ذكرى هجمات 11سبتمبر.. هل نسي الأمريكان الحدث بعد أن حقق أهدافه!!

بقلم/نزار الجليدي كاتب و محلل سياسي بباريس

اليوم الأحد يوافق الذكرى 21 لهجمات 11 سبتمبر2001. وما يلاحظ هذه السنة هو عدم الاهتمام بهذه الذكرى و حتى في الإعلام الأمريكي فكادوا ينسون ذكرى اليوم الأكثر دموية في تاريخهم و الذي قتل فيه حوالي 3 ألاف شخص وأصيب ضعفهم.
وللجيل الجديد الذي لم يشهدوا ذلك اليوم الذي هز العالم و غيره و دمر بسببه العراق و أفغانستان و كان منطلقا لشيطنة العرب. فأحداث 11سبتمبر وتعرف وكذلك باسم هجمات 11 سبتمبر 2001 أو هجمات 11 أيلول، وتعرف اختصارًا بالإنجليزية باسم: 9/11؛ وهي مجموعة من الهجمات الإرهابية التي استهدفت الولايات المتحدة في يوم الثلاثاء الموافق 11 سبتمبر 2001، وجرت بواسطة أربع طائرات نقل مدني تجارية، تقودها أربع فرق تابعة لتنظيم القاعدة، وُجِهت لتصطدم بأهداف محددة، وقد نجحت ثلاث منها في ذلك، بينما سقطت الرابعة بعد أن استطاع ركّاب الطائرة السيطرة عليها من يد الخاطفين لتغيير اتجاهها، ما أدّى إلى سقوطها وانفجارها في نطاق أراضي ولاية بنسيلفانيا.
وتمثلت أهداف الطائرات الثلاث في استهداف برجي مركز التجارة الدولية الواقعة في مانهاتن ومقر وزارة الدفاع الأمريكية، المعروف باسم البنتاغون، بينما لم تُحدّد التحريات حتى اليوم الهدف الذي كان يريد خاطفو الطائرة الرابعة ضربه.
وتأتي الذكرى 21 لهذه الهجمات في غياب زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري الذي قتل بغارة أمريكية في أفعانستان.
وهذه الهجمات لم تبح إلى اليوم بأسرارها كاملة بل إن بعض هواة نظرية المؤامرة يصرون على أن تنظيم القاعدة و العرب منها براء وأنها نفذت بأيادي استخباراتية أمريكية بغية فرض نظرية الشرق الأوسط الجديد وتنفيذ سياسة الفوضى الخلاقة المصطلح الذي ابتدعته وزيرة الخارجية الأمريكية حينها كوندليزا رايس وبها دمر العراق فيما بعد بذريعة حيازته على أسلحة دمار شامل وبه تم احتلال أفغانستان وبه أعادت الولايات المتحدة الأمريكية انتشارها العسكري في العالم كما لم يحدث منذ الحرب العالمية الثانية.
الولايات المتحدة استغلت الهجمات الإرهابية على أراضيها لتصدير ديمقراطيتها المزيفة و التي فشلت في العراق و أفغانستان و من بعدها في ليبيا وتونس ومصر و اليمن.
وفي المحصلة ومهما كانت الأسرار التي لم تكشف بعد بخصوص حقيقة هذه الهجمات فلابد من الإقرار أن العرب كانوا أكبر المتضررين منها بعد تضييق الخناق عليهم في بلدان إقامتهم و شل حركتهم و سفرهم.
كما أنه لابد من الإقرار أن هذه الهجمات الوحشية لم يقابلها الأمريكان بالقانون و إنما قوبلت بوحشية أكبر ولنا في معتقل غوانتانامو أفضل مثال. إضافة إلى فظاعة الجرائم المرتكبة من طرف الجيش الأمريكي في العراق و أفغانستان.
وبات من المؤكد أن الأمريكان كانوا أكبر المستفيدين من الهجمات بلعبهم دور الضحية أحيانا و بتقمصهم دور الجلاد حينا.

زيارة ماكرون للجزائر ..نحو إعادة ترتيب رقعة الشطرنج..بأي ثمن؟

بقلم: نزار الجليدي
من المنتظر أن يؤدّي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زيارة رسمية إلى الجزائر تدوم ثلاثة أيام و تنطلق يوم 25 من الشهر الحالي.وهي زيارة و لئن جاءت بدعوة من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون فان حاجة فرنسا لها تبدو ملحة في ظل المتغيرات الإقليمية المتسارعة.

خطان متوازيان لا يفترقان
من المؤكّد أن ما يجمع الجزائر و فرنسا أكثر بكثير مما يفرّقهما فالجالية الجزائرية في فرنسا تعدّ الأكبر و تقدّر بأكثر من 4مليون نسمة فضلا عن العدد الكبير من مزدوجي الجنسية و من الجيلين الثاني و الثالث من الجزائريين الفرنسيين .وهؤلاء يشكّلون ضغطا متزايدا لكي لا تحيد العلاقات الثنائية بين البلدين عن مسارها مثلما حدث خلال العام الماضي بدفع من لوبي فرنسي متطرف أضرّ بماكرون و حكومته وهو بزيارته هذه يسعى لإعادة الأمور الى نصابها و لكن برؤية جديدة و ندّية في التعامل يسعى الجزائريون لفرضها .و سيسعون الى انتزاع اعتراف ماكرون ب”الأمة الجزائرية” وهو الأمر الذي شكّك فيه سابقا و كان منطلقا لأزمة ديبلوماسية كبيرة بين البلدين كادت تؤدّي لقطع العلاقات لولا تدخل الحكماء من الدولتين.

حقيبة محملة بملفات ثقيلة
يحمل ماكرون في حقيبته خلال زيارته للجزائر أربع ملفات ثقيلة عليه أن يناقشها مع نظيره الجزائري بكل حذر و ذكاء لأن هاته الزيارة تختلف في توقيتها وظروفها عن كل زيارات الرؤساء السابقين للجزائر و تختلف جذريا حتى عن زيارة ماكرون نفسه لأن فرنسا اليوم في حاجة للجزائر كما لم تكن يوما كذلك و لأن الجزائر اليوم وفي ظل الحرب الروسية الأوكرانية و أزمة الطاقة العالمية تتحكم في خيوط اللعبة السياسية و في جزء كبير من سوق الطاقة فهي اذن في موقع قوّة يصعّب على ماكرون زيارته للمستعمرة القديمة و التي مفروض عليه قبل الدخول في تفاصيلها الاعتذار للشعب الجزائري إن لم يكن تصريحا فتلميحا و هذا الاعتذار هو الذي سيحدّد مدى فشل الزيارة من نجاحها.
ماكرون سيناقش خلال زيارته هذه ملفات تتباين في الأهمية منها ماهو حيوي لفرنسا مثل ملف الطّاقة .ومنها ماهو سياسي كملف اليهود الجزائريين ومنها ماهو ديبلوماسي المصالحة المغربية الجزائرية.ومنها ماهو استراتيجي كالملف التونسي.

عين فرنسا على طاقة الجزائر
في رحلة ماكرون في البحث عن الغاز البديل للغاز الروسي الذي لك يعد مضمونا سعى الرئيس الفرنسي الى تأمين أكبر قدر من الإمدادات لبلاده من هذه المادة الحيوية قبيل دخول فصل الشتاء حيث قام باتفاقيات شفوية و أخرى مكتوبة مع كل من الإمارات و السعودية و مصر في هذا المجال وهي دول كلها محسوبة على الحلف الأمريكي الفرنسي .لكن ذلك غير كاف لفرنسا و للدول الأوروبية التي يسعى ماكرون أن يكون سفيرها حيث ما حلّ .
و بالتالي يصبح اللجوء الى الجزائر و محاولة إبعادها عن المحور الروسي الصيني مطلبا ملحاّ . حيث أنّ ما يهم ماكرون خلال هاته الزيارة هو كيفية تعويض الخسارة ونقص الغاز الروسي في أوروبا وتعويضه بالغاز الجزائري.
كما سيحاول ماكرون إيجاد صيغة توفيقية وتوافقية بين الجزائر وإسبانيا بعنوان الطاقة فقط. فما يهم فرنسا والاتحاد الأوروبي تأمين مصدر الطاقة خاصة .
يهود الجزائر ..الورقة المخفية
يمثل موضوع اليهود من أصول جزائرية و من غير حاملي جواز السفر الجزائري من بين النقاط التي سيجري الحديث بشأنها بين ماكرون وتبون حيث أن الطلب الفرنسي هو السماح لهؤلاء بدخول الجزائر وزيارتها بحرية وتسهيل التأشيرة.
ووفق الكواليس فان الجزائر سوف توافق موافقة مشروطة تتمثل في تراجع فرنسا على قرارها بتقليص عدد التأشيرات الممنوحة للجزائريين الى النصف .
وهي خطوة اتخذت في فرنسا وسيعلن عنها قريبا و لا يخص الأمر الجزائريين فقط وإنما التونسيين و المغاربة حيث ستعاد الحصص القديمة من التأشيرات.

المصالحة الممنوعة
يرى عدد من المتابعين أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بحماسة الشباب فيه سيسعى لإعطاء إشارات قوية للوساطة الفرنسية بين الجزائر و المغرب من جهة و بين الجزائر والمغرب و أسبانيا من جهة أخرى فانه من الصعب أن يرتكب ماكرون هذه الخطأ  لانّه يدرك جيدا أن الجزائر تاريخيا رافضة لأي وساطات مع المغرب وتعتبر ذلك مسا من الأمن القومي وخدش للكرامة الوطنية والدليل فشل كل المبعوثين الأمميين لدى البوليساريو.
هذا فضلا أن فرنسا لا يهمها أي تقارب جزائري مغربي الا بما يخدم مصالحها في المنطقة وماكرون لن يتحرك في الصلح سوى في حدود الصحراء الكبرى وما يسمى دولة البوليساريو .

وحتى البيان المغربي الذي يحمل في باطنها تهديدا و سياسة من معنا فهو ضدنا في صراعها مع الجزائر لن يجبر ماكرون المجازفة بفتح هذا الملف في الجزائر فهو يدرك أن شجرة معاوية قطعت بين الجزائر و المغرب منذ اغتيال المغرب لعدد من الجزائريين في الصحراء العام الماضي وكذلك بتطبيع العلاقات رسميا بين إسرائيل والمغرب تكون العلاقة بين المغاربة و الجزائريين وصلت طريق اللاعودة.

تونس الجزائرية الفرنسية
تحظى تونس بمكانة هامة لدى كل من فرنسا و الجزائر و ستكون الأوضاع السياسية و الاقتصادية فيها على طاولة اجتماع ماكرون و تبّون رغم أنه ستكون على هامش الاجتماع لرغبة الرئيسين في عدم التدخل في شؤون تونس مقابل الرغبة الكبيرة في مساعدتها عبر آليات أخرى .فالرئيسان يدركان أهمية العمق الجغرافي لتونس و يدركان أهمية أن تكون مستقرة.
ومن الممكن أن يكون الملف التونسي ضمن النقطة الأخيرة من البيان الذي سيصدر عقب زيارة ماكرون للجزائر.وربما يفعلها ماكرون و يتحول إلى تونس في زيارة خاطفة بعد نهاية زيارته للجزائر.

