مآزق الصدر..حركة شيعية جديدة تهدد شعبية الزعيم الشيعي

كشفت تقارير صحفية عن ظهور حركة دينية جديدة فى العراق تعتنق المذهب الشيعي يراها البعض تمثل تهديدا واضحا للتيار الصدري وزعيمه مقتدى الصدر.
وبحسب وسائل إعلام فإن الحركة الجديدة ظهرت مؤخرا وتدعي “المهدوية والإمامة بغطاء سياسي واقتصادي واجتماعي وحوزوي (نسبة للحوزة العلمية في النجف)”.
وكان الزعيم الشيعي مقتدي الذي أعلن ابتعاده عن الشأن السياسي قد دعا إلى مقاطعة الحركة الجديدة وهدد بطرد أي عضو في التيار الصدري يلتحق بها.
وفى سؤال وجهه إليه مجموعة من طلبة الحوزة العملية حول هذه الحركة وصف الصدر قيادات وأعضاء الحركة الجديدة بأنهم طواغيت ماكرون فاسدون ليس لهم من الباطن والمعرفة إلا أدناها، بل هم طلاب دنيا وعشاق مال وليس لهم من الآخرة أي حظ على الإطلاق”.

أزمة شرعية
ويطرح ظهور هذه الحركة في الوقت الذي يواجه فيه الصدر أزمة شرعية ناجمة عن إعلان الأب الروحي للتيار الصدري كاظم الحائري اعتزاله ودعوته من طهران لإتباع أوامر الولي الفقيه (خامنئي)، أكثر من نقطة استفهام وأكثر من سيناريو أبرزها أنها حركة سياسية ستعمل على مزاحمة التيار الصدري وأنها قد تكون صنيعة خصومه السياسيين لتفكيك التيار الصدري أو إضعاف تأثيره على الشارع.
ويشير تحذير الصدر إلى حالة قلق تنتابه بسبب مخاوف من انشقاقات وانقسامات واسعة في تياره وهو سيناريو اختبره في السابق حين ولدت من رحم التيار الصدري جماعة عصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي والتي تحولت بدورها إلى جماعة منافسة للصدريين وإلى إحدى أكبر الميليشيات المسلحة نفوذا.

ولم يتضح توجه وإيديولوجية الحركة المهدوية الجديدة لكن مجرد الحديث عن أنها تتمتع بـ”غطاء سياسي واقتصادي واجتماعي و حوزوي” يؤكد أن ثمة دفع لجعلها جماعة منافسة للتيار الصدري ولزعيمه.
ويبدو كذلك أنها بدأت تعمل على استقطاب أنصار التيار الصدري وهو ما يخشاه الصدر ذاته الذي يكابد في استعادة شرعية باتت مهزوزة منذ رفع عنه الحائري غطاء الشرعية والزعامة.
ولا يزال مقتدى الصدر يحظى بنفوذ وتأثير واسعين رغم انكفائه ورغم الضربة السياسية القاصمة التي تلقاها بوصول الإطار التنسيقي للحكم على خلاف رغبته وهو الذي كان يطالب بحكومة وطنية لا شرقية ولا غربية وكان يقاوم بشدة ترشح الإطار لمحمد شياع السوداني رئيس الوزراء الحالي.
لكن نفوذه وتأثيره تراجع نسبيا عما كان عليه فيما لا يستبعد محللون ومصادر عراقية بحكم معرفتهم بطبيعة ومزاجيات الصدر، أن يحاول العودة مجددا للمشهد السياسي بذريعة أو بأخرى.
وتَشكُل حركة شيعية دينية جديدة لا يبدو أنه يخرج عن سياق محاولة كبح نفوذ الصدر أو إضعافه وتشتيته، فالحركات المهدوية التي برزت في السنوات الأخيرة وقاومتها المرجعية والسلطات لم تأخذ الطابع التهديدي الذي تشكل الحركة الجديدة.
المولوية
في العام 2015 ظهرت في محافظة ‘ذي قار’ بجنوبي العراق، حركة دينية سرية أطلقت على نفسها حينها اسم ‘المولوية’، لكن السلطات العراقية اعتقلت وقتها العشرات من أتابعها بتهمة “الوقوف ضد أفكار المرجعية الدينية وزعزعة الأمن” “وتكفير مراجع دينية”.

