مع بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة كان هناك ترقب كبير من قطاع عريض من مواطني الشرق الأوسط لموقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تجاه الحرب خاصة أن الرجل معروف بمواقفه وتصريحاته القوية تجاه الاحتلال.وبمرور أيام الحرب، غاب أردوغان واختفت تصريحاته القوية ما أصاب نشطاء مواقع التواصل وخاصة الإسلاميين منهم بحالة من الغضب والخيبة وصلت لاتهام أردوغان بخذلان غزة وذلك قياسا على مواقف سابقة لأردوغان.
هذه المواقف الأردوغانية التي يصفها أنصار ومريدي الرئيس التركي بالمتخاذلة قوبلت بترحاب شديد من الجانب الإسرائيلي الذى عبر إعلامه ومتحدثيه عن رضاهم لتحول مواقف أردوغان إلي العالم الافتراضي والاكتفاء بالشجب والإدانة عبر تغريدة على منصات التواصل الاجتماعي.
وكان الصحفي الإسرائيلي ذوي الأصول اللبنانية إيدي كوهين قد شارك تغريدة للرئيس التركي يتحدث فيها عن أحداث غزة، معلقا عليها بقوله ” أرتاح عندما أري تغريدات كهذه، تغريدات فقط وليس أفعال “.
ولكن مع تصاعد الجرائم الإسرائيلية وارتفاع حدة الغضب بالشارع الإسلامي والتركي تجاه ما يحدث تغير خطاب أردوغان بشكل كبير وشن هجوما كبيرا على إسرائيل ورئيس وزراءها نتنياهو بشكل شخصي.
وبحسب مراقبون فإن التغير في الخطاب التركي والأردوغاني تحديدا أقرب للمتاجرة السياسية التي يجيدها أردوغان بشكل كبير.
ويري د.أسامة السعيد الباحث المصري في الشؤون التركية أن “هناك تحول كبير في الخطاب السياسي التركي حيال الأزمة في غزة خاصة أن الموقف التركي الأول بعد 7 أكتوبر كان محبط بالنسبة لدراويش وأنصار أردوغان بالمنطقة العربية الذين كانوا ينتظرون رد فعل أقوي للرئيس التركي تجاه ما يحدث في غزة في الأيام الأولي من الحرب أسوة بمواقفه السابقة تجاه جرائم إسرائيل”.
وقال لوكالتنا ” أردوغان في الأيام الأولي للحرب حاول إلتزام موقف حيادي وعرض الوساطة بين الطرفين وغير ذلك من المواقف الباردة التي اعتبرها البعض تخاذلا واضحا من جانب تركيا خاصة أن أنقرة استضافت قبل عدة أسابيع قمة بين الرئيس أبومازن ورئيس حركة حماس إسماعيل هنية وكانت تريد أن تدخل على خط الملف الفلسطيني فإذا بها تأخذ مواقف سلبية وأقل من المتوقع من قبل أنصار ومؤيدي السياسة التركية بالمنطقة”.
سر التحول
وبحسب الباحث فإن “التحول في الخطاب التركي له أكثر من عامل أولها تصاعد المجازر الإسرائيلية في غزة التي ضغطت بشكل واضح على الرأي العام التركي الذي تتعاطف قاعدة كبيرة منه مع القضية الفلسطينية وهو ما جعل أردوغان يدرك أن فكرة إمساك العصا من المنتصف وعرض الوساطة قد تجعله يفقد الظهير الشعبي الداعم له خاصة مع اقتراب الانتخابات البلدية التي يسعي التحالف الحاكم للسيطرة وبالتالي تحرك أردوغان وغير من خطابه السياسي من أجل استرضاء الشارع التركي الغاضب ورفع من ردة فعله تجاه إسرائيل”.
وأشار إلي أن “السبب الأخر للتحول في الموقف التركي هو محاولة أردوغان الحفاظ على المكانة الإقليمية التي سعي لبناءها خلال السنوات الماضية وعدم فقدان تلك المكانة لصالح دول أخري كانت مواقفها أكثر تقدما حيال الحرب في غزة “.
ويعتقد الباحث أن “حقيقة الأمر أن الموقف التركي لم يتغير سوي على مستوي الخطاب دون إجراءات حقيقة على الأرض، أردوغان تبني خطاب شعبوي فقط لارضاء الشارع حيث نفي تهمة الإرهاب عن حماس وقال إن تركيا تتحرك لإعلان إسرائيل دولة مجرمة حرب دون أن يكشف عن أى خطوات عملية، معتبرا أن الأمر لا يتعدي استرضاء الشارع التركي والإسلامي ومغازلة الجماهير الغاضبة بالمنطقة بشكل عام”.
وقال إن “الاجرءات التركية على الأرض تقريبا صفر حيث لا تزال العلاقات الاقتصادية بين تركيا وإسرائيل قوية، كما إن تركيا من أكثر الدول التي تتعامل مع الصناعات العسكرية الإسرائيلية، وهناك تعاون استخباراتي وأمني لا يزال قائما بين البلدين”.
ولفت السعيد أنه “لا شىء تغير على مستوي الأرض بعد خطاب أردوغان الشعبوي فرغم اعتراض إسرائيل على نفي تهمة الإرهاب عن حماس ألا أنها تدرك جيدا أنه طالما أن العلاقة لم تصل لمرحلة القطيعة مع تركيا فمن السهل استعادة الأمور خاصة أن السوابق التاريخية بين البلدين تؤكد ذلك فرغم حادث السفينة مرمرة التي قتل فيها عدد من الأتراك برصاص الجيش الإسرائيلي إلا أنه تم استعادة العلاقات وتم استقبال الرئيس الاسرائيلي في تركيا عام 2020 بحفاوة بالغة من قبل أردوغان الذى كان من المقرر أن يزور إسرائيل الفترة الحالية لولا أحداث السابع من تشرين الأول”.
علاقات طبيعية بين تل أبيب وأنقرة
وتوقع الباحث المصري أن “العلاقات ستسير في مسارها الطبيعي وستحافظ تركيا على علاقاتها الاقتصادية والعسكرية مع إسرائيل وقد نشهد بعض المناوشات الإعلامية ولكنها لن ترتقي لمستوي القطيعة أو تغيير طبيعة العلاقات على الأرض، لافتا إلي أن تركيا تخشي ردة فعل الأمريكي والأوروبي خاصة أن أردوغان كان في زيارة لمقر حلف الناتو في نفس يوم قمة القاهرة للسلام التي شارك فيها وزير الخارجية التركي”.
ويري السعيد أن “الجميع يدرك أن تركيا لن تفعل شىء خاصة أنه حتى التلويح بإجراءات ما لكسر الحصار عن غزة غابت واختفت تماما من الخطاب التركي عكس مناسبات سابقة حيث سبق لأردوغان في عام 2018 أن وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنه إرهابي عندما قتلت سلطات الاحتلال 16 فلسطينيا في مسيرات العودة وهو ما لم نره هذه الأيام رغم حدة المجازر الإسرائيلية بحق الفلسطينين ومقتل قرابة 10 الاف فلسطيني غالبيتهم من الأطفال والنساء”.
وختم الباحث المصري تصريحاته بالتأكيد على أن “كل هذه مؤشرات على أن الموقف التركي لن يتجاوز أو يغادر محطة الهجوم اللفظي ولن يرتقي لمستويات أعلي، لافتا في الوقت نفسه إلي أن تمادي إسرائيل في عملياتها ضد المدنيين وتغير الموقف الإقليمي لبعض الدول قد يؤثر مستقبلا على الموقف التركي وربما نشهد مزيد من التغير ولكن حتى هذه اللحظة فالأمر ليس سوي مجرد تغير لفظي فقط”.
تبدو منطقة الشرق الأوسط على حافة حرب إقليمية في ظل تصاعد الحرب الإسرائيلية على غزة والتهديد بتهجير سكانها لسيناء المصرية وهو ما ترفضه القاهرة بشدة نظرا لما تمثله هذه الخطوة من انتهاك للسيادة المصرية فضلا عن احتمالية نشوب حرب جديدة بين مصر وإسرائيل بعد أن تصبح سيناء معقلا للفلسطينيين..فماذا ينتظر المنطقة وهل نحن على أبواب حربا جديدة؟وجاءت تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي برفض فكرة تهجير الفلسطينيين لسيناء واعتبار ذلك مهددا لعملية السلام بين مصر وإسرائيل.
وقال السيسي خلال لقاء مع المستشار الألماني أولف شولتس الأربعاء 18 تشرين الأول أكتوبر:«الحديث عن نقل فكرة المقاومة والقتال من قطاع غزة إلى سيناء وبالتالي المواجهات هتتنقل إلى المواجهات تكون مع مصر، ومصر دولة كبيرة حرصت على السلام بإخلاص».
وهدد السيسي بدعوة المصريين للتظاهر ضد هذا المقترح قائلا: «إذ طلبت من الشعب المصري الخروج للتعبير عن رفض الفكرة ودعم الموقف المصري في هذا الأمر، ستشاهدون الملايين في الشوارع».
وجاءت تصريحات السيسي مع تصاعد الحرب الإسرائيلية على غزة واستعداد تل أبيب لشن هجوم بري على القطاع الذى يعاني من الضربات الحوية المستمرة منذ قرابة أسبوعين مع نفاد كامل للوقود والأدوية والمواد الغذائية وتوقف المستشفيات عن العمل.
وكان الجيش الإسرائيلي قد حث الفلسطينين في شمال قطاع غزة للتوجه جنوبا الحدود المصرية، كما نقلت وسائل إعلام عن اللفتنانت كولونيل ريتشارد هيشت، كبير المتحدثين العسكريين في إسرائيل دعوته للفلسطينيين الفارين من الضربات على غزة بالتوجه إلى مصر، وهو ما رفضته الخارجية المصرية في بيان رسمي .
وبحسب مراقبون فإن تهجير الفلسطينين من قطاع غزة إلي شبه جزيرة سيناء المصرية يأتي ضمن مخطط إسرائيلي لتصفية القضية الفلسطينية وهو أمر قد يدفع المنطقة لدوامة حربا إقليمية لا يتحلمها أحد.
العدوان الثلاثي الجديد
ويري د.عبد الله المغازي عضو مجلس النواب المصري السابق أن “الكيان الإسرائيلي المحتل للأراضى العربية يريد تصفية القضية الفلسطينية والتخلص منها وبالتأكيد سيفعل مع أهل غزة مثل فعل فى الفلسطينين اللاجئين فى كل الدول الأخرى ورفض فى كل المناسبات حق العودة”.
وقال لوكالتنا ” التهجير لسيناء تحديدا لكى تكون الهدف القادم بعد غزة لأن الكيان المحتل يعلم جيدا أنه حتي لو وافقت مصرعلى إقامة مخيمات اللاجئين الفلسطينيين فى سيناء أو عملية الاستبدال بين جزء من سيناء وصحراء النقب فحال قيام مجموعه بسيطة من الفلسطينيين اللاجئين بإطلاق أى صواريخ من سيناء سيكون هذا مبررا لهذا الكيان المحتل للدخول لسيناء مثل ما يفعل فى غزة”.
وأشار إلي أن التدخل في سيناء سيكون بمشاركة حلفاء إسرائيل مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، وتتكرر فكرة العدوان الثلاثي ويتم انتزاع كامل سيناء بحجة إطلاق صواريخ وأسلحة تهدد هذا الكيان المحتل”.
وبحسب البرلماني المصري فإن هناك “سيناريو كبير جدا لإعادة رسم خريطة منطقة الشرق الأوسط وصنع مايسمى بالشرق الأوسط الكبير الذى ستتغير فيها خريطة المنطقة وموازين القوة فيها” .
وشدد على أن “عقيدة الجيش المصرى ومهمته الاولى هي حماية الأمن القومي المصرى وكامل التراب الوطني وبالتالى ستمنع أى محاوله للاعتداء على الأراضي المصرية باى صورة من الصور” .
كرة النار
بدوره، يري محمد عبادي الباحث فى العلاقات الدولية أن “غزة تمثل صداع في رأس اسرائيل منذ عقود، مستشهدا بما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق اسحاق رابين في عام 1992 الذي قال إنّه يتمنى أن لو يصحو في الصباح ليجد غزة قد ابتلعها البحر”.
وقال لوكالتنا ” قطاع غزة يمثل الخزان البشري في هذه المساحة الجغرافية الضيقة، التي وضعت مشروعا عسكريا مقاوما لإسرائيل بأهداف معلنة هي تحرير الأراضي الفلسطينية من الاحتلال، لذلك تأتي الفرصة اليوم سانحة أمام حكومة الكيان التي تحظى بدعم عسكري وسياسي واقتصادي غير مسبوق من حلفائهم الغربيين وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يدفع قادة الكيان المحتل إلى التفكير في التخلص من معضلة غزة مرة واحدة وإلى الأبد”.
وأشار إلي أن “إسرائيل تريد تهجيرهم إلى سيناء بالتحديد، للتخلص من هذا العبء تماما، والقائه على كاهل دول أخرى، من دون تحمل أي تبعات، وهذا ما ترفضه القاهرة بشكل قاطع لأنها ببساطة هو تصفية للقضية الفلسطينية بشكل كامل”
واما عن الاضرار على الأمن القومي المصري، يعتقد الباحث أن “خطوة كهذه بالإضافة إلى كونها تصفية لمشروع التحرر الفلسطيني من الاحتلال، فإن انتقال شعب غزة الى سيناء هو انتقال المقاومة بالضرورة إلي سيناء ومن ثم اطلاق صواريخ من سيناء تجاه إسرائيل وهو ما يقتضي الرد الاسرائيلي داخل موطنهم الجديد ، وقطعا سيجعل مصر على خط الاشتباك”
وختم الباحث المصري تصريحاته بالتأكيد على أن “تهجير شعب غزة إلى سيناء أشبه بكرة نار تُلقيها إسرائيل في هذه المنطقة، وهو امر محسوم لدى القيادة المصرية”.
