انقلابات أفريقيا..تمدد روسي أم عقاب أمريكي لـ فرنسا ؟

مع تنامي ظاهرة الانقلابات العسكرية التي شهدتها العديد من دول القارة الأفريقية خلال الفترة الماضية، بدأت أصابع الاتهام تشير لدور روسي وراء الظاهرة التي تمددت كالنارفي الهشيم بخمسة دول إفريقية هى مالي وبوركينا فاسو وغينينا والنيجر والجابون خاصة مع وجود قوات فاغنر الروسية في معظم الدول التي شهدت إنقلابات، فهل حقا تقف موسكو المشغولة بالحرب في أوكرانيا وراء كل هذه الانقلابات أم إن هناك طرف أخر يهمه إضعاف باريس ووراثة مكانتها ؟
خلال العشر سنوات الأخيرة، شهدت القارة الإفريقية عشرات الانقلابات فضلا عن محاولات الانقلاب، وتحتل منطقة غرب القارة الصدارة التاريخية في هذه الأحداث، بنسبة 44.4% من إجمالي انقلابات العسكرية، وهو ما دفع إلى تسميتها بـ”حزام الانقلابات حيث شهدت خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ما يقدر بـ7 انقلابات على الأقلّ.
وشهدت الجابون في 28 أغسطس انقلاب عسكري أطاح بالرئيس علي بونجو الذى تحكم أسرته البلاد منذ أكثر من 50 سنة ويعتبر أحد حلفاء باريس بالساحل الأفريقي، وسبق الجابون بشهر واحد انقلاب بالنيجر في 28 يوليو/تموز الماضي، كما شهدت مالي انقلابين عسكريين، الأول في أغسطس/آب 2020 والثاني في مايو/أيار 2021. وفي بوركينا فاسو حدث انقلابان أيضاً عام 2022، وفي غينيا حدث انقلاب عسكري في سبتمبر/أيلول 2021. وفي العام نفسه قُتل الرئيس التشادي إدريس ديبي على يد متمردين.
اللافت للنظر فى إنقلابات إفريقيا أن الدول الخمس التي شهدت انقلابات كانت خاضعة يوما ما للاحتلال الفرنسي، وأنظمتها السياسية كانت حتى وقت قريب موالية لباريس بشكل كامل، وهو ما جعل فرنسا أكبر الخاسرين من تلك التطورات خاصة مع اعتمادها بشكل شبه كامل على الموارد الأفريقية في دعم الاقتصاد الفرنسي.
فرنسا وإفريقيا
ويكفي لمعرفة حجم الضرر الفرنسي من الانقلابات بإفريقيا أن نستشهد بمقولة للرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك قال فيها“ فرنسا دون إفريقيا ستنزلق إلى مرتبة دول العالم الثالث“، وهو تصريح يتفق بشكل كبير مع تصريح زعيم فرنسي سابق هو فرانسوا ميتران عام 1957، قبل أن يتقلد منصب الرئاسة قال فيه: “دون إفريقيا، فرنسا لن تملك أي تاريخ في القرن الواحد والعشرين”.
تصريحات شيراك ومن قبله ميتران تكشف ما تمثله إفريقيا من أهمية إستراتيجية لفرنسا، خاصة أن النيجر التي تعتبر أحد أفقر دول العالم توصف بأنها “البلد الذي يضيء شوارع باريس بينما يعيش أغلب سكانه في الظلام وبحسب تقارير فإن استغلال اليورانيوم في النيجر، ينير مصباحا من أصل كل 3 مصابيح في فرنسا، بينما في النيجر 80 بالمائة من السكان، لا يتحصلون على الإنارة الكهربائية”، فضلا عن كونها منتج رئيسي للذهب واليورانيوم، وهو ما يبرر الموقف الفرنسي من الانقلاب في نيامي ودعم باريس للرئيس المعزول محمد بازوم والضغط لإعادته للسلطة حفاظا على مصالحها التي يهددها الانقلاب خاصة بعد إعلان القادة الجدد طرد السفير الفرنسي وتعليق التعاون مع باريس وهو الموقف الذى تكرر فى أكثر من دولة شهدت إنقلاب عسكري ما يكشف حجم الغضب ضد السياسات الفرنسية في إفريقيا.
ففي مارس الماضي، أعلنت السلطات فى بوركينا فاسو وقف العمل بـ”اتفاق المساعدة العسكرية” الموقع عام 1961 مع فرنسا، بعد أسابيع من قرارها طرد القوات الفرنسية من البلاد، وفي 15 أغسطس/آب 2022، أعلنت فرنسا انسحاب آخر جنودها من مالي وسط احتفالات شعبية كبيرة.
التراجع الفرنسي الواضح في إفريقيا يقابله بالتوازي توسع روسي حيث تقدم موسكو نفسها كشريك في العلاقات مع الدول الأفريقية، ما ساعد على وجود تيار عريض من الشباب الأفارقة ينادون بالتخلص من الهيمنة الفرنسية لصالح العلاقات مع الدولة الشرقية، ويتبنى هؤلاء الشباب خطابات شديدة اللهجة ضد باريس، وينشرون شعارات مناهضة على وسائل التواصل الاجتماعي من قبيل: “أفريقيا بدون فرنسا أفضل” و”أفريقيا للأفارقة”.
براجماتية أمريكية
بعيدا عن التراجع الروسي والتمدد الروسي، يبقي الموقف الأمريكي مما تشهده القارة الإفريقية أكثر براجماتية وواقعية بصورة جعلته في مرمي الاتهامات الفرنسية، فرغم رفض واشنطن لما حدث في النيجر إلا أن التحرك العملي والتصريحات الأمريكية تؤكد أن هناك تباينا واضحا في الموقفين الأمريكي والفرنسي، ففي وقت تتصاعد فيه اللهجة الفرنسية ضد الانقلاب، نجد أن الأمريكيين أكثر هدوءا دون تهديد أو تلويح، لدرجة عدم تسمية ما حدث بـ “الانقلاب” حتى اللحظة، علاوة على تفضيل عدم التدخل العسكري، وضرورة العودة للحوار السياسي والدبلوماسي.
التمايز الأمريكي عن فرنسا كان واضحا في أزمة النيجر تحديداـ ففي الوقت الذى كانت باريس تحشد للتدخل العسكري وفرض حصار على القادة الجدد في نيامي كانت وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند، تجتمع قادة المجلس العسكري بالنيجر، ثم جاءت خطوة وصول السفيرة الأمريكية الجديدة لنيامي كاثلين فيتزغيبونس لتعمق الخلاف بين واشنطن وباريس.
وبحسب تقارير فإن موقف واشنطن نابع من رغبتها في الحفاظ على مصالحها في إفريقيا والإبتعاد عن باريس التي أصبح وجودها غير مرغوب فيه بالقارة بشكل كبير، وبالتالي لا تريد أمريكا أن تترك الساحة مفتوحة أمام روسيا لتحتل الفراغ الكبيرالذى ستتركه فرنسا خاصة أن تماهي واشنطن مع التوجه الفرنسي تجاه النيجر كان سيكلفها خسارة قواعدها العسكرية حيث تمتلك قاعدتين عسكريتين للطائرات من دون طيار في النيجر، واحدة منها تقع في منطقة أغاديز شمال البلاد، تقوم من خلالها بعمليات استطلاع شاملة للمنطقة، وتعتبر مركزاً مهماً للمعلومات، إضافة إلى وجود 1100 جندي أمريكي هناك.
كما سعت واشنطن من خلال هذا الموقف للمحافظة على مصالحها الاقتصادية في النيجر وعلى رأسها اليورانيوم والذهب وغيرها من المواد الخام المهمة جدا، فضلا عن ما تمثله النيجر من موقع استرتيجي يمثل لأمريكا رمانة الميزان في الساحل الأفريقي، حيث يحفظ لها وجودا عسكريا لمكافحة الإرهاب عن قرب، ويدرّ عليها مصالح اقتصادية، عبر الانتفاع من مناجم اليورانيوم.

