بقلم/ آلان معيش – إعلامي كردي سوري
بدأت ملامح التغيير بالظهور من إشعال محمد البوعزيزي النيران في جسده احتجاجاً على البطالة وانعدام مقومات الحياة في تونس، فتحولت أصوات التهام الحريق لجسده وانحلال عظامه أمام الشعب التونسي، إلى إطلاق ثورة الياسمين ضد النظام الحاكم عام 2010. فثار الشعب المصري واحتج في ميدان التحرير إلى أن بدأت مجموعات في ليبيا بمحاربة حكومة معمر القذافي فوصلت الأصوات إلى اليمن ومن ثم رأينا كتابات على جدران محافظة درعا تطالب بإسقاط النظام السوري.
عندما نتعمق بمضمون هذه الثورات سنجد إسقاط النظام وتغييره وكتابة دساتير جديدة للبلاد وتوفير فرص عمل وتحسين الحالة الاقتصادية للمواطنين، أبرز أهدافها، فلم نسمع عن نظرية أخرى غير ذلك.
فماذا خلفت هذه الثورات، وكيف أصبح حال الشعوب داخل هذه البلاد وما هو السبب؟
ببساطة، فقد تحولت تلك البلاد إلى ملك “للغريب” اي دول أخرى أصبحت مهيمنة بداخلها، وبدأت تفتك بالشعوب وكأنها ميدان لتجربة الأسلحة، وأصحاب الأرض أصبحوا مهاجرين، والمهرب استلم رتبة أقوى سلطة لأنه يستطيع تخليصهم من كابوس ثورتهم التي لم تعد توفر لهم لا المال ولا الوقود ولا الطعام، ولم تحمي أطفالهم من القتل والقصف ولا منازلهم من الدمار والخراب، والمحيطات ابتلعت أبناء الثورة وهم على طريق الهروب! الهروب مِن مَن؟ من المجموعات الإسلامية والراديكالية المتطرفة التي خلفتها تلك الثورات، كيف ولماذا؟ بسبب خروج المظاهرات أيام الجمعة فقط وحُصرت في الجوامع فقط، أي لم تشمل جميع أطياف الشعب! ينادون “الله وأكبر” و”بالذبح جيناكم”، وبعد توليهم حكم مدينة واحدة فقط، بات التطرف يندثر من الجدران والشوارع وأصبحت حرية التعبير كلمة ربما تأتي في الأحلام فقط! من السبب؟ أبناء تلك البلاد أنفسهم! لأن ثوراتهم لم تكن فكرية، وانتهجوا فكرة حمل السلاح ولم يطالبوا بتغيير طريقة وفكر الحكم، بل طالبوا “بكرسي الرئاسة”. وهنا، القوي سيحكم البلاد! وكان القوي قاتل وإرهابي وإسلامي!
في هذه المرحلة ظهرت جدائل مهسا أميني الكردية الإيرانية التي هزت عرش النظام الملالي الإيراني ووصل اسمها إلى جميع أنحاء العالم في غضون أيام.
لماذا؟ لأنها انتفاضة فكرية، حاربت الفكر المتطرف الراديكالي الذي فرضه قائد الثورة الإسلامية آية الله علي الخامنئي.
تمكنت مهسا أميني التي قُتلت على يد شرطة “الأخلاق” لظهور جدائل من شعرها، من إثارة المطالبة بالتحرير من هذه الأنظمة التي تعتبر المرأة ضلعاً قاصراً لا تنفع سوى للجنس والأعمال المنزلية، وتجد في شعرها “عورة” تثير مشاعر “الرجال”.
المفارقة بين الثورات وانتفاضة “مهسا أميني” هي التوجه، طرف ذهب إلى أحضان التنظيمات الإسلامية وجعل منها سلطة الأمر الواقع، وطرف يحارب فكرها.
اليوم نسمع شعار “المرأة، الحياة، الحرية” في شوارع إيران، إنما في بلاد ثورات “الربيع العربي” ما زالوا يستعبدون النساء ويحاربون حريتها.