حرب إقليمية
من جانبه، يري بهجت العبيدي الكاتب المصري المقيم بالنمسا مؤسس الاتحاد العالمي للمواطن المصري في الخارج “إن الأحداث الملتهبة في قطاع غزة مرشحة للاستمرار بل واتساع رقعتها وزيادة العمليات العسكرية ما يعني أن منطقة الشرق الأوسط معرضة للدخول في نفق من الاضطرابات والمواجهات العسكرية. ”
وقال لوكالتنا أن “أبناء غزة المدنيين يتعرضون لعملية إبادة جماعية على أيدي سلطات الاحتلال الإسرائيلي على مرأى ومسمع من العالم الذي لا يحرك ساكنا بل يدعم إسرائيل ويزيد من وتيرة عملياتها العسكرية مرة بالصمت وأخرى بمدها بمزيد الأسلحة المتطورة.”
وذكر العبيدي أن “المخطط الصهيوني، كما يراه الغالبية الساحقة، بل كل أبناء الشعب المصري، هو القضاء قضاء مبرما على القضية الفلسطينية، وذلك من خلال تهجير أبناء غزة خارج القطاع، والذي إن نجحت فيه فإنها تكون قد قضت على القضية الفلسطينية قضاء تاما، وهو ما يحتم على أبناء الغزة الصمود والتمسك بالأرض وعدم الخروج منها مهما كانت التضحيات التي يقدمها أبناء غزة. ”
وأكد أن “المخطط الإسرائيلي والذي يهدف إلى دفع أبناء غزة بالتوجه تحت وطأة الضربات العسكرية الجبانة بالتوجه نحو شبه جزيرة سيناء مكشوف لكل أبناء الشعب المصري، فضلا عن القيادة السياسية وقادة الجيش المصري والساسة والمفكرين والمثقفين المصريين، والذين هم جميعا متيقظون لهذا المخطط الخبيث المرفوض جملة وتفصيلا والذي لم ولن يقبل به أي مصري مهما كان توجهه ومهما كانت قناعاته ومهما كانت أفكاره، فكل ذرة رمل مصرية هي خط أحمر لدى كل المصريين على تنوع فئاتهم واختلاف طبقاتهم. ”
ولفت العبيدي إلى أن “ما يتسرب من أخبار حول تصفير ديون مصر مقابل توطين الفلسطينيين في غزة يواجه بكل سخرية من أبناء الشعب المصري الذين يدركون حجم ومكانة مصر ويعلمون أن ما تمر به البلاد من أزمة اقتصادية هي بكل تأكيد أزمة عابرة وكم من أزمات مثلها وأضخم منها قد مرت على البلاد ولكن بفضل شعبها تم تجاوزها ونجحت مصر في عبورها”.
ويعتقد الكاتب المصري أن “لدى إسرائيل أوهام تعشعش في مخيلتها من بين تلك الأوهام أنه يمكن أن يستعيض أهل غزة عن أرضهم بجزء من أرض سيناء الذين يظنون أنها مجرد صحراء، وهم لا يدركون أن كل ذرة رمل في مصر تمثل للمصريين الوطن كله، حيث أنها ارتوت بدماء أبناء مصر الذين حافظوا على أرضهم عبر آلاف السنوات مر عليها عديد الغزاة الذين دفنوا فيها لتصبح مصر مقبرة الغزاة. ”
ويؤمن العبيدي أن “مصر لن تتردد لحظة واحدة في الدفاع عن أرضها وترابها المقدس بكل الوسائل بما في ذلك استخدام القوة العسكرية حيث أن مصر لا تقبل تحت أي ظرف أن يفرض عليها أمر، وهو ما تدركه إسرائيل ومن يقفون خلفها بشكل كامل، وهذا هو الذي سيفشل كل مخطط صهيوني كان أو غير صهيوني”.
مع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة على خلفية عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها حركة حماس فجر السبت7 أكتوبر، تتجدد المخاوف من انزلاق المنطقة لخطر حرب إقليمية تهدد ما بقاء من استقرار الشرق الأوسط خاصة في ظل إعلان إيران أن كل الخيارات أصبحت مفتوحة بالتزامن مع عمليا يشنها حزب الله وتهديدات لميليشيات عراقية باستهداف الأمريكان ببلاد الرافدين في ظل دعم مفتوح من واشنطن والغرب لتل أبيب .. فما ينتظر المنطقة، وهل نحن على أعتاب حربا إقليمية ؟فجر 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، كانت المنطقة على موعد مع صراع عسكري وأزمة جديدة بعد ان أطلقت حركة “حماس” وفصائل فلسطينية أخرى في غزة عملية “طوفان الأقصى”، رداً على “اعتداءات القوات والمستوطنين الإسرائيليين المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني وممتلكاته ومقدساته، ولا سيما المسجد الأقصى في القدس الشرقية المحتلة”.
في المقابل، أطلق الجيش الإسرائيلي عملية “السيوف الحديدية”، ويواصل شن غارات مكثفة على مناطق عديدة في قطاع غزة، الذي يسكنه أكثر من مليوني فلسطيني يعانون من أوضاع معيشية متدهورة، جراء حصار إسرائيلي متواصل منذ 2006.
وما بين عاصفة الأقصي، والسيوف الحديدية سقط الالاف الضحايا والمصابين خاصة من الجانب الفلسطيني في ظل استهداف إسرائيل للمدنيين والأطفال.
يأتي هذا وسط مخاوف من انزلاق المنطقة لحرب إقليمية خاصة بعد أن تورط قوي دولية وإقليمية في الصراع، حيث أعلنت واشنطن صراحة وقوفها بجانب تل أبيب، وأرسلت الولايات المتحدة هذا الأسبوع مجموعة حاملة طائرات إلى المنطقة، وهددت طهران بشكل مباشر.
كل الاحتمالات واردة
من جانبها، أعلنت إيران على لسان وزير خارجيتها أمير عبد اللهيان أن كل الاحتمالات واردة في المنطقة مع استمرار جرائم الحرب في غزة.
فيما قال موقع أكسيوس الأمريكي نقلاً عن مصدرين دبلوماسيين مطلعين أن إيران أرسلت رسالة إلى إسرائيل عبر الأمم المتحدة، أكدت فيها أنها لا تريد المزيد من التصعيد، ولكن سيتعين عليها التدخل إذا استمر الهجوم على غزة.
ونقل الموقع الأمريكي عن وزير الخارجية الإيراني قوله بأن إيران لا تريد أن يتحول الصراع إلى حرب إقليمية، ولكن إذا استمرت العملية العسكرية الإسرائيلية وخاصة إذا نفذت إسرائيل وعدها بشن هجوم بري على غزة فسيتعين على إيران الرد، بحسب المصادر.
وكانت كتائب حزب الله العراقي وفصائل شيعية أخرى قد هددت بضرب القواعد والمصالح الأميركية في المنطقة في حال أي تدخل عسكري أميركي دعما لإسرائيل في الحرب مع حماس.
كما أعلن حزب الله السبت 14 تشرين الأول أنه هاجم 5 مواقع إسرائيلية في منطقة مزارع شبعا بصواريخ موجهة وقذائف مورتر.
بالتزامن مع هذا التوتر، تصاعدت التحذيرات من لجوء إسرائيل لتهجير سكان قطاع غزة وشن عملية عسكرية برية ضد القطاع، وهو أمر حذرت منه الأمم المتحدة عبر أمينها العام أنطونيو غوتيريش، الجمعة 13 أكتوبر/تشرين الأول الذى اعتبر إنّ نقل سكان قطاع غزة عبر منطقة حرب إلى مكان بلا طعام أو ماء أو سكن “أمر خطير للغاية وببساطة غير ممكن”.
خطر التهجير
وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي قد طالب المدنيين في مدينة غزة، الذين يزيد عددهم عن مليوني نسمة، الجمعة 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إلى الانتقال جنوباً خلال 24 ساعة، في إشارة إلى أن إسرائيل قد تشن غزواً برياً قريباً وذلك بالتزامن مع استمرار القصف الجوي.
من جانبها حذرت الأردن من خطورة تهجير سكان القطاع، واعتبر وزير خارجيتها أيمن الصفدي أن أي تحرك من إسرائيل لفرض تهجير جديد على الفلسطينيين سيدفع المنطقة كلها نحو “الهاوية”.
وبحسب مراقبون فإن الأوضاع في غزة قد تؤثر بشكل كبير على مستقبل المنطقة، خاصة في حال إقدام إسرائيل على تنفيذ إجتياح بري للقطاع وتهجير سكانه.
وتري الأكاديمية والباحثة الفلسطينية د.سنية الحسيني أن”الوضع حرج للغاية خاصة في ظل تهديد إسرائيل بترحيل ٢مليون فلسطيني من غزة في محاولة لتكرار نكبة عام 48 معتبرة أن هذا أشبه بالجنون”.
وقالت لوكالتنا “اذا لم بضغط العالم العربي والمجتمع الدولي لوقف هذه الجريمة الإسرائيلية فقد تسقط المنطقة في أتون حرب مدمرة”.
دلالات التوقيت
وحول توقيت عملية طوفان الأقصي، تري الباحثة الفلسطينية أن “حماس اختارت التوقيت بعناية، واستفادت من خدعة حرب عام ١٩٧٣ التي حققت فيها مصر اختراق مهم، كما أن حماس عندما أقدمت على توتير حدود غزة قبل أسابيع من العملية، ثم موافقتها على التهدئة، كان جزء من هذه الخطة”.
وبحسب الباحثة فإن “توقيت العملية راعي بشكل كبير التطورات الاقليمية والدولية وحتى الأوضاع الداخلية بإسرائيل، لافتة إلي أنه بالنظر للتطورات الدولية نجد أن حرب أوكرانيا أعطت الانطباع بانشغال الولايات المتحدة والغرب بها، مما يحد من تركيز واشنطن على مناطق أخرى من العالم وهو ما سعت حماس لاستغلاله”.
وتابعت : “على الصعيد الإقليمي، وهو عامل يترتب على الجانب الدولي، فقد شهد الإقليم عدد من المواقف التي تدعم تراجع مكانة الولايات المتحدة في المنظومة الدولية، كتراجع واشنطن عن مواقفها المنتقدة للسعودية، وموقف المملكة الجرئ الذي رفض الاستجابة للمطالب الامريكية، وتوسيع تحالفاتها لتشمل الصين وروسيا، فضلا عن المصالحة السعودية الإيرانية، والتي حسنت من مكانة إيران في المنطقة، وكذلك نجاح صفقة تبادل الأسرى بين إيران والولايات المتحدة، والتي نتج عنها الافراج عن جزء من أموال ايران المجمدة”.
وأشارت إلي أنه “بالنظر للداخل الإسرائيلي، وكما يلاحظ الجميع منذ وصول حكومة نتنياهو للسلطة تعاني من مشكلة داخلية، انعكست في التظاهرات المستمرة الرافضة لتوجهات الحكومة اليمينية الدينية، كما ساعد التخبط السياسي الداخلي لاسرائيل، واضطراب علاقة نتنياهو مع بايدن بسبب التعديلات القضائية، لاعطاء انطباع أن هناك أزمة في إسرائيل وهو ما سعت حماس لاستغلاله”.
وتري الباحثة الفلسطينية أنه “مع هذه العوامل الدولية والاقليمية والاسرائيلية، والتي تمثل نقطة تحول مهمة، وإن لم تكن مكتملة الملامح، جاء العامل الداخلي الفلسطيني ليحسم فكرة العملية خاصة في ظل حالة اليأس التي يعيشها الفلسطينيون من ممارسات حكومة نتنياهو المتطرفة وتصاعد القمع الرسمي من قبل الاحتلال بشكلٍ كبير ضد الفلسطينيين في الفترة الاخيرة، تصاعد أزمة الاستيطان، سواء من حيث زيادة المساحة، وعدد المستوطنيين، وتسليح وعنف المستوطنيين”
وتضيف :” أهم نقطة عززت فكرة القيام بالعملية هو تطاول الاحتلال ومستوطنيه مؤخراً وبشكل بالغ على المقدسات الإسلامية، والاقتحامات المتكررة للمسجد الاقصى من قبل المستوطنيين واستباحته بطريقة مستفزة، بالإضافة إلى إقدام جيش الاحتلال على الاعتداء على الفلسطينيات في المسجد الاقصى ورحابه، بصورة تستفز أي إنسان يمتلك نخوة وكرامة، وهو ما شددت عليه حركة حماس مرارا وتكراراً.”
الدور الإيراني والأمريكي
وحول الدور الإيراني في العملية، تعتقد الباحثة الفلسطينية أن “العملية كانت سرية للغاية، ولم تكن معلوماتها متاحة إلا لقلة، وهو ما ضمن عنصر المفاجأة فيها، لافتة في الوقت نفسه إلي أن ايران وحزب الله حلفاء معلنين للحركة، ويمكن أن يكون هناك تفاهمات على الفكرة العامة، وردود الأفعال، لكن ليس بشكل محدد”.
وتري د.سنية أن “تدخل أمريكا في الحرب وإرسال بوارج يحمل دلالة معروفة هي استمرار التزام واشنطن بوجود إسرائيل بشكل صارخ وعلى حساب كل دول المنطقة، والتصريحات الامريكية الاخيرة خلال التطورات الميدانية تؤكد ذلك، معتبرة في الوقت نفسه أن “التدخل الاميركي لم يأت فقط لابراز الدعم المطلق لاسرائيل فقط، وانما جاء كرسالة لردع حزب الله من التدخل لنصرة حركة حماس، وليس بهدف التدخل الفعلي في هذا الهجوم”.