15 أغسطس.. مقاومة و انبعاث وحرية للأمة الكردية و ديمقراطية للمنطقة

الكاتب والباحث السياسي: أحمد شيخو


يحمل يوم 15 آب\ أغسطس لعام 1984 انعطافة هامة وكبيرة في تاريخ الشعب الكردي، لأسباب عديدة تتعلق بالوجود والهوية والثقافة الكردية التي كانت في حالة انحدار بسبب محاولات الدولة التركية في طمس الهوية ومنع اللغة والخصوصية الكردية والتطهير الثقافي، إلى جنب حالة الإبادة الجماعية الفريدة منذ عام 1925م وخيانة وتخلي الدولة والنخب والسلطة التركية الحديثة بعد الإمبراطورية العثمانية عن التحالف التاريخي الكردي-التركي والتقاليد الديمقراطية والقيم المجتمعية المشتركة والمسار الاجتماعي الإسلامي الواسع الذي كان يستوعب تعدد الأعراق والملل والألوان والألسن.
منذ دخل الإسلام بلاد الكرد حوالي 641م و642م، تشارك الكرد مع بقية الشعوب الإسلامية الحياة في المنطقة ضمن الحضارة الإسلامية، وفي العصر العباسي ومع توسع الدولة والخلافة الإسلامية وزيادة عدد الشعوب المسلمة غير العربية ، كانت الخصوصية الجغرافية واللغوية والثقافية والإدارية مصانة ومحفوظة لكل ملة وقوم وشعب وحتى على مستوى العشائر والقبائل وتلك كانت قيم ديمقراطية مشرقية، التي نسميها اليوم بالنظام اللامركزية و يمكن القول أن كل شعب وقوم وملة ومع دخولهم في الإسلام كانوا يتمتعون في مناطقهم الأصلية بنوع من الحكم الذاتي أو الإدارة الذاتية وحتى الإسلام لديه تعددية في المذاهب والطرائق ومع تأسيس السلطنات والدول داخل الخلافة تتطور النظام وبشكل تدريجي وطبيعي إلى النموذج الفدرالي أو المركزي المرن، حيث أن الدولة الأيوبية والسلجوقية وكذلك دولة المماليك الشركسية التي كانت مركزها مصر كانوا ضمن الخلافة العباسية الواحجة وهذه كانت من ضرورات وتطورات الوضع وإنزياحات القوى ومراكزها ضمن الخلافة العباسية الواسعة التي لم تستند إلى قومية أو ملة أو طائفة وحدة بل كانت متنوعة ومتعددة الملل والأعراق.
ولقد عاش الشعب الكردي في حوالي 51 إمارة كردية ضمن الخلافة العباسية يقودها أمراء وعائلات ورجال دين كرد من طبقات فوقية عليا، ربما انفصلت بعض تلك الطبقات ولأسباب مصلحية ضيقة عن واقع مجتمعهم وهويتهم الثقافية، و لعل أشهرهم الدولة المروانية أو إمارة ميافارقين بالقرب من مدينة آمد(دياربكر الحالية) والتي مثلت رأس مثلث رؤسه الثلاثة( العباسين في بغداد- المروانيين في ميافرقين -الفاطميين في القاهرة ) كتوزع لثلاث مراكز استراتيجية جغرافية وشعبية هامة حتى اليوم رغم كل الظروف إضافة إلى إمارة بوطان بمركزها في مدينة جزيرا الحالية في باكور كردستان(جنوب شرق تركيا) على مثلث الحدود التركية السورية العراقية وإمارة أردلان بمركزها في مدينة سنا(سندج) في روج هلات كردستان (غرب إيران) بالإضافة إلى إمارة صوران وبهدينان وبدليس وكلس وغيرهم الكثير في الأجزاء الأربعة من كردستان المقسمة حالياً بين أربع دول(تركيا، إيران، سوريا والعراق) نتيجة الاتفاقيات الدولية العالمية لهندسة المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى لخدمة وسيطرة النظام العالمي المهيمن المتشكل بعد الحرب للهيمنة والسيطرة ونهب المنطقة وتوجيه بوصلة الأراء والتناقضات فيها.
توافد العرق التركي أثناء وضمن الخلافة العباسية والدولة الأيوبية وبمختلف العائلات والتشكيلات والعشائر وكانوا يقومون بالأعمال التي يتم توكيلهم بها من قبل السلاطين والخلفاء فكانوا جنوداً ومماليك، ويقال أن السلطان الأيوبي نجم الدين أيوب وحدة جلب أكثر من 1000 مملوك وأدخلهم لجيش الدولة الأيوبية وخاصة في مصر وعندها صعدوا فيها إلى أعلى المراتب حتى وصولهم لكرسي السلطان بعد قتلهم لأبن السلطان نجم الدين أيوب وهو السلطان توران شاه أخر سلاطين الدولة الأيوبية بالتعاون والتوطؤ مع شجرة الدر، كما أن المماليك ومع تمكنهم وتقوية شوكتهم ضمن البلاط والقصر العباسي قتلوا واستبدلوا خلفاء في الدولة العباسية وحتى أنهم ساعدوا المغول والتتار الذين ينحدرون من نفس أصل القبائل التركية في قتل الخليفة المستعصم بالله واحتلال وتهديم بغداد ودمشق والاعتداء على أهلها ونسائها وحرائرها فهم من نفس المناطق والنسب القبائل المغولية.
تعايش الكرد وهم أحد أقدم شعوب المنطقة والترك القادمون من أواسط آسيا من مناطق جبال هملايا على الحدود الصينية تحت مظلة الإسلام وقيمها الأخلاقية العالية والعادلة وكان الكرد وبسبب الإسلام وقبله في صراع وتناقض مع البيزنطيين والروم قبلهم وهنا تحالف الكرد والترك وكانت الحاجة الطبيعية للشعبين للكرد إبعاد الخطر البيزنطية والترك في تأمين مكان لهم للعيش فيه بعد عدم تمكنهم العيش في المناطق الفارسية والعربية بسبب صراعات السلطة فيما بينهم.
وكانت معركة ملازكرد 1071م التاريخية التي خاضها الكرد والترك أمام البيزنطينيين وكانت النتيجة النصر وفتح بلاد الأناضول أمام الأنساب والعشائر التركية، ومع قدوم العشائر التركية المختلفة وتوطينهم في الأناضول وتمرسهم فيها ودخولهم الإسلام لغايات تخدمهم غاياتهم السلطوية والسلطنية، أصبحوا قوة سلطوية تبحث عن حكم المنطقة ونهبها باسم الإسلام وشعائره وطقوسه فكانت الاحتلال العثماني للمنطقة وأخذ الخليفة العباسي من مصر إلى إسطنبول وتنازله عن الخلافة للعثمانيين وفق الرواية التركية التي من الممكن والوارد أنهم قتلوا الخليفة الرهينة وقالوا ما يحلوا لهم لأن السلطان سليم الأول وبعد معركتي مرج دابق والريدانية واحتلال مصر والقاهرة، قال لأم الخليفة العباسي عندما قالت له كيف ستصبح الخليفة وأنت لست بعربي فقال أنا اليوم الخليفة والعرف والقانون وأقول وأفعل ما يحلو لي وأضع الأمور كيفما أشاء.
كانت اللامركزية الواسعة في الاحتلال والإمبراطورية العثمانية أيضاً هي سمت وطبيعة النظام القائم رغم كل سلبياته وجهله وتخلفه. ولكن مع تدخل الغرب وخاصة ألمانيا في أعوام 1830 وبحث السلاطين العثمانيين عن الطرق للالتحاق بالركب الغربي والثورة الصناعية التي بدأت في أوربا ومظاهر الحياة العصرية، بدأت الاستشارة الألمانية للسلاطين العثمانيين بالتركيز على المركزية الشديدة والقضاء على الخصوصيات وحالة التعدد والتنوع، فكانت بداية التناقضات التركية والكردية حيث أن الكرد لم يوافقوا على مجيء الترك وخوضهم الحرب معاً إلا ليبعدوا خطر الروم والبيزنطينيين والعيش بحرية وكرامة وليس الخضوع والخنوع للترك الغرباء ولدولهم ومركزيتهم المصطنعة الدولتية.
وهنا ومنذ 1855 وبعدها ظهرت العلاقات والاتفاقات العثمانية والصفوية بعد احتلال العثمانيين للبلاد العربية واستقرار الأمور نسبياً بين العثمانيين والصفويين واتفق العثمانيين والصفويين في محاربة الكرد والقضاء على إماراتهم في طرفي الحدود بينهم ، بعد أن قسموا كردستان بينهم باتفاقية قصر شيرين عام 1639م التي تعتبر أول تقسيم و اعتداء على الجغرافية والأمة الكردية، مما زادت من معانات وتحديات المجتمع الكردي ونضال حريتهم والدفاعهم عن إماراتهم وخصوصياتهم ووجودهم واستقلاليتهم الذاتية أمام إمبراطوريتين تسعيان للهيمنة على المنطقة كما هي اليوم بالضبط في أن تركيا وإيران تستهدفان الكرد والعرب وتحاولون التدخل في شؤونهم واحتلال أرضهم ودولهم.
و الأسوء أنه ورغم كل المؤامرات والسلطوية التركياتية العثمانية وتفردها إلا أن الكرد أيضاً ومن منطق وعرف الإسلام والأخوة الدينية خاضوا مع الترك أيضاً جهود وحورب خلاص الدولة العثمانية أو تركيا من الاستعمار الغربي في ما يسمى بحرب الاستقلال في تركيا(1919م-1921م) وتأسيس دولة للكرد والترك وفق الميثاق الملي الذي كان عام 1919 بين العشائر الكردية التي تجاوزت الثلاثين والضابط العثماني مصطفى كمال لخوض الحرب، لكن بعد ما تم تسميته بحرب الاستقلال عام 1921 وتوطد السلطة وتراجع المحتلين والاستعمار الغربي وبدء تشكل الحكومة و الدولة الجديدة وتواصل الإنكليز مع مصطفى كمال وتدخل وتأثير النفوذ اليهودي في الدولة التركية ولخدمة أجندات وسياسات واستراتيجيات نظام الهيمنة العالمية، تخلى الجانب التركي في الدولة الحديثة عن كل إلتزاماتها واتفاقياتها قبل و أثناء الحرب مع الكرد وكذلك إنهاء البرلمان الأول الذي كان فيه نسبة الكرد 33% والدستور الأول للدولة الحديثة وتم الانقلاب على كل المتفق بين الطرفين الكردي والتركي و إحداث دستور جديد وبرلمان جديد باسم التركي فقط وإن كل من يعيش في تركيا هو تركي في حالة توطيد شوفينة وعرقية وقوموية مصطنعة متضخمة لخلق أمة الدولة وكانت قوانين التطهير العرقي بحق الكرد والإبادة الجماعية الفريدة منذ عام 1925 بعد أن تخلص التركياتية الفاشية من الأرمن والروم واليونان واللاز والبوتس وغيرهم من أعوام 1914 إلى 1922، فكان سنة 1925 والبدء بإبادة الشعب الكردي وقاموا بسن قانون إصلاحات الشرق وإسكان الشرق الذي كان إبادة ممنهجة بحق الشعب الكردي والعمل على تهجيره والقيام بالتغيير الديموغرافي في المناطق الكردية وخاصة المناطق الواقعة غربي الفرات وكذلك الواقعة شرقها والعمل على تشتيت التركيز السكاني الكردي بخلق بؤر استيطانية تركية وتركمانية حتى ولو من أواسط أسيا في المناطق ذات الغالبية الكردية والعمل لجعل الكرد لايتجاوز نسيتهم 5% في كل المدن لإضعافهم وتسهيل إنصهارهم وذوبانهم في البوتقة التركية وتصفية الشعب الكردي والقضاء عليه بشكل تام.
وهنا لم يقبل الشعب الكردي هذه الخيانة التركية والمؤامرة الدولية على نفسه وكرامته ووجوده وخصوصيته وخاض من 1925 وحتى 1940 أكثر من 29 ثورة كانت قادرة كل وحدة منها على هزيمة الترك وتشكيل العديد من الدول والكيانات الكردية، لكن في كل مرة كانت القوى العالمية الرأسمالية المهيمنة والاحتكارية تقف بالضد من حقوق الشعب الكردي وتتعاون مع الترك والفرس لإنهاء الثورة وقتل قادتها و استعمال بعض رجال الدين الكرد العملاء للدولة والسلطة التركية تحت اسم الشعارات والأخوة الدينية وولي الأمر وطاعته وذلك لخلق ضعف ووهن في الجبهة الداخلية الكردية لمعرفتهم باحترام وتقدير وإيمان الشعب الكردي بالدين الإسلامي والقيم الأخلاقية الإسلامية.
ومن عام 1924 وحتى 1973 ساد سكون مدقع بعد كل الهزائم وحالات القتل وكسر الإرادة ودفن الأحياء في المغارات وصب البتون عليهم كما في انتفاضة ديرسم 1937 والتي كانت تقوم بها الدولة التركية بمساعدة ودعم من القوى العالمية حتى أن تركيا وبعد هزيمة أنتفاضة أو ثورة آكري وضعوا علم الثورة في قبر وكتبوا عليها هنا تم دفن كردستانكم الخيالي.
ولكن من قال أن التتار والمغول والعثمانيين والترك وأمثالهم الغرباء عن المنطقة يستطيعون هزيمة الشعب الكردي الذي يمتد جذوره إلى حوالي 12 ألف سنة على الأقل وفق ما ظهر في الموقع الأثري في كوبكلي تبه ( خرابه رشكي ) القريبة من مدينة سيدنا إبراهيم أورفا الواقعة في باكور كردستان(جنوب شرق تركيا)، حتى أن الأسكندر المقدوني لم يستطيع من اجتياز جبالهم الشامخة إلا بالتوافق معهم وبعد هزائم كثيرة أجبرته على التوافق واحترام الشعب الكردي وإرادته وجباله، كما يقول ذلك المؤرخ قسانوف وهيردوت اليونانيين.
وفي عام 1973 وبالقرب من سد جوبوك في أنقرة ، اجتمع في 21 آذار في عيد نورز القومي الكردي حوالي 7 من أبناء الشعب الكردي و الترك الأحرار الذين يؤمنون بالعلاقة والأخوة الكردية-التركية وقالوا كفى للإبادة والاحتلال التركي لوطن الكرد كردستان وكفى للفاشية التركية وقد كان على رأسهم القائد والمفكر والطالب حينه في قسم العلوم السياسية بجامعة انقرة، عبدالله أوجلان الذي كان يدرس العلوم السياسية في جامعة أنقرة وقال كلمة الحق والبداية لمشوار طويل يمتد إلى اليوم وهو الحقيقة التالية بأن “كردستان مستعمرة” وبدأ معها العمل الطلابي الكردستاني واليساري والسياسي والتوعوي لخلاص تركيا من الفاشية وكردستان من الاستعمار.
وبين أنقرة و إسطنبول ومدن شمالي كردستان من ديلوك(عنتاب) وكركم(مرش) وآمد(ديار بكر) وإيله(باطمان) و مردين ورها(أورفا) وأكري تزايد نشاط المجموعة الطلابية أو الأبوجية(نسبة للقب القائد عبدالله أوجلان) وأصبح الشباب الكردي وخاصة العمال والطلبة ينضمون للحراك الجديدة إلى أن تم في 27-11-1978 في قرية فيس في ولاية آمد(ديابكر) الاجتماع التأسيسي لحزب العمال الكردستانيPKK كمسار وطريق وسياق حرية لخلاص الأمة الكردية وتحرير الأجزاء الأربعة من كردستان وتوحيدهم وفق منطق حركات التحرر الوطنية و النظريات الفكرية والثورية السائدة في العالم حينها.
وكانت العمالة والخيانة المفروضة والطبقات الفوقية التي تمثل دولة الاحتلال التركية في المجتمع والمناطق الكردية من أولى من حاول سد الطريق أمام هذا السياق الحر والمجتمعي الذاتي رغم حداثته، فكانت حادثة استشهاد القيادي حقي قرار في 18 نيسان عام 1977 و أحداث حلوانية وسورك في أورفا ضد الخونة بقيادة أول قائد عسكري في تاريخ الحركة الكردية المعاصرة محمد قرى سنغر الذي استشهد أيضاً على يد العمالة والخيانة في باشور كردستان (إقليم كردستان العراق) وهو يعمل لإصلاح ذات البين بين الحركات الكردية في باشور كردستان( إقليم كردستان العراق) في بداية الثمانينات.
ومع الإنقلاب العسكري 12 أيلول لعام 1980 في تركيا بدعم غلاديو الناتو، بدأت الدولة التركية بفصل جديد وشديد من نظام الطوارئ والحرب في باكور كردستان(جنوب شرق تركيا) ذلك النظام الموجود في المناطق الكردية منذ 1925. وتم اعتقال وسجن عدد كبير من القادة والنشاط والمواليين وكذلك الآلاف وبل الملايين من أبناء الشعب الكردي والمعارضين للانقلاب ولسياسة السجن والقتل و الحرب الخاصة التي بدأتها السلطة الجديدة بدعم ومساندة من حلف الناتو الذي حكم تركيا فعلياً عبر غلاديو وأرغنكون(الشبكة السرية للناتو في أوربا وتركيا) ويحرك القوى فيها من خلف الكواليس لمصالح نظام الهيمنة العالمي واستراتيجياتها.
وفي سجن أمد(دياربكر) ولكونها أكبر مدينة كردية وينظر لها كمركز للكرد والنشاط والحراك السياسي الكردي، كانت للطغمة العسكرية العنصرية وللفاشية التركية الحاكمة سياسة خاصة تهدف إلى كسر إرادة الشعب الكردي وإخضاعه وترويضه بالقوة والإزلال ليقول أنا تركي ولست كردي ويمتنع عن التحدث بالكردية ويستسلم للدولة والفاشية، وجدير بالذكر أن اللغة والثقافة الكردية كانت ممنوعة منذ 1925 ولا زالت حيث لا توافق الدولة ولا يوجد نظام تربوي لتعليم أطفال الكرد وبلغتهم في المناطق ذات الغالبية الكردية في جنوب شرق تركيا مع العلم التعلم بلغة الأم من أبسط حقوق الإنسان ضمن كل الشرائع السماوية والوضعية.
فكانت الرد على فرض الاستسلام في السجن، ملحمة المقاومة والانتصار القائد الشهيد مظلوم دوغان وهو أحد أهم قيادات الحزب وقتها حيث قام بعملية فدائية في السجن وتسبب في شهادة نفسه تحت شعار “المقاومة حياة والاستسلام خيانة” ليقول لتركيا ولسلطتها و لإدارة السجن اننا لانقبل بالاستسلام مطلقاً، فكان موقفه البطولي اشراقة شمس المقاومة والحرية و انعطافة وتحول كبير و كان بعدة عمليتين لا تقل أهمية و هما العملية الفدائية للأربعة وهي بحرق أنفسهم وهم أربعة كوادر قياديين(فرهات كورتاي، محمد زنكين، أشرف آنيك ونجمي اونر)وكذلك الصيام حتى الشهادة للكوادر الاربعة (محمد خير درموش ، كمال بير ، عاكف يلماز وعلي جيجك) الذي استمر حوالي 65 يوماً، حيث كان لهذه العمليات الفدائية وملاحم المقاومة من داخل السجن أثار وصدى كبير في الوجدان والعقل والضمير الكردي أيقظتهم من السبات العميق ، كما كان رسالة للمحتل التركي بعدم الاستسلام وكذلك لحزب العمال الكردستاني بأن يأخذ قرار النضال والكفاح المسلح ضد دولة الاحتلال التركية الفاشية لتحرير كردستان والشعب الكردي.
فكانت اللحظة واليوم التاريخي المنتظر في 15 آب\ أغسطس لعام 1984 بعد أن قام القائد أوجلان بالجهد والعمل والتدريب والتحضير اللازم للقفزة التاريخية بعد سفره من باكور (جنوب شرق تركيا) إلى سوريا و لبنان والاستفادة من واقع الثورة الفلسطينية بعد أن تم دفع ثمن العلاقة مع الثورة الفلسطينية والقيام بواجب الصداقة تجاهها من دماء 12 شهيد في قلعة شقيف في جنوب لبنان لصد الاحتلال الإسرائيلي واعتقال العشرات.
وكان قائد قفزة 15 آب ، القائد الشهيد عكيد(معصوم قورقماز) من المجموعات التي تدربت عند الثورة الفلسطينية ورجع بعدها إلى كردستان مع مجموعات عديدة للبدء بالكفاح المسلح ضد دولة الاحتلال التركية ، فكانت عملية البداية من أروه(دهيه) وشمذينان التي أصبحت التاريخ وقبلة الحياة في عودة الروح والحياة لأمة كانت على شفير الموت والتصفية.
وكما يقول الثوري والمقاوم والدكتوري الجزائري “فرناز فانون” فإن الطلقة الأولى ضد المحتل هي في الوقت نفسه ضد الخوف والضعف. وهكذا كانت الطلقة الأولى التي هزم فيه الكردي خوفه وضعفه وعدوه وبدأ بملحمة المقاومة والحياة والإنبعاث من جديد بعد أن ظن الأتراك أنهم دفنوه في القبر مع علم ثورة أكري.
وأحدثت العملية الأولى أو ما نسميه في المجتمع الكردي قفزة 15 آب زلزالاً للدولة التركية والشعب الكردي فهب الشباب والبنات الكرد وبالألاف ينضمون للثورة، ودخل الزعر والخوف بالمقابل في نفس كل عنصر محتل للدولة التركية في كردستان وأنصعقت الدولة التركية بأنه كيف لشعب جعلناه مقتلولاً وضعيفاً أن يمتلك الشجاعة والجرأة ويهاجم على جيش تركيا ثاني أكبر جيش في الناتو.
ومازالت المقاومة مستمرة إلى اليوم وستستمر لأنها وجدت لحل القضية الكردية وخلاص الشعب الكردي من الاحتلال والإبادة الجماعية الفريدة ولأنها ليس هناك من سبيل لوقف الإبادة التي تمارسها الدولة التركية إلى اليوم إلا بالدفاع المشروع والمقاومة ومازالت تركيا ترفض الحل السياسي والديمقراطي وتصر على الحل العسكري وتصفية الشعب الكردي وإنهائه واحتلال عفرين وطرد وتهجير أهلها أحدث هذه الأمثلة، رغم كلام بعض الخونة والعملاء أو الحمقى الذين يرددون ويقولون بإمكانية نيل الحرية والحقوق القومية بالثرثرة و الديماغوجية الزائفة ولا يضعون نصب أعينهم الإبادة المستمرة، مع التذكير أن المقاومة الكردية والنضال العسكري و السياسي الكردي المرافق مر بكثير من المحطات والتغيرات التكتيكية والاستراتيجية حسب الظروف وتطور التجربة النضالية والعسكرية والتنظيمية الكردية، من بدئها بإسم قوات تحرير كردستان(HRK) إلى الجيش الشعبي لتحرير كردستان(ERNK) وصولاً لقوات الدفاع الشعبي الكردستاني(HPG).
ومن الهام فهم أهمية وأبعاد قفزة 15 آب فهي ليست فقط بداية نضال وكفاح مسلح بل إنها بداية سياق ومسيرة وحياة جديدة وبناء إنسان حر وديمقراطي وذهنية تشاركية حرة وإرادة حرة تؤمن بالتعددية والتنوع والحرية والديمقراطية وكذلك يمكن القول أن قفزة 15 آب هي ميلاد لنموذج المرأة الحرة وامتلالها الشخصية الحرة القادرة على حماية وإدارة وقيادة المجتمع والثورة ومانراه في شمال سوريا من ظهور وحضور نموذج المرأة الحرة ونموذج الرئاسة المشتركة والمجتمع الديموقراطي وأخوة الشعوب منبعه ومركزه الفكري والمعنوي والأخلاقي والإرادي هو قفزة 15 آب وتأثيراتها في المجتمع الكردي والفكر النضالي الكردي الديمقراطي الحر.
ومع دوران عجلة المقاومة والنضال والتنظيم واتساعها وتعاظمها في التسعينات أراد القائد عبدالله أوجلان في سلك مسار الحل السياسي والديمقراطي ومنذ 1993 وحتى اليوم أعلن الطرف الكردي والقائد أوجلان وحزب العمال الكردستاني وقف إطلاق النار لأكثر من 9 مرات لحل القضية سليماً وديمقراطياً، لكن الدولة التركية وفي كل مرة لا تقوم بما يقع على عاتقها وتتهرب من حمل المسؤولية وتكون إنهاء وقف إطلاق النار من قبلها فليس لديها القدرة على اتخاذ قرار حل القضية الكردية التي لها أبعاد عالمية وإقليمية كبيرة تتجاوز حجم تركيا وقوتها.
ومن المهم الإشارة إلى أن التشارك والتواطؤ الدولي وخاصة من أقطاب نظام الهيمنة العالمي الذي وبسبب وجود تركيا في الناتو ولماهية الدولة التركية الوظيفية في المنطقة لصالح أجندات وسياسات واستراتيجيات نظام الهيمنة العالمي، لا يريدون حل القضية الكردية وإنجاز توافق كردي تركي أو أية توافقات بين شعوب المنطقة، ولذلك ليس لديهم حتى اللحظة أي سياسة إيجابية تجاه حل القضية الكردية بل أنهم مازالوا يسلكون نفس السلوك منذ عام 1921 تجاه القضية الكردية في عدم حلها وبقائها كبورة توتر جاهزة للإشتعال وقت الحاجة والضرورة رغم اختلاف الأولويات بين الدولة التركية والدولة المركزية في نظام الهيمنة العالمية في السنوات الأخيرة في مقاربتهم للقضية الكردية.
ومنذ عام 1985 دخل الناتو على الخط في تركيا وقام بدعم الدولة التركية بكل أنواع الأسلحة والأدوات و الدعم الاقتصادي والإعلامي والسياسي لحرب تركيا ضد الشعب الكردي ولولا ذلك الدعم لما استطاع تركيا الصمود شهراً واحداً أمام الشعب الكردي وقواه المدافعة والحرة. وكما أن الناتو وأمريكا وإسرائيل قاموا ومع دول عديدة ببدء مؤامرة دولية لاعتقال القائد والمفكر عبدالله أوجلان في 9 أكتوبر 1988و اعتقاله في 15 شباط عام 1999 و تسليمه لتركيا قبل 24 سنة وقيام تركيا بممارسة العزلة والتجريد عليه وكان هذه المؤامرة من أكثر الممارسات التي سدت ومنعت الحل السياسي والديمقراطي أمام القضية الكردية واستقرار المنطقة وجعلت تركيا تظن نفسها انتصرت ولكن بعد 24 سنة أصبح حزب العمال الكردستاني والشعب الكردي أقوى و أصبح الذين يتبنون أفكار وفلسفة القائد والمفكر اوجلان ويقفون معه ليس الكرد وحدهم بل الكثير من شعوب المنطقة وحول العالم مع طرح القائد لمشروع الأمة الديمقراطية والإدارة الذاتية لحل القضية الكردية وقضايا المنطقة والكونفدرالية الديمقراطية للأمم الديمقراطية في الشرق الأوسط وهو بهذا تجاوز البعد الكردي القومي إلى الشرق أوسطي والإنساني بأن جعل النضال الكردي أهم محرك ودافع للنضال الديمقراطي لشعوب المنطقة و التحول الديمقراطي في دولها الذين يريدون إجراء التحول الديمقراطي وتحقيق وبناء الديمقراطية في المنطقة كنظام للحياة والإدارة والمجتمع.

