حرب باردة أم مكافحة للإرهاب..ماذا يحدث بالساحل الإفريقي؟

تحدثت تقارير صحفية أمريكية عن نوايا واشنطن إنشاء قواعد للطائرات المسيرة في عدد من مطارات الدول الأفريقية وبالتحديد في غانا وساحل العاج وبنين لملاحقة الجماعات المتشددة بالمنطقة.
وبحسب ما نشرته صحيفة وويل ستريت جورنال عن من وصفتهم بالمسءولين الأمريكيين والأفارقة فإن واشنطن تحاول بهذه الخطوة إيقاف انتشار المسلحين المتشددين في القارة الإفريقية، مشيرة إلى أن هذه المسيرات ستسمح للقوات الأميركية بمتابعة تنقلات المقاتلين وإعطاء توصيات تكتيكية للقوات المحلية أثناء إجراء عمليات قتالية، لكن مراقبون يرون أن التحرك الأمريكي يهدف بالأساس لمناكفة موسكو التي أصبحت تمتلك نفوذا واسعا بالمنطقة.
وشهدت الفترة الأخيرة تنامي النفوذ الروسي بالقارة الإفريقية خاصة بعد الانقلابات العسكرية التي شهدتها دول مالي وبوركينا فاسو والنيجر والتي أطاحت بأنظمة موالية للغرب وتحديدا باريس التي كانت تمثل المصالح الغربية بإفريقيا.
وعلى خلفية الانقلاب الأخير بالنيجر أواخر يوليو الماضي اتخذت السلطات العسكرية قرارات ضد النفوذ الفرنسي بالبلاد حيث أمرت بطرد سفير باريس فى نيامي وإنهاء الوجود العسكري الفرنسي بالبلاد وهو نفس ما فعلته السلطات في بوركينا فاسو ومالي فى أوقات سابقة.
وعلى مدار عقود كانت منطقة الساحل الأفريقي بعيدة عن التجاذب الروسي الأمريكي وكانت محسوبة على فرنسا بشكل كبير ولكن بعد الانقلابات التي شهدتها المنطقة وتوسع النفوذ الروسي بها دفع الأمريكان لتغيير موقفهم والقبول بالتعامل مع الانقلابيين خاصة بالنيجر نظرا لما تمتلكه من ثروات طبيعية.
ويري مراقبون أن الخطوة الأمريكية تستهدف فى الأساس التصدي لتمدد النفوذ الروسي فى عموم القارة الأفريقية وخاصة بمنطقة الساحل والصحراء على خلفية الانقلابات التي شهدتها عدد من الدول الإفريقية مؤخرا ضد النفوذ الغربي الذي كانت تمثله فرنسا.
خنق روسيا
ويؤكد محمدن حبيب أيب الباحث في شؤون دول الساحل والصحراء والجماعات المسلحة أن “الهدف الرئيسي من التحركات الأمريكية فى دول بنين وساحل العاج وغانا هو التواجد قرب مناطق النفوذ الروسي خاصة مع انتشار فاغنر بدول مالي وبوركينا فاسو والنيجر”.
وقال حبيب لوكالتنا “الأمر لا علاقة له بمكافحة الإرهاب خاصة أن الوجود العسكري الأمريكي بالمنطقة يتجاور عشر سنوات توسعت فيها قدرات الجماعات الإرهابية بشكل كبير”.
ويشير حبيب وهو باحث موريتاني مقيم في العاصمة المالية باماكو إلي أن “رغبة أمريكا فى التواجد بالمنطقة هدفه الرئيسي شد الخناق على الوجود الروسي الذى بات واقعيا بدول مالي وبوركينا فاسو والنيجر خاصة بعد التقارير التي تتحدث عن توجه روسيا لإقامة 4 قواعد عسكرية وعقد شراكة اقتصادية لبناء أكبر معمل لتنقية الذهب فى مالي، فضلا عن تولي ضباط روس عملية التأمين والحماية الشخصية لإبراهيم تراووي زعيم بوركينا فاسو، كما يجري الحديث عن تولي فاغنر أعمال أمنية فى النيجر أيضا”.
وبحسب الباحث “تستهدف الولايات المتحدة نشر طائرات مسيرة فى دولة بنين المحاذية للنيجر، إضافة لساحل العاج التي تقع على خط التماس مع مالي، فضلا غانا التي لها حدود مع بوركينا فاسو”.
واعتبر حبيب أن “الوجود الأمريكي بمنطقة الساحل الأفريقي هو وجود احتكاك كما يحدث في أوروبا الشرقية ويشبه لحد كبير ساحة صراع حرب باردة عنوانها منطقة الساحل والصحراء”.