وبالعودة إلى الشعار الذي تطلقه النساء في إيران (المرأة، الحياة، الحرية) نستطيع أن نجد ثورة روجافا/شمال وشرق سوريا منذ عام 2011، فهي أول من انتهجت هذا الهدف، وأسست قوة خاصة بالمرأة وحاربت الذهنية الذكورية وفعّلت دور المرأة على جميع الأصعدة، وأطلقت على نفسها “ثورة المرأة” وعرفها العالم بهذا الاسم، وتمكنت من تأسيس إدارة ذاتية خاصة بها وفتح العالم أبوابه لها، على عكس الطرف الآخر (المعارضة) التي ادعت إسقاط النظام وطالبت بكرسي الرئاسة ولم تفرض فلسفة أو فكرة جديدة تختلف عن النظام الحاك، بل وأصبحت مناطقها بؤرة للفصائل الإرهابية وساحة للقتل والخطف والذبح.
فهل ستنتصر انتفاضة “جدائل مهسا أميني” على “الخامنئي”؟ أم أن دول الغرب ستحول الانتفاضة إلى حرب مفتوحة وتصنع مجموعات مسلحة وتلحقها بأصدقاء ثورة “الياسمين؟!
كشفت الأيام الماضية عن وجود أزمة مكتومة فى العلاقات بين مصر وليبيا حيث انسحب وفد مصر من اجتماع وزراء الخارجية العرب احتجاجاً على تولي نجلاء المنقوش وزيرة الخارجية والتعاون الدولي في حكومة عبدالحميد الدبيبة المنتهية ولايتها رئاسة الدورة الجديدة للمجلس (158) خلفاً للبنان.
وبررت الخارجية المصرية أن انسحابها من جلسة الجامعة العربية جاء بعد تولي وزيرة خارجية ليبيا الرئاسة، وأن موقفها من حكومة عبدالحميد الدبيبة في ليبيا هي انتهاء ولايتها الشرعية، وأن مصر تحترم الشعب الليبي واختياراته، وأن دعم مصر هو الاستمرار في تبني الحلول السياسية.
من جانبها، اعتبرت وزيرة الخارجية في حكومة الوحدة الوطنية الليبية نجلاء المنقوش أن انسحاب الوفد المصري من جلسة الجامعة العربية مخالف لميثاق جامعة الدول العربية وقرارات مجلس الأمن.
بدورها، التزمت الجامعة العربية الصمت ولم تعقب على الموقف المصري، ورفض الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية حسام زكي التعقيب على انسحاب وفد مصر الرسمي، وقال إنه لا يستطيع التعليق على تحرك دولة قامت به خلال الاجتماع لأنه أمر يتعارض مع حيادية الأمانة العامة.
وأثار القرار المصري تساؤلات حول مستقبل العلاقات بين القاهرة وطرابلس وتأثير ذلك على الدور الذى تلعبه مصر فى الأزمة الليبية.
وبحسب خبراء فإن القاهرة ربما أرادت توجيه رسائل عديدة حول موقفها من الحكومة الليبية برئاسة الدبيبة وتعبير عن دعمها لمجلس النواب الليبي الذى يمثل الشرعية الوحيدة فى البلاد.
فيما اعتبر أخرون إن الأمر يتعلق بالمفاوضات المصرية التركية حول الأزمة الليبية حيث تدعم أنقرة حكومة الدبيبة فى حين تؤيد القاهرة حكومة فتحي باشاغا.
رسالة قوية
د.محمد اليمني الخبير المصري فى العلاقات الدولية أن انسحاب الوفد المصري يوجه رسالة واضحة أن القاهرة لاتريد عبد الحميد الدبيبة المنتهية ولايته، وأن الحكومة المصرية تدعم مجلس النوب بقوة وخاصة فتحي باشاغا.
وشدد اليمني على أن الإنسحاب المصري سيكون له دور كبير في تحريك المياة الراكدة خاصة ونحن مقبلين علي القمة العربية بالجزائر.