ومع استشهاد حوالي 50 ألف من الشعب الكردي وتهجير تركيا للملايين وتركيز الدولة التركية لكل سياساتها واستراتيجياتها حول إنهاء الحركة الكردية المقاومة ورغم تماهي بعض الدول الأوربية وحتى أمريكا معها في وصف الحركة الكردية بالإرهاب ووضعها في القائمة السوداء زوراً ونفاقاً وكذباً وإرضاءً لتركيا، لكن الكل يعلم ويؤمن ويقول بعدالة القضية الكردية وحق النضال الكردي الديمقراطي وبممارسة تركيا اللإرهابية الممنهجة ضد الشعب الكردي في تركيا وسوريا والعراق. بل أن تركيا وفي السنوات العشرة الأخيرة وتحت حجة محاربة الإرهاب واستغلالاً لحالة الضعف في المنطقة مع ما يسمى الربيع العربي، حاولت وتحاول تطبيق مشروعها العثمانية الجديدة الذي يتجاوز الجغرافية والشعب الكردي إلى التدخل واحتلال الدول العربية كما تفعل الآن في شمالي سوريا وشمالي العراق ورغبتها في الوصل إلى مزيد من الجغرافية السورية والعراقية والعربية بشكل عام.
وعليه، فإن قفزة 15 آب\اغسطس بنت حالة نضالية وسياق اجتماعي وشعبي ديمقراطي في الأمة الكردية وشعوب المنطقة وهو ليس فقط نضال عسكري أو عمليات عسكرية وأمنية ضد المحتل في الميدان بل مضافة له فلسفة للحياة الحرة وبناء النظام الديمقراطي ووحدة وتكامل لشعوب المنطقة وبحث للحلول لأزمات المنطقة ضمن المجتمع الحر الديمقراطي وبالاستناد إلى أخوة الشعوب وحرية المرأة وريادتها مع الشباب لجهود ونضالات التغيير والبناء ومقاومة المحتل. وبالتأكيد أن قفزة 15 آب هي لب وجوهر حق الدفاع المشروع الذي أقرته وشرعته كل القوانين الدولية والشرائع السماوية والوضعية، وأي حل لقضايا تركيا وسوريا والعراق وإيران وكذلك المنطقة لابد أن يأخذ الحركة الكردية والشعب الكردي المناضل والمقاوم والديمقراطي والحر والذي هزم داعش وخلص المنطقة والعالم بعين الاعتبار، وما أنتجته قفزة 15 أب من إحياء الشعب الكردي وإعادته من الموت المؤكد والبدء بالنضال والكفاح المسلح هو اليوم رافعة بناء ودفاع وديمقراطية وحرية وقوة لشعوب المنطقة ولاستقرار المنطقة ولسلامتها ولأمنها في مواجهة دولة الاحتلال والإبادة تركيا الفاشية ومشروعها الاستعماري” العثمانية الجديدة” التي تستهدف كل المنطقة والدول العربية. والمجتمع الكردي اليوم بغالبيته مجتمع منظم وواعي نتيجة سنوات النضال الطويلة ويمتلك قوة عسكرية وسياسية وتنظيمية وفكرية وأيدولوجية وثقافية ومشروع ديمقراطي قادر على لعب أهم الأدوار في المنطقة وبل أن المغزل الكردي كما أكده المفكر والقائد عبدالله أوجلان سيدور لجعل انطلاقة المنطقة وشعوبها تصل لمراتب عالمية واشراقات كبيرة بإنجاز الثورة الديمقراطية للشرق الأوسط كما أنجز الثورة النيولتية قبل حوالي 12 ألف سنة في ميزوبوتاميا العليا ومن لا يرى هذه الحقيقة لا يستطيع قراءة التاريخ والحاضر ورؤية المستقبل الذي سيكون للشعب الكردي ومن يتحالف معه النصر والصدارة.