تعاون عسكري
واتفق معه فى الرأي يعقوب الباحث الشؤون الأمريكية مؤكدا أن “واشنطن تعمل على التنسيق مع دول غانا وبنين وساحل العاج من أجل قطع الطريق على روسيا التي أصبح لها نفوذ واسع بالمنطقة”.
وقال يعقوب لوكالتنا “الولايات المتحدة تحاول أيضا عبر هذه التحركات أن تجد موطىء قدم لها بمنطقة الساحل وأن تتمكن من تعقب الجماعات المسلحة المنتشرة بالمنطقة وتوفير فضاء أمنيا لها لاستهداف هذه الجماعات”.
وأشار يعقوب إلي أن “الولايات المتحدة غابت كثيرا عن منطقة الساحل وعن الاهتمام بإفريقيا بشكل كبير وهو ما تسبب فى نفوذ روسي وصيني كبير بالمنطقة وأصبح هناك مصالح عسكرية واقتصادية كبيرة لموسكو وبكين مع دول الساحل ودول الغرب الأفريقي خاصة بعد تراجع النفوذ الفرنسي بالمنطقة”.

وأكد أن “أمريكا تخطط لعقد اتفاقيات عسكرية واقتصادية وتقديم دعم مادي وعسكري لهذه الدول من أجل إبعادها عن روسيا العدو اللدود لواشنطن خوفا من تمدد نفوذ موسكو بالمنطقة الأفريقية التي بدأت تخرج تدريجيا من النفوذ الغربي لصالح روسيا وهو ما ترفضه واشنطن بشكل كامل”.
وبحسب يعقوب فإن “هناك حربا باردة جدا بين أمريكا وروسيا بالساحل الأفريقي حيث يسعي الطرفان للبحث عن ولاءات الأنظمة التي وصلت لسدة الحكم عبر انقلابات، وواشنطن من جانبها تريد تحييد هذه الدول عن روسيا لتصبح الوريث الشرعي والحليف الرسمي لهذه الدول خلفا لفرنسا التي أطاحت الانقلابات الأخيرة بمصالحها ونفوذها”.

استهداف فاغنر
بدوره، يري د.عمرو الديب خبير الشؤون الروسية أن “المفاوضات الأمريكية مع دول بنين وغانا وساحل العاج بمثابة خطوة موجهة لوجود فاغنر في هذه المنطقة”.
واستبعد الديب في تصريحات لـ وكالتنا أي احتمالية لحدوث مواجهات بين الولايات المتحدة وروسيا فى تلك المنطقة مؤكدا أن هذه الأمور ما هي إلا نوع من الضغوط المتبادلة بين الطرفين”.
كما “استبعد خبير الشؤون الروسية لجوء موسكو لاتخاذ أى موقف ردا على التحركات الأمريكية معتبر أن أى موقف روسي قد يكلّفها الكثير، خاصة أن روسيا لا تستطيع أن تبسط سيطرتها على دولا فريقية أخرى”.
ويرى الديب أن “الوجود الروسي يقتصر على دول مقسمة و بها حروب أهلية ولا تتواجد موسكو في أي دولة بها حكومة موحدة وجيش موحد”.
ووصف خبير الشؤون الروسية ” التحرك الأمريكي بالساحل الأفريقي بأنه موجة جديدة من الحرب الباردة”.

تابعوا الشمس نيوز على جوجل نيوز

فاغنر تعتبره لحظة انتصار..هل تقف روسيا وراء انقلاب النيجر

شهدت النيجر صباح الأربعاء 26 يوليو/تموز، انقلابا جديد على السلطة بعد أن احتجزت عناصر تابعة للحرس الوطني في القصر الرئاسي الرئيس محمد بازوم، ووزير داخليته حمادو أدامو سولي، قبل أن تعلن في مساء اليوم ذاته “عزله من السلطة”.

وأعلن عسكريون  يطلقون على أنفسهم اسم “المجلس الوطني لحماية الوطن”، قد أعلنوا الأربعاء 26 يوليو/تموز 2023، الإطاحة بنظام رئيس النيجر بازوم وتعليق العمل بالدستور “بسبب تدهور الأوضاع في البلاد”، وفقاً لبيان تلاه أحدهم عبر التلفزيون الرسمي بالعاصمة نيامي.

كما أعلن الجيش النيجري، الخميس، 27 يوليو/تموز، دعمه لعملية الانقلاب التي أطاحت بالرئيس محمد بازوم؛ وذلك “تفادياً للاقتتال داخل صفوف القوات المسلحة”، بحسب بيان وقّعه رئيس الأركان.