وأشار إلي أن حكومة عبد الحميد الدبيبة قد تكون موضع قوة الأن لأسباب كثيرة منها الدعم الكامل من تركيا والولايات المتحدة وبريطانيا بفضل تركيا، فضلا عن الطائرات المسيرة التي تقدمها تركيا للدبيبة والتي ظهرت في أخر واقعة بين مليشيات الحكومتين حيث تغلبت المليشيات الموالية للدبيبة ومنعت حكومة باشاغا من دخول طرابلس.
انسحاب دبلوماسي
فى حين يري علاء فاروق الباحث المصري فى الشؤون الليبية أن زيارة وزيرة الخارجية بحكومة الوحدة الوطنية في ليبيا لم تكن زيارة رسمية لمصر حتى ترحب بها القاهرة أو ترفضها.
وأوضح أن الدعوة كانت من الجامعة العربية لترؤس الوزيرة الليبية جلسة مجلس وزراء الخارجية العرب بحسب لائحة الجامعة.
واعتبر فاروق أن موقف الوزير المصري وانسحابه من الجلسة يعبر عن وجهة نظر الحكومة المصرية في اعتبار أن حكومة الدبيبة انتهت مدتها القانونية وكان يجب عليها الاعتذار عن ترؤس الجلسة حتى لا تسبب حرجا لبعض الدول العربية، لافتا إلي أن الموقف المصري يتطابق مع بعض الرؤى الدولية التى تتحفظ على التواصل مع أيا من الحكومتين حتى تتم الانتخابات.
وبحسب الباحث المصري فإن الانسحاب موقف دبلوماسي أكثر منه سياسي لذا لن تكون له تأثيرات كبيرة على العلاقة بين طرابلس والقاهرة لكنه بالطبع ترك أثرا غير جيد لدى حكومة الدبيبة التي تعتبر علاقتها بالقاهرة وكثير من الدول في حكم المجمدة.
خلاف مع تركيا
المحلل السياسي الليبي أحمد التهامي قال أن مافعلته مصر كان متوقعا لأنها أصبحت على علاقة سيئة منذ فترة مع حكومة الدبيبة وفيه تذكير بالصراع السياسي الدولي والاقليمي حول ليبيا وتذكير بأن حكومة الدبيبة لا تحظى بالإجماع داخل ليبيا.
واعتبر التهامي أن الموقف المصري يشير إلى أن المفاوضات التي تجري بين مصر وتركيا حول الملف الليبي لم تصل بعد إلى نتيجة واضحة ومثمرة.
وقال إن الانسحاب يمكن اعتباره من ناحية أخرى رسالة تخفيف لحدة الصراع بين القاهرة وطرابلس خاصة أن مصر كانت قادرة تماما على تحويل وجود حكومة الدبيبة في الجامعة العربية إلى مسألة معقدة وأزمة كبيرة لكنها سمحت بوصول وزيرة الخارجية الليبية التابعة للدبيبة حتى مقعد الرئاسة ثم خرجت وهذا يدل على تخفيف حدة الصراع بحسب كلامه.
و يري التهامي أن دور مصر أساسي في الملف الليبي لكنه معطل بحكم وجود قوى دولية تنافس مصر وتسعى للحد من دورها كقطر وتركيا، لافتا إلي أن أي وساطة مصرية بين الأطراف الليبية ستكون محكومة بما تسمح به هاتان الدولتين من تقدم ممكن.
وحول مطالبة بعض الأطراف الليبية بمقاطعة مصر، اعتبر المحلل السياسي الليبي أن ثمة أطراف معادية لمصر تابعة لتنظيم الأخوان المسيطر على طرابلس وحليف قطر وتركيا يريدون منع مصر من ممارسة أي دور إيجابي في ليبيا لصالح تنظيمهم والدول التي يخدمونها لكن تاثيرهم محدود جدا ويتناسون أن تركيا وقطر اختارتا أن تفاوضا مصر لا القطيعة معها.