وتضيف: ” أرادت اسرائيل أن تقول لحزب الله أن تدخلها في هذه اللحظات يعني أنها ستواجه رداً امريكيا وليس إسرائيليا فقط، وتم التهديد بتدمير لبنان، لتذكير الحزب بحرب ٢٠٠٦، خصوصا في ظل الضغوط الحالية في لبنان. كما أن حزب الله يتدخل بشكل مضبوط أيضا ليرسل رسالة رادعة للاحتلال، بأن الحركة جاهزة للتصعيد، في حال اقدام الاحتلال على اجتياح غزة برياً.”
أما عن السيناريوهات المتوقعة، ومدي إمكانية تطور الصراع لحرب اقليمية، أكدت الباحثة الفلسطينية أنه “لا أحد يستطيع أن يتوقع نشوب حرب اقليمية، لكن التوترات الحالية خطيرة، ومن المعروف أنه في مثل هذه الظروف، وحتى في حال عدم رغبة الاطراف بالذهاب لحرب إقليمية، الا أنها ممكن أن تندلع نتيجة سوء تقدير أو خطأ في التصرف”.
مرحلة جديدة
لكن الأكاديمي الإماراتي د. سالم الكتبي المتخصص في العلاقات الدولية يستبعد فكرة حدوث حرب إقليمية مؤكدا أن ليس هناك دول مستعدة للتضحية بنفسها لأجل منظمات إرهابية بحسب وصفه”.
وقال الكتبي لوكالتنا: “الشرق الأوسط يتجه لمرحلة جديدة تتغير فيها موازين قوى وتخرج قوى جديدة، معتبرا أن المرحلة الحالية هي حد السيف مابين التبجح بالبطولات ومابين الإقدام على الانتحار”.
وأوضح: “نعيش مرحلة تفجير الوضع الاستراتيجي مسبقا، ومحاولة إدخال المنطقة العربية في أتون حرب المتسبب والرابح فيها ايران على كل الاصعدة، لافتا في الوقت نفسه إلي أن هذا المخطط ينتظره الفشل والمرحلة الجديدة ستشهد مسح تنظيمات أو قيادتها من الموجود وبالتالي تفقد ايران جزء من اذرعها في المنطقة”.
وحول الدور الإيراني في العملية، أكد الخبير الإماراتي أن “تصريحات قادة حماس متضاربة، والحركة فشلت أن تبرر العملية التي أدخلت غزة في حرب دموية، معتبرا أن حماس مجرد أداة وضعت لتنفيذ أجندة لكن المفاجأة كانت أكبر من المتوقع والكل الأن يتبرىء من الاخر”.
وتابع : “حتى حزب الله وحركة أمل يعلمون أنه سيتم محوهم فعليا ومايقومون به فقط لرفع المعنويات، ولكن عموما لننتظر النتائج وهل فعلا سيكون رد الفعل بذاك القدر من القوة، الايام حبلى والتقديرات كثيرة”.
على مدار ثماني سنوات لم تتوقف المفاوضات الثلاثية بين مصر وأثيوبيا والسودان حول سد النهضة دون التوصل لأى اتفاق بين الأطراف حول قواعد ملء وتشغيل السد الذى أعلنت أديس أبابا منذ أيام انتتهاء مرحلة المل ء الرابع له.
وتسود الخلافات بين أثيوبيا (دولة المنبع) ومصر والسودان (دولتي المصب)، حول السد وطريقه تشغيله خاصة في ظل مخاوف مصرية من تأثير السد على حصة مصر من ماء النيل ما يهدد بأزمة كبيرة قد تواجهها الدولة المصرية التي تعتمد على النيل في الزراعة بشكل كبير.
حرب كلامية
وعقب فشل الجولة الأخيرة من المفاوضات الثلاثية التي استضافتها العاصمة الإثيوبية أديس أبابا يومي 23، 24 سبتمبر/ أيلول الماضي، تبادلت مصر وأثيوبيا الاتهامات والبيانات الرسمية.
وانتقد بيان رسمي لوزارة الخارجية الإثيوبية مطالبة مصر بحصة وصفها بـ”استعمارية” من المياه، وتمسكها بما وصفه البيان بـ “معاهدة إقصائية تعود للحقبة الاستعمارية”، في إشارة إلى اتفاقيتي 1902 و1929، اللتين عقدتهما بريطانيا (دولة الاحتلال لمصر والسودان) وإثيوبيا بتحديد حصة مصر المائية، وإلزام إثيوبيا بعدم إقامة أي مشروعات على النيل، من شأنها إعاقة تدفق النهر، إلا بموافقة مصر.
كما استنكر البيان الإثيوبي نهج الوفد المصري الذى شارك في جولة المباحثات معتبرا أنه يقوض “اتفاق إعلان المبادئ عام 2015″، الموقع في العاصمة السودانية (الخرطوم)، بين الدول الثلاث.
من جانبها، صعدت مصر من موقفها الرافض للمارسات الأثيوبية في ملف سد النهضة، أعرب وزير الخارجية المصري سامح شكري،في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، عن رفض مصر لسعي إثيوبيا لفرض الأمر الواقع على 100 مليون مصري، لافتا إلى معاناة مصر من نُدرة مائية، وعجز في احتياجاتها المائية يصل إلى 50%.
كما أكدت وزارة الموارد المائية المصرية رفض الجانب الإثيوبي لـ “الترتيبات الفنية المتفق عليها دولياً، التي من شأنها تلبية المصالح الإثيوبية، دون الافتئات على حقوق دولتي المصب”، وذلك تراجعا عن توافقات سابقة.
ورغم هذه الحالة من التلاسن والحرب الكلامية، هناك جولة مباحثات جديدة بين الدول الثلاث من المقرر عقدها في القاهرة خلال أكتوبر الجاري.
أزمة تهدد مصر
وتعتبر مصر أكثر المتضررين من سد النهضة خاصة أنها من اكثر دول العالم المهددة بالفقر المائي.
رقميا، مصر لديها موارد مائية تقدر بحوالى 60 مليار متر مكعب سنويا معظمها من النيل واحتياجاتها الفعلية 114 مليار متر مكعب أي حوالى الضعف.
كما تعتمد في مصادرها المائية على ٩٥٪ من النيل، وتبلغ حصة كل مواطن حوالى 560 متر مكعب أي حوالى نصف خط الفقر المائى الذي يقدر بالف متر مكعب مياه للفرد.
كما تعاني مصر من ثبات حصتها من الموارد المائية المتجددة منذ منتصف القرن الماضي رغم تضاعف تعداد السكان أربعة أضعاف.
ويهدد سد النهضة مستقبل الزراعة في مصر ما سيكون له تأثيرات سلبية كبيرة نظرا أن القطاع الزراعي يمثل مصدر الرزق الوحيد لاكثر من 50% من السكان .
وبحسب مراقبون فإن الخطر الذى يمثله سد النهضة يمثل تهديدا وجوديا على الدولة المصرية يتطلب تحركات ربما أكثر من مجرد التفاوض التي لم تجني مصر منها على مدار سنوات سوي إضاغة الوقت وإكتمال بناء السد.
صراع إقليمي
ويري الدكتور طه علي أحمد الباحث في شؤون الشرق الأوسط أن “قضية سد النهضة تعكس حالة توازن القوى الإقليمية في منطقة حوض النيل والتي لم تعد لصالح الدولة المصرية على مدار السنوات العشر الأخيرة، كما نؤكد أيضا بأن هذه القضية أضحت مسرحاً لعدد من الفاعلين الذي يشتركون في مناكفة الدولة المصرية لأغراض تخص مشروعاتهم الإقليمية، والتي تقتضي إضعاف الدولة المصرية في المقام الأول”.
وقال لوكالتنا ” لهذا، فقد استند الموقف الإثيوبي منذ بداية الأزمة على حالة الوهن التي أصابت الدولة المصرية بعد عام 2010، حيث لم تبد أية جدية، بل وسعت للتلاعب بالدولة المصرية، وقد أكدت على ذلك الطريقة التي تم الاعلان بها عن السد والتي تزامنت مع حالة الضعف التي أصابت الدولة المصرية بعد 2010، حيث تغيرت مسميات السد بين “السد إكس”، و”سد الألفية”، ثم “سد النهضة”، فضلا عن رفض الجانب الأثيوبي لقبول أية عروض من الجانب المصري بشأن ضمان معايير الأمن والسلامة، وأمور أخرى تؤكد على النهج غير التعاوني من جانب الاثيوبيين”.
وبحسب الباحث فإن “صانع القرار المصري اختار المضي في المسار التفاوضي، حيث ترفض الدولة المصرية الاقدام على اي عمل عدائي تجاه دولة إفريقية الأمر الذي يترتب عليه الدخول في حالة عدائية مع الأفارقة، فضلا عن القيود التي يفرضها المجتمع الدولي من عقوبات وحصار محتمل، لافتة أنه رغم خطورة الموقف الإثيوبي على الأمن القومي المصري بشكل عام، لكن القيادة المصرية ترى أنه لا تزال ثمة إمكانية للحل التفاوضي”.
أما عن خطورة سد النهضة على مصر، يؤكد الباحث أنه “تكفي الإشارة إلى أن العام الحالي لم يصل لبحيرة ناصر سوى مقدار قليل جدا من المياه ، مما جعل مصر تعتمد على مخزون بحيرة ناصر والذي لا يكفي لأكثر من عامين أو ثلاثة على أقصى تقدير، ناهيك عن ضعف قدرة السد العالي على توليد الكهرباء، وتأثر الزراعة المصري بشكل كارثي مؤكد”.
دعم دولي لأثيوبيا
وأشار علي إلي أن “غالبية المجتمع الدولي تدعم الموقف الإثيوبي، وفي مقدمتها إسرائيل وتركيا والولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى، بالإضافة لبعض الدول الخليجية الداعمة للموقف الاثيوبي سواء من خلال الاستثمارات أو الدعم السياسي لرئيس الوزراء أبي أحمد. وهو ما يعكس حالة من الانفصال بين التوجهات القومية العربية المزعومة من جانب هذه الدول ومواقفها الحقيقية، إذ يمثل الإضرار بمصالح مصر المائية تهديدا عميقا لمنظومة الأمن القومي العربي بشكل عام”.
أما بخصوص الهدف من وراء ذلك الدعم، فيري الباحث أن “اسرائيل عدو تقليدي للدولة المصرية، رغم وجود معاهدة للسلام معها، حيث يمثل إضعاف مصر وشغلها في أزمات داخلية طوال الوقت تأميناً ضد أية مخاطر محتملة قد تصلها من الجبهة الحدودية مع مصر، والحال نفسه بالنسبة لتركيا التي تخوض صراعا إقليميا مع الدولة المصرية التي وقفت في وجه المخطط الإقليمي لتركيا منذ عام 2013، أما الدول العربية فإن إضعاف الدولة المصرية وعدم تبوأها قيادة العالم العربي يفسح المجال أمام المشاريع الإقليمية المتصاعدة والمتنافسة أيضا كالإمارات والسعودية، كما أن إضعاف الدولة المصرية يجعلها في موقف “التابع” للرياض وأبوظبي، وهو ما يتجلى في انخراطهما في مشاريع تؤثر بالضرورة على الدولة المصرية كالاستثمارات الإماراتية في اثيوبيا واسرائيل وأخيرا الانخراط السعودي والاماراتي في المشروع الاقتصادي الدولي الجديد الذي ينطوي على الإضرار بقناة السويس المصرية”.
ويعتقد الباحث “إن كل ذلك ينطلق من رؤية ضيقة من جانب هذه الدول تجاه أمنها ومشروعاتها الإقليمية والتي تصطدم في واقع الأمر بإضعاف الأمن القومي العربي من خلال تعزيز أوضاع الخصوم التقليديين للعرب كإسرائيل وتركيا وإيران واثيوبيا.
خيارات مصر
ويري د.علي أنه “لا يوجد إمكانية لحل الأزمة على مائدة التفاوض، مشددا على أن الخبرة التاريخية وواقع سلوك الحكومة الاثيوبية تؤكد على استحالة حل القضية من خلال المسار التفاوضي التقليدي الذي طال لأكثر من 10 أعوام بدون جدوى. ”
وشدد الباحث على أن “المطلوب من الجانب المصري، تفعيل أوراق بديلة للمسار الدبلوماسي التقليدي، معتبرا أن التلويح بالورقة العسكرية يساعد على إدخال القضية في حالة من التوتر يمكن أن تؤثر بالضرورة على المفاوض الإثيوبي، خاصة أن فكرة الضغط الإقليمي والعربي تحديدا على أديس أبابا غير واردة لاسيما مع الدعم الإماراتي للسياسة المائية لأثيوبيا والتي عبرت عنها مشاركة الرئيس الإماراتي في فعاليات افتتاح “معرض المياه والطاقة” خلال زيارته لأديس أبابا في أغسطس الماضي، وعليه لا يتوقع ممارسة أية ضغوط إقليمية على أثيوبيا بل إن الواقع يشير لما يشبه التنسيق الإقليمي لدعم الموقف الاثيوبي ضد أمن الدولة المصرية، وهو ما يعزز أهمية التلويح بالورقة العسكرية لإحداث اضطراب في البيئة الاقليمية بشكل يدفع الجميع لإعادة النظر في الوضع الراهن”.
حالة من الجدل يشهدها الشارع السوداني في ظل تقارير تتحدث عن نية طرفا الصراع تشكيل حكومة مستقلة وهو ما يثير المخاوف من تكرار السيناريو الليبي في البلد الذى يشهد مواجهات عسكرية منذ قرابة 6 أشهر بين قيادة الجيش برئاسة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع التابعة لنائب رئيس مجلس السيادة السابق محمد حمدان دقلو الشهير بـ حميدتي.
وتبدو الحاجة ملحة لتطبيق الفيدرالية في السودان حيث يخشي البعض من تعرض السودان لخطر التقسيم خاصة بعد تلويح قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو حميدتي بتكوين سلطة موازية عاصمتها الخرطوم، في حال إقدام رئيس مجلس السيادة، قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، على تكوين حكومة في مدينة بورتسودان شرق البلاد.