خلافات واشنطن وباريس
الموقف الأمريكي من النيجر زاد من الخلاف بين باريس وواشنطن وهو ما عبر عنه تصريح منسوب لأحد الدبلوماسيين الفرنسيين بقوله “إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية حليفة لك فلا تحتاج إلى عدو” وهو تعبير يكشف حجم الاستياء الفرنسي من واشنطن.
خلافات واشنطن وباريس حول النيجر ليست سوي حلقة من تاريخ كبير من الخلاف بين الحليفين، وباستحضار التاريخ ربما نجد أن الخلاف هو الأكثر حضورا بين البلدين، ففي أيلول سبتمبر 2021 استدعت فرنسا سفيريها بأمريكا وأستراليا على خلفية إلغاء الأخيرة صفقة غواصات كانت قد وقعتها مع شركة نافال الفرنسية واستبدالها بغواصات أمريكية، وذلك بالتزامن مع توقيع استراليا على الاتفاق المسمى بتحالف (AUKUS) الذي يضمها مع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.
وبحسب تقارير فرنسية فإن واشنطن لم تكتفي في ذلك الوقت بالتأثير على إستراليا لإلغاء صفقة الغواصات مع باريس بل إنها تجاهلت دعوة فرنسا للإنضمام للتحالف الجديد وهو ما اعتبرته الخارجية الفرنسية طعنة فى الظهر وفق بيان رسمي صدر عنها في 17أيلول 2021.
كما استغلت أمريكا الحرب الروسية الأوكرانية وأزمة الطاقة التي تعرضت لها أوروبا وباعت الغاز الطبيعي للاتحاد الأوروبي بأربعة أضعاف ثمنه ما أثار استياء القادة الأوربيين وفي مقدمتهم فرنسا .
خيبة الأمل الفرنسية من المواقف الأمريكية دفعت وزير الخارجية الفرنسي السابق جان إيف لودريان إلى وصفها بطعنة في الظهر، ولكن هذه الطعنة ربما يوجد لها مبرر في السياسة الأمريكية التي لا تنسي مواقف حلفاءها، ففي عام 2003 عارضت فرنسا بقوة الغزو الأمريكي – البريطاني للعراق ، وقادت الجهود الأوروبية لرفض منح الولايات المتحدة الأمريكية شرعية قانونية لشن هذه الحرب، ورغم أن ألمانيا وروسيا كانتا أيضاً من المعارضين للغزو، إلا أن كوندوليزا رايس مستشارة الأمن القومي في عهد الرئيس الأسبق جورج بوش الابن صرحت بأن الولايات المتحدة الأمريكية “ستسامح روسيا، وتتجاهل ألمانيا، وتعاقب فرنسا !
ويعكس تصريح رايس نظرة وطريقة تعامل واشنطن مع فرنسا تحديدا دون بقية الدول، فرغم وجود دول كثيرة رفضت السياسة الأمريكية، ولكن فرنسا وحدها هي من تواجه العقاب.
أمريكا وانقلابات أفريقيا
وإنطلاقا من فكرة العقاب، كشفت تقارير صحفية أن ما لا يقل عن 10 انقلابات في غرب أفريقيا منذ عام 2008، نفذها ضباط دربتهم الولايات المتحدة، مما أثار تساؤلا: حول دور واشنطن في دعم هذه الانقلابات حتى لو أدانتها في وسائل الإعلام.
وبحسب صحيفة “ذا إنترسبت” الأمريكية فإن ضباطًا دربتهم الولايات المتحدة كانوا قد شاركوا في 6 انقلابات على الأقل في بوركينا فاسو ومالي المجاورتين للنيجر منذ عام 2012.
وأشارت إلى أن هؤلاء الذين تلقوا تدريبات عسكرية أمريكية، نفذوا ما لا يقل عن 10 انقلابات في غرب أفريقيا منذ عام 2008، في بوركينا فاسو في أعوام2014، 2015، 2022، وفي غامبيا 2014 وغينيا 2021 وفي مالي في أعوام 2012، 2020، 2021، وانقلاب موريتانيا 2008.
كما كشف التقرير أن موسى سالو برمو قائد قوات العمليات الخاصة في النيجر وأحد قادة انقلاب النيجر، تلقى تدريبًا على يد الجيش الأمريكي، واجتمع قبل شهر واحد من الانقلاب مع رئيس قيادة العمليات الخاصة بالجيش الأمريكي، في القاعدة الجوية 201، وهي قاعدة للطائرات بدون طيار في مدينة أغاديز النيجرية التي تمثل العمود الفقري للقوات الأمريكية في غرب أفريقيا.
ويبقي السؤال..هل ما شهدته مناطق النفوذ الفرنسي في إفريقيا من إنقلابات عسكرية وطرد للقوات الفرنسية وإلغاء إتفاقيات عسكرية ومدنية مع باريس هو جزء من سياسة العقاب الأمريكي لفرنسا كما وصفتها كونداليزا رايس، أم طعنة في الظهر كما وصفها جان لودريان، أم إن الأمر تمدد روسي في الدول الأفريقية أم هناك سبب أخر ؟

