 44.4% من إجمالي انقلابات العسكرية، وهو ما دفع إلى تسميتها بـ”حزام الانقلابات حيث شهدت خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ما يقدر بـ7 انقلابات على الأقلّ.
وشهدت الجابون في 28 أغسطس انقلاب عسكري أطاح بالرئيس علي بونجو الذى تحكم أسرته البلاد منذ أكثر من 50 سنة ويعتبر أحد حلفاء باريس بالساحل الأفريقي، وسبق الجابون بشهر واحد انقلاب بالنيجر في 28 يوليو/تموز الماضي، كما شهدت مالي انقلابين عسكريين، الأول في أغسطس/آب 2020 والثاني في مايو/أيار 2021. وفي بوركينا فاسو حدث انقلابان أيضاً عام 2022، وفي غينيا حدث انقلاب عسكري في سبتمبر/أيلول 2021. وفي العام نفسه قُتل الرئيس التشادي إدريس ديبي على يد متمردين.
اللافت للنظر فى إنقلابات إفريقيا أن الدول الخمس التي شهدت انقلابات كانت خاضعة يوما ما للاحتلال الفرنسي، وأنظمتها السياسية كانت حتى وقت قريب موالية لباريس بشكل كامل، وهو ما جعل فرنسا أكبر الخاسرين من تلك التطورات خاصة مع اعتمادها بشكل شبه كامل على الموارد الأفريقية في دعم الاقتصاد الفرنسي.
فرنسا وإفريقيا
ويكفي لمعرفة حجم الضرر الفرنسي من الانقلابات بإفريقيا أن نستشهد بمقولة للرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك قال فيها“ فرنسا دون إفريقيا ستنزلق إلى مرتبة دول العالم الثالث“، وهو تصريح يتفق بشكل كبير مع تصريح زعيم فرنسي سابق هو فرانسوا ميتران عام 1957، قبل أن يتقلد منصب الرئاسة قال فيه: “دون إفريقيا، فرنسا لن تملك أي تاريخ في القرن الواحد والعشرين”.
تصريحات شيراك ومن قبله ميتران تكشف ما تمثله إفريقيا من أهمية إستراتيجية لفرنسا، خاصة أن النيجر التي تعتبر أحد أفقر دول العالم توصف بأنها “البلد الذي يضيء شوارع باريس بينما يعيش أغلب سكانه في الظلام وبحسب تقارير فإن استغلال اليورانيوم في النيجر، ينير مصباحا من أصل كل 3 مصابيح في فرنسا، بينما في النيجر 80 بالمائة من السكان، لا يتحصلون على الإنارة الكهربائية”، فضلا عن كونها منتج رئيسي للذهب واليورانيوم، وهو ما يبرر الموقف الفرنسي من الانقلاب في نيامي ودعم باريس للرئيس المعزول محمد بازوم والضغط لإعادته للسلطة حفاظا على مصالحها التي يهددها الانقلاب خاصة بعد إعلان القادة الجدد طرد السفير الفرنسي وتعليق التعاون مع باريس وهو الموقف الذى تكرر فى أكثر من دولة شهدت إنقلاب عسكري ما يكشف حجم الغضب ضد السياسات الفرنسية في إفريقيا.
ففي مارس الماضي، أعلنت السلطات فى بوركينا فاسو وقف العمل بـ”اتفاق المساعدة العسكرية” الموقع عام 1961 مع فرنسا، بعد أسابيع من قرارها طرد القوات الفرنسية من البلاد، وفي 15 أغسطس/آب 2022، أعلنت فرنسا انسحاب آخر جنودها من مالي وسط احتفالات شعبية كبيرة.
التراجع الفرنسي الواضح في إفريقيا يقابله بالتوازي توسع روسي حيث تقدم موسكو نفسها كشريك في العلاقات مع الدول الأفريقية، ما ساعد على وجود تيار عريض من الشباب الأفارقة ينادون بالتخلص من الهيمنة الفرنسية لصالح العلاقات مع الدولة الشرقية، ويتبنى هؤلاء الشباب خطابات شديدة اللهجة ضد باريس، وينشرون شعارات مناهضة على وسائل التواصل الاجتماعي من قبيل: “أفريقيا بدون فرنسا أفضل” و”أفريقيا للأفارقة”.