ويعتبر سيناريو الحكومتين حال تطبيقه شبيه الصلة بما تشهده ليبيا التي يوجد بها حكومة مدعومة من البرلمان في الشرق، وأخري في طرابلس العاصمة، فضلا عن وجود أجهزة أمنية وميليشيات بكل منطقة، وشهدت ليبيا خلال السنوات أكثر من صراع عسكري بين الفرقاء والجماعات الليبية المسلحة انتهي بهم الأمر لتقسيم غير معلن.
وبحسب مراقبون فإن الوضع في السودان أخطر من ليبيا وفرص التقسيم حال وجود حكومتين كبيرة خاصة مع التنوع العرقي والقبلي الموجود بالسودان.سيناريو وارد
وتري د.فريدة البنداري نائب رئيس المركز العراقي للدراسات الأفريقية أن تكرار السيناريو الليبي في السودان أمر وارد خاصة أنه مع اندلاع القتال، قام الجانبان بتقسيم العاصمة، و لقي مئات المدنيين حتفهم في القتال، وفر أكثر من 700 ألف آخرين من منازلهم.
وقالت لوكالتنا “ما يرجح سيناريو لبيبا في السودان أن الجانبان متساويان بشكل كبير، فعلي الجانب العسكري استولت قوات الدعم السريع مؤخرًا على القاعدة العسكرية في مروي بشمال السودان، بينما دمرت القوات المسلحة السودانية موقعًا لإعادة الإمداد لقوات الدعم السريع في شمال غرب السودان، وبعد أيام فقط من استلام قوات الدعم السريع شحنة أسلحة من مجموعة فاجنر الروسية عبر قاعدتها في جنوب ليبيا، هاجمت القوات المسلحة السودانية قاعدة عمليات حميدتي في دارفور.
وأشارت خبيرة الشؤون الأفريقية إلي أنه “مع وجود قوات قتالية متساوية، يمكن أن يكون السودان مستعدًا لفترة طويلة من القتال”.
وتابعت : “من الناحية المالية، فإن الجانبين أيضًا متكافئان بشكل جيد.، حيث يستفيد حميدتي وقوات الدعم السريع من الثروة الهائلة التي جمعها الجنرال من عمليات تعدين الذهب التي يسيطر عليها هو وعائلته في دارفور. في حين يستفيد البرهان والقوات المسلحة السودانية من شبكة واسعة من الشركات والزراعة وإنتاج النفط إلى تصنيع الأسلحة – التي تغذي الإيرادات إلى الجيش”.
على جانب الدعم الدولي، تري د.فريدة أنه “رغم تواصل الضغط متعدد الجنسيات على الجانبين لوقف القتال، فقد بدأ بعض اللاعبين الإقليميين في الاصطفاف خلف الجنرالين المتنافسين، حيث أعربت الجارة الأقرب للسودان مصر عن دعمها للبرهان والقوات المسلحة السودانية، وكذلك فعلت الجامعة العربية، في حين تلقى حميدتي أسلحة من المشير الليبي خليفة حفتر ومجموعة فاجنر الروسية” .
خطر التقسيم
وتعتقد الباحثة أنه “يمكن لهذه الاستراتيجية في نهاية المطاف أن تخلق سيناريو تنقسم فيه البلاد على أسس عرقية بناءً على ولائها لقوات الدعم السريع أو القوات المسلحة السودانية، ويكون ذلك تكرار للنموذج والسيناريو الليبي”.
وبحسب نائب المركز العراقي للدراسات الأفريقية فإنه خلال العقود الخمسة الأخيرة توصلت الدراسات الأفريقية والغربية والعربية إلى نتيجة مفاداها ان الدول الأفريقية لم تنجح في إدارة أي تعددية ـ بل أثبتت الدول الافريقية سوء إدارة التعددية السياسية والعرقية وتنامي الروح الانفصالية بين المكون الوطني، لافتة إلي نموذج جنوب السودان والذى بعد سنوات وسنوات من المفاوضات والاقتتال والحروب الاهلية لم يحل إلا بالانفصال، وكانت دارفور على وشك الدخول في عملية الانفصال لولا ثورة ديسمبر 2018 التي انتجت الان ” حرب الجنرالات ” .
سيناريوهات المستقبل
وتري د.فريدة أن “انزلاق السودان السريع إلى الصراع المميت وانقسام الحكومة بشكل عرقي هو نكسة رهيبة، كانت نتيجة سوء إدارة التسوية السياسية لعدة عقود، مشددة على أنه لابد الاعتراف بأن الوسائل العسكرية لن تحل الأسباب الجذرية للصراع المستمر من عقود بالسودان”.
وحذرت من أنه “ما لم تتدارك النخبة السودانية واقعها اليوم الأليم بالتنازلات الكبرى والبدء بالاعترافات الجريئة والتسامي والتجاوز فوق (الشجون الصغرى) فإن سيناريو انفصال الجنوب لن يكون بعيدا مرة أخرى في السودان وسنري انقسامات عديدة في العاصمة رمز سلطة الدولة ، وهذا فيه تنفيذ لتهديد قديم ظلت تردده الحركات المتمردة في الأطراف بأن (الحرب المقبلة ستكون في الخرطوم).
وحول مستقبل السودان، تري خبيرة الشؤون الأفريقية أنه ” في ظل معطيات المشهد الحالي ، فإن مستقبل السودان سيكون بين سيناريوهين أسوء من بعض أولهم هو استمرار الاقتتال والحرب والانتقال الى “حرب الولايات ” و استمرار الحرب لفترة أطول تحمل تعقيدات كبيرة قد تؤدي إلى انهيار الدولة وربما سمة حروب الالفية الثالثة هي الاستمرارية دون منتصر ومنهزم” .
والسيناريو الثاني بحسب فريدة “هو التقسيم، خاصة وأنه تحقق في انفصال جنوب السودان عام 2011 بعد حرب استمرت عشرين عاما مع الشمال، لافتة إلي أنه ما يزيد من احتمالية هذا السيناريو هو وجود حركات مسلحة تسيطر على أراضٍ واسعة، مثل “الحركة الشعبية” التي تقاتل في جنوب كردفان (جنوب) والنيل الأزرق (جنوب شرق)، وحركة “تحرير السودان” بقيادة عبد الواحد محمد نور، التي تقاتل في دارفور منذ 2003.”
حميدتي والحرية والتغيير
من جانبه، يري الناشط السياسي السوداني محمد حنين أن خطاب رئيس مجلس السيادة في الأمم المتحدة كان ممتازاً، وطالب فيه تصنيف قوات الدعم السريع كمنظمة إرهابية.
وأشار إلي أنه قبل خطاب البرهان بساعة شهدنا تسجيلاً لحميدتي خاطب فيه الأمم المتحدة- التي لم تقدم له دعوه- كحادثة غريبة تحدث لأول مرة.
وبحسب الناشط فإن خطاب حميدتي الذى طرح فيه فكرة الفيدرالية كحل للأزمة السودانية، تظهر فيه لغة أحزاب الحرية والتغيير، فهم من بشروا بهذه البنود قبل مدة، بل هم نفسهم هددوا بأن تكوين حكومة في بورتسودان سيجعل حميدتي يكون حكومة أخرى في الخرطوم مما يظهر حجم التنسيق بينهما.
ويعتقد أن حديث حميدتي الذي هدد فيه بتكوين حكومة في المناطق التي تخضع لسيطرته هو محض وهم وتهديد للضغط على الجيش للرجوع للتفاوض، فقواته لا تسيطر على أي مدينة سيطرة كاملة، مناطق الصراع التي تتواجد بها قواته توجد بها حاميات للجيش وتعتبر مناطق حرب وهي شبه خالية من المواطنين كما ان حميدتي شعبيا مرفوض بعد الإنتهاكات التي قامت بها قواته، ف الحديث عن تكوين حكومة الغرض منها الضغط سياسيا على الجيش كما ذكرت.
وأشار إلي أنه بعد زيارات البرهان التي أختتمها بنيويورك، وبالمتابعة لسير العمليات العسكرية التي تسارعت وتيرتها وأمتلاك الجيش مؤخرا لأسلحة نوعية، ينبى بأن الحرب في خواتيمها.
مخطط الفلول
بدوره يري عثمان عبد الرحيم الناطق الرسمي بإسم حركة تمازج السودانية أن تعدد الحكومات لا يعتبر مدخل لحل الأزمة بحسب رؤيتنا الشخصية فهي وسيلة لتفكيك البلاد و هذا مخطط الفلول.
وقال ” قوات الدعم السريع لم تبادر بهذا الخيار لكنها وضعت خيارات و نحن نساندها في رؤيتها ففي حال اتجه الفلول في تشكيل حكومة في شرق السودان كما يدعون فلابد من تشكيل أخرى في الخرطوم و هي المنوط بها حفظ الأمن.
وأشار إلي أنه رغم حدة الاشتباكات في الخرطوم الدعم السريع لا يزال يقدم الخدمات الإنسانية للمواطنيين عبر لجان ميدانية فهذا دليل على أن الدعم السريع تؤسس لدولة خدمية و ليست دولة ذات طابع أيديولوجي يخدم فئة محدد و يهمل الأخرى.
وشدد الناطق بإسم حركة تمازج على أن قوات الدعم السريع أحرص على وحدة السودان لكن مخططات الفلول حالت دون ذلك لكن دحرهم أصبح ضرورة حتمية.
تحليل تكتبه/ روهيف عبدومع إعلان محمد بن سلمان ولي العهد السعودي ورئيس الوزراء والملك المحتمل أثناء وجوده في أمريكا في اجتماعات الأمم المتحدة وفي لقاء تلفزيوني عن قرب الاتفاق مع إسرائيل، تزايدت النقاشات والتحليلات التي تتناول التغيرات المحتملة في المنطقة إذا تم الاعلان عن تطبيع العلاقات بين السعودية واسرائيل، وخاصة إن اعلان محمد بن سلمان جاء بعد الاتفاق الإيراني السعودي بالرعاية الصينية، والأحاديث التي كانت تقول عن ابتعاد السعودية عن أمريكا وتقربها من الصين وروسيا، ولكن الظاهر أن غالبية التحليلات العاطفية والأيدولوجية القومية لم تكن صحيحة حيث أن أمريكا مازالت تتواجد في الشرق الأوسط ولها مخططات كبيرة فيها، ولعل إعلان ممر الطاقة والتكنولوجيا من الهند إلى أوروبا عبر دول الخليج وإسرائيل من دون أن تمر من إيران وتركيا، كانت علامة على تغيير استراتيجي في النظام الإقليمي.
النظام العالمي
ونعتقد أنه إذا تم الإعلان عن اتفاقية أبرهام أو إبراهيم بين السعودية وإسرائيل سيكون النظام الإقليمي بدء بالتشكل حول أهداف النظام الرأسمالي العالمي مرة أخرى لما يخدم نظام الهيمنة العالمي، مع أنه يمكن أن يفتح مجالات قد تستفيد منها الشعوب والمجتمعات المناضلة أيضاً كالشعب الكردي، حيث أن الأهمية الاستراتيجية لتركيا وإيران لن تبقى كالسابق بالنسبة للمنظومة العالمية ومن ضمنها اليهودية العالمية.
١. العلاقات بين السعودية وإسرائيل تمتاز بالتعقيد وقد مرت بمراحل متنوعة منذ تأسيس إسرائيل في عام 1948 وحتى الوقت الحاضر. وفيما يلي نظرة عامة على تاريخ العلاقات بين البلدين:
الفترة التاريخية الأولى (1948-1967): خلال هذه الفترة، رفضت السعودية بشدة وجود إسرائيل كدولة معترف بها وأقامت علاقات رسمية مع الدول العربية التي قادت النزاع ضد إسرائيل، ومنها تأخر تشكيل اللجنة السعودية لدعم فلسطين التي تكونت في عام 1953.
حرب الأيام الستة (1967): بعد الهزيمة العربية في حرب الأيام الستة، أصبح هناك تحول في موقف السعودية تجاه إسرائيل، وبدأت تشعر بالقلق من تمدد النفوذ الإيراني والتهديد العراقي.
الفترة الممتدة من عام 1967 حتى حرب أكتوبر (1973): خلال هذه الفترة وجدت هناك توترات أحيانًا وتعاون أحيانًا أخرى بين البلدين. وقد تم إقامة جهات اتصال غير رسمية بين المسؤولين السعوديين والإسرائيليين.
حرب أكتوبر (1973): خلال الحرب، قادت السعودية المقاطعة العربية لإسرائيل وسحبت شركات النفط الخاصة السعودية من السوق العالمية، لكن بعد الحرب بدأ اتخاذ إجراءات لتخفيف حدة المقاطعة.
الفترة بين حرب أكتوبر واتفاقية أوسلو (1993): قللت السعودية قوة مقاطعتها لإسرائيل واستمرت في القيام بلقاءات غير رسمية مع مسؤولين إسرائيليين، وكذلك حضور المنتدى الاقتصادي العربي في شرم الشيخ في عام ١٩٨٣.
اتفاقية أوسلو (1993): بعد التوقيع على اتفاقية أوسلو، شعرت السعودية بالقلق من أن تعقبها الدول العربية الأخرى وابتعدت عن العلاقات الرسمية مع إسرائيل.
في السنوات الأخيرة، شهدنا تحسنًا في العلاقات السعودية الإسرائيلية، فقد قام مسؤولون سعوديون بتصريحات إيجابية تجاه إسرائيل في إطار محاولات لتعزيز التعاون في مجالات الأمن والاستخبارات والاقتصاد، وكذلك تقارير تؤكد على اجتماعات سرية بين مسؤولين سعوديين وإسرائيليين في بلدان ثالثة.