وكان بروز تلك الحركة (المولوية) بعد نحو عام من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على ثلث مساحة العراق أمرا مفهوما نسبيا في سياق حالة الفوضى التي شهدتها البلاد.
ونجحت بالفعل في استقطاب عشرات الأتباع من الشباب وطلاب الجامعات ومن المهمشين والفقراء من الطائفة الشيعية التي كانت اهتزت ثقتها في مكونها السياسي والديني على اثر سيطرة داعش وتمدده وتنامي نفوذه.
خطر المهدوية
وبالنسبة للحركة الجديدة تبدو مختلفة فهي على خلاف ‘المولوية’ تحظى بغطاء سياسي وديني ولا تواجه مقاومة من قبل السلطات بحكم أنها تختلف ايديولوجيا عن حركات أخرى ولا ترفع شعارات التكفير أو المواجهة مع رجال الدين الشيعة ومع المرجعية.
وما تتمتع به من غطاء يكسبها تأثيرا أقوى وقدرة أفضل على الاستقطاب وهو أمر يلقى صدى ايجابيا لدى قوى سياسية شيعية مناهضة للتيار الصدري.

بعد مبادرة بارزاني..هل تنجح جهود الكرد فى وقف صراع الشيعة بالعراق؟

مع تصاعد الأوضاع فى العراق عقب اقتحام البرلمان من جانب أنصار مقتدى الصدر بدأت بعض المحاولات والمبادرات من أجل إنقاذ العراق من شبح الحرب الأهلية.
وبرزت خلال الساعات الماضية العديد من دعوات التهدئة ومبادرات الوساطة بعد اقتحام أنصار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر مبنى البرلمان للمرة الثانية خلال أسبوع واحد، وإقامة بعضهم اعتصاما مفتوحاً داخله، ودعوة الإطار التنسيقي الموالي لإيران أنصاره إلى “التظاهر السلمي دفاعا عن الدولة وشرعيتها ومؤسساتها”.
واليوم الأحد، أطلق رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، مبادرة لحل الأزمة السياسية في العراق، داعيا الأطراف السياسية للقدوم إلى أربيل والبدء بحوار مفتوح جامع واتفاق قائم على المصالح العليا للبلد.
ووفق وكالة الأنباء العراقية “واع”، قال بارزاني، في بيان صحفي “نتابع بقلق عميق الأوضاع السياسية والمستجدات التي يشهدها العراق”، مطالباً الأطراف السياسية المختلفة إلى التزام منتهى ضبط النفس وخوض حوار مباشر من أجل حل المشكلات.
وأضاف أن زيادة تعقيد الأمور في ظل هذه الظروف الحساسة يعرض السلم المجتمعي والأمن والاستقرار في البلد للخطر، مشيرا إلى “إننا في الوقت الذي نحترم إرادة التظاهر السلمي للجماهير، نؤكد على أهمية حماية مؤسسات الدولة وأمن وحياة وممتلكات المواطنين وموظفي الدولة”.
وشدّد بارزاني على أن “شعب العراق يستحق حياة وحاضراً ومستقبلاً أفضل، والواجب والمسؤولية المشتركة لكل القوى والأطراف هي العمل معاً لإخراج العراق من هذا الظرف الحساس والخطر”.