براجماتية أمريكية
بعيدا عن التراجع الروسي والتمدد الروسي، يبقي الموقف الأمريكي مما تشهده القارة الإفريقية أكثر براجماتية وواقعية بصورة جعلته في مرمي الاتهامات الفرنسية، فرغم رفض واشنطن لما حدث في النيجر إلا أن التحرك العملي والتصريحات الأمريكية تؤكد أن هناك تباينا واضحا في الموقفين الأمريكي والفرنسي، ففي وقت تتصاعد فيه اللهجة الفرنسية ضد الانقلاب، نجد أن الأمريكيين أكثر هدوءا دون تهديد أو تلويح، لدرجة عدم تسمية ما حدث بـ “الانقلاب” حتى اللحظة، علاوة على تفضيل عدم التدخل العسكري، وضرورة العودة للحوار السياسي والدبلوماسي.
التمايز الأمريكي عن فرنسا كان واضحا في أزمة النيجر تحديداـ ففي الوقت الذى كانت باريس تحشد للتدخل العسكري وفرض حصار على القادة الجدد في نيامي كانت وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند، تجتمع قادة المجلس العسكري بالنيجر، ثم جاءت خطوة وصول السفيرة الأمريكية الجديدة لنيامي كاثلين فيتزغيبونس لتعمق الخلاف بين واشنطن وباريس.
وبحسب تقارير فإن موقف واشنطن نابع من رغبتها في الحفاظ على مصالحها في إفريقيا والإبتعاد عن باريس التي أصبح وجودها غير مرغوب فيه بالقارة بشكل كبير، وبالتالي لا تريد أمريكا أن تترك الساحة مفتوحة أمام روسيا لتحتل الفراغ الكبيرالذى ستتركه فرنسا خاصة أن تماهي واشنطن مع التوجه الفرنسي تجاه النيجر كان سيكلفها خسارة قواعدها العسكرية حيث تمتلك قاعدتين عسكريتين للطائرات من دون طيار في النيجر، واحدة منها تقع في منطقة أغاديز شمال البلاد، تقوم من خلالها بعمليات استطلاع شاملة للمنطقة، وتعتبر مركزاً مهماً للمعلومات، إضافة إلى وجود 1100 جندي أمريكي هناك.
كما سعت واشنطن من خلال هذا الموقف للمحافظة على مصالحها الاقتصادية في النيجر وعلى رأسها اليورانيوم والذهب وغيرها من المواد الخام المهمة جدا، فضلا عن ما تمثله النيجر من موقع استرتيجي يمثل لأمريكا رمانة الميزان في الساحل الأفريقي، حيث يحفظ لها وجودا عسكريا لمكافحة الإرهاب عن قرب، ويدرّ عليها مصالح اقتصادية، عبر الانتفاع من مناجم اليورانيوم.خلافات واشنطن وباريس
الموقف الأمريكي من النيجر زاد من الخلاف بين باريس وواشنطن وهو ما عبر عنه تصريح منسوب لأحد الدبلوماسيين الفرنسيين بقوله “إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية حليفة لك فلا تحتاج إلى عدو” وهو تعبير يكشف حجم الاستياء الفرنسي من واشنطن.
خلافات واشنطن وباريس حول النيجر ليست سوي حلقة من تاريخ كبير من الخلاف بين الحليفين، وباستحضار التاريخ ربما نجد أن الخلاف هو الأكثر حضورا بين البلدين، ففي أيلول سبتمبر 2021 استدعت فرنسا سفيريها بأمريكا وأستراليا على خلفية إلغاء الأخيرة صفقة غواصات كانت قد وقعتها مع شركة نافال الفرنسية واستبدالها بغواصات أمريكية، وذلك بالتزامن مع توقيع استراليا على الاتفاق المسمى بتحالف (AUKUS) الذي يضمها مع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.
وبحسب تقارير فرنسية فإن واشنطن لم تكتفي في ذلك الوقت بالتأثير على إستراليا لإلغاء صفقة الغواصات مع باريس بل إنها تجاهلت دعوة فرنسا للإنضمام للتحالف الجديد وهو ما اعتبرته الخارجية الفرنسية طعنة فى الظهر وفق بيان رسمي صدر عنها في 17أيلول 2021.