تابعوا الشمس نيوز على جوجل نيوز

من مالي وغينيا لـ النيجر والجابون ..لماذا تتكرر الانقلابات العسكرية بأفريقيا ؟

في ذروة انشغال العالم بأزمة إنقلاب النيجر، والتهديد بالتدخل العسكري من أجل استعادة النظام الدستوي في البلاد، استيقظ الأفارقة صبيحة الأربعاء 30 أغسطس الماضي على إنقلاب جديد بغرب أفريقيا في حلقة جديدة من حلقات الانقلابات العسكرية التي انتشرت مؤخرا بالقارة.

وعقب انتخابات مثيرة للجدل، تم فيها إعادة انتخاب علي بونجو كرئيسا للجابون للمرة الثالثة، أعلنت قيادات بالجيش السيطرة على السلطة وحل كل مؤسسات الدولة، وإلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية.

وبذلك تنضم الجابون إلي دول غرب أفريقيا مالي وغينيا وبوركينا فاسو والنيجر التي شهدت انقلابات عسكرية في الفترة الأخيرة وهو ما يفتح الباب للتساؤل حول أسباب كثافة وقوع الانقلابات في دول إفريقيا مؤخراً، وعلاقتها بالسياسات الغربية في القارة.

حزام الانقلابات

وجاء انقلاب الجابون أحد المستعمرات الفرنسية السابقة بغرب إفريقيا بعد قرابة شهر واحد فقط من انقلاب النيجر الذى أطاح فيه الجيش بالرئيس محمد بازوم المحسوب على فرنسا، كما سبقه 4 انقلابات أخري بدول محسوبة على النفوذ الفرنسي وهو ما اعتبره مراقبون رسالة غضب إفريقية ضد السياسات الفرنسية بالقارة.

وخلال العشر سنوات الأخيرة، شهدت القارة الإفريقية عشرات الانقلابات فضلا عن محاولات الانقلاب، وتحتل منطقة غرب القارة الصدارة التاريخية في هذه الأحداث، بنسبة 44.4% من إجمالي انقلابات العسكرية، وهو ما دفع إلى تسميتها بـ”حزام الانقلابات حيث شهدت خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ما يقدر بـ7 انقلابات على الأقلّ.

وقبل انقلاب النيجر في 28 يوليو/تموز الماضي، شهدت مالي انقلابين عسكريين، الأول في أغسطس/آب 2020 والثاني في مايو/أيار 2021. وفي بوركينا فاسو حدث انقلابان أيضاً عام 2022، وفي غينيا حدث انقلاب عسكري في سبتمبر/أيلول 2021. وفي العام نفسه قُتل الرئيس التشادي إدريس ديبي على يد متمردين.

وبحسب مراقبون فإن الأمر لن يتوقف عن حدود الجابون وربما تشهد القارة انقلابات جديدة خاصة أن الظروف والسياسات تتشابه في معظم الدول، كما يربط محللون هذه الظاهرة بسياسات النهب الاستعمارية التي تنهجها الدول الغربية في القارة.