ذكري تأبي النسيان..3 أغسطس جرح مازال ينزف فى صدور الإيزيديات

بقلم / مالافا علي

 

 

لكلِّ إمرءٍ تاريخٌ يحبذُ قدومه أو تاريخٌ يتوجس منهُ .
إنه الثالثُ من أغسطس /آب، حرٌّ يفتِكُ بالبدن وأطفالٌ يبكونَ حتى يذوب صدى صوتهم بين أذرعةِ أُمهاتهم اللواتي تحولن إلى سبايا بيد تنظيم داعش الإرهابي ،إنهن نساءٌ كُرديات إيزيديات غدرَ بهم القدر للمرة الثالثة والسبعين.
والإيزيدية هي مجموعة إثنية من الناس مدموجة من الدين وتراث الأجداد وبحسب التاريخ الإيزيديون يتركزون في جغرافية كردستان المقسمة بين سوريا والعراق وتركيا، يتحدثون اللغة الكُرمانجية ويحافظون إلى اليوم على تاريخهم وتراثهم القديم .
اشتهر الإيزيديون في العالم بتاريخهم المآساوي ومعاناتهم الطويلة مع الإبادات وأخرها مجزرة شنكال سنة 2014 على يد تنظيم داعش الإرهابي.
المرأة الشنكالية ذاقت الأمرين في كنف تنظيم داعش الإرهابي وجُرِدت من حقيقتها التاريخية والدينية , فارتدت الأسود مُكرهة وحُرِمت عليها ألوانها الزاهية التي لطالما تزينت بها ، تلك الألوان التي مثلت الحياة الطبيعية الأولى ، اغُتصِبت هويتها وثقافتها و أُجبِرت نساءٌ كثيرات على إعتناق الإسلام وكثيرات تم قتلهن بأفظع الطرق لرفضهن تغيير دينهن وتم بيع الآلاف في أسواق النخاسة في الرقة عاصمة الخلافة المزعومة يوماً ما،
هكذا كانت هي الضحية التي أُجبِرت على حياةٍ لا تشبه الحياة بإمكانك أنْ تصفها بالجحيم المُستعر و على الرغم من تحرير شِنكال وتحرير الآلاف من النساء الإيزيديات إلى أنَّ ذكريات شهر آب تمتدُ بتلك الحرائر إلى يومنا هذا .

فانتظار انجِلاء ليل وظلام داعش حفر في قعر عقلِهن الأسى والخوف . مشاهد قتل الأجنة في بطون الأُمهات والاعتداء عليهن وحرق أخريات أحياءً داخل الأقفاص ،خاصة اللواتي رفضنَ الرضوخ لتنظيم داعش لا تفارقُ مُخيلة نساء ناجيات من فكيّ داعش الإرهابي بعد تحريرهن على يد قوات سورية الديمقراطية عام 2017 عند تحرير مدينة الرقة السورية من رجس داعش , ذاك النصر الذي أعاد الحرية للمرأة الإيزيدية .
وتعرض المجتمع الإيزيدي في شنكال في إقليم كردستان العراق لهجمة بربرية شاسعة من تنظيم الدولة الإسلامية تنظيم داعش الإرهابي في الثالث من أغسطس آب سنة2014 ، وارتكبت المجزرة بعد انسحاب قوات البشمركة التابعة لإقليم كردستان العراق منها , كان الإنسحاب فُجائياً ومع انسحابهم تُرِك المجتمع الإيزيدي وجهاً لوجه مع إرهاب تنظيم داعش الذي قتل الرجال والشباب أمام أعيُّن نسائهن وأُمهاتِهن وعزلَ الأطفال عن النساء , ونقل النساء إلى عاصمته مدينة الرقة السورية ليتم بيعهن في أسواق الموصل والرقة .
تعاني المرأة الإيزيدية إلى اليوم من آثارٍ نفسية وصحية إثر تلك المذابح والمجازر التي صنعت شرخاً في ذاكرتها المنقسمة إلى ثلاثة وسبعين مجزرة . تحولت من سيدة منزلها وأم أطفالها وأخت أشقاءها إلى سبية رخيصة تُباع كغرضٍ أو حاجة مادية للبشر، عُرِضت على الباعة كالألعاب وكانت محط سخرية البعض أو سيل لُعاب الآخرين من وحوش العصر الحديث (داعش) .

المرأة الشنكالية عاصرت وحشية القرن الواحد والعشرين وما سبقها من عصور شبيهة ،لكن لم ترضى بالبقاءِ أسيرةَ الذكريات المُظلمة والرضوخ لقانون الغاب و لم ترضى العيش ضمن دائرة الضحية لتحافظ على نفسها ومجتمعها وبدأت بتنظيم نفسها ضمن وحدات المرأة الشنكالية YJŞ أسوةً بوحدات حماية المرأة في شمال وشرق سورية ، عبر تأسيس المنظمات المدنية والإدارية والسياسية والأمنية حتى غدت المرأة الإيزيدية من النساء الرائدات في كافة المجالات وتقلدت المناصب العليا وأدارت نفسها بنفسها ،
ومنهن الإيزيدية الناجية من تنظيم داعش (نادية مراد )من قرية كوجو في قضاء شنكال التي تم اختيارها عام 2016, كسفيرة للنوايا الحسنة للأمم المتحدة وحصلت على جائزة نوبل للسلام عام 2018.
كذلك لمياء حجي بشار إحدى رموز نضال وكفاح المرأة للتحرر من قيود داعش وتأثيراته ،لمياء أيضاً من قرية كوجو، منحها الإتحاد الأوروبي جائزة ساخاروف لحرية الفكر عام 2016.
في السياسة أيضا طفى خيال المرأة الإيزيدية على السطح وطغت صورتها العصرية على البرلمان العراقي عبر شخصيات نسائية إيزيدية حاربن بكل ما أُتين من قوة من لإيصال صوت المرأة الإيزيدية وألمها للمجتمع الدولي .
المرأة الإيزيدية هي خيرُ مثالٍ تحتذي بها النساء اللواتي تعرضن لكافة أشكال الظلم والاضطهاد ولكن نفضن الغبار عن أجسادهن النحيلة المنهكة، وتغلبن على الألم في صدرهن , حولن الغضب إلى قوة وإرادة للاستمرار في حماية مكتسباتهن وإلى اليوم تدافعن عن قضيتهن لتكون قضية عالمية تُساهم في الاغتراف الأممي والدولي بالمجازر المرتكبة بحق شعبهن وإدراج تاريخهم وتراثهم في التاريخ الدولي .

https://alshamsnews.com/2022/05/%d9%88%d8%b1%d8%af-%d8%b0%d9%83%d8%b1%d9%87%d9%85-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b1%d8%a3%d9%86-%d9%85%d8%b9%d9%84%d9%88%d9%85%d8%a7%d8%aa-%d9%84%d8%a7-%d8%aa%d8%b9%d8%b1%d9%81%d9%87%d8%a7-%d8%b9%d9%86.html

https://alshamsnews.com/2022/02/%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ad%d9%83%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%aa%d8%ad%d8%a7%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a7%d9%82-%d8%aa%d9%86%d8%aa%d8%b5%d8%b1-%d9%84%d9%80-%d8%a7%d9%84.html

لماذا الحوار العربي الكردي ضرورة ؟ 

بقلم الكاتب الكردي السوري/ حسين عمر

لم يكن الشعبين العربي والكردي بحاجة الى الحوار والتعاون والتلاحم على مر السنوات الماضية وخاصة بعد تقسيم المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى وتشكيل خرائط لدول جديدة قائمة على أساس العرق أو القومية ، كما هو اليوم والسبب يعود الى تشارك الشعبين معا منذ دخول الإسلام إلى ديار الكرد كما أفصح عنها العديد من المؤرخين العرب في ذلك الحين حيث أصبح الغالبية من الشعب الكردي شريكا موثوقا في الانضمام  للدعوة الجديدة وحاملا لرايتها بعد أن استقر الحال بها في ديار الكرد وتشارك وتعاون الكرد والعرب في سبيل إعلاء كلمة الدعوة الجديدة وتوسيع رقعة انتشارها وتنظيم الحياة في المجتمعات التي وصلت إليها.

لكن النزعات القومية والعنصرية التي ظهرت في الفترات المتأخرة من عمر الدولة الإسلامية خلقت هوة بين الشعوب المتشاركة وزعزعت أركان الدولة لتتفتت بعد ذلك الى دويلات وإمارات كان للقبائل التي رحلت من مناطقها في صحراء منغوليا الفرصة لتستولي على مقاليد السلطة أو تطويعها في خدمة تنفيذ أجنداتها.

https://alshamsnews.com/2021/09/worldnews_034332969.html

وقد استقرت أغلب تلك القبائل الغازية في ديار الكرد لوقعها في طريق ترحالهم وكذلك بسبب خصوبة مراعيها وكثرة أنهارها وينابيعها وهو ما دفع الكرد إلى استنباط آلية عملية يستطيعون من خلالها حماية وجودهم القومي والجغرافي على قدر المستطاع وبالفعل سيطرت تلك القبائل على مناطق شاسعة من ارض الكرد والأرمن والرومان ودفعت بالأرمن الى الهجرة شمالا وبالكرد الى التمترس في ثنايا جبالهم الوعرة وهو ما دفعهم الى نبذ العنف وطلب السلام والأمان والاستقرار حتى لو كان على حساب أرضهم ووجودهم الجغرافي في فترة كان القوى الاستعمارية تساند الأمراء والحركات الاجتماعية والنخبوية العربية في سبيل التحرك ضد الدولة العثمانية وهو ما حصل بعد الحرب العالمية الثانية حيث اتفقت القوى النافذة في العالم حينها على تقسيم المناطق الخاضعة للسيطرة العثمانية وتشكيل دول جديدة في المنطقة حملت بعد بدايات التأسيس بفترة قصيرة أفكار ونزعات قومية تم إعلاء صفة القومية فيها على صفة الوطنية وأصبحت الطبقة الحاكمة في تلك الدول المستحدثة ذو توجهات قوموية واضحة رافضة لأي تشاركية او تعددية قومية في الوطن المحدث وهو ما خلق بعد سنوات عديدة حالة من الاستعلاء لدى النخبة المثقفة والسياسية والاجتماعية في تلك الدول مما قضى على أية فرصة لإمكانية العيش المشترك على أساس المساواة داخل تلك البلدان وبدأت الفئة المذكورة تنظر الى الكردي والأمازيغي والنوبي على أنهم مهاجرون دخلاء على الرغم من الحقائق التاريخية التي تثبت بأنهم سكان أصليون في تلك البلدان ووجودهم اقدم من وجود العرب فيها ولكن الإرادة الاستعمارية خلقت حالة جديدة ، تلك الحالة التي اصبح الكردي والأمازيغي والنوبي بموجبها محرومون من حقوقهم الوطنية والقومية ومعاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية.
لقد أدى التطورات الاقتصادية والتكنولوجية المتسارعة في العالم الى تكديس الثقافة وفتحت المجال أمام الجماهير للنهل من مناهل المعرفة بمختلف أصنافها ومنها المعرفة التاريخية وكذلك ظهرت الحاجة إلى التفاعل ولم يعد هناك ما يمكن لأي سلطة أو دولة إخفاءها عن  الراى العام ولكن تغيرت بعض المفاهيم.

وظهرت أراء جديدة في تلك الأوطان تقر بحقيقة وجود المختلف لغويا وثقافيا وتطالب بالحوار والتفاعل سويا للوصول الى صيغة مثلى في العيش المشترك وقد كان الرواد الكرد وحراكهم السياسي والاجتماعي مبادرا في فتح الأبواب لا بل الدعوة الى حوار كردي عربي وقد كان اهم شعار للحركة الكردية في سوريا والعراق على سبيل المثال هو شعار: الأخوة الكردية العربية ضرورة مصيرة.