وحول مستقبل العلاقات المصرية الليبية في ضوء التطورات الأخيرة يري المحلل السياسي الليبي أن العلاقات الليبية المصرية محكومة بمزيد من التقارب والتعاون إذ ثبت بالدليل العملي أنه حتى للمعادين لمصر ليس ثمة من مهرب من إقامة علاقات تعاون مشترك مع الدولة العربية الأكبر والأكثر قربا من ليبيا والتي تتداخل فيها علاقات السكان عبر المصاهرة وعبر تواجد ملايين من أصول ليبية في محافظات الصعيد وفي الإسكندرية ثمة روابط دم تؤكد وحدة البلدين وثمة مصالح مشتركة لايمكن تركها و تجاهلها. علاقات مستمرة
من جانبه قال عبدالله الديباني الباحث السياسي الليبي إن الموقف المصري يعتبر تجسيدا لما تم التنويه عليه عبر الخارجية المصرية لدعمها لقرارات مجلس النواب واعتباره هو السلطة التشريعية الوحيدة في ليبيا، معتبرا أن تمثيل ليبيا في اجتماع الجامعة العربية من خلال وزيرة الخارجية بحكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية أمر لايجوز ولا يستصاغ قانونا حيث تعتبر غير ذي صفة لتمثيل ليبيا وبالتالي يعتبر الاجتماع برئاستها كأن لم يكن.
وبحسب الديبياني فإن العلاقات بين القاهرة وطرابلس التي تسيطر عليها حكومة الدبيبة تمر ببعض الخلافات خاصة وأن الحكومة المصرية تري ضرورة العمل على إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وتدعم قرارات مجلس النواب الليبي، لافتا فى الوقت نفسه إلي أن العلاقات الدبلوماسية مستمرة بين القاهرة من ناحية ومجلسي النواب والدولة الليبيين من ناحية أخري، ولازالت مصر تلعب دورا مهما من أجل التوصل لتوافق مابين المجلسين حول القاعدة الدستورية ومن ثم التوافق على اصدار القوانين الانتخابية ولازلت القاهرة تحتضن اجتماعات أعضاء المجلسين للتوصل للتوافق.
رغم مرور أكثر من 5 سنوات على اندلاع العملية العسكرية التي أطلقتها الدول العربية بزعامة السعودية لإسقاط حكم الحوثيين فى اليمن ألا إن الحرب لم تضع أوزارها بعد.
بمرور الأيام والشهور والسنوات، انسحب عدد كبير من الدول العربية من التحالف الذى أسسته السعودية لمواجهة الحوثيين، ولم يتبق سوى السعودية والإمارات بشكل كبير فى مواجهة ميلشيا الحوثي المدعومة من إيران.
استمرار الحرب لسنوات رغم تباين القوة العسكرية بين الطرفين فتح الباب للحديث حول خلافات واختلاف فى الأهداف الحقيقة من الحرب ما بين الرياض وأبوظبي وسط أنباء عن دعم الإمارات للمجلس الانتقالي الجنوبي الساعي لإعلان قيام دولة اليمن الجنوبية.
وفى ظل هذه الأجواء الغير واضحة وفى محاولة لكشف حقيقة الأوضاع باليمن والأسباب الحقيقة لإطالة أمد الأزمة التي لا يدفع ثمنها غير الشعب اليمني، إلتقت وكالتنا بعدد من الخبراء والمحللين اليمنيين والعرب.
صراع سعودي إماراتي
المحلل السياسي اليمني عبد الله الحنبصي قال لـ الشمس نيوز إن ما يحدث في اليمن هو امتداد للحرب غير المعلنة التي تشنها السعودية والامارات على اليمن منذ عقود، مشيرا إلي أن السعودية ومن خلال مجلسها التنسيقي إستطاعت أن تروض الكثير من مشايخ ومسؤولي الدولة وتجعلهم تحت أمرها، ناهيك عن دعمها للجماعات الارهابية وتصديرهم إلى اليمن لزعزعة الأمن والإستقرار لينتهي بهما المطاف بشن حرب علنية على اليمن.
وحول حقيقة الأوضاع باليمن هل هو صراع عربي إيراني أم تنافس سعودي إماراتي، أشار السياسي اليمني إلي أن الصراع السعودي الإماراتي يظهر واضحا في جنوب اليمن حيث نشهد من حين لآخر اشتباكات بين المليشيات التابعة للسعودية المتمثلة بحزب الإصلاح والقاعدة وبين الميلشيا التابعة للإمارات والمتمثلة بالانتقالي الجنوبي والتيارات السلفية وتنظيم داعش.