نشأة معيبة

ويري محمود مناع خبير الشون الأفريقية أن “القارة الأفريقية لها سمات ومظاهر تختلف عن اى قارة في العالم، ودولها لها تمايز وصفات مختلفة عن بعض الدول القائمة بالفعل في المحيط الاقليمي والدولي”.

وقال لوكالتنا :”خبراء الدراسات الافريقية دائما ما يرددون أن نشأة الدول الأفريقية نشأة معيبة، لافتا إلي أن الدول الأفريقية قائمة منذ القدم على الممالك القديمة وكان لها نظام قبلي واضح وكانت الممالك تعتمد على رب القبيلة أو زعيمها مع وجود تنظيم يشبه التنظيم السياسي الحديث”.

وتابع :”مع وصول المستعمر الغربي لأفريقيا عمل على إحداث بعض التوازنات من خلال القبائل والإثنيات المنتشرة في القارة دون حدود جغرافية، مشيرا إلي أن نشأة الدول الأفريقية بتقسيمها الحالي نشأة استعمارية بالأساس، وحدودها وضعها المستعمر دون مراعاة للتداخل الإثني بين الدول بدليل وجود الكثير من الاثنيات والقبائل الأفريقية منتشرة ومتشابكة في أكثر من دولة كما نجد في نيجريا والنيجر أو ورواندا وبورندي وغيرها من الدول الأفريقية”.

وأشار إلي أنه “عندما رحل المستعمر بجيوشه وعتاده التقليدية بقيت ولاءات النخب الأفريقية التي صنعها المحتل للأصل الاستعماري، لافتا إلي أن الدول الخمس التي شهدت انقلابات مؤخرا وهي مالي وبوركينا فاسو وغينيا والنيجر والجابون تشترك في أن الآصل الاستعماري لها واحد وهو فرنسا” .

ولفت إلي أنه “بغض النظرعن أن الانقلابات تخالف النظام الديمقراطي والدستوري والأعراف الدولية ألا إن الوعود بالتنمية منذ استقلال هذه الدول كانت كبيرة، ورغم ذلك لم تشهد هذه الدول منذ عام 1960 أى تنمية”.

الاستعمار الجديد

وبحسب الخبير بالشؤون الأفريقية فإن “كتاب الزعيم الأفريقي كوامي نكروما رئيس غانا الأسبق الذي يحمل عنوان ” الاستعمار الجديد” وصدر منذ أكثر من 50 عاما يضع خارطة طريق لنهضة أفريقيا يربطها برحيل الاستعمار، كما أعطي الكتاب وصفة للتحرر الحقيقي من الاستعماري ، لافتا إلي أن هذه الوصفة هى ما ينادي به قادة الانقلابات في الدول الافريقية”.

وبحسب الباحث فإن “هذه الانقلابات صرخة في وجه الاستعمار الفرنسي والاصل الاستعماري، هذه الوصفة التي نادي بها نكروما منذ اكثر من 50 سنة ينادي بها قادة الانقلابات الأن من أجل الوصول لحلول أفريقية للازمات الاقتصادية والبحث عن التنمية الحقيقة ورفض التبعية، والعودة للمقولة التي نادت بها الجامعة الافريقية في القرن العشرين والفلاسفة الأفارقة في القرن التاسع عشر أن أفريقيا يجب أن تكون للأفارقة”.

تحديات وسيناريوهات

وأشار إلي أن “الخوف هو سقوط هذه الدول في مستنقع الفوضي وعدم الاستقرار، وأن يستغل سماسرة الحروب وتجار الدماء في اشارة للإرهابين والجماعات المتطرفة للوضع في تعزيز وجودها بهذه الدول”.

وحول السيناريوهات المستقبلية للأوضاع بأفريقيا،يري الخبير بالشأن الأفريقي أنه “إذا استطاعت تلك القيادات والزعامات الافريقية الجديدة في الدول التي شهدت انقلابات الفرار من الأصل الاستعماري، وكان لديها مقومات حقيقة داخلية لتحقيق التنمية الاقتصادية وهو أمر ليس بالسهولة التي يتوقعها البعض فمن الممكن أن تتحرك هذه الدول نحو التنمية حتي لو كانت هذه التحركات ببطء، لافتا إلي وجود بعض القوي الاقليمية والدولية مثل الصين وروسيا لديها الرغبة والاستعداد لملء مكان فرنسا في هذه الدول وفق مبدأ المصالح المتبادلة وهو أمر قد ترحب به أفريقيا”.

وحول إمكانية حدوث انقلاب جديد، يري الباحث ان “افريقيا قارة لديها قدر كبير من المحاكاة ولا يمكن الجزم بعدم تكرار الانقلابات ولكن المؤكد أن الوضع قابل للتكرار بأفريقيا عموما”، لافتا إلي أن “الرئيس الكاميروني الذى يحكم منذ 40 عاما أصدر منذ أيام قرارت رئاسية بتغيير كل القيادات العسكرية في بلاده خوفا من الانقلاب عليه”.

مرحلة جديدة

من جانبه، يري الباحث السوداني عباس صالح إن “تزايد وتيرة الانقلابات العسكرية والسيطرة العسكرية المتصاعدة على الحكم في العديد من دول القارة الأفريقية، تؤسس لمرحلة جديدة من النظم السياسية بعد انقضاء حقبة نظم ما بعد الاستعمار ونظام الدولة الوطنية التي قادتها النخب الوطنية وانطواء الموجة الأولى من الانقلابات التقليدية التي وقعت خلال العقود الماضية.”