تطبيع غير معلن
٢. العلاقات الغير الرسمية بين المسؤولين السعوديين والإسرائيليين، وذلك بسبب طبيعة سرية هذه الاتصالات والزيارات. ومع ذلك، هناك بعض الأنباء التي تشير إلى حدوث اتصالات غير رسمية بين مسؤولي البلدين.
وفيما يلي بعض الأمثلة:
لقاءات سرية في الخارج: يتم التكهن بأنه تمت إجراء لقاءات غير رسمية بين مسؤولين سعوديين وإسرائيليين في بعض الدول الأجنبية، مثل الولايات المتحدة ومصر والأردن. ولكن تلك التقارير لم تتأكد ولم تكن هناك تأكيدات رسمية.
الاتصالات الاستخباراتية: يُفترض أن هناك تبادلات محدودة للمعلومات بين أجهزة الاستخبارات السعودية والإسرائيلية بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك، مثل الأمن الإقليمي ومكافحة الإرهاب.
المشاركة في منتديات ومؤتمرات دولية: كحدوث لقاءات غير رسمية بين المسؤولين السعوديين والإسرائيليين خلال مشاركتهم في منتديات ومؤتمرات دولية، مثل الاجتماعات السرية لمُديري الاستخبارات أو الاجتماعات الأمنية.
مع ذلك، يتم تغطية هذه اللقاءات الغير الرسمية بسرية مطلقة، وعادة ما يتم التكتم على تفاصيلها من قبل الجانبين. من الصعب الحصول على معلومات محددة حول طبيعة الاتصالات الغير الرسمية بين المسؤولين السعوديين والإسرائيليين ومحتواها الفعلي.
٣. العلاقات الاقتصادية، لا توجد علاقات اقتصادية رسمية بين السعودية وإسرائيل. لكن هناك بعض العلامات على وجود تعاون غير رسمي في بعض المجالات. وهذه بعض الأمثلة:
التجارة السرية: هناك تكهُنات بوجود التجارة السرية بين السعودية وإسرائيل بشكل غير رسمي عبر طرق غير مباشرة، مثل إجراء الصفقات التجارية عبر طرف ثالث.
تعاون الطاقة: قد تكون هناك تبادلات غير رسمية بين السعودية وإسرائيل في مجال الطاقة. مثلا، تم إشاعة أن السعودية ربما تقوم بتصدير النفط إلى إسرائيل عن طريق دول أخرى.
التكنولوجيا والابتكار: هناك تقارير تشير إلى وجود اهتمام متزايد من قِبل الشركات والمستثمرين السعوديين في الاستثمار في شركات التكنولوجيا الإسرائيلية في مجالات مثل التقنيات الزراعية والصحية والتكنولوجيا النظيفة.
مع ذلك، يجب الإشارة إلى أن هذه التعاون والتبادلات لا تكون رسمية، وتسير في سرية تامة بسبب الطبيعة الحساسة للعلاقات بين البلدين.
٤. على الرغم من عدم وجود علاقات رسمية بين السعودية وإسرائيل، إلا أنه من المعروف أن هناك مصالح أمنية مشتركة بين البلدين. مثل:
مكافحة الإرهاب والجماعات المتطرفة: السعودية وإسرائيل تعانيان من تهديدات الإرهاب المشتركة مثل تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وتتعاون الدولتان على نحو محدود في مجال مشاركة المعلومات والتعاون في مكافحة التهديدات الأمنية.
الصواريخ البالستية والتهديدات الإيرانية: تهديدات إيرانية مشتركة تعتبرها السعودية وإسرائيل استهدافاً لأمنهما الوطني. يشترك البلدان في القلق إزاء برنامج الصواريخ البالستية الإيرانية ونشاطها الإقليمي.
الاستقرار في المنطقة العربية: السعودية وإسرائيل تشتركان في أهداف استقرار المنطقة العربية والحفاظ على الأمن والسلام في المنطقة، على الرغم من الاحتجاجات العامة ضد تواجد إسرائيل في المنطقة.
وهذه المصالح الأمنية المشتركة تحدث خلف الكواليس، وليست هناك تعاون رسمي أو اتصالات علنية بين السعودية وإسرائيل بشأن تلك المسائل.
٥. تأثرت العلاقات بين السعودية وإسرائيل بأحداث وتغيرات إقليمية عدة، ومن بينها:
الربيع العربي: خلال فترة الثورات العربية في عام 2011، قاد الأمير السعودي السابق بندر بن سلطان مساعي لتحسين العلاقات بين السعودية وإسرائيل، وذلك كوسيلة لمواجهة الأنظمة الإسلامية الراديكالية التي قد تخرج من تلك الثورات.
أزمة إيران: تمثل إيران التهديد الرئيسي للمنطقة، حيث يشعر كلا من السعودية وإسرائيل بأن إيران تريد الهيمنة على المنطقة. تم التعاون بين السعودية وإسرائيل لمواجهة هذا التهديد، حيث تم الاتفاق على مشاركة المعلومات المخابراتية وتطوير العلاقات الثنائية في مجالات عدة، بما في ذلك التجارة والتكنولوجيا.
اتفاقية أبراهام: ساهمت اتفاقية أبراهام في اعادة تأكيد التزام المملكة العربية السعودية التام بالقضية الفلسطينية، مع تعزيز فرص التعاون السياسي والاقتصادي مع إسرائيل.
تحسين العلاقات الأمريكية: تنشط العلاقات الأمريكية السعودية وإسرائيلية، مما يساعد على تعزيز العلاقات بين البلدين، حيث يؤكد كلا البلدين التزامهما الكامل بالتحالف الإستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية.
٦. تعتبر العوامل الداخلية التي تؤثر على سياسة السعودية تجاه إسرائيل متنوعة ومعقدة. ومن بين هذه العوامل:
قضية الفلسطينيين: تتمسك السعودية بحقوق الفلسطينيين وبتحقيق السلام العادل والشامل في الشرق الأوسط. لذلك، فإن أي تحسن في العلاقات السعودية-الإسرائيلية يجب أن يكون مرتبطًا بتقدم حقوق الفلسطينيين وإقامة دولتهم المستقلة.
الرأي العام العربي: يلعب الرأي العام العربي دورًا هامًا في تشكيل سياسة السعودية تجاه إسرائيل. حيث توجد رغبة عامة في العالم العربي في رؤية القضية الفلسطينية محل الاهتمام الرئيسي، وتحقيق العدالة للفلسطينيين قبل تطبيع العلاقات مع إسرائيل. لذلك، فإن أي تحرك من جانب السعودية نحو إسرائيل يتطلب التوافق مع آراء الرأي العام العربي.
العامل الديني والثقافي: يعتبر الدين والثقافة الإسلامية جزءًا أساسيًا من الهوية السعودية، وتتمسك السعودية بموقفها الديني تجاه إسرائيل، حيث لا يعترف المملكة العربية السعودية رسميًا بإسرائيل.
ومع ذلك، تحاول السعودية مواجهة هذه العوامل من خلال تأكيد التزامها بحقوق الفلسطينيين وتعزيز السبل الديبلوماسية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، من خلال مشاركتها في مبادرات السلام الإقليمية والدولية.
تحديات مستقبلية
٧. هناك عدة تحديات مستقبلية قد تؤثر على العلاقات السعودية الإسرائيلية، بما في ذلك:
الدبلوماسية العامة: قد يواجه السعوديون تحديًا في تمكين سوريا من الدبلوماسية العامة. قد يكون الوضع السياسي المعقد، وخاصة في ظل تواجد روسي قوي في سوريا والتوترات المتكررة مع قوات النظام السوري، سيئ السمعة في الشرق الأوسط وعلى الصعيد الدولي، عوامل تجعل من الصعب تقديم تنازلات سياسية.
السمعة العربية: يمكن أن تأثر السمعة العربية على العلاقات السعودية الإسرائيلية. في حالة حدوث تحسن في العلاقات بين السعودية وإسرائيل، قد يواجه السعوديون احتمالًا بأن يكون هناك تأثير سلبي على سمعتهم في العالم العربي. تُعتبر الانتقادات والضغوط العربية جزءًا من التحدي الذي يمكن أن يواجهونه في هذا الصدد.
الحل النهائي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي: قبل التقدم في تحسين العلاقات السعودية-الإسرائيلية، قد يحدث استدراجًا من السعودية للمشاركة في أي مساعي لإحلال السلام النهائية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. لذلك، يمكن اعتبار وضع الفلسطينيين وإعطائهم حقوقهم المشروعة وإقامة دولتهم المستقلة، عاملًا يؤثر على العلاقات بين السعودية وإسرائيل، ولكن حسب الموجود حاليا نعتقد أن القضية الفلسطينية سيتم تأجيل حلها مع التأكيد على أهمية الحل، وليس كما السابق وهو إيجاد حل قبل التطبيع بين السعودية وإسرائيل.
تتطلب تلك التحديات أن تتبنى السعودية سياسة دبلوماسية حكيمة تجاه إسرائيل، تواجه التحديات وتتعامل مع المصالح الأمنية والاقتصادية في الإقليم.
تأثيرات متوقعة
٨. تأثير العلاقات السعودية الإسرائيلية على المنطقة العربية بشكل عام يمكن أن يكون إيجابيًا أو سلبيًا، حسب طبيعة تلك العلاقات والظروف التي تتم فيها. وفيما يلي بعض الآثار المحتملة لهذه العلاقات:
١- تأثير إيجابي على جهود السلام والتعاون العربي: إذا كانت العلاقات السعودية الإسرائيلية مبنية على أساس التعاون والتفاهم، فإن ذلك يمكن أن يساعد على تعزيز الجهود العربية المبذولة في سبيل تحقيق السلام والتعاون في المنطقة. وهذا يمكن أن يشمل جامعة الدول العربية، والتحالفات العسكرية، واللجان الاقتصادية، وغيرها من المبادرات.
٢- تأثير سلبي على جهود السلام والتعاون العربي: إذا كانت العلاقات السعودية الإسرائيلية تتعارض مع المواقف والمصالح العربية، فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى تقويض جهود السلام والتعاون المبذولة في المنطقة. ويمكن أن يشمل ذلك الإضرار بالشراكات الدبلوماسية، وزحزحة الأطراف المعتدلة في المنطقة، وتعزيز التوترات والصراعات.
٣- تأثير استراتيجي على موازين القوى في المنطقة: تمثل العلاقات السعودية الإسرائيلية نوعًا من تحولات موازين القوى في المنطقة، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تغيير الطريقة التي ينظر إليها الجمهور العربي إلى السعودية. كما يمكن أن يعثر ذلك على الدول الأخرى في المنطقة، ويؤثر على التحالفات الإقليمية والدولية.
٤- تأثير اقتصادي على المنطقة: قد يساعد تطوير العلاقات السعودية الإسرائيلية في تعزيز التعاون الاقتصادي، وتسهيل التجارة والاستثمار بين الدول. وهذا يمكن أن يحسن الاستقرار الاقتصادي ويخفض المستويات العامة للفقر والبطالة.
٩. تعتبر التحولات الجيوسياسية الحديثة، مثل اتفاقات التطبيع الموقعة بين إسرائيل وبعض الدول العربية، من الأحداث التي يمكن أن تؤثر على العلاقات السعودية الإسرائيلية بطرق عدة، ومنها:
تعزيز التعاون الإقليمي: قد يساعد تطبيع العلاقات بين إسرائيل وبعض الدول العربية في تحسين التعاون الإقليمي في مجالات مثل الأمن والاقتصاد والتجارة. وهذا يمكن أن يؤدي إلى تعزيز العلاقات السعودية الإسرائيلية عندما تتم هذه الاتفاقيات بدعم من السعودية، مع التأكيد أن هناك تحديات.
تحدي السعودية الإسرائيلية: قد يشعر بعض المسؤولين السعوديين بالقلق من الاتفاقات التي يتم توقيعها بين إسرائيل والدول العربية، خاصة إذا كان هذا الاتفاق يتم في إطار يتعارض مع مواقف السعودية. وقد يؤدي هذا إلى تحدي العلاقات السعودية الإسرائيلية.
الضغوط الداخلية: قد تواجه السعودية ضغوطًا داخلية من أنصارها وغيرهم لعدم إبرام اتفاقيات مع إسرائيل، خاصة في ظل التطورات المحيطة بها. وربما يعتبر البعض التطبيع مع إسرائيل إزاء التهديدات التي تواجهها المنطقة بأن يكون ذلك اختياراً مأساوياً.
طريق الحرير
لابد لنا من الاشارة الى المشروع التي اطلقته السعودية لتدشين خط حرير للتنمية مع الصين، اي طريق الحرير الجديد، و هو مشروع ضخم يهدف إلى ربط بين آسيا وأوروبا عبر توسيع الطرق التجارية والصناعية واللوجستية. وقد تم إطلاق هذا المشروع بشكل رسمي من قبل الصين في عام 2013، وتم تسليط الضوء عليه كواحد من أكبر مشاريع البنية التحتية في العالم.
إن تأثير طريق الحرير الجديد على العلاقات السعودية الإسرائيلية قد يكون إيجابيًا بشكل عام، حيث يمكن للمشروع أن يعزز التبادل التجاري والاقتصادي بين الدول المعنية، وبالتالي تحسين العلاقات بينها. وبالنسبة للسعودية وإسرائيل، فإن هذا المشروع يمكن أن يعزز التعاون الاقتصادي بينهما، وتسهيل التجارة بين البلدين.
ومع ذلك، يجب مراعاة أيضًا العوامل السياسية والجيوسياسية التي تؤثر على العلاقات بين الدول المعنية، والتي قد تمنع تحقيق الفوائد المتوقعة من هذا المشروع. ومن المهم تذكر أيضًا أن هذا المشروع يواجه تحديات في التنفيذ وقد يستغرق وقتًا طويلاً لتحقيق جميع الأهداف المرجوة.