ويعتبر  الرئيس “المعزول” محمد بازوم، أول رئيس عربي ومنتخب، يصل السلطة بشكل ديمقراطي في النيجر حيث تم انتخابه في أبريل/نيسان عام 2021، خلفاً للرئيس محمدو إيسوفو، في أول انتقال للسلطة من رئيس إلى آخر من خلال صناديق الانتخابات.

ردود الأفعال الدولية

ومنذ اللحظات الأولي للانقلاب توالت ردود الأفعال الدولية المناهضة له، فيما صدر رد فعل غريب من قائد قوات فاغنر يفغيني بريغوجين، وصفه بـ ” النبأ السار” في دلالة قد تؤشر على دور روسي في الإنقلاب.

وبحسب وسائل إعلام، وصف بريغوجين في رسالة صوتية بثّتها قواته على تليغرام، مساء الخميس، 27 يوليو/تموز 2023. الانقلاب بأنه لحظة تحرير طال انتظارها من المستعمرين الغربيين، معتبرا أن “ما حدث في النيجر لم يكن سوى كفاح شعب النيجر مع مستعمريه، مع المستعمرين الذين يحاولون فرض قواعد حياتهم عليه وعلى ظروفه وإبقائه في الحالة التي كانت عليها إفريقيا منذ مئات السنين”.

وأثار التسجيل الصوتي المنسوب لزعيم فاغنر الشكوك حول دور تلعبه موسكو في الانقلاب على الرئيس المنتخب في النيجر خاصة مع ظهور أعلام روسيا في المظاهرات الداعمة للانقلابيين بشوارع العاصمة نيامي.

الولايات المتحدة من جانبها، أعربت عن ادانتها للانقلاب، ودعا وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، السبت 29 يوليو/تموز إلى الإفراج الفوري عن رئيس النيجر المخلوع محمد بازوم، واستعادة النظام الديمقراطي في البلاد.

ونقلت وسائل إعلام، عن وزارة الخارجية الأمريكية، قولها إن بلينكن أجرى اتصالاً هاتفياً مع الرئيس المخلوع بازوم، وأكد دعم واشنطن استمراره في الحكم”.

وأدان مجلس الأمن الدولي الانقلاب على الرئيس، ودعا إلى الإفراج عنه، واعتبر انقلاب الجيش سبباً في  تقويض جهود تعزيز مؤسسات الحكم بالبلاد.

الاتحاد الأوروبي من جانبه، أعلن السبت، 29 يوليو/تموز  وقف جميع أشكال التعاون الأمني مع النيجر “بصورة فورية” ، وأكدت دول الاتحاد أنها لن تعترف بالقادة العسكريين الذين نصبوا أنفسهم في النيجر.

كما ندد مجلس السلم والأمن الإفريقي، بـ”الانقلاب في النيجر”، مطالباً القادة العسكريين بالعودة إلى ثكناتهم خلال مدة 15 يوماً.

الموقف الفرنسي 

بحسب وسائل إعلام فرنسية فإن باريس تعتبر أكبر الخاسرين من انقلاب النيجر خاصة أنها من أهم حلفاء رئيس النيجر المعزول محمد بازوم، وبعزله تكون فرنسا قد فقدت آخر حلفائها المقربين في منطقة الساحل الإفريقية، بعد أن فقدت أصدقاءها في مالي، التي هزها انقلابان في عامي 2020 و2021، ثم في بوركينا فاسو، التي شهدت انقلابين في 2022.

ووفقا لصحيفة لموند الفرنسية فإن باريس توقعت هذا السيناريو وحذرت حليفها بازوم منه خاصة في ظل تصاعد حدة المواجهات في البلد مع بعض الجماعات المتطرفة، وهو ما من شأنه أن “يضر بمصالح الغرب ويزعزع استقرار منطقة الساحل”.

 وبحسب مراقبون، يمثل الانقلاب ضربة للنفوذ الفرنسي في أفريقيا، حيث كانت النيجر تعتبر آخر معاقل فرنسا بغرب إفريقيا. إذ يعد الرئيس المعزول بازوم، البالغ من العمر 63 عاماً، واحداً من القادة الموالين للغرب في منطقة الساحل، حيث أدت انقلابات متتالية ضد رؤساء منتخبين في مالي وبوركينا فاسو في السنوات الأخيرة إلى تقلص النفوذ الفرنسي بشكل لافت، بينما تمدد النفوذ الروسي عبر مجموعات فاغنر الأمنية الخاصة.