وقال لوكالتنا “بكل تأكيد هناك أياد خارجية وراء موجة الانقلابات الأخيرة، تم فيها توظيف العوامل المحلية لتحقيق تغيرات سياسية تعيد رسم الحقائق الجيوسياسية في أقاليم القارة السمراء، في خضم حرب باردة جديدة تمر بها القارة الأفريقية”.

وأشار إلي إن “حتمية وقوع الانقلابات او السيطرة العسكرية في عموم القارة، قد تؤجج من التنافس بين الدول الكبرى، التي تتنافس على النفوذ والمصالح، لتشجيع وقوع انقلابات إما لاستباق وقوعها من قبل أطراف داخلية موالية لدول منافسة لها، فضلاً عن احتمالات انتشار “عدوى الانقلابات” وبالتالي دفع العسكريين المغامرين للقيام بتحركات للاستيلاء على السلطة في ظل الدعم الشعبي الواضح لهذه التحركات”.

وبحسب الباحث فإنه “مع اتساع نطاق حزام الانقلابات الذي يتمدد حالياً من الساحل الكبير إلى وسط أفريقيا بعد الانقلاب الأخير في الغابون، يبدو أن “دومينو” الانقلابات سوف يشمل العديد من الدول التي تتوفر على عوامل داخلية مشابهة لتلك التي الدول التي وقعت فيها انقلابات عسكرية”.