أما بالنسبة للصراع الإيراني الخليجي فأشار إلي ان إيران أعلنت وقوفها مع الشعب اليمني على اعتبار أن العدو مشترك.
وعن الأسباب الحقيقة لدعم الإمارات للجنوبيين في مواجهة الحكومة التى تدعمها السعودية، أوضح الحنبصي أن الإمارات تجد مصلحتها في السيطرة على الموانئ والسواحل اليمنية كونها تمثل أهمية استراتيجية ناهيك على أنها تريد أن تضمن عدم قيام اليمنيين باستثمار موانئهم وإنشاء منطقة حرة كما هو حال منطقة جبل علي وميناء دبي لما لذلك من تأثير على حركة التجارة في دبي، مشيرا إلي أنه عندما تحاول الأطراف المناهضة للإمارات الاقتراب نحو تلك المواقع الإستراتيجية نجد الإمارات تدفع بأدواتها نحو الاشتباك .
وحول احتمالية تقسيم اليمن وإعلان دولة الجنوب، أكد المحلل اليمني أن الإمارات تسعي لتحقيق ذلك بالفعل لكن أصبح من الصعب بل والمستحيل تأسيس دولة جنوبية رغم أن الشماليين اصبح تواجدهم في الجنوب محدود جدا ومع ذلك لم تتمكن القوى المحسوبة على الإمارات أن تعلن الانفصال لعدة أسباب أهمها رفض الشارع في الجنوب لفكرة الانفصال.
تبادل أدوار
الإعلامي اليمني خالد المنيفي قال لـ الشمس نيوز أنه لا يوجد صراع حقيقي بين السعودية والإمارات هناك تبادل للأدوار وتقاسم لمناطق النفوذ.
وأوضح أن السعودية تدعي بأنها جاءت لإنهاء النفوذ الإيراني في اليمن لكن أهدافها الحقيقي السيطرة على المحافظات اليمنية ونهب الثروات.
كما إن الإمارات تدعم ما يسمى بالمجلس الانتقالي بالفعل لإجهاض عمل المجلس الرئاسي الذي يرأسه العليمي والذي جاء بعد الإطاحة بهادي، لافتا إلي أن السعودية تؤيد ذلك من دون الإعلان لأنها تعد حزب الإصلاح رغم أنه حليف لها جزء من جماعة الإخوان المسلمين.
وحول أسباب استمرار الصراع العسكري رغم مرور سنوات على اندلاعه، أرجع المنيفي الأمر لوجود مقاومة من جيش صنعاء “التابع للحوثيين” من ناحية، فضلا عن رغبة سعودية أمريكية بإبقاء الصراع قائما لنهب ثروات اليمن النفطية والغازية.
وأشار إلي أن دعم الإمارات للجنوبيين يعتبر مقدمة لتقسيم اليمن مؤكدا أن كل المؤشرات تدل على ذلك والسعودية تبارك الأمر بالحديث عن حق الجنوبيين بتقرير مصيرهم.
وحول الهجوم الذى وقع منذ أيام وتبنته القاعدة ضد القوات الموالية للإمارات، اعتبر الإعلامي اليمني أن الهجوم ربما يكون عملية انتقام من حزب الإصلاح بعد دحره من جانب الانتقالي المدعوم إماراتيا في شبوة وأبين، مشيرا إلي أن حزب الإصلاح لديه القدرة على تحريك القاعدة.
وأشار إلي أن الهدنة تتعرض لخروقات مستمرة من جانب السعودية والإمارات حيث يتم باحتجاز سفن المشتقات النفطية ورفض تسليم مرتبات الموظفين ومنع فتح الطرق وعرقلة الرحلات من مطار صنعاء إلى القاهرة بالذات وعدم فتح وجهات طيران جديدة من مطار صنعاء وإليه، متوقعا ألا يتم تمديد الهدنة مرة أخرى .