كما استغلت أمريكا الحرب الروسية الأوكرانية وأزمة الطاقة التي تعرضت لها أوروبا وباعت الغاز الطبيعي للاتحاد الأوروبي بأربعة أضعاف ثمنه ما أثار استياء القادة الأوربيين وفي مقدمتهم فرنسا .
خيبة الأمل الفرنسية من المواقف الأمريكية دفعت وزير الخارجية الفرنسي السابق جان إيف لودريان إلى وصفها بطعنة في الظهر، ولكن هذه الطعنة ربما يوجد لها مبرر في السياسة الأمريكية التي لا تنسي مواقف حلفاءها، ففي عام 2003 عارضت فرنسا بقوة الغزو الأمريكي – البريطاني للعراق ، وقادت الجهود الأوروبية لرفض منح الولايات المتحدة الأمريكية شرعية قانونية لشن هذه الحرب، ورغم أن ألمانيا وروسيا كانتا أيضاً من المعارضين للغزو، إلا أن كوندوليزا رايس مستشارة الأمن القومي في عهد الرئيس الأسبق جورج بوش الابن صرحت بأن الولايات المتحدة الأمريكية “ستسامح روسيا، وتتجاهل ألمانيا، وتعاقب فرنسا !
ويعكس تصريح رايس نظرة وطريقة تعامل واشنطن مع فرنسا تحديدا دون بقية الدول، فرغم وجود دول كثيرة رفضت السياسة الأمريكية، ولكن فرنسا وحدها هي من تواجه العقاب.
أمريكا وانقلابات أفريقيا
وإنطلاقا من فكرة العقاب، كشفت تقارير صحفية أن ما لا يقل عن 10 انقلابات في غرب أفريقيا منذ عام 2008، نفذها ضباط دربتهم الولايات المتحدة، مما أثار تساؤلا: حول دور واشنطن في دعم هذه الانقلابات حتى لو أدانتها في وسائل الإعلام.
وبحسب صحيفة “ذا إنترسبت” الأمريكية فإن ضباطًا دربتهم الولايات المتحدة كانوا قد شاركوا في 6 انقلابات على الأقل في بوركينا فاسو ومالي المجاورتين للنيجر منذ عام 2012.
وأشارت إلى أن هؤلاء الذين تلقوا تدريبات عسكرية أمريكية، نفذوا ما لا يقل عن 10 انقلابات في غرب أفريقيا منذ عام 2008، في بوركينا فاسو في أعوام2014، 2015، 2022، وفي غامبيا 2014 وغينيا 2021 وفي مالي في أعوام 2012، 2020، 2021، وانقلاب موريتانيا 2008.
كما كشف التقرير أن موسى سالو برمو قائد قوات العمليات الخاصة في النيجر وأحد قادة انقلاب النيجر، تلقى تدريبًا على يد الجيش الأمريكي، واجتمع قبل شهر واحد من الانقلاب مع رئيس قيادة العمليات الخاصة بالجيش الأمريكي، في القاعدة الجوية 201، وهي قاعدة للطائرات بدون طيار في مدينة أغاديز النيجرية التي تمثل العمود الفقري للقوات الأمريكية في غرب أفريقيا.
ويبقي السؤال..هل ما شهدته مناطق النفوذ الفرنسي في إفريقيا من إنقلابات عسكرية وطرد للقوات الفرنسية وإلغاء إتفاقيات عسكرية ومدنية مع باريس هو جزء من سياسة العقاب الأمريكي لفرنسا كما وصفتها كونداليزا رايس، أم طعنة في الظهر كما وصفها جان لودريان، أم إن الأمر تمدد روسي في الدول الأفريقية أم هناك سبب أخر ؟
تابعوا الشمس نيوز على جوجل نيوز
الموقف الأمريكي من النيجر زاد من الخلاف بين باريس وواشنطن وهو ما عبر عنه تصريح منسوب لأحد الدبلوماسيين الفرنسيين بقوله “إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية حليفة لك فلا تحتاج إلى عدو” وهو تعبير يكشف حجم الاستياء الفرنسي من واشنطن.
خلافات واشنطن وباريس حول النيجر ليست سوي حلقة من تاريخ كبير من الخلاف بين الحليفين، وباستحضار التاريخ ربما نجد أن الخلاف هو الأكثر حضورا بين البلدين، ففي أيلول سبتمبر 2021 استدعت فرنسا سفيريها بأمريكا وأستراليا على خلفية إلغاء الأخيرة صفقة غواصات كانت قد وقعتها مع شركة نافال الفرنسية واستبدالها بغواصات أمريكية، وذلك بالتزامن مع توقيع استراليا على الاتفاق المسمى بتحالف (AUKUS) الذي يضمها مع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.