سيناريوهات الصراع في النيجر واحتمالات الحرب بالساحل الأفريقي

على غير العادة ، تصدرت أخبار منطقة الساحل وغرب أفريقيا عناوين الصحف ووسائل الإعلام العالمية بعد انقلاب ليس بجديد على المنطقة التي تمثل الانقلابات العامل الأساسي في التغيير في معظم دولها.
وتحولت أخبار النيجر التي لم يكن أحد يسمع عنها إلي مادة خصبة لوسائل الإعلام الدولية بعد انقلاب عسكري شهدته البلاد أواخر يوليو/تموز الماضي أطاح بنظام الرئيس محمد بازوم المحسوب على فرنسا وهو ما أثار أزمة كبيرة داخل غرب إفريقيا خاصة بعد تهديد المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا المعروفة اختصارا بـ”إيكواس” بالتدخل العسكري في النيجر وإعادة الرئيس المعزول بالقوة.
سر الاهتمام بالنيجر
ومنذ الإنقلاب في النيجر تتصاعد الأحداث بشكل متسارع وسط اهتمام دولي كبير لم يحدث في انقلابات مشابهة في دول أفريقية أخري مثل بوركينا فاسو ومالي، وهو ما يعكس ما تمثله النيجر في الصراع بين القوي الكبري التي تتنافس على موارها وثرواتها.
وبحسب تقارير فإن النيجر التي تعتبر من أفقر دول إفريقيا منتج رئيسي للذهب واليورانيوم، كم توصف بأنها البلد الذي يضيء شوارع باريس بينما يعيش أغلب سكانه في الظلام.
وتعتبر النيجر رابع أغنى دولة في العالم من حيث احتياطيات اليورانيوم وهو ما جعلها محط صراع بين القوي الكبري، وتزداد أهمية يورانيوم النيجر في ظل الحرب الأوكرانية ورغبة الغرب في تقليص الاعتماد على اليورانيوم القادم من روسيا أو عن طريق حلفائها.
وتعيش النيجر وعموم دول غرب إفريقيا منذ الانقلاب حالة من الترقب خاصة في ظل تصاعد حالة التوتر بين نيامي وباريس على خلفية قرارات المجلس العسكري الحاكم بطرد السفير الفرنسي من البلاد وتعليق كل الاتفاقيات مع فرنسا التي تدعم التدخل العسكري لاستعادة نفوذها وسيطرتها على البلاد التي تضىء شوارع باريس بمواردها.
وبحسب مراقبون فإن الحرب حال اندلاعها ستكون الجماعات المتطرفة أكبر المستفيدين منها، وستمتد تداعياتها وتتسع بشكل يهدد عموم المنطقة خاصة أنها قد تتحول لحرب بالإنابة بين الدول الكبري حيث تدعم روسيا المجلس العسكري في حين تدعم فرنسا والغرب الرئيس المعزول ومجموعة إيكواس.
الموقف من التدخل العسكري
ويري رامي زهدي الخبير المصري في الشؤون الأفريقية أن “الأوضاع بالنيجر مازالت إلي الأن في مرحلة الصراع السياسي ولم يصل الأمر لتدخل عسكري بشكل واضح أو مؤكد، لافتا إلي أنه حتى الأن احتمالية التدخل العسكري تظل مقبولة نظريا ولكتها شديدة التعقيد عمليا”.
وقال زهدي لوكالتنا “هناك عوامل كثيرة تتحكم في هذا الصراع حاليا في النيجر، والأمر الأن عبارة عن أوراق ضغط متبادلة بين الطرفين، حيث يلوح قادة الانقلاب بمحاكمة بازوم بتهمة الخيانة العظمي، في حين أن مجموعة إيكواس تتراجع عن طرح فكرة التدخل العسكري لاعادة الشرعية لكنها في نفس الوقت تعطي أوامر لجاهزية الجيوش وتعلن خطة عسكرية للتدخل لمزيد من تأكيد التهديد والضغط على القادة العسكريين بالنيجر”.
وبحسب الباحث فإنه “حتى الأن الحلول السلمية الأقرب للتطبيق لأنه مهما كانت خسائرالسلم لن تكون مثل خسائر الحرب ومن يستطيع بدء الحرب لن يملك انهاءها أو وقف تمددها”.
وأشار إلي أن “هناك انقسام في مجموعة ايكواس وخلافات بين دولها حول التدخل العسكري، كما إن هناك خلافات بين الاتحاد الأوروبي وخاصة بين فرنسا وإيطاليا التي ترفض التدخل العسكري، فضلا عن موقف الولايات المتحدة التي لم تصف ما حدث في النيجر بالانقلاب، إضافة للاتحاد الافريقي الذي يرفض التدخل أيضا”.
وتابع : “كما أن هناك تباين في مواقف الدول السبع التي تمثل جوار النيجر حيث أعلنت مالي وبوركينا فاسو وقوفهم مع النيجر عسكريا والتدخل لمواجهة أى عمل عسكري ضد نيامي، كما رفضت 3 دول هى ليبيا والجزائر وتشاد التدخل العسكري سياسيا رغم مطالبتهم بعودة الشرعية، في حين وافقت دولتين فقط هما نيجيريا وبنين على التدخل العسكري، لافتا في الوقت نفسه إلي أن نيجيريا التي تقود مجموعة إيكواس تواجه رفض داخلي للعملية حيث رفض مجلس الشيوخ أى عمل عسكري بالنيجر خاصة أن قبائل الهوسا وهي قبائل مشتركة تعيش في النيجر ونيجيريا ولها نفوذ كبير في إدارة الأمور بنيجيريا”.
مستقبل الساحل الأفريقي
وبحسب الباحث فإن “قارة افريقيا حدث فيها 205 انقلاب في أخر 70 سنة نجح منها 100 انقلاب، وهناك عدد كبير من الانقلابات لم تعلن من الأساس أو تم التكتيم عليها”، مشيرا إلي أن “أخر 25 انقلاب في افريقيا كان منهم 21 في منطقة الساحل وغرب افريقيا فهذه منطقة معتادة على الانقلابات حيث لا يجدون وسيلة للخلافات السياسية سوي الانقلاب أو المواجهات المسلحة”.
وأكد زهدي أن “النيجر ذاتها تعيش الانقلاب الرابع حيث شهدت 3 انقلابات سابقة منذ استقلالها ولم يحدث زخم أو اهتمام دولي أو تهديد بتدخل عسكري ضد انقلاب بأفريقيا وما أكثرها كما يحدث الأن في انقلاب نيامي الأخير”.
لافتا إلي أنه “تم التعامل مع ما تم من انقلابات في الساحل والصحراء الأفريقية وأخرهم ما شهدته بوركينا فاسو ومالي وغينيا بيساو التي شهدت انقلاب على الانقلاب، وانتهي الأمر بتقنين وضع المنقلبون مع توفر قدر مناسب من الأرادة الشعبية لقبول الوضع الجديد”.
سيناريوهات الحرب
وحول سيناريوهات الحرب حال اندلاعها، يري الباحث أن “التكلفة الاقتصادية المباشرة للحرب تتعدي 2 مليار دولار وظروف الدول بالمنطقة لا تسمح لها بتمويل الحرب، وبالتالي سوف يتضح موقف التمويل الدولي بشكل مباشر أو معلن”.
وتابع : “التكلفة غيرالمباشرة للحرب كبيرة جدا، لان اقتصاد المنطقة مرتبط ببعضه البعض خاصة أن النيجر دولة حبيسة يحدها 7 دول، وتجمعها حركة تجارة كبيرة مع كل هذه الدول، وهناك أنابيب بترول وغاز تمر عبر ارضيها وهو ما يهدد بتوقفها أو تفجيرها ما يكون له تداعيات كبيرة على المنطقة”.
ويري خبير الشؤون الأفريقية أن “الخطر الأكبر حال اندلعت الحرب هو وجود قواعد عسكرية فرنسية وألمانية وأمريكية داخل النيجر، وبالتالي هذه القواعد تكون مصدر أزمة في حالة الحرب لانها ستكون أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الاشتراك بشكل مباشر في الحرب وهو ما يجعلها في مواجهة شبه مباشرة مع روسيا التي تدعم الانقلاب وستساعده عسكريا”.
أمام الخيار الثاني بحسب زهدي فهو أن “لا تشترك القواعد العسكرية الأجنبية في الحرب وتكتفي بالدعم اللوجيسيتي للإيكواس ولكنها في هذه الحالة أيضا ستكون أهدافا سهلة للقوات العسكرية في النيجر والقوات المتحالفة معها أو الجماعات الإرهابية أو الأفراد الذين يمكنهم القيام بعمليات ضد مصالح هذه الدول”.

خطر الفوضي
وحذر الباحث من “أن هذه البيئة هي الأنسب للجماعات الارهابية والمتطرفة التي تجد في الفراغ والفوضي والأزمات طريق ممهد لتقديم نفسها كبديل للحكومات وتستطيع أن تتمدد في هذه الأجواء وتتمكن من تحقيق أهدافها بشكل كبير”.
وحول مستقبل الوجود الروسي في إفريقيا بعد مقتل زعيم فاغنر، أكد الباحث أنه “لا يمكن الجزم بمستقبل فاغنر في أفريقيا بعد مقتل زعيمها وخطط روسيا في المستقبل تجاه هذه القوات التي حققت نجاحات كبيرة في افريقيا، وهل ستواصل تلك النجاحات أم يكون مقتل زعيمها بداية النهاية لفاغنر وعملياتها سواء في إفريقيا أو غيرها من مناطق الصراع “.