وبسؤاله حول الأوضاع بمناطق سيطرة الحوثيين اعتبر المنيفي أنها من الناحية الأمنية أفضل بكثير، لافتا إلي ان الأجهزة الأمنية تضبط إيقاع الحياة ولا توجد تفجيرات كما هو الحال بالمناطق الواقعة تحت سيطرة الإمارات والسعودية، فضلا أن وضع العملة المحلية أفضل بكثير.
الحوثي وراء استمرار الأزمة
من جانبه يري شريف عبد الحميد رئيس مركز الخليج للدراسات الإيرانية أن اليمن لم يتحول إلى أرض للصراع السعودي- الإماراتي من ناحية، والإيراني الخليجي من ناحية أخرى، كما يرى البعض.
وشدد فى تصريحات لـ الشمس نيوز على أن الحقيقة التي يعلمها الجميع هي أن جماعة “الحوثي” الانقلابية ترفض المُضيّ في مساعي السلام، الهادفة إلى إنهاء هذا الصراع المرير الذي طال أمده، وأدى إلى نتائج وخيمة، ليس على اليمن فحسب، بل على المنطقة برمتها.
وأشار الخبير فى الشؤون الإيرانية إلي أن هذا التعنت “الحوثي” هو السبب الأول والأخير لبقاء الوضع في اليمن كما هو عليه، منذ احتلال صنعاء في سبتمبر 2014، وحتى الآن، الأمر الذي يدعمه النظام الإيراني، لجعل اليمن شوكة في ظهر الخليج العربي.
ولفت عبد الحميد إلي أنه بخصوص الدعم الإماراتي للجنوبيين في مواجهة الحكومة الشرعية، فقد نفت الإمارات مرارا الاتهامات التي توجّهها لها الحكومة اليمنية بدعم تحركات الانفصاليين في جنوب اليمن.
كما أن الدور الإماراتي في اليمن لا يتصادم مع المصالح الحيوية للسعودية، رغم اختلاف النظرة لمدى التهديدات الإيرانية وطريقة التعاطي معها، فمنع التمدد الإيراني والحفاظ على أمن المملكة والخليج يمثل مصلحة أساسية مشتركة لكلا البلدين معا.
وحول أسباب عدم حسم قوات “التحالف العربي” الصراع رغم مرور 7 سنوات على بدء الحرب أشار الخبير المصري إلي ان هناك أسباب كثيرة، أولها الدعم الإيراني المستمر لجماعة “الحوثي” بالمال والسلاح والخبراء العسكريين، وثانيها الخلافات المستمرة بين قوى الشرعية اليمنية، التي وصلت إلى حد الاقتتال الداخلي بين هذه القوى، فضلا عن عدم وجود موقف دولي حاسم مما يحدث في اليمن، يضمن إحلال السلام في ذلك البلد العربي المنكوب.
واعتبر أن الحديث عن إقامة دولة في جنوب اليمن بعد انتهاء الصراع مع “الحوثيين”، أمر لا محل له من الإعراب، خاصة أنه تم تحقيق الوحدة بين شطري اليمن عام 1994، ولا أحد في البلاد يرغب في العودة بها إلى الوراء، وإعادة تقسيمها من جديد بين جنوب وشمال، وأول من يرفض هذا الطرح هو اليمنيين أنفسهم، فضلا عن الرفض العربي المبدئي لهذا الأمر جملة وتفصيلا.
خلافات الرياض وأبو ظبي
من جانبه تطرق الباحث فى الشؤون الدولية أسامة الهتيمي إلي الدور التركي فى الأزمة اليمنية، مشيرا إلي أنه فى ظل التقارب بين السعودية وتركيا أصبح هناك تنسيق وتعاون فى الدفاع عن أرض المملكة تجاه ما كانت تتعرض له من قصف على يد الحوثيين.
وقال لـ الشمس نيوز أن الحوثيين قد أعلنوا منذ فترة إسقاط طائرة تركية تجسس، كما تم تداول أخبار عن توقيع عقود بيع مسيرات تركية للسعودية لافتا إلي أنه لا يستبعد أن يكون هناك دور تركي فى اليمن على غرار ليببا وسوريا .