مشهد متكرر

ويري رامي زهدي الخبير في الشؤون الأفريقية أن ما يحدث في النيجر مشهد متكرر وأصبح شبه معتاد في القارة الأفريقية، مشيرا إلي أن النيجر نفسها منذ استقلالها  عن فرنسا عام 1960 شهدت 4 انقلابات اضافة لعشرات المحاولات لتي لا يمكن حصرها، فضلا أن النيجر تقع بجوار مالي وبوركينا فاسو وهم من أكثر الدول الأفريقية التي شهدت انقلابات عسكرية لدرجة أن بوركينا فاسو شهدت مؤخرا إنقلاب على الإنقلاب في سابقة لم تحدث من قبل .

وقال لوكالتنا “بلاد كثير في إفريقيا لا يوجد بها دعائم للديمقراطية أو استيعاب للرأي الأخر ولا مجال للعمل العام وبالتالي عند حدوث أى خلاف أو صراع على السلطة يكون العمل المسلح والانقلاب على النظام هو الطريق الأسهل في معظم الدول الأفريقية،لافتا إلي أن فكرة التخلص من الحاكم على أنه مصدر للأزمة هى المسيطرة، ويعتقد البعض أنه لا مجال للتخلص من الرئيس سوي بالانقلاب عليه أو قتله”.

وأوضح أن “رئيس النيجر محمد بازوم انتخب بطريقة ديمقراطية عام 2021 ألا أنه منذ انتخابه يُصنف على أنه الأوثق علاقة بفرنسا وهو ما استخدمه المعارضون له رغم أن النيجر دولة فرنسية الهوي، فالاستثمارات بها فرنسية، والتأسيس فرنسي والاحتلال كان فرنسيا”.

وأشار إلي أن “أخر انقلاب شهدته النيجر كان في فبراير 2010 وتمت الاطاحة بالرتيس مامادو تينجا وبالتالي هي دولة معتادة على الانقلابات”.

الأزمة الداخلية

ويعتقد الباحث أن “الأزمة الحالية جزء منها داخلي نتيجة الأوضاع الاقتصادية، لافتا إلي أنه كانت هناك محاولات لوقف التصعيد في ظل وجود رفض لبعض قرارات رئيس الدولة ووجود شكاوي متعددة في ظل تردي الأوضاع الانسانية بالبلاد ولكن المعارضة كانت تري أن التخلص من الرئيس هو الملجأ الوحيد”.

واعتبر زهدي “أنه من السطحية النظر لمشكلات وأزمات النيجر على أنها مرتبطة بوجود الرئيس أو رحيله فهي أعمق من ذلك بكثير”، مؤكدا أن”النيجر أحد أفقر دول العالم رغم وجود ثروات كبيرة”.

ويعتقد الخبير بالشؤون الأفريقية “أنه من الوارد جدا، وجود تورط روسي في الانقلاب بالنيجر، معتبرا أن إشادة رئيس فاغنر بما حدث يؤكد تلك الشبهات ويجعل موسكو في موقف حرج”.

وقال إن اصدار بيان من قبل رئيس فاغنر أمر غير موفق بالمرة ، فالمفترض أن فاغنر شركة أمنية وليست جهة سياسية، وليس من المقبول تعليقها على ما حدث بالنيجر أو بأى دولة”.

وأشار إلي أن “عرض رئيس فاغنر المشاركة في تسيير الأمور وحفظ الأمن قد يؤشر على تورطها في الانقلاب”.

ضربة للنفوذ الفرنسي

وتري فريدة البنداري نائب رئيس المركز العراقي للدراسات الأفريقية أن هذا الانقلاب يعد ضربة قاسية اخري لفرنسا في مستعمراتها الافريقية، لافتة إلي أن احد السيناريوهات المتوقعة ان هناك تدخل خارجي خاصة أن لروسيا بعض الاصابع الداخلية ، فضلا أن هناك اعلام لروسيا كانت مرفوعة بالتظاهرات.

 وقالت لوكالتنا ” اذ تتبعنا دور الكرملين، على مدى السنوات الثلاث الماضية، نجده وبدافع من الرغبة يسعي الى زعزعة الاستقرار في فرنسا والأطراف الغربية الفاعلة الأخرى في دول القارة الافريقية، وهو ما ظهر في سياق تعاطفه الضمني مع العسكريين الذين استولوا على السلطة في مالي، وبوركينا فاسو، وغينيا، الذين ينظر إليهم قادة الدول المجاورة بوصفهم تهديدا للاستقرار الإقليمي”.

وتوقعت الباحثة أن يكون “هناك رد فعل فرنسي على الانقلاب مؤكدة أن فرنسا ترتكز في استراتيجيتها الجديدة تجاه أفريقيا على النيجر في تنفيذ أهدافها الجيوسياسية، كما تعتمد عليها أيضًا في الحصول على 35% من احتياجات فرنسا  من اليورانيوم لمساعدة محطاتها النووية في توليد 70% من الكهرباء”.