من الجدير بالذكر أن أي تطور في العلاقات بين السعودية وإسرائيل يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الشعوب العربية والمسلمة عمومًا، وخاصة الفلسطينيين، الذين يعتبرون القضية الفلسطينية مسألة أساسية وحقيقية.
من الواضح أيضًا أن العلاقات بين السعودية وإسرائيل يمكن أن تتأثر بتوترات وتحركات الأطراف الإقليمية الأخرى، مثل إيران وتطرّفها المزمن في المنطقة. إذا كانت السعودية وإسرائيل تشتركان في مصالح مشتركة لم يكن لديهما الجرأة على التعبير عنها علنًا، فقد يتعاونان على نحو أكبر في المجالات الأمنية والسياسية والاقتصادية، بشكل يعزز الاستقرار في الشرق الأوسط.
ومن المهم أن نلاحظ أن أي تطور في العلاقات بين السعودية وإسرائيل يعتبر أمرًا محتملًا لكنه يتطلب عوامل عديدة لحدوثه. ويمكن أن تؤثر المصالح الاقتصادية والتغيرات الجيوسياسية والتسوية الفلسطينية في التطور المستقبلي لهذه العلاقات.
لا يمكننا التنبؤ بدقة تأثير هذا التطور على تركيا أو أي دولة أخرى، ولكن هذا التطور له تأثير على تركيا، فقد يعتمد ذلك على عديد من العوامل، بما في ذلك العلاقات الحالية بين تركيا والسعودية وتركيا وإسرائيل، فضلاً عن تأثير الدينامكيات السياسية والاقتصادية في المنطقة. قد يكون لهذا التطور تأثير سلبي على تركيا إذا أدى إلى زعزعة توازن القوى في المنطقة أو تقويض المصالح التركية الاقتصادية أو السياسية. ومع ذلك، لا يمكن الجزم بالتأثير المحدد حتى يحدث هذا التطور ونرى تفاصيله وتأثيره بشكل ملموس، ولكن نعتقد أن تركيا ستفقد وزنها الإقليمي وأهميتها الى حد ما بحدوث اتفاق بين السعودية وإسرائيل.
في السنوات القادمة، يتوقع أن تتغير الديناميات الإقليمية والعالمية، مما قد يؤثر بشكل كبير على علاقات السعودية وإسرائيل. من الصعب توقع طبيعة هذه التغيرات ونتائجها بشكل محدد، ولكن يرجح أن العلاقات بين البلدين ستستمر في التطور بشكل تدريجي وغير مباشر، وربما تأتي بمفاجآت سياسية في المستقبل.
الخلاصة
بالمجمل نعتقد أن المشهد الإقليمي سيتغير مع اتفاق السعودية واسرائيل الذي نتوقع أن يتم الإعلان عنها في فترة ليست بعيدها ربما في غضون ثلاثة أشهر أو أربعة، ولاشك فإن بايدن سيعتبر هذا الاتفاق كأهم منجز وورقة يستخدمها في الانتخابات الرئاسية القادمة، ولكننا نعتقد أيضاً أن هذا الاتفاق هو جزء من مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد الذي سيوسع هيمنة إسرائيل مقابل إضعاف القوى الإقليمية الأخرى، ربما ستكون السعودية الدولة العربية الأكثر فعالية في السنوات القادمة، ولكن بعقلية أمريكية وإسرائيلية وليس عربية أو شرق أوسطية، وطالما ليس هناك عقلية أو ذهنية جديدة ومجتمعية أو تشاركية، فإن شعوب المنطقة ستظل تعاني من المشاكل، لأن أولية هذه المشاريع ليست الشعوب بل خدمة أنظمة الهيمنة الإقليمية والدولية. ولكن مجرد الذهاب إلى اتفاق والبحث عن التصالح ربما سيمهد الأرضية لثقافة التحاور والتصالح ولكن يمكن أيضاً أن يساهم في حروب عسكرية إذا شعرت إيران أن هذا الاتفاق يستهدفها وسيخلق ظروف إقليمية ضاغطة عليها، أما الشعب الكردي فإننا مازلنا نحاول فهم تأثير هذا الاتفاق علينا والذي نعتقد مبدئيا أنه يتضمن وجهين أو احتمالين، حيث أن الشرق الأوسط الكبير وفق للكثيرين يتضمن كيان كردي ولكن ليس بيد القوى الديمقراطية والحرية الكردستانية ولكن بيد التابعين والخونة، إن استطاعت قوى العمالة الكردية أن تخلق قوة لنفسها تفتقدها الآن أمام قوى الحرية والديمقراطية التي أصبحت بعد الحرب على داعش أهم فاعل في الشرق الأوسط وله محبة وجاذبية حتى من قوى الهيمنة العالمية.
تغيرات دراماتيكية تشهدها منطقة الساحل الأفريقي منذ انقلاب النيجر أواخر يوليو/ تموز الماضي الذى قوبل باهتمام دولي غير مسبوق مع التهديد بالتدخل العسكري لإعادة النظام السابق.
ومع تمسك قادة الانقلاب بالنيجر برفض الضغوط الدولية والأفريقية التي تقودها فرنسا لاعادة نظام بازوم الموالي لباريس، وإعلانهم طرد السفير الفرنسي من نيامي، فضلا عن وقف أشكال التعاون الاقتصادي والعسكري مع فرنسا تلقوا دعم ومساندة سياسية وعسكرية من بوركينا فاسو ومالي حيث رفضت الدولتان تهديدات ايكواس “المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ” للنيجر وأعلنتا وقوفهما بجانب حكام نيامي الجدد.
وأحدث انقلاب النيجر شرخا في علاقة الدول الثلاث بإيكواس، إذ تعهدت مالي وبوركينا فاسو بتقديم المساعدة للنيجر إذا تعرضت لأي هجوم خارجي، وذلك ردا على التهديد باستخدام القوة لاستعادة الحكم الدستوري في البلاد.
وجاء انقلاب الجابون أواخر أغسطس ليعزز من موقف قادة الانقلاب في النيجر، ويوجه صفعة جديدة لدعاة التدخل العسكري، وحلفاء فرنسا في إفريقيا خاصة مع تصاعد موجة العداء لباريس داخل إفريقيا وبالتحديد منطقة الساحل التي شهدت 5 انقلابات عسكرية ضد أنظمة موالية لباريس.تحالف دول الساحل
وجاء الإعلان عن توقيع اتفاق التعاون العسكري بين دول الساحل الذى تم توقيعه السبت 16 أيلول بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو والذى ينص على مساعدة الدول الثلاث بعضها بعضا إذا تعرض أي منها لتمرد داخلي أو عدوان خارجي ليعزز من قوة ونفوذ ما يمكن وصفه تحالف مناهضي فرنسا بإفريقيا خاصة أنه يجمع 3 دول انقلبت جيوشها ضد أنظمة كانت توصف بالولاء لباريس.
وبحسب وسائل إعلام، فقد جاء في ميثاق الاتفاق الذي وقعته الدول الثلاث وأطلقت عليه اسم “تحالف دول الساحل” أن الاتفاق يرمي إلى إنشاء هيكل للدفاع المشترك والدعم المتبادل بين الأطراف الموقعة عليه، كما ينص على أن “أي اعتداء على سيادة ووحدة أراضي طرف متعاقد أو أكثر يعتبر عدوانا على الأطراف الأخرى يستوجب تقديم المساعدة، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة لاستعادة الأمن وضمانه”.
ويعتقد مراقبون أن التحالف الجديد قد يغير من خارطة التحالفات بالغرب الأفريقي ويفتح الباب لتشكيل تكتلات جديدة تتوافق مع التغيرات التي تشهدها المنطقة خصوصا وإفريقيا بشكل عام.
دور روسي
ويري محفوظ ولد السالك الباحث الموريتاني في الشؤون الأفريقية أن “الدول الثلاث المؤسسة للتحالف تشترك في أنها محكومة من طرف أنظمة عسكرية وصلت السلطة عن طريق انقلابات، كما أنها مناهضة لفرنسا، ولا تريد بقاءها على أراضيها، فضلا عن أنها تواجه ذات التحديات الأمنية ممثلة في الهجمات المستمرة للجماعات المسلحة، بل والتهديد الذي تشكله تلك الجماعات لبقاء الأنظمة الحاكمة”.
وقال لوكالتنا “من هذا المنطلق آثرت هذه البلدان تشكيل إطار يوحدها، تسعى من خلاله لتعزيز التعاون على الصعيدين الاقتصادي والأمني”.
وبحسب الباحث فإن “أثار وقوف روسيا خلف هذا التحالف تبدو واضحة، حيث إن نائب وزير خارجيتها زار بوركينا فاسو ومالي، قبل إعلان ميلاد التحالف، والتقى وزير دفاع النيجر في باماكو، لافتا إلي أنه من المعروف أن الدول الثلاث قريبة من روسيا، فمالي توجد بها عناصر من مجموعة فاغنر، وبوركينا فاسو وقعت اتفاقيات عسكرية مع موسكو، والنيجر طلبت نشر عناصر من فاغنر على أراضيها”.
وأشار ولد السالك إلي أن “التحالف الجديد موجه بالأساس لتحالف مجموعة الخمس في الساحل التي انسحبت منها مالي قبل أزيد من سنة، ذلك أن مجموعة الخمس ينظر إليها على أنها مدعومة من فرنسا، كما أنه تحالف في وجه المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “إيكواس” التي تفرض عقوبات اقتصادية على النيجر، ومن قبل فرضتها على مالي وبوركينا فاسو بسب الانقلابات العسكرية، والآن تلوح بالتدخل العسكري في نيامي”.
وحول مدي إمكانية أن يساهم التحالف الجديد في دعم وتشجيع الانقلابات بالمنطقة، أكد الباحث أن “هناك تساهل كبير إقليميا ودوليا مع الانقلابات، بدأ ذلك في مالي حين أطاح الجيش بالرئيس المدني المنتخب الراحل إبراهيم بوبكر كيتا، والتساهل مع هذا الانقلاب هو الذي جعل انقلابا آخر يحصل في بضعة أشهر بنفس البلاد، ثم توالت الانقلابات في بوركينا فاسو بمعدل انقلابين وفي غينيا كوناكري، ثم النيجر، والجابون، ولا يستبعد أن تضم القائمة دولا أخرى جديدة، ما دامت الإجراءات المتخذة لا ترقى لمستوى الجرم المتمثل في الاستيلاء على السلطة بالقوة”.
واقع جديد
ويري محمد تورشين الباحث السوداني في الشؤون الأفريقية أن “التحالف الجديد يأتي في سياق تأطير التعاون الذى سبق وأعلنته المجالس العسكرية الحاكمة في مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتحويل تحالفهم إلي واقع”.
وقال لوكالتنا ” التحالف الجديد يقضي بالتدخل عسكريا لحماية أى دولة من الثلاث في حالة مهاجمتها سواء من الايكواس أو أى دولة أخري”.
وتوقع تورشين أن “يجذب التحالف الجديد عدد كبير من القوي السياسية والمدنية بالدول الثلاث، كما قد تنخرط فيه دول جديدة تتشابه أوضاعها مع أوضاع الدول الموقعة عليه”.
وبحسب الباحث فإن “تأسيس هذا التحالف يجعل من احتمالية التدخل العسكري في النيجر سواء من قبل الايكواس أو فرنسا احتمالية ضعيفة ومستبعدة نظرا لأن إقدام أى جهة على خطوة التدخل العسكري سواء في النيجر أو غيرها من دول التحالف الجديد يضع المنطقة في حالة حرب مفتوحة تترك أثارها على الجميع ولن يتحملها أحد”.
وحول انعكاسات إعلان هذا التحالف على غرب إفريقيا، أكد الباحث إن “الوضع الأن تغير، وهذا التحالف سيدفع جميع القوي المتفاعلة في المنطقة سواء الايكواس أو فرنسا أو أمريكا وحتى القوي الاقليمية الأخري لمراجعة قرارتهم وتصوراتهم وسياساتهم تجاه المنطقة بشكل كبير”.
ولفت إلي “احتمالية أن يتم توسيع التحالف خلال الفترة المقبلة ليشمل دول وسط إفريقيا خاصة أن الخطوة تنال رضا الكثير من المجموعات العسكرية في إفريقيا، مشددا على أن هذه الخطوة ستقود منطقة الساحل وعموم إفريقيا لواقع جديد وترسم تصورات سياسية جديدة”.
مع تنامي ظاهرة الانقلابات العسكرية التي شهدتها العديد من دول القارة الأفريقية خلال الفترة الماضية، بدأت أصابع الاتهام تشير لدور روسي وراء الظاهرة التي تمددت كالنارفي الهشيم بخمسة دول إفريقية هى مالي وبوركينا فاسو وغينينا والنيجر والجابون خاصة مع وجود قوات فاغنر الروسية في معظم الدول التي شهدت إنقلابات، فهل حقا تقف موسكو المشغولة بالحرب في أوكرانيا وراء كل هذه الانقلابات أم إن هناك طرف أخر يهمه إضعاف باريس ووراثة مكانتها ؟
خلال العشر سنوات الأخيرة، شهدت القارة الإفريقية عشرات الانقلابات فضلا عن محاولات الانقلاب، وتحتل منطقة غرب القارة الصدارة التاريخية في هذه الأحداث، بنسبة 44.4% من إجمالي انقلابات العسكرية، وهو ما دفع إلى تسميتها بـ”حزام الانقلابات حيث شهدت خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ما يقدر بـ7 انقلابات على الأقلّ.
وشهدت الجابون في 28 أغسطس انقلاب عسكري أطاح بالرئيس علي بونجو الذى تحكم أسرته البلاد منذ أكثر من 50 سنة ويعتبر أحد حلفاء باريس بالساحل الأفريقي، وسبق الجابون بشهر واحد انقلاب بالنيجر في 28 يوليو/تموز الماضي، كما شهدت مالي انقلابين عسكريين، الأول في أغسطس/آب 2020 والثاني في مايو/أيار 2021. وفي بوركينا فاسو حدث انقلابان أيضاً عام 2022، وفي غينيا حدث انقلاب عسكري في سبتمبر/أيلول 2021. وفي العام نفسه قُتل الرئيس التشادي إدريس ديبي على يد متمردين.