وعلى ذلك الأساس كانت تحاول التواصل والحوار مع الحركات والنخب العربية ولكن لم تصل تلك الجهود الى نتيجة مرضية حتى هذه اللحظة والسبب باعتقادي يعود الى طغيان الفكر القومي على النخب العربية وحركاتها السياسية مما قلل من فرص نجاح تلك المبادرات المستمرة حتى الآن.
ونظرا للظروف الاستثنائية التي تمر بها المنطقة ودولها ونخبها وتعرضهم لحالة من الاغتراب والانعزالية، هناك حاجة ماسة في هذا التوقيت بالذات لعقد ندوات ولقاءات واجتماعات بين الفئات المختلفة من شعوب ومكونات المنطقة للتوصل الى صيغة تحمي الإرث التاريخي والقومي والإنساني لشعوب المنطقة وتحقق لهم حياة تشاركية مبنية على الحرية والديمقراطية والمساواة.

https://alshamsnews.com/2021/11/%d8%a3%d9%8f%d8%b0%d9%86-%d9%84%d9%84%d9%83%d8%b1%d8%af-%d8%a3%d9%86-%d9%8a%d9%8f%d9%82%d8%a7%d8%aa%d9%84%d9%88%d8%a7-%d8%a8%d8%a3%d9%86%d9%87%d9%85-%d8%b8%d9%8f%d9%84%d9%85%d9%88%d8%a7.html

https://alshamsnews.com/2021/12/%d9%86%d8%ad%d9%88-%d8%ad%d9%88%d8%a7%d8%b1-%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a-%d9%83%d8%b1%d8%af%d9%8a-%d9%86%d8%a7%d8%ac%d8%ad.html

44 عاما من المقاومة..كيف نجحت قوات الدفاع الشعبي فى إحباط مخططات إبادة الكرد؟

دجوار أحمد أغا
أساسيات وجود الحياة على كوكبنا، وبقاء الكائنات حية منذ ملايين السنين تكمن في ثلاثة أمور جوهرية لكل الكائنات الحية، وهي الغذاء والتكاثر والحماية. هذه الأمور يحتاجها كل كائن حي، وهي موجود في كينونته تكمل بعضها البعض، بدون أحداها لا يمكن أن تستمر الحياة كونها مترابطة ومتداخلة بشكل وثيق.
نأتي الأن إلى الانسان فهو حسب التطور الطبيعي للكائنات الحية يُعتبر الكائن الأكثر خبرة وتطوراً واستخداماً للعقل والفكر. حيث اخترع الكثير من الأشياء طور من خلالها أساليب العيش والحماية وغيرها من الأمور التي تساعده على تحسين نوعية غذائه والعيش بسلام. لكن بالمقابل ظهر نوع أخر اجرامي وذو تفكير اناني نرجسي يعمل من أجل عالمه الخاص، يبغض العام ويسعى للسيطرة عليه مستخدما العقل البشري في اختراع أسلحة دمار شامل ومؤامرات ودسائس بحق الشعوب والأمم بحيث يبقى هو سيد العالم متحكماً بكل مفاصل الحياة من خلال القوة المفرطة. برز هذا العقل الاجرامي مع ظهور النظام الذكوري والذهنية السلطوية المسيطرة على الشعوب بعد بناء نظام الدولة والتحكم برقاب ومقدرات الشعب من خلال ادواتها القمعية.
مقالنا مخصص للمقاومة الأسطورية التي تسطرها قوات الدفاع الشعبي في جبال كردستان في مواجهة الوحشية والهمجية التي تشنها “مدنية” الجمهورية التركية ضد شعبنا الكردي وحركة حرية كردستان. هذه المقاومة التي بدأت مع ولادة الخط الثوري الفكري الذي اعتبر كردستان مستعمرة دولية ولا بد من تحريرها من خلال مجموعة من الطلبة الثوريين الكرد والترك في بداية سبعينيات القرن الماضي في تركيا ومن ثم تحولت فيما بعد إلى حزب سياسي مكافح ومناضل من أجل هذه الفكرة وهذا الهدف، ألا وهو حزب العمال الكردستاني في 27 / 11 / 1978.
لم يتوقع النظام التركي أن تتطور هذه الحركة وتستطيع بناء الانسان الكردي الثوري المؤمن بعدالة قضيته والمستعد للتضحية بروحه وجسده في سبيلها بسهولة. خاصة مع زرع عملاء لها داخل الحركة. وعندما لم تستطع أن تُسيطر على الأمر، قامت بالضربة العسكرية في 12 أيلول 1980 بقيادة رئيس أركان جيشها حينها “كنعان ايفرين” والذي يُعد الانقلاب الأكثر دموية في التاريخ الحديث. حيث بدأت القوات الأمنية وقطعات الجيش والجندرمة باعتقال كل من تعاطف مع حركة حرية كردستان، لا بل وصل بهم الأمر إلى اعتقال كل من تجرأ ونطق بالكردية. لم تعد السجون تتسع للمزيد من السجناء والمعتقلين، فعمد النظام الى جعل المدارس معتقلات وتجاوزت أساليب التعذيب التي ارتكبتها قواته بحق المعتقلين والسجناء حدود العقل البشري وقدرة الانسان على الاحتمال.
في مواجهة ذلك أشعل القائد الثوري مظلوم دوغان (كاوا العصر) النار بنفسه لتتقد شعلة النوروز في ليلة 20 اذار 1982 ومن بعده قام رفاقه قادة الحركة محمد خيري دورموش وكمال بير وعلى جيجك وعاكف يلماز بمقاومة مختلفة من نوع آخر الا وهي “صيام الموت” أو الاضراب عن الطعام حتى الموت بإصرار وعزيمة لا تلين. كانت هذه المقاومة كافية لإبقاء الحركة على قيد الحياة بعد أن كانت على وشك الانتهاء من خلال عملاء الداخل التصفويون وعمليات التعذيب الوحشية بحق السجناء.
لم ينتهي الأمر عند هذا الحد، استمرت الأنظمة المتعاقبة على تركيا في ممارسة كل أنواع العنف والترهيب والقتل بحق المناضلين السياسيين لشعبنا الكردي. فكان اغتيال وداد أيدن ومحمد سنجار وموسى عنتر وطاهر الجي وغيرهم من خيرة أبناء شعبنا على يد عصابات الدولة الفاشية وتسجيل الجريمة تحت بند “فاعل مجهول”. إلى ذلك استمرت هذه الأنظمة بممارسة سياساتها القمعية والتدميرية بحق كردستان فقامت بتجريد عشرات ومئات الحملات العسكرية العدوانية الضخمة ضد كردستان وتجاوزت الحدود المرسومة مع جنوب كردستان في أكثر من مرة وتحت حجة حماية أمنها القومي.
اللافت للنظر أنه كان البرلمان التركي دوما يصوت لصالح هذه الحملات معارضة ومولاة. أي أنهم متفقون على الحسم العسكري للقضية الكردية. لكن قوات الدفاع الشعبي التي لها ميراث وتاريخ نضالي يستند الى ارث مظلوم دوغان ومعصوم قورقماز (عكيد) الذي أطلق حملة 15 آب 1984 العسكرية في مواجهة الحرب المدمرة، وحطم اسطورة الجيش الذي لا يقهر. هذه القوات الثورية طورت اساليبها النضالية في مواجهة الأسلحة التي تستخدمها الأنظمة الفاشية حتى تلك المحرمة دولياً. أمام هذه الروح العالية للمقاومة والإرادة الحرة، انهزمت وانكسرت وتراجعت قوات الفاشية التركية في جميع حملاتها السابقة والتي كانت تسميها مسميات مختلفة (الفولاذ1995، المطرقة 1997، الشمس 2008، مخلب النسر ومخلب النمر 2021، والآن قفل المخلب منذ 14 نيسان 2022).
هذه الحملة الأخيرة التي بدأت في الرابع عشر من نيسان المنصرم لا تختلف عن سابقاتها بشيء سوى بكثافة القوات المشاركة وضراوة المعارك والاستخدام المتكرر للأسلحة الكيماوية. وفي الجهة المقابلة نرى قوات الدفاع الشعبي قد جعلت من مناطق آفاشين ومتينا والزاب ورخلة وخاركوك وغيرها من المناطق الكردستانية مقبرة للغزاة وتوقع يوميا بين صفوفهم العشرات من القتلى والجرحى الذين لم تعد تسعهم المستشفيات، مما تضطر حكومة الحرب الى إخفاء عدد قتلاها وعدم الإعلان عنهم وخاصة أبناء الطبقة الكادحة الفقراء الذين تزج بهم في هذه الحرب المدمرة. إن قوات الدفاع الشعبي التي جعلت من هذه الجبال الموحشة والوديان السحيقة والكهوف المرعبة أماكن عشق للحياة الحرة واستطاعت ان تدجن الصقور والغزلان. لا يصعب عليها أن تبتكر وتخترع أساليب جديدة وتكتيكات حديثة لمواجهة آلة الحرب الجهنمية والتكنولوجيا الحديثة التي تستخدمها القوات الغازية وهي تقوم بواجبها على أكمل وجه.
لكن نحن ماذا علينا أن نفعل؟ برأي الشخصي المتواضع أرى بأنه يجب على كل إنسان يعتبر نفسه انساناً ومؤمن بعدالة قضية شعبنا في العيش بحرية وكرامة فوق أرض وطنه، أن يرفع صوته عالياً ضد هذه الحملات العدوانية البشعة ويطالب بوقفها وسحب قوات الاحتلال منها. كما يجب عليها أن تدعم هذه المقاومة الباسلة التي تعدت حدود العقل البشري وأصبحت ضرباً من ضروب الخيال في تصديها وبسالتها للدفاع عن كل شبر من هذه الأرض المقدسة التي رويت بدماء أبنائها وبناتها الشجعان.

ذات صلة

https://alshamsnews.com/2021/11/%d9%81%d9%8a-%d8%b0%d9%83%d8%b1%d9%89-%d8%aa%d8%a3%d8%b3%d9%8a%d8%b3-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%85%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%b1%d8%af%d8%b3%d8%aa%d8%a7%d9%86%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%a7%d9%87.html

https://alshamsnews.com/2022/01/%d8%ac%d8%a7%d9%87%d8%b2%d9%88%d9%86-%d9%84%d9%84%d8%ad%d9%88%d8%a7%d8%b1-%d9%85%d8%b9-%d8%a3%d9%86%d9%82%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%86%d8%b1%d8%a7%d9%84-%d9%85%d8%b8%d9%84%d9%88%d9%85%d9%84.html

الفتنة العربية الكردية هدف رئيسي..قراءة متأنية فى مسار الأزمة السورية قبل الثورة وبعدها

قامشلو: دجوار أحمد أغا

ليس بخافي على أحد خطورة ما يجري في العالم منذ بداية القرن الحادي والعشرين والتي سوف ترسم ملامح الخريطة السياسية العالمية خلال القرن الحالي وربما لقرون قادمة. انطلاقا من الأحداث والتطورات الدراماتيكية التي حدثت وتحدث في العالم عامة والشرق الأوسط خاصة بعد اندلاع ما سُمي ب “ربيع الشعوب” أو الربيع العربي كون معظم الحراك السياسي الذي انطلق في هذه المرحلة بدأ من البلاد العربية بدءا من تونس مرور بكلا من مصر وليبيا ولبنان والاردن والجزائر والبحرين وصولا الى اليمن والعراق وسوريا.
لنلقي نظرة على ما جرى في مطقتنا خلال العقدين الماضيين من قرننا الحالي الواحد والعشرين. ربيع دمشق بدأ مع موت الرئيس السوري حافظ الاسد ومجيء ابنه بشار الذي درس طب العيون في بريطانيا وكان الناس متفائلين بحدوث بعض التغيير في عقلية النظام الأمنية وإعطاء فسحة من الأمل لظهور نوع من الديمقراطية.
وبالفعل تم افتتاح المنتديات الثقافية والاجتماعية وحتى السياسية والتي أضحت دمشق تضج بها لفترة قصيرة من الزمن، عادت بعدها لسابق عهدها وربما أشد قسوة. كان هناك غليان داخل نفوس الشعب السوري فمنذ مجيْ نظام البعث للحكم في سوريا بانقلاب 8 آذار 1963 ومن ثم استلام حافظ الأسد الحكم بانقلاب 16 تشرين الثاني 1970 والتي سماها “الحركة التصحيحية” أصبحت الديمقراطية في مهب الريح والاشتراكية كلمة تُقال دون وجود فعلي على الأرض. فرغم وجود شعارات براقة كالأرض لمن يعمل بها، واليد المنتجة هي العليا في دولة البعث، إلا أن الواقع كان مختلفاً، فالبعث كان حزباً عروبياً عنصريا أول ما قام به هو تغير اسم الجمهورية السورية إلى الجمهورية العربية السورية إضافة إلى محاربة القضية الكردية واحداث تغيرات ديمغرافية في المنطقة، خاصة مسألة الحزام العربي وتوطين السكان العرب من مناطق الرقة والطبقة الذين غمرت مياه سد الفرات أراضيهم في مناطق الجزيرة وعلى طول الشريط الحدودي (خط العشرة) الذي يتميز بوفرة المياه والأراضي الزراعية الخصبة حيث تم الاستلاء على أراضي مئات القرى الكردية على طول الشريط الحدودي الفاصل بين باكور وروجافا واعطائها للقادمين الغمر. هذا من جهة، ومن جهة أخرى تم طرد الكثير من المواطنين الكرد من قراهم بعد مصادرة أراضيهم الزراعية وتعريب أسماء القرى والبلدات والمدن الكردية.
لم تكتفي حكومة البعث بكل هذه الإجراءات التعسفية والكيدية بحق الكرد بل سعت إلى إحداث فتنة بين الكرد والعرب كشعوب يعيشون معاً في السراء والضراء. فكانت أحداث 12 آذار التي سرعان ما تحولت إلى انتفاضة كردية عارمة عزت عرش السلطة في دمشق والتي دفعت بقوتها إلى المنطقة بشكل مكثف والضغط على الكرد بشكل أكبر. الأمر الذي أدى إلى غليان في الشارع الكردي خاصة بعد خطف الشخصية الدينية والوطنية الشيخ معشوق الخزنوي وقتله ومن ثم دفن جثمانه في دير الزور لإعادة إحياء الفتنة وخلق بلبلة بين أبناء الجزيرة من كرد وعرب.
كما قاموا باغتيال الشخصية الوطنية مشعل تمو في تحد واضح للقوى والحركات السياسية الكردية التي سعت إلى تغير نهجها والدعوة الى اللحمة الوطنية ومقاومة الأساليب الأمنية والقمعية من جانب سلطة البعث الحاقدة.
ومع بروز بزوغ فجر جديد في سوريا من خلال المسيرات وحركة الاحتجاجات السلمية خاصة في الداخل مدن دمشق وحمص وحماه وجنوبا درعا والسويداء حيث امتدت إلى الشمال السوري وكذلك للجزيرة وخرجت جماهير حلب وإدلب وعفرين والرقة ودير الزور وقامشلو وعامودا والحسكة لتشارك في هذه المسيرات السلمية والداعية إلى العيش بحرية وكرامة.
لكن مع تحريف الثورة عن مسارها من خلال المداخلات الإقليمية وخاصة تركيا واستلام الجماعات الإسلامية المتطرفة لزمام الأمور وخروج قطار الحرية عن سكته، قام الكرد بثورتهم في التاسع عشر من تموز 2012 أي بعد مرور سنة وعدة أشهر على اندلاع الاحتجاجات في آذار 2011 حيث تم تشكيل وحدات حماية الشعب ومن ثم وحدات حماية المرأة وبعدها قوى الأمن الداخلي (الأسايش) للحفاظ على أمن وأمان المواطنين وظهرت نية العيش المشترك وأخوة الشعب لدى جميع الشعوب القاطنة في المنطقة وفق فلسفة الامة الديمقراطية حيث تم تأسيس وتشكيل الإدارة الذاتية الديمقراطية في 21 كانون الثاني 2014 في الجزيرة وبعدها في كوباني وعفرين ومن ثم بعد تحرير مناطق (منبج، الطبقة، الرقة، دير الزور) تم تشكيل مجالس وإدارات مدنية فيها تُدار من قبل أبناء المنطقة، إلى جانب تشكيل مجالس عسكرية لحماية هذه المناطق وتكون منضوية تحت راية قوات سوريا الديمقراطية.
لكن هذا الأمر لم يرق للعدو التركي حيث قام بعده عمليات عسكرية بمشاركة مرتزقته ممن سماهم ب(الجيش الوطني) حيث لم يعد هناك شيء اسمه الجيش الحر بل أصبحت معظمها فصائل موالية لتركيا ومن خلال هذه العمليات احتلت تركيا مناطق (جرابلس، اعزاز، الباب، عفرين، سري كانية، تل أبيض) لكنها لم تكتفي بذلك فهي تسعى لاحتلال المزيد من الأراضي السورية والهدف الأوحد لها هو عدم السماح للكرد بالعيش بحرية وهي تتشارك هذا الهدف مع نظام البعث في دمشق.
لذا نرى أنها وعلى لسان رئيسها الطاغية أردوغان تهدد باحتلال مناطق (تل رفعت، منبج، كوباني، عين عيسى، تل تمر…..) أي بالمختصر هدم مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية وتحطيم تطلعات شعوب المنطقة في العيش المشترك وإدارة نفسهم بنفسهم.