تحرك فاغنر..مسرحية أم صراع مؤسسات روسية على خلافة بوتين؟

لم يكن السبت الماضي 24 يونيو يوما عاديا، أو ربما أصبح هكذا بعد أن توقع البعض أن يشهد أحداثا تاريخية، فقد حبس العالم أنفاسه مع إعلان قائد مجموعة مقاتلي فاغنر يفغيني بريغوجين نية قواته التوجه إلي العاصمة الروسية موسكو للسيطرة على مقاليد الأمور هناك، وزاد الأمور إثارة رده على اتهامات بوتين لـ فاغنر بالخيانة بأن روسيا سيكون لها رئيس جديد قريبا.
ومع تسارع الأحداث واعتقاد الجميع أن روسيا مقبلة على أحداث جسام تهدد مستقبلها السياسي وزعيمها بوتين، تراجع بريغوجين فجأة وأصدر بيانا أعلن فيه أنه لم يسع إلى الإطاحة ببوتين، بل فقط للمطالبة بالعدالة، ومن خلال وساطة رئيس بيلاروس اليكسندر لوكاشينكو، تم التوصل إلى اتفاق يقضي بأن يغادر بريغوجين البلاد ليعيش بالمنفى في بيلاروس، على أن تعود قواته إلى مواقعها في المناطق المحتلة من أوكرانيا وبذلك تم نزع فتيل الأزمة “مؤقتا” فهل انتهي التمرد أم أنها مجرد هدوء تكتيكي وما تأثير ذلك على الوجود الروسي في إفريقيا وسوريا ؟
وبحسب مراقبون فإن ما أقدمت عليه فاغنر ليس وليد الصدفة بل ربما يعبر عن حجم الخلافات داخل النظام الحاكم في روسيا ووجود صراع بين أجهزة ومؤسسات على خلافة الزعيم الروسي فلاديمير بوتين.
وتباينت توقعات الخبراء حول مدى تأثير ما أقدمت عليه فاغنر على النفوذ الروسي سواء في إفريقيا أو مناطق النزاع الأخري التي يتنشر بها المرتزقة الروس الذين يمثلون اليد الطولي لروسيا في بسط نفوذها حول العالم.
صراع الأوليغارشية
ويري خبير الشؤون الروسية د.نور ندا الأستاذ بجامعة موسكو “أن ما قامت به مجموعة فاغنر ورئيسها يفجيني بريجوجن فى روسيا وتهديدها بالزحف إلى موسكو ليست إلا عملية تمرد مسلح محدود تمت السيطرة عليه”.
وقال ندا: “إن بعض التحليلات القادمة من موسكو تشير إلى أن ما قامت به قوات فاغنر من تمرد يمثل نتيجة منطقية وأنعكاس لصراع النخبة الأوليغارشية الروسية الحاكمة، لافتا إلي أن هذا الصراع غير مهم بالنسبة لسكان روسيا نظرا لأن أطراف المواجهة لا يمثلون مصالح الأغلبية من جموع الشعب “.
وأشار إلي أنه “من الملاحظ أن الشعب الروسى لم يظهر أهتماما أو دعمًا نشطًا وفعالا لأي من الطرفين، لافتا إلي أنه من الأهمية بمكان ملاحظة صمت وترقب القوى السياسية الروسية من الشيوعيين والوطنيين اليساريين و المعارضة الليبرالية في حين تركز الأهتمام بالموضوع فقط من جانب الدائرة المقربة للرئيس الروسي”.
تحول الخطاب الرسمي
وتطرق خبير الشؤون الروسية إلي ما وصفه بتحول وتغير الخطاب الرسمي تجاه تمرد فاغنر، لافتا إلي أن الذين تم وصفهم بالخونة في الصباح واتهامهم بـ “طعن روسيا في الظهر” ، ورُفعت عليهم قضايا جنائية، بحلول المساء أصبحوا شركاء ووطنيون ومن خلال المفاوضات حصلوا على الصفح وتم إغلاق القضايا الجنائية ضدهم !
و يعتقد ندا “أن هذا التغيير الحاد في موقف الرئيس فلاديمير بوتين كان يمليه التهديد بفقدان السيطرة على جزء من الترسانات النووية الروسية ، الأمر الذي يهدد بتدمير هيبة وسمعة رئيس الدولة الروسية بشكل كامل في نظر قادة العالم ويمكن أن يؤدي لعواقب خطيرة غير متوقعة”.
سقوط هيبة الدولة
ويري خبير الشؤون الروسية”أن التمرد رغم محدوديته ألا أنه وجه ضربة قوية مما لهيبة السلطة العليا للدولة الروسية، حيث ظهر النظام السياسي الروسى ضعيفا، واهتزت صورة الاستقرار والتماسك التى روجت لها الدولة الروسية طويلا”.
وأعتبر أن “تصرفات شركة عسكرية خاصة مثل فاغنر ورئيسها يفجينى بريجوزين تؤكد أن نظام الدولة في روسيا الرأسمالية شديد التأثر بإحتمال حدوث الانتفاضة المسلحة، لافتا إلي أن الأحداث قد تزيد احتمالات حدوث تغييرات كبيرة في التكوينات والمؤسسات الحاكمة الروسية”.