اللافت للنظر فى إنقلابات إفريقيا أن الدول الخمس التي شهدت انقلابات كانت خاضعة يوما ما للاحتلال الفرنسي، وأنظمتها السياسية كانت حتى وقت قريب موالية لباريس بشكل كامل، وهو ما جعل فرنسا أكبر الخاسرين من تلك التطورات خاصة مع اعتمادها بشكل شبه كامل على الموارد الأفريقية في دعم الاقتصاد الفرنسي.
فرنسا وإفريقيا
ويكفي لمعرفة حجم الضرر الفرنسي من الانقلابات بإفريقيا أن نستشهد بمقولة للرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك قال فيها“ فرنسا دون إفريقيا ستنزلق إلى مرتبة دول العالم الثالث“، وهو تصريح يتفق بشكل كبير مع تصريح زعيم فرنسي سابق هو فرانسوا ميتران عام 1957، قبل أن يتقلد منصب الرئاسة قال فيه: “دون إفريقيا، فرنسا لن تملك أي تاريخ في القرن الواحد والعشرين”.
تصريحات شيراك ومن قبله ميتران تكشف ما تمثله إفريقيا من أهمية إستراتيجية لفرنسا، خاصة أن النيجر التي تعتبر أحد أفقر دول العالم توصف بأنها “البلد الذي يضيء شوارع باريس بينما يعيش أغلب سكانه في الظلام وبحسب تقارير فإن استغلال اليورانيوم في النيجر، ينير مصباحا من أصل كل 3 مصابيح في فرنسا، بينما في النيجر 80 بالمائة من السكان، لا يتحصلون على الإنارة الكهربائية”، فضلا عن كونها منتج رئيسي للذهب واليورانيوم، وهو ما يبرر الموقف الفرنسي من الانقلاب في نيامي ودعم باريس للرئيس المعزول محمد بازوم والضغط لإعادته للسلطة حفاظا على مصالحها التي يهددها الانقلاب خاصة بعد إعلان القادة الجدد طرد السفير الفرنسي وتعليق التعاون مع باريس وهو الموقف الذى تكرر فى أكثر من دولة شهدت إنقلاب عسكري ما يكشف حجم الغضب ضد السياسات الفرنسية في إفريقيا.
ففي مارس الماضي، أعلنت السلطات فى بوركينا فاسو وقف العمل بـ”اتفاق المساعدة العسكرية” الموقع عام 1961 مع فرنسا، بعد أسابيع من قرارها طرد القوات الفرنسية من البلاد، وفي 15 أغسطس/آب 2022، أعلنت فرنسا انسحاب آخر جنودها من مالي وسط احتفالات شعبية كبيرة.
التراجع الفرنسي الواضح في إفريقيا يقابله بالتوازي توسع روسي حيث تقدم موسكو نفسها كشريك في العلاقات مع الدول الأفريقية، ما ساعد على وجود تيار عريض من الشباب الأفارقة ينادون بالتخلص من الهيمنة الفرنسية لصالح العلاقات مع الدولة الشرقية، ويتبنى هؤلاء الشباب خطابات شديدة اللهجة ضد باريس، وينشرون شعارات مناهضة على وسائل التواصل الاجتماعي من قبيل: “أفريقيا بدون فرنسا أفضل” و”أفريقيا للأفارقة”.
براجماتية أمريكية
بعيدا عن التراجع الروسي والتمدد الروسي، يبقي الموقف الأمريكي مما تشهده القارة الإفريقية أكثر براجماتية وواقعية بصورة جعلته في مرمي الاتهامات الفرنسية، فرغم رفض واشنطن لما حدث في النيجر إلا أن التحرك العملي والتصريحات الأمريكية تؤكد أن هناك تباينا واضحا في الموقفين الأمريكي والفرنسي، ففي وقت تتصاعد فيه اللهجة الفرنسية ضد الانقلاب، نجد أن الأمريكيين أكثر هدوءا دون تهديد أو تلويح، لدرجة عدم تسمية ما حدث بـ “الانقلاب” حتى اللحظة، علاوة على تفضيل عدم التدخل العسكري، وضرورة العودة للحوار السياسي والدبلوماسي.
التمايز الأمريكي عن فرنسا كان واضحا في أزمة النيجر تحديداـ ففي الوقت الذى كانت باريس تحشد للتدخل العسكري وفرض حصار على القادة الجدد في نيامي كانت وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند، تجتمع قادة المجلس العسكري بالنيجر، ثم جاءت خطوة وصول السفيرة الأمريكية الجديدة لنيامي كاثلين فيتزغيبونس لتعمق الخلاف بين واشنطن وباريس.
وبحسب تقارير فإن موقف واشنطن نابع من رغبتها في الحفاظ على مصالحها في إفريقيا والإبتعاد عن باريس التي أصبح وجودها غير مرغوب فيه بالقارة بشكل كبير، وبالتالي لا تريد أمريكا أن تترك الساحة مفتوحة أمام روسيا لتحتل الفراغ الكبيرالذى ستتركه فرنسا خاصة أن تماهي واشنطن مع التوجه الفرنسي تجاه النيجر كان سيكلفها خسارة قواعدها العسكرية حيث تمتلك قاعدتين عسكريتين للطائرات من دون طيار في النيجر، واحدة منها تقع في منطقة أغاديز شمال البلاد، تقوم من خلالها بعمليات استطلاع شاملة للمنطقة، وتعتبر مركزاً مهماً للمعلومات، إضافة إلى وجود 1100 جندي أمريكي هناك.
كما سعت واشنطن من خلال هذا الموقف للمحافظة على مصالحها الاقتصادية في النيجر وعلى رأسها اليورانيوم والذهب وغيرها من المواد الخام المهمة جدا، فضلا عن ما تمثله النيجر من موقع استرتيجي يمثل لأمريكا رمانة الميزان في الساحل الأفريقي، حيث يحفظ لها وجودا عسكريا لمكافحة الإرهاب عن قرب، ويدرّ عليها مصالح اقتصادية، عبر الانتفاع من مناجم اليورانيوم.خلافات واشنطن وباريس
الموقف الأمريكي من النيجر زاد من الخلاف بين باريس وواشنطن وهو ما عبر عنه تصريح منسوب لأحد الدبلوماسيين الفرنسيين بقوله “إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية حليفة لك فلا تحتاج إلى عدو” وهو تعبير يكشف حجم الاستياء الفرنسي من واشنطن.
خلافات واشنطن وباريس حول النيجر ليست سوي حلقة من تاريخ كبير من الخلاف بين الحليفين، وباستحضار التاريخ ربما نجد أن الخلاف هو الأكثر حضورا بين البلدين، ففي أيلول سبتمبر 2021 استدعت فرنسا سفيريها بأمريكا وأستراليا على خلفية إلغاء الأخيرة صفقة غواصات كانت قد وقعتها مع شركة نافال الفرنسية واستبدالها بغواصات أمريكية، وذلك بالتزامن مع توقيع استراليا على الاتفاق المسمى بتحالف (AUKUS) الذي يضمها مع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.
وبحسب تقارير فرنسية فإن واشنطن لم تكتفي في ذلك الوقت بالتأثير على إستراليا لإلغاء صفقة الغواصات مع باريس بل إنها تجاهلت دعوة فرنسا للإنضمام للتحالف الجديد وهو ما اعتبرته الخارجية الفرنسية طعنة فى الظهر وفق بيان رسمي صدر عنها في 17أيلول 2021.
كما استغلت أمريكا الحرب الروسية الأوكرانية وأزمة الطاقة التي تعرضت لها أوروبا وباعت الغاز الطبيعي للاتحاد الأوروبي بأربعة أضعاف ثمنه ما أثار استياء القادة الأوربيين وفي مقدمتهم فرنسا .
خيبة الأمل الفرنسية من المواقف الأمريكية دفعت وزير الخارجية الفرنسي السابق جان إيف لودريان إلى وصفها بطعنة في الظهر، ولكن هذه الطعنة ربما يوجد لها مبرر في السياسة الأمريكية التي لا تنسي مواقف حلفاءها، ففي عام 2003 عارضت فرنسا بقوة الغزو الأمريكي – البريطاني للعراق ، وقادت الجهود الأوروبية لرفض منح الولايات المتحدة الأمريكية شرعية قانونية لشن هذه الحرب، ورغم أن ألمانيا وروسيا كانتا أيضاً من المعارضين للغزو، إلا أن كوندوليزا رايس مستشارة الأمن القومي في عهد الرئيس الأسبق جورج بوش الابن صرحت بأن الولايات المتحدة الأمريكية “ستسامح روسيا، وتتجاهل ألمانيا، وتعاقب فرنسا !
ويعكس تصريح رايس نظرة وطريقة تعامل واشنطن مع فرنسا تحديدا دون بقية الدول، فرغم وجود دول كثيرة رفضت السياسة الأمريكية، ولكن فرنسا وحدها هي من تواجه العقاب.
أمريكا وانقلابات أفريقيا
وإنطلاقا من فكرة العقاب، كشفت تقارير صحفية أن ما لا يقل عن 10 انقلابات في غرب أفريقيا منذ عام 2008، نفذها ضباط دربتهم الولايات المتحدة، مما أثار تساؤلا: حول دور واشنطن في دعم هذه الانقلابات حتى لو أدانتها في وسائل الإعلام.
وبحسب صحيفة “ذا إنترسبت” الأمريكية فإن ضباطًا دربتهم الولايات المتحدة كانوا قد شاركوا في 6 انقلابات على الأقل في بوركينا فاسو ومالي المجاورتين للنيجر منذ عام 2012.
وأشارت إلى أن هؤلاء الذين تلقوا تدريبات عسكرية أمريكية، نفذوا ما لا يقل عن 10 انقلابات في غرب أفريقيا منذ عام 2008، في بوركينا فاسو في أعوام2014، 2015، 2022، وفي غامبيا 2014 وغينيا 2021 وفي مالي في أعوام 2012، 2020، 2021، وانقلاب موريتانيا 2008.
كما كشف التقرير أن موسى سالو برمو قائد قوات العمليات الخاصة في النيجر وأحد قادة انقلاب النيجر، تلقى تدريبًا على يد الجيش الأمريكي، واجتمع قبل شهر واحد من الانقلاب مع رئيس قيادة العمليات الخاصة بالجيش الأمريكي، في القاعدة الجوية 201، وهي قاعدة للطائرات بدون طيار في مدينة أغاديز النيجرية التي تمثل العمود الفقري للقوات الأمريكية في غرب أفريقيا.
ويبقي السؤال..هل ما شهدته مناطق النفوذ الفرنسي في إفريقيا من إنقلابات عسكرية وطرد للقوات الفرنسية وإلغاء إتفاقيات عسكرية ومدنية مع باريس هو جزء من سياسة العقاب الأمريكي لفرنسا كما وصفتها كونداليزا رايس، أم طعنة في الظهر كما وصفها جان لودريان، أم إن الأمر تمدد روسي في الدول الأفريقية أم هناك سبب أخر ؟
في ذروة انشغال العالم بأزمة إنقلاب النيجر، والتهديد بالتدخل العسكري من أجل استعادة النظام الدستوي في البلاد، استيقظ الأفارقة صبيحة الأربعاء 30 أغسطس الماضي على إنقلاب جديد بغرب أفريقيا في حلقة جديدة من حلقات الانقلابات العسكرية التي انتشرت مؤخرا بالقارة.وعقب انتخابات مثيرة للجدل، تم فيها إعادة انتخاب علي بونجو كرئيسا للجابون للمرة الثالثة، أعلنت قيادات بالجيش السيطرة على السلطة وحل كل مؤسسات الدولة، وإلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية.
وبذلك تنضم الجابون إلي دول غرب أفريقيا مالي وغينيا وبوركينا فاسو والنيجر التي شهدت انقلابات عسكرية في الفترة الأخيرة وهو ما يفتح الباب للتساؤل حول أسباب كثافة وقوع الانقلابات في دول إفريقيا مؤخراً، وعلاقتها بالسياسات الغربية في القارة.
حزام الانقلابات
وجاء انقلاب الجابون أحد المستعمرات الفرنسية السابقة بغرب إفريقيا بعد قرابة شهر واحد فقط من انقلاب النيجر الذى أطاح فيه الجيش بالرئيس محمد بازوم المحسوب على فرنسا، كما سبقه 4 انقلابات أخري بدول محسوبة على النفوذ الفرنسي وهو ما اعتبره مراقبون رسالة غضب إفريقية ضد السياسات الفرنسية بالقارة.
وخلال العشر سنوات الأخيرة، شهدت القارة الإفريقية عشرات الانقلابات فضلا عن محاولات الانقلاب، وتحتل منطقة غرب القارة الصدارة التاريخية في هذه الأحداث، بنسبة 44.4% من إجمالي انقلابات العسكرية، وهو ما دفع إلى تسميتها بـ”حزام الانقلابات حيث شهدت خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ما يقدر بـ7 انقلابات على الأقلّ.
وقبل انقلاب النيجر في 28 يوليو/تموز الماضي، شهدت مالي انقلابين عسكريين، الأول في أغسطس/آب 2020 والثاني في مايو/أيار 2021. وفي بوركينا فاسو حدث انقلابان أيضاً عام 2022، وفي غينيا حدث انقلاب عسكري في سبتمبر/أيلول 2021. وفي العام نفسه قُتل الرئيس التشادي إدريس ديبي على يد متمردين.
وبحسب مراقبون فإن الأمر لن يتوقف عن حدود الجابون وربما تشهد القارة انقلابات جديدة خاصة أن الظروف والسياسات تتشابه في معظم الدول، كما يربط محللون هذه الظاهرة بسياسات النهب الاستعمارية التي تنهجها الدول الغربية في القارة.