تفاصيل مبادرة بارزاني
وأردف أن “إقليم كردستان سيكون، كما هو دائماً، جزءاً من الحل”، داعياً الأطراف السياسية المعنية في العراق للقدوم إلى “أربيل، عاصمتهم الثانية، والبدء بحوار مفتوح جامع للتوصل إلى تفاهم واتفاق قائمين على المصالح العليا للبلد”، مؤكداً أنه “لا توجد هناك مشكلة لا يمكن حلها بالحوار”.
ومن جانبهم يستعد النواب المستقلون إلى طرح مبادرة سياسية لإبعاد شبح الحرب الشيعية-الشيعية التي بشرت بها تسريبات رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.
ونقل موقع رووداو الكردي عن عضو مجلس النواب العراقي سجاد سالم، قوله الأحد إن هذا “الصراع ليست فيه مصلحة عامة، خاصة وأنه يجري بين فصائل مسلحة”، مضيفاً “لذلك سيكون هناك موقف مستقبلا للمستقلين لكل هذه الأحداث الجارية، يراعي المصلحة الوطنية بشكل عام”.
وأكد سالم أن “هذا الموقف سيكون عقب لقاءات بين المستقلين لحين تكوين خارطة حل لهذا الموضوع، نتفادى بها الاثار السيئة التي تفرضها قوى السلاح المتصارعة حاليا”.
وأشار سالم إلى أنه “من الممكن أن نلجأ بهذا الاتجاه خلال هذه الأيام ونطرح مبادرة قريباً”.
ويشكك مراقبون في نجاح هذه المبادرات في إبعاد شبح الحرب الشيعية- الشيعية ما لم يتنازل زعيم حزب الدعوة الإسلامية رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي عن قيادة الحكومة العراقية المقبلة من خلف الستار بترشيحه محمد شياع السوداني للمنصب.
ويعكس خروج أتباع الصدر في المظاهرات مدى القطيعة بين زعيمهم والمالكي ومحاولتهم منع تسمية أي مرشح لتشكيل الحكومة الجديدة يكون مقربا من المالكي كما هو الحال بالنسبة إلى السوداني الذي يعد من قيادات حزب الدعوة الإسلامية.
ويرى أتباع الصدر أنهم لا يحملون أي ضغينة للمرشح السوداني لتشكيل الحكومة سوى أنه مقرب من المالكي الذي يتهمونه أنه حمل السلاح ضد جمهور الصدر عام 2008 في عمليات “صولة الفرسان” في محافظات البصرة والناصرية وكربلاء، والإساءة كثيرا لزعيمهم مقتدى الصدر في التسريبات الصوتية المنسوبة.
ويقولون إن المالكي متورط في سقوط عدد من المدن العراقية بيد تنظيم داعش منتصف يونيو عام 2014 وبالتالي يجب خضوعه للقضاء العراقي.
ودخل اعتصام أنصار التيار الصدري الأحد يومه الثاني داخل مبنى البرلمان للمطالبة بإصلاح العملية السياسية ورفض ترشيح محمد شياع السوداني لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة.
وانحسر وجود المعتصمين داخل أروقة البرلمان فيما توافدت أعداد غفيرة من أتباع الصدر من المحافظات العراقية للمشاركة في الاعتصام، وظهرت قيادات بارزة للتيار الصدري بين جموع المعتصمين أبرزهم حاكم الزاملي وحسن العذاري وقادة في سرايا السلام الجناح العسكري للتيار الصدري .
وأقام المعتصمون طوال الليلة الماضية مجالس عزاء لإحياء شعائر عاشوراء كما أدوا صلاة الفجر فيما تتواصل هتافاتهم لدعم الصدر .
كما قام المعتصمون بنصب خيم للاعتصام داخل البرلمان وأخرى لتقديم وجبات الطعام للمعتصمين، فضلا عن تكليف أعداد كبيرة منهم لغرض تفتيش الداخلين لمقر البرلمان تحسبا لأي طارئ بعد إغلاق مداخل البرلمان وتحديد مدخل واحد لدخول وخروج المتظاهرين.
وعاد منظر انتشار “التوك توك” (حافلات صغيرة ذات ثلاث عجلات) من جديد بعد ظهورها بكثافة قبالة السياج الخارجي لمبنى البرلمان وهي تقوم بنقل المتظاهرين وإيصالهم إلى مقر البرلمان بعد أن كان أول ظهور لها في مظاهرات أكتوبر 2019 .
وأعلنت السلطات العراقية إعادة فتح جميع الشوارع والجسور المغلقة في محيط المنطقة الخضراء الحكومية، وأصبحت الحياة طبيعية أمام حركة المركبات قبالة المنطقة بعد اقتصار وجود أنصار الصدر داخل البرلمان من دون أي تجمهر خارج المبنى سوى حركة الوافدين.
وكلفت الحكومة العراقية الأجهزة الأمنية بتأمين الحماية لجميع الأبنية الحكومية داخل المنطقة الخضراء وأيضا حماية الطرق التي يسلكها المعتصمون لكن القوات الأمنية لاتزال منتشرة بكثافة في الشوارع والمساحات العامة.
وطوال الليلة الماضية وحتى صباح الأحد لم يعلن الصدر أي موقف إزاء جميع المناشدات التي أطلقتها القوى السياسية بشأن التهدئة وإجراء حوار لحل المشاكل العالقة والتوصل إلى آلية لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة.
وأرجأت قوى الإطار التنسيقي الشيعي دعوتها لخروج مظاهرات شعبية لأنصارها دفاعا عن الدولة وشرعيتها ومؤسساتها، إلى إشعار آخر وإعطاء وقت للحوار والحلول الإيجابية السياسية.
مع هذه التطورات، يبدو العراق عاجزًا عن الخروج من الأزمة السياسية إذ لم تفضِ إلى نتيجة المحاولات والمفاوضات للتوافق وتسمية رئيس للوزراء بين الأطراف الشيعية المهيمنة على المشهد السياسي منذ العام 2003. وغالبا ما يكون المسار السياسي معقدا وطويلا في العراق، بسبب الانقسامات الحادة والأزمات المتعددة وتأثير مجموعات مسلحة نافذة.

 

Exit mobile version