لكن ليس بالسهل على من تنفس هواء الحرية ومارسها أن يقبل بالخنوع والذّل والعبودية مرة أخرى. لذلك نرى جميع شعوب المنطقة متكاتفين معا ويقفون بشكل واضح وصريح ضد هذه التهديدات التركية وهم خلف قواتهم العسكرية يؤكدون مساندتهم لها بكل ما لديهم وسوف يقاومون حتى تحقيق الانتصار وتحرير المناطق المحتلة من جانب تركيا وإجبارها على الخروج من سوريا وقبول إرادة شعوب المنطقة في العيش بسلام.

ذات صلة

https://alshamsnews.com/2022/06/%d9%82%d9%88%d8%a7%d8%aa-%d8%b3%d9%88%d8%b1%d9%8a%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%85%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%b7%d9%8a%d8%a9-%d8%ac%d8%a7%d9%87%d8%b2%d9%88%d9%86-%d9%84%d8%b5%d8%af-%d8%a3%d9%89-%d8%b9.html

https://alshamsnews.com/2022/06/%d8%aa%d8%b1%d9%83%d9%8a%d8%a7-%d9%88%d8%af%d8%a7%d8%b9%d8%b4-%d9%83%d9%8a%d9%81-%d9%8a%d8%ad%d9%82%d9%82-%d8%a3%d8%b1%d8%af%d9%88%d8%ba%d8%a7%d9%86-%d8%a3%d9%87%d8%af%d8%a7%d9%81-%d8%a7%d9%84%d8%aa.html

العالم بين شيرين الفلسطينية وبارين الكردية

بقلم / محسن عوض الله

خلال الأيام الماضية، ضجت وسائل الإعلام العالمية والمنظمات الدولية والمجتمع الدولي بالجريمة البشعة التى ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق المراسلة التلفزيونية بشبكة الجزيرة شيرين أبو عاقلة.
غضب عارم عم مواقع التواصل الاجتماعي، وبيانات شجب محلية ودولية وإدانة واسعة للجريمة التي ليست بجديدة على المحتل الصهيوني الذى لا يعترف بقانون أو حصانة ولا يراعي حرمة أو قداسة.
لم تكتف قوات الاحتلال بقتل شيرين أبو عاقلة وإسكات صوتها إلى الأبد بل عمدت لاقتحام جنازتها وإسقاط التابوت الذى يحمل جثمانها فى تصرف همجي متطرف ليس بغريب على الصهاينة.

جريمة مقتل شيرين أبو عاقلة أعادت إلى ذهني حادث مشابه إلى حد كبير، بل ربما أشد إجراما، ولكنه لم يحظى بهذا الكم من الاستنكار والتعاطف رغم أن الجاني فى الحالتين قوة محتلة مجرمة.
بارين كوباني أو أمينة عمر فتاة كردية فى العشرينات من عمرها تعرضت ربما لأبشع مما تعرضت له الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، ربما يقول قال وهل هناك أبشع من القتل! سنعود لتوضيح هذه النقطة بعد أن نتعرف على بارين الكردية.
بارين أو أمينة فتاة سورية كردية “مسلمة” وذكر دياناتها لو مغزي سنذكره أيضا.
بارين الكردية بنت مدينة عفرين أو أرض الزيتون كما يسميها الكرد تلك المدينة التى كانت آمنة مستقرة تنعم بالتعايش والتأخي بين جميع أبناءها وسكانها وغالبيتهم من الكرد وربما كان هذا أحد أسباب نكبتها.
استقرار عفرين وكونها أرضا للتأخي والتعايش بين جميع المكونات والأطياف السورية وانتماء غالبية سكانها للقومية الكردية لم يعجب قوات الاحتلال وهنا نتحدث عن الاحتلال التركي الذى تسيطر قواته بشكل عدواني استيطاني على قطاع كبير من الأرض السورية.
مطلع 2018 اقتحمت قوات الاحتلال التركي مدينة عفرين بقصد السيطرة عليها واحتلالها وإخضاعها لمناطق النفوذ التركي بشمال سوريا.
اعتمدت قوات الاحتلال التركي فى هجومها على عفرين على القصف الجوي والصاروخي مع هجمات برية على ثغور عفرين وحدودها نفذها ميليشيات سورية إرهابية موالية للمحتل التركي.
على أحد هذه الثغور، وقفت بارين تحمل سلاحها شأنها شأن كل أهالي المدينة دفاعا عن أرضهم ووطنهم أمام قوات الاحتلال والميليشيات الإرهابية الموالية له.
وبعد قرابة شهر من الحرب، وبالتحديد مطلع فبراير 2018، هاجمت مجموعة مسلحة من الميليشيات المدعومة من تركيا حدود المدينة من النقطة التي تحرسها بارين ورفاقها، لم يكن الأمر سهلا على الفتاة الكردية التى رفضت الاستسلام للمرتزقة والإرهابيين، أبت السماح للمحتلين بدخول المدينة، قاومت حتى أخر لحظة فى حياتها حتى ارتقت شهيدة على يد أنجاس الأرض من مرتزقة تركيا.

ومن مشهد مقتل بارين الكردية، نعود ثانية إلى شيرين الفلسطينية، فإذا كان إجرام الاحتلال الصهيوني قد توقف عند قتل شيرين فإن إجرام ميليشيات الاحتلال التركي لم ترحم بارين حتى بعد مقتلها.
مقتل بارين كان بداية لعمليات أقذر قامت بها الميليشيات الموالية للاحتلال التركي فى سوريا ولهذا قلت فى بداية المقال أن الفتاة الكردية تعرضت لأبشع مما تعرضت له الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة.
وجدت شيرين أبو عاقلة من يحاول اسعافها بعد استهدافها من قبل قوات الاحتلال، وجدت من حمل جثمانها، ومن صرخ على الإسعاف، ومن بكي ومن هتف، ومن ومن ومن…
أما بارين وهى فتاة مسلمة فقد سقطت بين يدي أوباش الأرض من مرتزقة الاحتلال التركي ومعظمهم للأسف ينتمي زورا للإسلام، لم يكتف هؤلاء المجرمين بقتلها بل عمدوا إلي تعريتها والوقوف بأقدامهم على صدرها وقطع ثدييها والتمثيل بجثتها.
لم يكتف مرتزقة الاحتلال التركي بما فعلوه بل قاموا بتوثيق جريمتهم عبر فيديو نشروه بأنفسهم وهو يوجهون أقذر الألفاظ  للشهيدة بارين بعد أن مثلوا بجثتها وقطعوها.
ومن بارين نعود لـ شيرين التى شهدت جنازتها إرهابا جديدا، وهجمية غير غريبة على الاحتلال الإسرائيلي بعد أن عمدت قواته للهجوم على الجنازة ومحاولة إسقاط التابوت الذى يحمل الجثمان وهو أمر رغم بشاعته ربما أفضل بكثير مما تعرض له جثمان بارين.
يكفي شيرين حظاَ، أن كانت لها جنازة وجثمان حتى لو تم إسقاطه من قبل قوات الاحتلال، يكفي شيرين أن جنازتها شاهدها العالم أجمع عبر فضائية الجزيرة التى كانت تعمل بها، يكفي شيرين أن صلى عليه المسلمون صلاة الجنازة وهي المرأة المسيحية، يكفي شيرين أن صورتها رُفعت فى العديد من الميادين والساحات بالعديد من العواصم كرمز ودليل على الجرائم الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني.
أما بارين، فجنازتها كانت رمزية ضمن جنازات شهداء الهجوم التركي على عفرين، لم يكن لـ بارين جنازة ولم يكن لها جثمان، لأن أسرة بارين لم تتسلم جثمانها من قوات الاحتلال التركي بعد أن عمدت الميليشيات التابعة له لتقطيع الجثمان وربما حرقه كما تواترت الأنباء فى ذلك الوقت.


حظ بارين من حظ شعبها الكردي، فهي المسلمة التى يُكفرها بعض المسلمون، هى الموحدة التى يتهمونها بالإلحاد، هى الفتاة الجميلة التى يصفونها بالخنزيرة، هى الشهيدة الحرة التى يرفضون الترحم عليها أو الدعاء لها!
مقارنة بسيطة بين ما حدث مع بارين وشيرين ربما تكشف حجم النفاق الدولي بل والعربي والإسلامي، شيرين الفلسطينية أو الأمريكية إن “أردنا الدقة” هى الشهيدة صوت الحق وهى بالفعل كذلك، أما بارين فهي المقاتلة الإرهابية رغم أنها كانت تدافع عن وطنها وأرضها!
انتفض العالم غضبا لمقتل شيرين، وحق له ذلك، ولكن بارين رغم جرم ما حدث لها لم يلق خبر قتلها هذه الضجة الإعلامية والتفاعل والتعاطف عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام العالمية!
شيرين وبارين ضحايا إجرام وفُجر قوات احتلال، دنست الأرض، وهتكت العرض، وقتلت البشر والحجر، لن ألوم الاحتلال، ولكن ألوم الأعين الملونة التى تري شيرين ضحية وبارين مجرمة !!

https://alshamsnews.com/2022/01/4-%d8%b3%d9%86%d9%88%d8%a7%d8%aa-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b1%d8%a8-%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d9%81%d8%b9%d9%84%d8%aa-%d8%b3%d9%86%d9%88%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%ad.html

ظاهرة الدولة القومية بين الاستبداد والتنوير 

الكاتب والباحث السياسي : أحمد شيخو


إن القوموية والدولة القومية التي أوجدتهما أمستردام هولندا ولندن بريطانيا بعد توطد وترسخ اليهود مع رأسمالهم هناك فيها في أوربا الغربية ، بغرض إزالة العوائق أمام قدرتهم على التسلط والهيمنة ونهب العالم ، انتشر بشكل كبير هذين المصطلحين بعد مدة وجيزة في العالم ومنها منطقتنا الشرق الأوسط والعالم وكأنهما الفكرة والوسيلة المنتظرة والسبيل لتحقيق حلم الحياة الحرة والعادلة والمرفهة. لكن في الحقيقة ، إن ما ترافق من أزمات حادة وقضايا اجتماعية وحالات الإبادة والتطهير العرقي والتغيير الديموغرافي ، مع تمكين وتثبيت الاستعمار الخارجي وبأدواته الفكرية والإجرائية التنفيذية لنموذج الدولة القومية والفكر القوموي في المنطقة ، أظهر جزء من حقيقية وماهية ودور القوموية والدولة القومية المتواطىء والمتأمر على مجتمعات وشعوب المنطقة رغم الغطاء الأيدولوجي والميتافيزيقي و حتى الوضعي لهما.
ويمكننا القول إن القوموية و الدولة القومية ليسا سوى مجموعة من الكثير من العلاقات الظواهرية المتناقضة القمعية والجائرة الاستغلالية التي تعكسها . وليس لهما علاقة بخصوصية المنطقة وشعوبها ومجتمعاتها وتقاليدهم الديمقراطية وحياتهم المشترك وثقافتهم المتكاملة، وهما يمثلان سياق غير طبيعي و قسري خارجي مفروض على مجتمعات وشعوب المنطقة و وهو سياق مخادع ومضلل و متواطئ ومنحرف عن الطبيعة الإنسانية والأخلاقية والمجتمعية للبشر.
وكما أنه ما من مصطلح ومفهوم له صلة مع الحياة الاجتماعية، وما من ظاهرة يمثلها تؤثر سلباً على المجتمع، بقدر هذين المصطلحين و مجموعة العلاقات والسلوكيات التي يعكسانها.