فاغنر تعتبره لحظة انتصار..هل تقف روسيا وراء انقلاب النيجر

شهدت النيجر صباح الأربعاء 26 يوليو/تموز، انقلابا جديد على السلطة بعد أن احتجزت عناصر تابعة للحرس الوطني في القصر الرئاسي الرئيس محمد بازوم، ووزير داخليته حمادو أدامو سولي، قبل أن تعلن في مساء اليوم ذاته “عزله من السلطة”.

وأعلن عسكريون  يطلقون على أنفسهم اسم “المجلس الوطني لحماية الوطن”، قد أعلنوا الأربعاء 26 يوليو/تموز 2023، الإطاحة بنظام رئيس النيجر بازوم وتعليق العمل بالدستور “بسبب تدهور الأوضاع في البلاد”، وفقاً لبيان تلاه أحدهم عبر التلفزيون الرسمي بالعاصمة نيامي.

كما أعلن الجيش النيجري، الخميس، 27 يوليو/تموز، دعمه لعملية الانقلاب التي أطاحت بالرئيس محمد بازوم؛ وذلك “تفادياً للاقتتال داخل صفوف القوات المسلحة”، بحسب بيان وقّعه رئيس الأركان.

ويعتبر  الرئيس “المعزول” محمد بازوم، أول رئيس عربي ومنتخب، يصل السلطة بشكل ديمقراطي في النيجر حيث تم انتخابه في أبريل/نيسان عام 2021، خلفاً للرئيس محمدو إيسوفو، في أول انتقال للسلطة من رئيس إلى آخر من خلال صناديق الانتخابات.

ردود الأفعال الدولية

ومنذ اللحظات الأولي للانقلاب توالت ردود الأفعال الدولية المناهضة له، فيما صدر رد فعل غريب من قائد قوات فاغنر يفغيني بريغوجين، وصفه بـ ” النبأ السار” في دلالة قد تؤشر على دور روسي في الإنقلاب.

وبحسب وسائل إعلام، وصف بريغوجين في رسالة صوتية بثّتها قواته على تليغرام، مساء الخميس، 27 يوليو/تموز 2023. الانقلاب بأنه لحظة تحرير طال انتظارها من المستعمرين الغربيين، معتبرا أن “ما حدث في النيجر لم يكن سوى كفاح شعب النيجر مع مستعمريه، مع المستعمرين الذين يحاولون فرض قواعد حياتهم عليه وعلى ظروفه وإبقائه في الحالة التي كانت عليها إفريقيا منذ مئات السنين”.

وأثار التسجيل الصوتي المنسوب لزعيم فاغنر الشكوك حول دور تلعبه موسكو في الانقلاب على الرئيس المنتخب في النيجر خاصة مع ظهور أعلام روسيا في المظاهرات الداعمة للانقلابيين بشوارع العاصمة نيامي.

الولايات المتحدة من جانبها، أعربت عن ادانتها للانقلاب، ودعا وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، السبت 29 يوليو/تموز إلى الإفراج الفوري عن رئيس النيجر المخلوع محمد بازوم، واستعادة النظام الديمقراطي في البلاد.

ونقلت وسائل إعلام، عن وزارة الخارجية الأمريكية، قولها إن بلينكن أجرى اتصالاً هاتفياً مع الرئيس المخلوع بازوم، وأكد دعم واشنطن استمراره في الحكم”.

وأدان مجلس الأمن الدولي الانقلاب على الرئيس، ودعا إلى الإفراج عنه، واعتبر انقلاب الجيش سبباً في  تقويض جهود تعزيز مؤسسات الحكم بالبلاد.

الاتحاد الأوروبي من جانبه، أعلن السبت، 29 يوليو/تموز  وقف جميع أشكال التعاون الأمني مع النيجر “بصورة فورية” ، وأكدت دول الاتحاد أنها لن تعترف بالقادة العسكريين الذين نصبوا أنفسهم في النيجر.

كما ندد مجلس السلم والأمن الإفريقي، بـ”الانقلاب في النيجر”، مطالباً القادة العسكريين بالعودة إلى ثكناتهم خلال مدة 15 يوماً.

الموقف الفرنسي 

بحسب وسائل إعلام فرنسية فإن باريس تعتبر أكبر الخاسرين من انقلاب النيجر خاصة أنها من أهم حلفاء رئيس النيجر المعزول محمد بازوم، وبعزله تكون فرنسا قد فقدت آخر حلفائها المقربين في منطقة الساحل الإفريقية، بعد أن فقدت أصدقاءها في مالي، التي هزها انقلابان في عامي 2020 و2021، ثم في بوركينا فاسو، التي شهدت انقلابين في 2022.

ووفقا لصحيفة لموند الفرنسية فإن باريس توقعت هذا السيناريو وحذرت حليفها بازوم منه خاصة في ظل تصاعد حدة المواجهات في البلد مع بعض الجماعات المتطرفة، وهو ما من شأنه أن “يضر بمصالح الغرب ويزعزع استقرار منطقة الساحل”.