وأرجع الباحث أسباب إطالة أمد الأزمة وعدم نجاح حملة عاصفة الحزم إلي تباين الأهداف السعودية الإماراتية بالداخل اليمني لافتا إلي أنه بعد فترة قصيرة من التنسيق بين الطرفين ظهر أن هناك خلاف فى الأهداف بين الرياض وأبو ظبي وانقسم التحالف العربي إلى فرقاء وهو ما ظهر واضحا فى الجنوب اليمني حيث اتجهت الإمارات لدعم القوات الجنوبية التي تسعي لاقامة دولة إنفصالية بالجنوب فى حين دعمت السعودية الحكومة اليمنية.
وأوضح أن الأمور حاليا بين السعودية والإمارات تشهد نوع من التوافق ووصلت الخلافات لأقل نسبة ممكنة عقب تشكيل المجلس الرئاسي الذى يضم أعضاء من المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة الشرعية.
بقلم: نزار الجليدي
من المنتظر أن يؤدّي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زيارة رسمية إلى الجزائر تدوم ثلاثة أيام و تنطلق يوم 25 من الشهر الحالي.وهي زيارة و لئن جاءت بدعوة من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون فان حاجة فرنسا لها تبدو ملحة في ظل المتغيرات الإقليمية المتسارعة.
خطان متوازيان لا يفترقان
من المؤكّد أن ما يجمع الجزائر و فرنسا أكثر بكثير مما يفرّقهما فالجالية الجزائرية في فرنسا تعدّ الأكبر و تقدّر بأكثر من 4مليون نسمة فضلا عن العدد الكبير من مزدوجي الجنسية و من الجيلين الثاني و الثالث من الجزائريين الفرنسيين .وهؤلاء يشكّلون ضغطا متزايدا لكي لا تحيد العلاقات الثنائية بين البلدين عن مسارها مثلما حدث خلال العام الماضي بدفع من لوبي فرنسي متطرف أضرّ بماكرون و حكومته وهو بزيارته هذه يسعى لإعادة الأمور الى نصابها و لكن برؤية جديدة و ندّية في التعامل يسعى الجزائريون لفرضها .و سيسعون الى انتزاع اعتراف ماكرون ب”الأمة الجزائرية” وهو الأمر الذي شكّك فيه سابقا و كان منطلقا لأزمة ديبلوماسية كبيرة بين البلدين كادت تؤدّي لقطع العلاقات لولا تدخل الحكماء من الدولتين.
حقيبة محملة بملفات ثقيلة
يحمل ماكرون في حقيبته خلال زيارته للجزائر أربع ملفات ثقيلة عليه أن يناقشها مع نظيره الجزائري بكل حذر و ذكاء لأن هاته الزيارة تختلف في توقيتها وظروفها عن كل زيارات الرؤساء السابقين للجزائر و تختلف جذريا حتى عن زيارة ماكرون نفسه لأن فرنسا اليوم في حاجة للجزائر كما لم تكن يوما كذلك و لأن الجزائر اليوم وفي ظل الحرب الروسية الأوكرانية و أزمة الطاقة العالمية تتحكم في خيوط اللعبة السياسية و في جزء كبير من سوق الطاقة فهي اذن في موقع قوّة يصعّب على ماكرون زيارته للمستعمرة القديمة و التي مفروض عليه قبل الدخول في تفاصيلها الاعتذار للشعب الجزائري إن لم يكن تصريحا فتلميحا و هذا الاعتذار هو الذي سيحدّد مدى فشل الزيارة من نجاحها.
ماكرون سيناقش خلال زيارته هذه ملفات تتباين في الأهمية منها ماهو حيوي لفرنسا مثل ملف الطّاقة .ومنها ماهو سياسي كملف اليهود الجزائريين ومنها ماهو ديبلوماسي المصالحة المغربية الجزائرية.ومنها ماهو استراتيجي كالملف التونسي.