نشأة معيبة
ويري محمود مناع خبير الشون الأفريقية أن “القارة الأفريقية لها سمات ومظاهر تختلف عن اى قارة في العالم، ودولها لها تمايز وصفات مختلفة عن بعض الدول القائمة بالفعل في المحيط الاقليمي والدولي”.
وقال لوكالتنا :”خبراء الدراسات الافريقية دائما ما يرددون أن نشأة الدول الأفريقية نشأة معيبة، لافتا إلي أن الدول الأفريقية قائمة منذ القدم على الممالك القديمة وكان لها نظام قبلي واضح وكانت الممالك تعتمد على رب القبيلة أو زعيمها مع وجود تنظيم يشبه التنظيم السياسي الحديث”.
وتابع :”مع وصول المستعمر الغربي لأفريقيا عمل على إحداث بعض التوازنات من خلال القبائل والإثنيات المنتشرة في القارة دون حدود جغرافية، مشيرا إلي أن نشأة الدول الأفريقية بتقسيمها الحالي نشأة استعمارية بالأساس، وحدودها وضعها المستعمر دون مراعاة للتداخل الإثني بين الدول بدليل وجود الكثير من الاثنيات والقبائل الأفريقية منتشرة ومتشابكة في أكثر من دولة كما نجد في نيجريا والنيجر أو ورواندا وبورندي وغيرها من الدول الأفريقية”.
وأشار إلي أنه “عندما رحل المستعمر بجيوشه وعتاده التقليدية بقيت ولاءات النخب الأفريقية التي صنعها المحتل للأصل الاستعماري، لافتا إلي أن الدول الخمس التي شهدت انقلابات مؤخرا وهي مالي وبوركينا فاسو وغينيا والنيجر والجابون تشترك في أن الآصل الاستعماري لها واحد وهو فرنسا” .
ولفت إلي أنه “بغض النظرعن أن الانقلابات تخالف النظام الديمقراطي والدستوري والأعراف الدولية ألا إن الوعود بالتنمية منذ استقلال هذه الدول كانت كبيرة، ورغم ذلك لم تشهد هذه الدول منذ عام 1960 أى تنمية”.
الاستعمار الجديد
وبحسب الخبير بالشؤون الأفريقية فإن “كتاب الزعيم الأفريقي كوامي نكروما رئيس غانا الأسبق الذي يحمل عنوان ” الاستعمار الجديد” وصدر منذ أكثر من 50 عاما يضع خارطة طريق لنهضة أفريقيا يربطها برحيل الاستعمار، كما أعطي الكتاب وصفة للتحرر الحقيقي من الاستعماري ، لافتا إلي أن هذه الوصفة هى ما ينادي به قادة الانقلابات في الدول الافريقية”.
وبحسب الباحث فإن “هذه الانقلابات صرخة في وجه الاستعمار الفرنسي والاصل الاستعماري، هذه الوصفة التي نادي بها نكروما منذ اكثر من 50 سنة ينادي بها قادة الانقلابات الأن من أجل الوصول لحلول أفريقية للازمات الاقتصادية والبحث عن التنمية الحقيقة ورفض التبعية، والعودة للمقولة التي نادت بها الجامعة الافريقية في القرن العشرين والفلاسفة الأفارقة في القرن التاسع عشر أن أفريقيا يجب أن تكون للأفارقة”.
تحديات وسيناريوهات
وأشار إلي أن “الخوف هو سقوط هذه الدول في مستنقع الفوضي وعدم الاستقرار، وأن يستغل سماسرة الحروب وتجار الدماء في اشارة للإرهابين والجماعات المتطرفة للوضع في تعزيز وجودها بهذه الدول”.
وحول السيناريوهات المستقبلية للأوضاع بأفريقيا،يري الخبير بالشأن الأفريقي أنه “إذا استطاعت تلك القيادات والزعامات الافريقية الجديدة في الدول التي شهدت انقلابات الفرار من الأصل الاستعماري، وكان لديها مقومات حقيقة داخلية لتحقيق التنمية الاقتصادية وهو أمر ليس بالسهولة التي يتوقعها البعض فمن الممكن أن تتحرك هذه الدول نحو التنمية حتي لو كانت هذه التحركات ببطء، لافتا إلي وجود بعض القوي الاقليمية والدولية مثل الصين وروسيا لديها الرغبة والاستعداد لملء مكان فرنسا في هذه الدول وفق مبدأ المصالح المتبادلة وهو أمر قد ترحب به أفريقيا”.
وحول إمكانية حدوث انقلاب جديد، يري الباحث ان “افريقيا قارة لديها قدر كبير من المحاكاة ولا يمكن الجزم بعدم تكرار الانقلابات ولكن المؤكد أن الوضع قابل للتكرار بأفريقيا عموما”، لافتا إلي أن “الرئيس الكاميروني الذى يحكم منذ 40 عاما أصدر منذ أيام قرارت رئاسية بتغيير كل القيادات العسكرية في بلاده خوفا من الانقلاب عليه”.
مرحلة جديدة
من جانبه، يري الباحث السوداني عباس صالح إن “تزايد وتيرة الانقلابات العسكرية والسيطرة العسكرية المتصاعدة على الحكم في العديد من دول القارة الأفريقية، تؤسس لمرحلة جديدة من النظم السياسية بعد انقضاء حقبة نظم ما بعد الاستعمار ونظام الدولة الوطنية التي قادتها النخب الوطنية وانطواء الموجة الأولى من الانقلابات التقليدية التي وقعت خلال العقود الماضية.”
وقال لوكالتنا “بكل تأكيد هناك أياد خارجية وراء موجة الانقلابات الأخيرة، تم فيها توظيف العوامل المحلية لتحقيق تغيرات سياسية تعيد رسم الحقائق الجيوسياسية في أقاليم القارة السمراء، في خضم حرب باردة جديدة تمر بها القارة الأفريقية”.
وأشار إلي إن “حتمية وقوع الانقلابات او السيطرة العسكرية في عموم القارة، قد تؤجج من التنافس بين الدول الكبرى، التي تتنافس على النفوذ والمصالح، لتشجيع وقوع انقلابات إما لاستباق وقوعها من قبل أطراف داخلية موالية لدول منافسة لها، فضلاً عن احتمالات انتشار “عدوى الانقلابات” وبالتالي دفع العسكريين المغامرين للقيام بتحركات للاستيلاء على السلطة في ظل الدعم الشعبي الواضح لهذه التحركات”.
وبحسب الباحث فإنه “مع اتساع نطاق حزام الانقلابات الذي يتمدد حالياً من الساحل الكبير إلى وسط أفريقيا بعد الانقلاب الأخير في الغابون، يبدو أن “دومينو” الانقلابات سوف يشمل العديد من الدول التي تتوفر على عوامل داخلية مشابهة لتلك التي الدول التي وقعت فيها انقلابات عسكرية”.
إذا سقطت عينيك على خارطة الشرق الأوسط فلن تجد سوي نيران تندلع وأخري تخبو ولا تنطفأ، أزمات وثورات وانقلابات، فتن واغتيالات، حروب وصراعات..لماذا الشرق الأوسط دون غيره ساحة لتصفية الحسابات الدولية وهل تلعب القوي الكبري دورا في استمرار الصراعات والأزمات بالمنطقة؟ربما لا يوجد منطقة في العالم تشهد أزمات وصراعات وحروب كما يحدث في الشرق الأوسط، فلا تكاد تخبو نيران الحرب في منطقة حتى تشتعل في أخري، ولا تنتهي أزمة حتى يندلع صراع، ولا يحدث تغيير دون سقوط ضحايا.
الغريب في أزمات الشرق الأوسط أنها تندلع دون أسباب منطقية لاندلاعها ولا تنتهي رغم وجود تدخل دولي وجهود أممية تزعم العمل على حلها، ولا أدل على ذلك من الأوضاع بسوريا وليبيا أو السودان التي يجتمع مجلس الأمن من أجلهما بشكل شبه دوري، وتتواجد بهما بعثات أممية ومبعوثين للقوي الكبري دون أن تتحرك الأزمة قيد أنملة نحو طريق الحل ولو حدث سرعان ما تعود للمربع الأول مرة أخري.
ويعتقد مراقبون أن كل الأزمات التي تشهدها المنطقة بشكل عام جزء من صراع دولي واقليمي لتحويل المنطقة لبؤرة من الأزمات التي لا تنتهي بما يسهل استنزاف مواردها ونهب ثرواتها.
لعنة الجغرافيا
ويري د.إياد المجالي أستاذ العلاقات الدولية بجامعة مؤتة الأردنية أن حالة الصراع القائم في المنطقة هي لعنة الجغرافيا التي تدرك أهميتها محاور إقليمية مهمة، والتي لا يمكن النظر لها بتجرد او بمعزل عن حالة التنافس الإقليمي والدولي في بؤر متعددة من الشرق الأوسط.
وقال لوكالتنا ” ما تشهد المنطقة ارتداد منطقي لاستراتيجية القوي الكبري وفي مقدمتها الولايات المتحدة بابقاء المنطقة في صراع وتوتر لتتمكن من أحكام سيطرتها وتحقيق أهداف محددات السياسة الخارجية، وتمكين نفوذها على الممرات المائية وطرق الملاحة الدولية وعلى ثروات المنطقة”.
ويعتقد الباحث أن ما تشهده المنطقة من أنماط الصراع القائم متعدد الأشكال تصب جميعا في مصالح القوى الكبرى عبر حرب الانابة”.
احتلال جديد
ويري الباحث المصري في العلاقات والأزمات الدولية هاني الجمال أنه “منذ اللحظة الاولي التي شعرت فيها القوي الكبرى في ذلك الوقت إنجلترا وفرنسا بكراهية العرب لهم وان مدة بقائهم في المنطقة بالشكل التقليدي سوف يزيد من حالة الاحتقان ضدهما خاصة بعد نجاح الثورة العربية ومحاولة تشكيل كيان عربي يساهم في مجابهة الكبار بدأت القوي الكبري تغيير استراتيجيتها في التعاطي مع منطقة الشرق الأوسط “.
وقال لوكالتنا ” بدأ البحث عن طريقة جديدة تجعل المنطقة العربية في حالة صراع مستمر، وتعددت صور هذا الصراع بداية من الصراع العربي الإسرائيلي والانحياز الكامل للجانب الإسرائيلي سواء تمييزه نسبيا بالأسلحة المتطورة او من عدم تنفيذ القرارات الدولية ضده من خلال الفيتو، وتارة أخرى الصراع العقائدي بين السنة والشيعة والذي مزق العديد من البلاد العربية، وتارة ثالثة صراع على الزعامة العربية وهو ما أوجد جفاء بل نزاعات عربية عربية”.
وتابع” كما تم اشعال الصراعات الاثنية بين العرب والكرد أو الإيزيدين أو البدون أو الأمازيغ أو العلويبن أو الدروذ وغيرها من الصراعات التي تعمل على تأجيج الوضع في المنطقة العربية وهو ما ينسحب الأن على الوضع في لبنان وحالة الفراغ الرئاسي وتمدد حزب الله وتغلوه على السلطة مستندا على القوة الايرانية في مواجهة القوي الداخلية المدعومة من فرنسا او السعودية و بالتالي صارت لبنان جرح لايتوقف نزيفه”.
وأشار إلي أن “نفس الوضع صار في سوريا ومحاولة تقليم اظافرها سواء من خلال إعادة انتشار جيشها في لبنان ودخولها في خصومة طويلة مع القوي السياسية الداخلية، وتحول المجتمع السوري بعد الثورة الشعبية إلى بؤرة صراع إقليمي بين إيران وتركيا وصراع دولي بين أمريكا وروسيا في ظل حالة الفراغ الأمني التي خلفتها أمريكا جراء انسحابها من منطقة شرق الفرات هذا بجانب قمع حرية الكرد في تأسيس وطني قومي لهم او الدخول في نظام سياسي جديد يعتمد على الكونفدرالية والاستفادة من ثرواته الطبيعية في مواجهة الاستيلاء عليها فضلا عن الازمة الكبرى وهي توطين الجماعات الإرهابية ذات الاجندات الدولية”.
وبحسب الباحث فإن “نفس الأمر تكرر في السودان الذي سيطرت عليها جماعة الإخوان المسلمين إبان حكم البشير والمساهمة في تقسيمه جنوبا وشمالا ثم تصاعد الازمة في دارفور ومحاولات الانفصال المتكررة، وإجهاض مكتسبات الثورة الشعبية ضد البشير و محاولة تأسيس دولة مدنية في المنطقة العربية وصولا للصراع الراهن بين الجيش السوداني وقوات الدعم وهما أيضا ينفذان اجندات دولية واقليمية”.
كما تطرق الباحث إلي الأوضاع بليبيا وأفريقيا قائلا ” الازمة في ليبيا دخلت نفق مظلم بعد الثورة على القذافي وأصبحت مسرح للصراع الإقليمي بين تركيا ومصر وصراع دولي بين روسيا ضد أمريكا و أوروبا، لافتا إلي أن نفس الأوضاع تشهدها منطقة القرن الأفريقي التي يستعر فيها الصراع بين روسيا والصين من جانب وأمريكا والدول الغربية من جانب أخر حيث يسعي الجميع لنهب ثروات المنطقة واستزاف مواردها الطبيعية ومحاولة تسكين العملاء الخاضعين لهم في سدة الحكم”.
ويعتقد الباحث أن “العامل المشترك في كل هذه الأزمات هو المنظمات الدولية المسيسة والتي تغض الطرف عما يحدث في المنطقة العربية في حين انها اشتطات غضبا عما يحدث في أوكرانيا فكل الازمات في المنطقة العربية خلف ستائرها مخطط دولي واقليمي لانهاكها باستمرار”.