 وبحسب مراقبون، يمثل الانقلاب ضربة للنفوذ الفرنسي في أفريقيا، حيث كانت النيجر تعتبر آخر معاقل فرنسا بغرب إفريقيا. إذ يعد الرئيس المعزول بازوم، البالغ من العمر 63 عاماً، واحداً من القادة الموالين للغرب في منطقة الساحل، حيث أدت انقلابات متتالية ضد رؤساء منتخبين في مالي وبوركينا فاسو في السنوات الأخيرة إلى تقلص النفوذ الفرنسي بشكل لافت، بينما تمدد النفوذ الروسي عبر مجموعات فاغنر الأمنية الخاصة.

مشهد متكرر

ويري رامي زهدي الخبير في الشؤون الأفريقية أن ما يحدث في النيجر مشهد متكرر وأصبح شبه معتاد في القارة الأفريقية، مشيرا إلي أن النيجر نفسها منذ استقلالها  عن فرنسا عام 1960 شهدت 4 انقلابات اضافة لعشرات المحاولات لتي لا يمكن حصرها، فضلا أن النيجر تقع بجوار مالي وبوركينا فاسو وهم من أكثر الدول الأفريقية التي شهدت انقلابات عسكرية لدرجة أن بوركينا فاسو شهدت مؤخرا إنقلاب على الإنقلاب في سابقة لم تحدث من قبل .

وقال لوكالتنا “بلاد كثير في إفريقيا لا يوجد بها دعائم للديمقراطية أو استيعاب للرأي الأخر ولا مجال للعمل العام وبالتالي عند حدوث أى خلاف أو صراع على السلطة يكون العمل المسلح والانقلاب على النظام هو الطريق الأسهل في معظم الدول الأفريقية،لافتا إلي أن فكرة التخلص من الحاكم على أنه مصدر للأزمة هى المسيطرة، ويعتقد البعض أنه لا مجال للتخلص من الرئيس سوي بالانقلاب عليه أو قتله”.

وأوضح أن “رئيس النيجر محمد بازوم انتخب بطريقة ديمقراطية عام 2021 ألا أنه منذ انتخابه يُصنف على أنه الأوثق علاقة بفرنسا وهو ما استخدمه المعارضون له رغم أن النيجر دولة فرنسية الهوي، فالاستثمارات بها فرنسية، والتأسيس فرنسي والاحتلال كان فرنسيا”.

وأشار إلي أن “أخر انقلاب شهدته النيجر كان في فبراير 2010 وتمت الاطاحة بالرتيس مامادو تينجا وبالتالي هي دولة معتادة على الانقلابات”.

الأزمة الداخلية

ويعتقد الباحث أن “الأزمة الحالية جزء منها داخلي نتيجة الأوضاع الاقتصادية، لافتا إلي أنه كانت هناك محاولات لوقف التصعيد في ظل وجود رفض لبعض قرارات رئيس الدولة ووجود شكاوي متعددة في ظل تردي الأوضاع الانسانية بالبلاد ولكن المعارضة كانت تري أن التخلص من الرئيس هو الملجأ الوحيد”.

واعتبر زهدي “أنه من السطحية النظر لمشكلات وأزمات النيجر على أنها مرتبطة بوجود الرئيس أو رحيله فهي أعمق من ذلك بكثير”، مؤكدا أن”النيجر أحد أفقر دول العالم رغم وجود ثروات كبيرة”.

ويعتقد الخبير بالشؤون الأفريقية “أنه من الوارد جدا، وجود تورط روسي في الانقلاب بالنيجر، معتبرا أن إشادة رئيس فاغنر بما حدث يؤكد تلك الشبهات ويجعل موسكو في موقف حرج”.

وقال إن اصدار بيان من قبل رئيس فاغنر أمر غير موفق بالمرة ، فالمفترض أن فاغنر شركة أمنية وليست جهة سياسية، وليس من المقبول تعليقها على ما حدث بالنيجر أو بأى دولة”.

وأشار إلي أن “عرض رئيس فاغنر المشاركة في تسيير الأمور وحفظ الأمن قد يؤشر على تورطها في الانقلاب”.

ضربة للنفوذ الفرنسي

وتري فريدة البنداري نائب رئيس المركز العراقي للدراسات الأفريقية أن هذا الانقلاب يعد ضربة قاسية اخري لفرنسا في مستعمراتها الافريقية، لافتة إلي أن احد السيناريوهات المتوقعة ان هناك تدخل خارجي خاصة أن لروسيا بعض الاصابع الداخلية ، فضلا أن هناك اعلام لروسيا كانت مرفوعة بالتظاهرات.

 وقالت لوكالتنا ” اذ تتبعنا دور الكرملين، على مدى السنوات الثلاث الماضية، نجده وبدافع من الرغبة يسعي الى زعزعة الاستقرار في فرنسا والأطراف الغربية الفاعلة الأخرى في دول القارة الافريقية، وهو ما ظهر في سياق تعاطفه الضمني مع العسكريين الذين استولوا على السلطة في مالي، وبوركينا فاسو، وغينيا، الذين ينظر إليهم قادة الدول المجاورة بوصفهم تهديدا للاستقرار الإقليمي”.

وتوقعت الباحثة أن يكون “هناك رد فعل فرنسي على الانقلاب مؤكدة أن فرنسا ترتكز في استراتيجيتها الجديدة تجاه أفريقيا على النيجر في تنفيذ أهدافها الجيوسياسية، كما تعتمد عليها أيضًا في الحصول على 35% من احتياجات فرنسا  من اليورانيوم لمساعدة محطاتها النووية في توليد 70% من الكهرباء”.

Exit mobile version