وشدد على أن”أحداث فاغنر تؤكد ضرورة قيام السلطة الروسية بمواجهة داخلية قوية وقطع رؤوس البيروقراطية الروسية الحديدية المسيطرة ومواجهة الأثرياء الروس الجدد الذين نمو وتمددوا بفضل البيروقراطية والفساد والدعم الغربى لهم”.
أمريكا توقعت التمرد
من جانبه، يري مهدي عفيفي عضو الحزب الديمقراطي الأمريكي أن ما شهدته روسيا كان متوقعا ، لافتا إلي أنه”على مدار شهور مضت أكدت كثير من المعلومات الاستخباراتية الأمريكية ومراكز الأبحاث وجود صراع بين الرئيس بوتين ومؤسسة فاغنر وقيادات الجيش الروسي”.
وكشف عفيفي أن “هناك صراع داخلي حول من يخلف بوتين في ظل تراجع أسهمه ووجود شقاق وصراع داخل المؤسسة العسكرية الروسية فضلا عن ما يمكن وصفه بوجود جيشين داخل روسيا ممثلين في القوات المسلحة الرسمية وقوات فاغنر”.
وأشار إلي أن “بعض المؤسسات الاستخباراتية الروسية حاولت تصوير ما حدث على أنه لعبة من بوتين ولكن ما تؤكده المعلومات أن فاغنر توحشت بشكل كبير وأصبحت قوة تضاهي الجيش الروسي وأصبح هناك صراعات كبيرة قد تؤدي لحدوث هزة كبيرة داخل روسيا”.
تراجع النفوذ الروسي
وبحسب عضو الحزب الديمقراطي الأمريكي فإ”ن ما حدث سيكون له تداعيات كبيرة على الحرب الروسية بأوكرانيا وقد يؤدي لخسارة روسيا الكثير من المناطق التي سيطرت عليها وتقدم كبير للجيش الأوكراني خاصة مع زيادة الدعم الأمريكي والأوروبي لكييف”.
ويعتقد عفيفي أن “النفوذ الروسي في إفريقيا سيتأثر بشكل كبير عقب الأحداث الأخيرة في سوريا، لافتا إلي أن كثير من لقيادات الأفريقية التي كانت تعتمد على دعم موسكو بدأت تعيد حساباته وتتشكك في قدرة بوتين على الإيفاء بوعوده خاصة في ظل اعتماد كثير من الديكتاتوريات الأفريقية على مقاتلي فاغنر في حماية كراسيهم وتأمين سلطتهم”.
ويشير إلي أن “تراجع فاغنر سيؤدي إلي تراجع النفوذ الروسي في إفريقيا وكثير من مناطق النزاع مثل سوريا وليبيا، لافتا إلي أنه يجب الانتظار لمعرفة نتائج ومالآت الصراع بين فاغنر والجيش الروسي والقيادة الروسية بشكل عام خاصة فى ظل توقعات بأن يؤدي ذلك الخلاف لحدوث تغييرات كبيرة في مراكز القيادة بروسيا”.
وحول احتمالية تخلص بوتين من قائد فاغنر، يعتقد عفيفي أن طباخ بوتين السابق بريجوجن أصبح يدير دولة داخل الدولة وجيش خارج الجيش، كما يسيطر على قوات مقاتلة تنتشر في مختلف أنحاء العالم وهو ما يجعل من الصعب على بوتين التحرك ضده ، لافتا إلي أنه ليس من المستبعد أن يحظي قائد فاغنر بدعم من بعض القيادات العسكرية داخل روسيا متوقعا ان تشهد الأيام القادمة تطورات جديدة في الصراع”.
الوضع لن يتغير
من جانبه، يري هاني الجمل الباحث في العلاقات الدولية أن الحرب في أوكرانيا لن تتأثر بما قامت به مجموعة فاغنر من محاولة للتمرد على القيادة الروسية”.
واستبعد الجمل ” أن تؤثر أحداث فاغنر على التواجد الروسي في سوريا، مؤكدا أن الوضع لن يتغير لن قيد انملة بما حدث بدليل الهجمات الروسية على بعض المناطق السورية بعض الأحداث التي تبرهن على الأهمية الاستراتيجية لسوريا بالنسبة للجانب الروسي، وتمثل رسالة إنذار شديدة اللهجة الجماعات المتطرفة في هذه المنطقة الرخوة أمنيا والتي قد تستغلها بعض أجهزة الاستخبارات الدولية في مهاجمة القوات الروسية”.
بالنسبة لتواجد فاغنر في أفريقيا، يعتقد الباحث أن روسيا نجحت من خلال مقاتلي فاغنر في تقويض النفوذ الفرنسي في منطقة الساحل الأفريقي وغيرها من المناطق في القارة السمراء، لافتا أن فاغنر أصبحت تمتلك من النفوذ ما أوصلها لمرحلة تأمين بعض الزعماء والرؤساء الأفارقة بشكل مباشر، فضلا عن قيامها بحماية مناجم الذهب والماس ببعض الدول مقابل نسبة من العوائد، معتبرا أن هذه المهام تمنح فاغنر المزيد من القوة لتعزيز وجودها بإفريقيا، مستبعدا في الوقت نفسه حدوث أى تغيير في إستراتيجية موسكو تجاه القارة السمراء عقب الأحداث الأخيرة .