وبحسب تقارير فرنسية فإن واشنطن لم تكتفي في ذلك الوقت بالتأثير على إستراليا لإلغاء صفقة الغواصات مع باريس بل إنها تجاهلت دعوة فرنسا للإنضمام للتحالف الجديد وهو ما اعتبرته الخارجية الفرنسية طعنة فى الظهر وفق بيان رسمي صدر عنها في 17أيلول 2021.
كما استغلت أمريكا الحرب الروسية الأوكرانية وأزمة الطاقة التي تعرضت لها أوروبا وباعت الغاز الطبيعي للاتحاد الأوروبي بأربعة أضعاف ثمنه ما أثار استياء القادة الأوربيين وفي مقدمتهم فرنسا .
خيبة الأمل الفرنسية من المواقف الأمريكية دفعت وزير الخارجية الفرنسي السابق جان إيف لودريان إلى وصفها بطعنة في الظهر، ولكن هذه الطعنة ربما يوجد لها مبرر في السياسة الأمريكية التي لا تنسي مواقف حلفاءها، ففي عام 2003 عارضت فرنسا بقوة الغزو الأمريكي – البريطاني للعراق ، وقادت الجهود الأوروبية لرفض منح الولايات المتحدة الأمريكية شرعية قانونية لشن هذه الحرب، ورغم أن ألمانيا وروسيا كانتا أيضاً من المعارضين للغزو، إلا أن كوندوليزا رايس مستشارة الأمن القومي في عهد الرئيس الأسبق جورج بوش الابن صرحت بأن الولايات المتحدة الأمريكية “ستسامح روسيا، وتتجاهل ألمانيا، وتعاقب فرنسا !
ويعكس تصريح رايس نظرة وطريقة تعامل واشنطن مع فرنسا تحديدا دون بقية الدول، فرغم وجود دول كثيرة رفضت السياسة الأمريكية، ولكن فرنسا وحدها هي من تواجه العقاب.
أمريكا وانقلابات أفريقيا
وإنطلاقا من فكرة العقاب، كشفت تقارير صحفية أن ما لا يقل عن 10 انقلابات في غرب أفريقيا منذ عام 2008، نفذها ضباط دربتهم الولايات المتحدة، مما أثار تساؤلا: حول دور واشنطن في دعم هذه الانقلابات حتى لو أدانتها في وسائل الإعلام.
وبحسب صحيفة “ذا إنترسبت” الأمريكية فإن ضباطًا دربتهم الولايات المتحدة كانوا قد شاركوا في 6 انقلابات على الأقل في بوركينا فاسو ومالي المجاورتين للنيجر منذ عام 2012.
وأشارت إلى أن هؤلاء الذين تلقوا تدريبات عسكرية أمريكية، نفذوا ما لا يقل عن 10 انقلابات في غرب أفريقيا منذ عام 2008، في بوركينا فاسو في أعوام2014، 2015، 2022، وفي غامبيا 2014 وغينيا 2021 وفي مالي في أعوام 2012، 2020، 2021، وانقلاب موريتانيا 2008.
كما كشف التقرير أن موسى سالو برمو قائد قوات العمليات الخاصة في النيجر وأحد قادة انقلاب النيجر، تلقى تدريبًا على يد الجيش الأمريكي، واجتمع قبل شهر واحد من الانقلاب مع رئيس قيادة العمليات الخاصة بالجيش الأمريكي، في القاعدة الجوية 201، وهي قاعدة للطائرات بدون طيار في مدينة أغاديز النيجرية التي تمثل العمود الفقري للقوات الأمريكية في غرب أفريقيا.
ويبقي السؤال..هل ما شهدته مناطق النفوذ الفرنسي في إفريقيا من إنقلابات عسكرية وطرد للقوات الفرنسية وإلغاء إتفاقيات عسكرية ومدنية مع باريس هو جزء من سياسة العقاب الأمريكي لفرنسا كما وصفتها كونداليزا رايس، أم طعنة في الظهر كما وصفها جان لودريان، أم إن الأمر تمدد روسي في الدول الأفريقية أم هناك سبب أخر ؟