مع العلم ان التمكن من التأثير سلباً لا يعني في الوقت عينه القدرة على طمس الحقيقة وتحريفها. لكن القوموية والدولة القومية كظاهرتين ومصطلحين وضعيين، يمثلان القدرة على تحريف نسق الحقيقة الاجتماعية وتركيبها وإبقائه في الظلام الدامس إلى أقصى درجة.

أما تقديمها للمجتمعات والشعوب وتسليط الضوء على الدولة القومية و بدرجة كبيرة من الأمل و الجاذبية والبريق والظهور الملفت والتثقيف وكأنها الجنة المنتظرة والهدف الوحيد المراد بإلحاح والمفروض بذل الغالي والنفيس في سبيلها، فهو بسبب طاقة الاستيلاء وعلاقات الربح الأعظمي ورأس المال و إمكانية النفوذ و السلطوية والتحكم والهيمنة والاستغلال والقمع التي تخفيها بين طواياها والذي تنشده القوى المركزية في نظام الهيمنة العالمية وأدواتهم المحلية والإقليمية الذين يقدمون ويقدسون القوموية والدولة القومية لمأربهم بعيداً عن إرادة ومصالح مجتمعات وشعوب المنطقة.
إن القوموية هي المبرر الميتافيزيقي والحجة الدينية الوحيدة لحداثة النظام العالمي المهيمن الذي لليهود برأسمالهم المادي والفكري الذي لا يقبل سوى كسب المزيد دور مؤثر فيه.

ولكن إلهه الذي تخدمه وتمتثل لأوامره هو الدولة القومية. والقول أن القوموية هي دين الأديان، و الدولة القومية هي إله الآلهة هو قول وشرح موفق. فالدولة القومية والقوموية تتسمان بالطابع الميتافيزيقي الأكثر غلاظة وقشرية وتفاهة، رغم كل مظاهرهما الوضعية وإدعائهما بالعلمية. وهما المصطلحان المساهمان في تحقيق الربح الرأسمالي ورأس المال والنهب وتحقيق الهيمنة الاقتصادية والسياسية للقوى المركزية في النظام العالمي.

https://alshamsnews.com/2022/03/%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b1%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d8%a7%d9%84%d8%ab%d8%a9-%d9%87%d9%84-%d8%aa%d9%83%d9%88%d9%86-%d8%a8%d8%af%d8%a7%d9%8a%d8%a9-%d8%a7.html

و ينبغي الفهم بأنه تم إحلال الدولة القومية والقوموية محل الإله وعلم الإلهيات، كترجمة وانعكاس لكافة الميادين الدينية وترتيباتها ذات الأنظمة الهرمية والأصول الدولتية السلطوية والمركزية الشديدة على حداثة النظام العالمي الرأسمالية .
نعتقد أن إحدى ركائز علم الاجتماع المهمة هي تاريخية المجتمع. فالدولة القومية، وبدلاً من التاريخ الاجتماعي، تعرض الصياغة الملفقة والخيالية لنخبة السلطوية الدولتية البورجوازية على أنها التاريخ. إنها بذلك غير منتبهة حتى لخروجها عن الحقيقة أكثر من التاريخ الميثولوجي والديني الذي انتقدته كثيراً. فكلما صار علم الاجتماع الحديث والأوروبي أيديولوجية رسمية، فإنه يتحول إلى التعبير الميثولوجي الأكثر رجعية وتخلفاً. إنه ميتافيزيقي رغم كل مزاعمه بأنه علمي.

كما أن الدولة القومية والقوموية الراهنتين في المنطقة والعالم والمجهزتين بالأجهزة و بوسائل التحكم و الأمن اللازمة قد أسرتا مختلف العلوم ومنها علم الاجتماع ومازالوا تسخرانه كما تشاءان، بقدر ما هو عليه رأس المال الذي يركز ويكثف من استغلاله. و ما من علم أو أيديولوجية أو فن أو نشاط إلا وأخضعته الدولة القومية لأمرها واستخدمته لأغراضها بعيداً عن مصالح وأولويات المجتمعات والشعوب ومستقبلهم.

وكما أن إضعاف الوعي و القضاء على الفلسفة بوصفها طريق وعلم الحقيقة في إطار تحكم الهيمنة العالمية والدول القوموية بالوعي والحرك التفكري، وفقدانها أهميتها، مهد السبيل أمام الإبادات المادية والمعنوية التي تعرض ويتعرض لها المجتمعات والشعوب في الشرق الأوسط والعالم، وكل مجتمع بلا وعي وفلسفة لحقيقته ولحقيقة الكون والتفاعلات فيها، مجتمع فقد ارتباطه مع الحقيقة.
وهذا يعني تحول المجتمع إلى مجموعة من الموضوعات الشيئانية لا غير أي إلى حالة أداتية ليس لها ذات فاعلة. و المجتمع الشيئاني، يعني أدوات وحشداً وقطيعاً ضاعت جميع مهاراته في الدفاع والحياة الحرة، ومنفتحا أمام شتى أشكال النهب و الاستغلال والاستعمار والاحتلال.
ولايمكننا التفكير بكارثة شديدة و مفجعة بقدر ما هو خسران المجتمعات والشعوب لدفاعهم الذاتي وفهم لذاتهم. والدولة القومية تشكل مؤثر وفاعل كبير في القضية الاجتماعية، بإبعادها المجتمع والشعوب عن العلم والفن والحقيقة وترويضها لهم بالتزييف وبالعلم والفن الخالي من الحقائق المجتمعية ، وبتركهم أياهم بلا دفاع ذاتي وبلا وعي حقيقي للسائد والتاريخ.
وعلينا الإشارة إلى إحدى أهم الخصائص الأساسية الأخرى للدولة القومية وهي أحاديتها واقصائيتها و انغلاق بنيتها قدر الإمكان إزاء البنى والتركيبات والكيانات التعددية والسياسية المختلفة أو الاتحادات المجتمعية الديمقراطية والعلاقات الاستراتيجية والتحالفات اللازمة لمواجهة التحديات وتحقيق التكامل بين الشعوب والمجتمعات. فالكيانات والتركيبات والاتحادات المجتمعية التعددية والسياسية المتنوعة والديمقراطية، تشكل عائق و حجر عثرة على درب الاستغلال و الاحتكار الذي تمارسها ضمن الدولة القومية وضمن حدودها المصطنعة القائمة. فإذ ما اكتسب المجتمع الديمقراطي وجوده بماهيات وبكيانات واتحادات مغايرة بحكم طبيعته، وبالأخص بالكينونات السياسية المجتمعية الديمقراطية، فإن مساحة الاحتكاريين والسلطويين الدولتيين والانتهازيين سوف تضيق على نحو كبير و خطير على استغلالاتهم.

https://alshamsnews.com/2022/04/%d8%a7%d8%ad%d8%aa%d9%84%d8%a7%d9%84-%d9%88%d8%aa%d9%82%d8%b3%d9%8a%d9%85-%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8-%d8%a3%d9%83%d8%ab%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%a7%d8%b3%d8%b1.html

ومن هنا، أضيفت واستخدمت القدسية والإلهية وتم إيجاد مفاهيم ومصطلحات جعلت من المستحيل اقتسام الهيمنة أو التشارك في السلطة والقرار، كوحدة الوطن، والبنية المركزية الشديدة و والهالة القدسية وغيرها لهذا الغرض. الهدف هنا هو عدم اقتسام وتشارك قيم البلد والوطن مع المجتمعات والشعوب والتفرد بالسلطة والاستبداد. وتؤدي هذه الذريعة دوراً رئيسياً حتى في إبادة الثقافة المعنوية أيضاً إلى جانب عدد كبير من حالات الإبادة والتطهير العرقي والتغيير الديموغرافي تحت هذه المصطلحات والتسميات المبالغة فيها لقصد وهدف غير نبيل.

فعلى الرغم من كون التعددية السياسية الديمقراطية النظام الأنسب للحرية وللمساواة المتأسسة على الاختلاف والتعددية والتنوع واحترام الخصوصية، إلا أن كل نشاط أو جهد أو عمل في هذا المنحى يعكس على أنه ممارسة خطيرة وحتى إرهابية وخروج على القانون لأنه يهدد وحدة الوطن ونظامه حسبهم وبالتالي وجب قتلهم ومنع هذا التفاعل بين تكوينات المجتمع.

من الواضح أن مواطنة الدولة القوموية التي يتشدق بها السياسيين والمثقفين الانتهازيين والسلطويين الدولتيين، تعبر عن الانتقال من العبودية الخاصة إلى عبودية الدولة. ذلك أنه لا يمكن للرأسمالية العالمية تحقيق الربح كهدف أسمى لها دون هذا النمط من العبيد والحثالات العصريين والموظفين . فعلى الرغم من كل تجاربها في التقديس، إلا أن الحقيقة الكامنة في مضمون المواطنة، هي بناء عبودية عصرية منتجة للربح. والمجتمع الوطني النمطي و المتجانس هو ثمرة من ثمار مشروع الهندسة الاجتماعية ، التي لا يمكن تخيل تحقيقها حتى ضمن أي نظام فرعوني أو نمرودي أو فاشي وطاغي في التاريخ. إنه شكل التجمع الأكثر زيفاً وكذباً. فحتى أمم الأنبياء لم تصبح يوماً نوعاً واحداً بهذه الدرجة. والهندسة الاجتماعية بذاتها لا تعبر سوى عن الألوهية الأكثر غدراً وجبروتاً ونفاقاً.

ومن المهم التطرق إلى مقاربة الدولة القومية والقوموية للمرأة واستغلالها، فعبودية المرأة هي الحقل الاجتماعي الأعمق والذي لم يتم كشف الستار عنه و الذي طبقت عليه شتى أشكال العبودية والقمع والاستغلال. إنها الموضوع الشيئاني الاجتماعي الذي جربت عليه جميع أشكال السلطة والدولة ورأته مصدرا لها أنه تم جعلت المرأة غير ممتلكة لذاتها وقرارها.
والنظام الرأسمالي العالمي والدولة القومية اللتان تتحركان بوعي وإدراك كبير لخصائص عبودية المرأة هذه، إنما تتوخيان العناية الفائقة في استخدام المرأة كأرقى أداة لرأس المال والسلطة وتحقيق النفوذ والتسلسل إلى المجتمعات والدول. لذا، ينبغي العلم أنه من دون عبودية المرأة، لا فرصة لأي شكل عبودي في التطور والحياة. وتعبر الرأسمالية والدولة القومية عن حاكمية الرجل الأكثر تمأسساً على الإطلاق، فالرأسمالية والدولة القومية هما احتكارية الرجل الطاغي والمستغل والمهيمن.

نستطيع الإشارة أيضاً، إلى أن الدولة القومية هي الممثل الأكثر تواطؤاً وعمالة وتبعية للقوة المركزية العالمية من خلال الهوية القومية التي تفعلها وتقدسها بشكل مبالغ جداً فيها. إنها المتواطئة الأكثر وفاء مع النظام الرأسمالي العالمي تحت غطاء القومية والوجود القومي والضخ العنصري، وما من مؤسسة تابعة وخادمة للقوة المركزية في نظام الهيمنة العالمية في كل مراحل التاريخ، بقدر ما هي عليه الدولة القومية.
وكما أن نزعتها الاستعمارية وعدائها على الصعيد الداخلي تنبع من خاصيتها هذه. فبقدر ما تدعي دولة قومية ما تمسكها بالنزعة القومية الضيقة، فستكون مجبرة و خادمة لقوة الهيمنة للنظام العالمي بالمثل.
أما الدولة القومية التي أعدتها القوة المهيمنة بعناية فائقة، وحددت ملامحها، وصيرتها نظاماً طيلة أربعة قرون؛ فاعتبارها بأنها الدولة الأكثر وطنية وإنها دولة المواطنة المطلوبة، إنما يعبر عن التضليل و الجهل المطبق والفاقع بالحروب والصراعات الكبيرة لقوة الهيمنة للنظام الرأسمالي العالمي.

و من المستحيل الإبقاء على دولة قومية واحدة صامدة لفترة قصيرة، في حال عدم اعتراف القوى المركزية لنظام الهيمنة بها في الخارج أو ما يسميه البعض من باحثي مراكز البحث والدراسات والجامعات التابعة للهيمنة العالمية بالمجتمع الدولي .