وسائل إعلام: أمريكا توقعت تمرد فاغنر وهذا ما ينتظر بريغوجين

أكدت تقارير صحفية أن أجهزة الاستخبارات الأميركية رصدت مؤشرات قبل أيام على أن رئيس مجموعة فاغنر يفغيني بريغوجين كان يحضّر للتحرّك ضد مؤسسة الدفاع الروسية.

وبحسب وسائل إعلام أميركية، قدّم مسؤولون في الاستخبارات الأميركية إحاطات في البيت الأبيض والبنتاغون وكابيتول هيل بشأن احتمال وقوع اضطرابات في روسيا قبل يوم على بدئها.

وذكرت “واشنطن بوست” بأن أجهزة الاستخبارات بدأت رصد المؤشرات بأن بريغوجين وقوة فاغنر التابعة له ينويان التحرّك ضد القيادة العسكرية الروسية في منتصف يونيو.

ولفتت “نيويورك تايمز” إلى أنه بحلول منتصف الأسبوع أصبحت المعلومات ملموسة أكثر ومقلقة، ما دفع مسؤولي الاستخبارات لتقديم سلسلة إحاطات.

وأشارت إلي أن المعلومات بأن بريغوجين المعروف بطباخ بوتين ينوي التحرّك عسكريا أثارت قلق مسؤولين في أجهزة الاستخبارات الأميركية حيال إمكانية اندلاع فوضى في بلد يملك ترسانة نووية قوية.

ولفتت “واشنطن بوست” إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أُبلغ بأن بريغوجين الذي كان حليفا مقرّبا له، يخطط للتمرّد قبل يوم على الأقل من تنفيذه.

وبدأ عناصر مجموعة فاغنر الانسحاب من مواقع سيطروا عليها في روسيا بعد اتفاق مع الكرملين قضى بوقف تقدمهم نحو موسكو وخروج قائدهم بريغوجين إلى بيلاروسيا.

وبعد نحو 24 ساعة من الترقب عالميا بشأن مسار أحداث شهدت سيطرة مرتزقة فاغنر على مقرات قيادة للجيش الروسي وتقدم أرتالهم في اتجاه العاصمة، نزع فتيل الانفجار بتوصّل الكرملين وبريغوجين إلى اتفاق يوقف بموجبه الأخير تمرده ويغادر إلى بيلاروسيا إثر وساطة من رئيسها ألكسندر لوكاشنكو.

تعهدات موسكو

وتعهدت الرئاسة الروسية بوقف أي ملاحقات بحق المقاتلين وبريغوجين الذي كان من الحلفاء المقربين من بوتين، على رغم أن الأخير اتهمه السبت بـ”خيانة” بلاده وتوجيه “طعنة في الظهر”.

ولم يتضح صباح الأحد مكان تواجد بريغوجين بعدما غادر ليلا على متن سيارة رباعية الدفع مقرا للقيادة العسكرية في مدينة روستوف-نا-دونو كانت قواته قد سيطرته عليه.

وقال حاكم منطقة روستوف، فاسيلي غولوبيف في بيان عبر تلغرام، فجر الأحد، إن “قافلة فاغنر غادرت روستوف وتوجهت نحو معسكراتها الميدانية”.

وأظهرت مشاهد متداولة على مواقع التواصل، أن عناصر فاغنر غادرت مبنى مقر المنطقة العسكرية الجنوبية الروسية في روستوف نا دون، وسحبت جميع معداتها العسكرية من المدينة.

مغادرة بريغوجين

كما أظهرت مشاهد مغادرة بريغوجين، الذي تحدى وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو مدينة “روستوف نا دون” بسيارة.

وأكد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إبرام اتفاق لتجنّب إراقة الدماء، بعدما تمّ تقدّم قوات فاغنر خلال النهار من دون قتال يذكر.

وشدد على أن “الهدف الأسمى هو تجنّب حمّام دم وصدام داخلي واشتباكات لا يمكن التنبّؤ بنتائجها”، مشيدا “بتسوية من دون مزيد من الخسائر”.

وأكد وقف أي ملاحقة قضائية بحق مقاتلي المجموعة الذين “لطالما احترمنا أعمالهم البطولية على الجبهة” في إشارة الى قتالهم في أوكرانيا.

الأمر لم ينته

ورأى محللون أن التمرد المسلح ستكون له تبعات على بريغوجين ومجموعته التي تنشط أيضا في مناطق نزاع حول العالم.

وقال الباحث في مركز الدراسات البحرية سامويل بينديت إن بريغوجين “يجب أن يرحل، والا فالرسالة ستكون أن قوة عسكرية يمكنها تحدي الدولة بشكل علني، وعلى الآخرين أن يفهموا أن الدولة الروسية لديها حصرية العنف (امتلاك السلاح) في داخل البلاد”.

واعتبر الباحث في معهد أبحاث السياسة الخارجية في الولايات المتحدة روب لي أن “بوتين وأجهزة الأمن سيحاولون على الأرجح إضعاف فاغنر أو تنحية بريغوجين جانبا”، مشيرا الى أن “الآثار الأكثر أهمية سيتمّ رصدها في الشرق الأوسط وأفريقيا حيث تتواجد فاغنر”.

وجاء إنهاء التمرد بعدما وصل مسلّحو فاغنر لمسافة تقل عن 400 كيلومتر من موسكو، بعد سيطرتهم على مقرات عسكرية في مدينة روستوف-نا-دونو قرب حدود أوكرانيا.

وسارعت السلطات المحلية إلى رفع الإجراءات الأمنية الاستثنائية التي اتخذت في مواجهة تقدم فاغنر.

وقال إيغور أرتامونوف حاكم منطقة ليبيتسك جنوب موسكو والتي دخلها مقاتلو المجموعة “بدأ رفع القيود المفروضة اليوم الأحد”.

وأضاف “في الأمد القريب، سنسمح بعودة الحركة في طرق المنطقة”.

وكان رئيس بلدية موسكو قد دعا السكان إلى الحد من التنقل، ووصف الوضع بأنه “صعب” وأعلن يوم الاثنين عطلة.

كما فرضت قيود على التنقل في منطقة كالوغا الروسية التي تقع عاصمتها على بعد 180 كيلومترا جنوب موسكو.

وساطة لوكاشنكو

واضطلع لوكاشنكو بدور رئيسي في الوساطة، وقد أعلن مكتبه أنه هو من اقترح على رئيس فاغنر وقف تقدمه.

وقال بيسكوف “ممتنون لرئيس بيلاروسيا على جهوده… المحادثة المسائية بين الرئيسين كانت طويلة جدّاً”.

وكان بوتين دان صباح السبت “الخيانة” وتحدثه عن شبح “حرب أهلية” في مواجهة التحدي الأكبر الذي واجهه منذ وصوله إلى السلطة في نهاية عام 1999.

كما حذّرت موسكو دول الغرب من “استغلال الوضع الداخلي في روسيا لتحقيق أهدافها المعادية للروس”.

لكن فيما أكد المتحدث باسم الكرملين أن تمرد فاغنر المجهض لن يؤثر على الهجوم الروسي في أوكرانيا، أعلنت كييف تحقيق مكاسب ميدانية.

وأعلن الجيش الأوكراني السبت “تقدمه في جميع الاتجاهات” على الجبهة الشرقية حيث أكد شنّ هجمات جديدة.

واعتبر الرئيس فولوديمير زيلينسكي أن بلاده باتت مسؤولة عن “أمن الجناح الشرقي لأوروبا”، حاضّا الغرب مجددا على تسليم بلاده “جميع الأسلحة اللازمة”، ولا سيما مقاتلات إف-16 الأميركية الصنع.

كما قال إن التمرد أظهر أن “القيادة الروسية ليست لها سيطرة على أي شيء”.

وأجرت الدول الغربية الحليفة لأوكرانيا مشاورات مكثفة السبت.

وتحدّث الرئيس الأميركي جو بايدن مع المستشار الألماني أولاف شولتس ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك ومع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون.

Exit mobile version