وسبب ذلك يكمن في منطق النظام الرأسمالي العالمي. إذ لا يمكن لوجود أية دولة قومية أن يدوم دون رضى القوى المحورية في نظام الهيمنة العالمي وقبولهم بها . فجميع الدول القومية هي فصول وأبواب مكتوبة في كتاب المهيمن العالمي. ومن يخرج أو يشذ عن القاعدة يتعرض لعاقبة صدام أو حسني مبارك أو زين الدين عابدين أو عمران خان، أو يطاح به بعد تعريضه للإفلاس بالحصار والعقوبات الاقتصادية والفوضى الخلاقة.
هذا ويفترض سلفاً أن كل دولة قومية تعلم علم اليقين أنه يستحيل تكريس وجودها دون إذن من القوة المركزية العالمية، سواء سمح لها بذلك أثناء تشييدها أم بعده. وكما أن روسيا والصين ليستا خارج إطار هذه القاعدة وهم أعضاء في نظام القطب الواحد والحروب بينهم تفيد بصرعات داخل النظام الواحد ولا غير رغم إدعاء الكثيرين ورغبتهم بنظام تعدد قطبي وأكثر عدالة والحرب الأوكرانية نموذج لصراعات القوى داخل نفس النظام العالمي.
إن الدولة القومية ليست كباقي أشكال السلطة والحكم والهيمنة. إنها شكل الدولة الذي تطور مقتفياً أثر الفاشية والسلطوية الحادة. فالهيمنة التي أسستها الاحتكارية الرأسمالية على الاقتصاد غير ممكنة، إلا بتوسيع سلطة الدولة لنفسها وتنظيمها لذاتها على مستوى المجتمع والتغلغل فيه.
وتعبر الفاشية عن المرحلة التي يبلغها شكل الدولة عند دخولها حالة حرب تجاه الشرائح والفئات الاجتماعية المسحوقة والمستغلة والكادحة في الداخل، وتجاه القوى المنافسة لها في الخارج. والفرق بينهما شبيه بالفرق بين مرحلتي الحرب والسلم. وفي كلتيهما يصفى أمر الكيانات والبنى السياسية المتباينة، ويتم تنميط السلطة في هذه الحالة كما المجتمع. أي أنه تتم إطالة عمر تبعية المجتمع المنمط المتجانس على شكل سلطة متجانسة يتحد معها.
وعليه، فحياة كل التراكم على مدار التاريخ الاجتماعي من ثقافات وأثنيات ولغات وكيانات سياسية وأفكار وعقائد مختلفة وعلاقات، تصبح مهددة بالخطر في سياق الدولة القومية. فكلما تطورت رغبة هذه الكيانات والبنى في الحياة والوجود بمقاوماتها وتبايناتها الفكرية والعقائدية وخصوصياتها، كلما ظهر الوجه الفاشي للدولة القومية.
ذلك أن كل دولة أو حركة أو حزب يتصدى بهذا النمط إزاء التنوع والاختلاف المجتمعي، لا مفر من تحوله إلى فاشي، حتى لو عكس ذاته كاشتراكي. والدولة القومية إما أنها تنشأ على يد هكذا حركات وأحزاب، أو أنها بذاتها تنشئ أحزاباً وحركات كهذه.
كما أن الليبرالية البورجوازية تتخبط في مقاربات الخداع المحض، مهما تبنت مفهوم الدولة الليبرالية تحت شعارات مناهضة الفاشية والشيوعية. حيث أن الليبرالية بالذات هي تجسيد صارغ ومعبر بحرفية عن الدولة القومية.
والدولة القومية هي شكل الدولة الأمثل بالنسبة لليبرالية، سواء في نشوئها أم نضوجها فهي التي تقمع المجتمع وتقيد حريته وتجعل الأنانية والفردية هي السائدة لإضعاف وتهديم أي قوى وصيغ طبيعية للحياة الحرة والديمقراطية. فلا شك أن الحرية الفردية من دون الهوية المجتمعية وحريتها غير ممكنة وبذلك تفتح الطريق لتحكم الفاشية وتقويتها.
والدولة الفاشية تعبر عن الوحدة القسرية و القصوى بين المجتمع النمطي المتجانس والدولة. وشعارها الأساسي يتلخص بالأحادية الإنكارية والإقصائية مثل: لغة واحدة، وطن واحد، ثقافة واحدة، علم واحد، وأمة واحدة. ودين واحد ومذهب واحد، ومن الواضح أن هذه البنية والماهية تنتج المشاكل بنسبة كبيرة وليس الحل بالنسبة لواقع يبسط تعقيداً شائكاً وتنوعاً وتعدداً وفيراً كالطبيعة الاجتماعية. إنها المرحلة المسماة بالتسرطن الاجتماعي المتأزم.
وهكذا نجد أنه من عظيم الأهمية تقييم الدولة القومية والقوموية بصفتهما مصدر المشاكل الاجتماعية، وهذا هو الحكم التاريخي للحقيقة الاجتماعية والرؤية الصحيحة، مهما عرضتا نفسيهما على أنهما مركز الجذب وقوة الحل وإطار الديمقراطية والحرية لكافة القضايا الاجتماعية. فأهم وظيفة للعلوم وعلى رأسهم لعلم الاجتماع على صعيد التغيير والبناء الصحيح، تتجسد في إنهاء و تصفية قوة التحريف والتعمية والتزييف والكذب المسلطة على الحقيقة الاجتماعية. كما أن بناء العلاقات الصحيحة والمتينة والاستراتيجية بين المجتمعات والشعوب ودول المنطقة لابد أن تتجاوز هذه المفاهيم وتفهمها بالشكل المناسب والكافي. لذا، فالتنور الحقيقي والنهضة الفكرية المطلوبة في الشرق الأوسط والمنطقة يمر من تحليل وتجاوز ظاهرتي حداثة النظام العالمي المهيمن الوضعيتين القوموية والدولة القومية تلك، بعد إدراكاتهما بالشكل الكافي و كذلك العمل لبناء إرادة جمعية حرة للمنطقة وذهنية تشاركية ديمقراطية وبنى وتركيبات مجتمعية لتشكيل سياقات مجتمعية ديمقراطية وحرة بديلة عن الدولة القومية والقوموية وتقسيماتهما وتفتيتهما للمنطقة وتبعيتهما للخارج ولراعيتهم العالمية النظام الرأسمالي ، كما هو مشروع الأمة الديمقراطية والفيدرالية الديمقراطية والكونفدرالية الديمقراطية للشرق الأوسط وأممها الديمقراطية المستندة لأخوة الشعوب و حرية المرأة وريادتها مع الشباب لسياق وجهود تحقيق الديمقراطية والتحول الديمقراطي في دول المنطقة.

ذات صلة

https://alshamsnews.com/2022/02/%d8%a8%d8%b9%d8%af-%d9%85%d9%82%d8%aa%d9%84-%d8%b2%d8%b9%d9%8a%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%86%d8%b8%d9%8a%d9%85-%d9%81%d9%89-%d9%85%d9%86%d8%a7%d8%b7%d9%82-%d9%86%d9%81%d9%88%d8%b0%d9%87%d8%a7-%d9%84.html

https://alshamsnews.com/2021/12/%d9%86%d8%ad%d9%88-%d8%ad%d9%88%d8%a7%d8%b1-%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a-%d9%83%d8%b1%d8%af%d9%8a-%d9%86%d8%a7%d8%ac%d8%ad.html

الأسوء لم يأت بعد..الكارثة العالمية بعد كورونا وأوكرانيا!

بقلم الدكتور/ سامي عمار

يُحكى أن شعوب الانكا والمايا في أمريكا الوسطى اعتادت تقديم قرابين بشرية في طقوس دموية تنظمها بشكل ممنهج خلال احتفالات عامة من أجل نزول المطر، ورغم غزو الإسبان، إلا أنهم كانوا بالفعل على وشك التلاشي بسبب موجات الجفاف المتتالية التي ضربت منطقة الكاريبي لعقود.

وظل المناخ سيد الأسباب في استنبات الحضارات أو بمعني أدق التجمعات البشرية سواء كانت متقدمة أو متخلفة بمعايير زمانها.

وفي القرن 18، استيقظت البشرية على ثورة صناعية سببت ثراء وراحة الانسان لكن معدلات ثاني أكسيد الكربون باتت كارثية مع الاعتماد على الفحم مما قاد لتأزم الاحتباس الحراري العالمي خاصة مع تأخر الدول في استشعار الخطر.
ورغم تبعات وباء كورونا وحرب أوكرانيا، إلا أن هناك أزمة أكبر بكثير تلوح بالأفق تنتظر عالمنا، فمع ذوبان الجليد في المناطق القطبية المتجمدة سيرتفع مستوى البحر مما يعرض الأراضي المنخفضة للغرق حتماً مثل هولندا التي أنفقت أموال طائلة لتجنب مصير غرق أراضيها المنخفضة تحت مياه الأطلسي على غرار المدن الإيطالية التي تغرق أجزاء من مدنها تحت مياه البحر المتوسط مثل فلورنسا مما دفعها لدفع المليارات للمواطنين فقط لعدم النزوح منها بسبب الغرق، ويوجد تنبؤات بغرق دولاً بأكملها مثل المالديف، وفي مصر تعتبر منطقة الدلتا والساحل الشمالي مهدده بنفس المصير مما سيعرض الأراضي الزراعية للبوار بسبب المياه المالحة في عصر تكافح فيه الحكومة المصرية لتوسيع الرقة الزراعية بمشاريع ملياريه التي تآكلت بالفعل بسبب البناء المخالف عليها، وإن كانت “الدلتا الجديدة” بارقة أمل إلا أن الغرق سيزيد الضغوط على موارد مصر المائية وأمنها الغذائي.
والملفت للانتباه تصريحات الرئيس بوتين منذ أيام عن خطة لتطوير طرق النقل بالقطب الشمالي بما يُعرف “بممر الشمال” كبديل لقناة السويس وهي فكرة قديمة إلا أن الجليد بالشتاء يشل حركة التجارة، ومع انتقال تنافس الناتو وروسيا على مناطق النفوذ الجيوسياسي والجيواستراتيجي للشمال والتغير المناخي، سيصبح ممر الشمال حقيقي مع تشغيله بالصيف والشتاء، مما يمثل مأزق خطير لقناة السويس!

وعلاوة على هذا، ستتكرر موجات الحرارة المرتفعة كل ١٠ سنين رغم تكرارها بالماضي كل ٥٠ سنة، وستؤثر بالسلب على أغلب سكان العالم في الدوام بالعمل وهو ما حدث بالفعل في اليونان العام الماضي حينما منحت أجازه لموظفيها بسبب موجة الحر الشديدة، وتكرارها سيتسبب في موجات جفاف واسعة في عدة دول خاصة المتاخمة للمناطق الصحراوية مثل الصحراء الكبرى الأفريقية وكذا أزمات مياه خانقة وموجات نزوح بشرية ضخمة، مما يعيد للأذهان ما حدث بدارفور من اقتتال طاحن كان سببه المباشر الشح المائي وتراجع المراعي مع موجات الجفاف المتتالية، وتعتبر بحيرة أرال بآسيا الوسطى نموذج صارخ حيث جفت مياهها في فترة قياسية وظلت مراكب الصيادين على أرض البحيرة الجافة في مشهد مروع التي كانت يوماً تعج بالصيادين والأسماك.

ولا يعتبر حوض نهر النيل في منأى من هذا السيناريو المفزع، بل كانت إدارة المياه بفترة الجفاف الممتد نقطة شديدة المحورية في مفاوضات سد النهضة الإثيوبي، ومن سنوات عدة دخلت مصر بتصنيف الشح المائي، أما السودان وإثيوبيا فقد عانتا ويلات الحروب بسبب الجفاف الذي دفع القبائل للقتال من أجل الآبار بل ومطالبة أقاليم انفصالية بالاستقلال مع شح الماء والموارد.
هذا بجوار الاضطرابات البيئية كالفيضانات وحرائق الغابات التي ستصبح أقل توقعاً وأكثر عنفاً، وخسائر مالية ضخمة بالدول التي لديها مشاريع يعتبر استقرار ودفء المناخ عامل تميز كما حدث بتركيا واليونان بالصيف الماضي حينما دمرت حرائق الغابات منتجعات فاخرة.

وكذلك سيحدث عدم انتظام للنشاط الزراعي مع فقدان القدرة على زراعة المحاصيل التي تعطي بعض الدول ميزة عن أخرى بسبب مناخها، وسيضطر أغلبهم لتغيير محاصيله لتتناسب مع ارتفاع درجات الحرارة عالمياً.

ولا شك أن الأمراض ترتبط بالمناخ الذي يوفر لها البيئة الحاضنة والمحفزة للتحول إلى وباء، وكثير من الفيروسات والجراثيم التي لا تمثل تهديد الآن قد تتحول بفضل توفر مناخ مختلف لأوبئة عالمية، ففي الماضي كان تكرار الأوبئة يحدث خلال فترات متباعدة قد تصل لقرون مثل الطاعون أو الموت الأسود تلك الجرثومة التي ضربت العالم خلال قرون متباعدة وقد تنكمش تلك الفترة لتصبح سنوات بفضل التغير المناخي! ومع زيادة تلوث الهواء ستزيد الأمراض ذات الصلة مثل أمراض الرئة وهو ما سيؤثر حتماً بالقوة الإنتاجية لدى الانسان بالمستقبل.

ولن تكون البنية التحتية في مأمن من تبعات الأزمة، ففي ألمانيا توقفت حركة القطارات بالصيف مع تمدد قضبان الحديد، وتعطلت شبكات الكهرباء ببعض الدول بسبب موجات الحرارة المرتفعة التي لا تتحملها شبكة الكهرباء، وللتكيف مع الوضع الجديد ستضر الحكومات لإنفاق تريليونات الدولارات مما يعني ضغوط اقتصادية أشد على شعوبها للنجاة من الكارثة العالمية القادمة!

ورغم تسابق الدول لتحقيق الحياد الكربوني، إلا أن السؤال لم يعد كيف بل مَن سينجح في التكيف والبقاء؟

إقرا أيضا

https://alshamsnews.com/2022/03/%d8%af%d9%88%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%8a%d9%87%d9%88%d8%af-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%a7%d8%b2%d9%8a%d9%88%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%8f%d8%af%d8%af-%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%a1%d8%a9-%d9%81%d9%89-%d8%a7.html

https://alshamsnews.com/2022/04/%d9%85%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%a7%d9%86-%d9%84%d9%88%d8%a8%d8%a7%d9%86-%d9%81%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%84%d9%8a%d8%b2%d9%8a%d9%87-%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%a1%d8%a9-%d9%81%d9%89-%d9%85%d8%b3%d8%aa%d9%82.html

Exit mobile version