عين فرنسا على طاقة الجزائر
في رحلة ماكرون في البحث عن الغاز البديل للغاز الروسي الذي لك يعد مضمونا سعى الرئيس الفرنسي الى تأمين أكبر قدر من الإمدادات لبلاده من هذه المادة الحيوية قبيل دخول فصل الشتاء حيث قام باتفاقيات شفوية و أخرى مكتوبة مع كل من الإمارات و السعودية و مصر في هذا المجال وهي دول كلها محسوبة على الحلف الأمريكي الفرنسي .لكن ذلك غير كاف لفرنسا و للدول الأوروبية التي يسعى ماكرون أن يكون سفيرها حيث ما حلّ .
و بالتالي يصبح اللجوء الى الجزائر و محاولة إبعادها عن المحور الروسي الصيني مطلبا ملحاّ . حيث أنّ ما يهم ماكرون خلال هاته الزيارة هو كيفية تعويض الخسارة ونقص الغاز الروسي في أوروبا وتعويضه بالغاز الجزائري.
كما سيحاول ماكرون إيجاد صيغة توفيقية وتوافقية بين الجزائر وإسبانيا بعنوان الطاقة فقط. فما يهم فرنسا والاتحاد الأوروبي تأمين مصدر الطاقة خاصة . يهود الجزائر ..الورقة المخفية
يمثل موضوع اليهود من أصول جزائرية و من غير حاملي جواز السفر الجزائري من بين النقاط التي سيجري الحديث بشأنها بين ماكرون وتبون حيث أن الطلب الفرنسي هو السماح لهؤلاء بدخول الجزائر وزيارتها بحرية وتسهيل التأشيرة.
ووفق الكواليس فان الجزائر سوف توافق موافقة مشروطة تتمثل في تراجع فرنسا على قرارها بتقليص عدد التأشيرات الممنوحة للجزائريين الى النصف .
وهي خطوة اتخذت في فرنسا وسيعلن عنها قريبا و لا يخص الأمر الجزائريين فقط وإنما التونسيين و المغاربة حيث ستعاد الحصص القديمة من التأشيرات.
المصالحة الممنوعة
يرى عدد من المتابعين أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بحماسة الشباب فيه سيسعى لإعطاء إشارات قوية للوساطة الفرنسية بين الجزائر و المغرب من جهة و بين الجزائر والمغرب و أسبانيا من جهة أخرى فانه من الصعب أن يرتكب ماكرون هذه الخطأ لانّه يدرك جيدا أن الجزائر تاريخيا رافضة لأي وساطات مع المغرب وتعتبر ذلك مسا من الأمن القومي وخدش للكرامة الوطنية والدليل فشل كل المبعوثين الأمميين لدى البوليساريو.
هذا فضلا أن فرنسا لا يهمها أي تقارب جزائري مغربي الا بما يخدم مصالحها في المنطقة وماكرون لن يتحرك في الصلح سوى في حدود الصحراء الكبرى وما يسمى دولة البوليساريو .
وحتى البيان المغربي الذي يحمل في باطنها تهديدا و سياسة من معنا فهو ضدنا في صراعها مع الجزائر لن يجبر ماكرون المجازفة بفتح هذا الملف في الجزائر فهو يدرك أن شجرة معاوية قطعت بين الجزائر و المغرب منذ اغتيال المغرب لعدد من الجزائريين في الصحراء العام الماضي وكذلك بتطبيع العلاقات رسميا بين إسرائيل والمغرب تكون العلاقة بين المغاربة و الجزائريين وصلت طريق اللاعودة.
تونس الجزائرية الفرنسية
تحظى تونس بمكانة هامة لدى كل من فرنسا و الجزائر و ستكون الأوضاع السياسية و الاقتصادية فيها على طاولة اجتماع ماكرون و تبّون رغم أنه ستكون على هامش الاجتماع لرغبة الرئيسين في عدم التدخل في شؤون تونس مقابل الرغبة الكبيرة في مساعدتها عبر آليات أخرى .فالرئيسان يدركان أهمية العمق الجغرافي لتونس و يدركان أهمية أن تكون مستقرة.
ومن الممكن أن يكون الملف التونسي ضمن النقطة الأخيرة من البيان الذي سيصدر عقب زيارة ماكرون للجزائر.وربما يفعلها ماكرون و يتحول إلى تونس في زيارة خاطفة بعد نهاية زيارته للجزائر.
شهدت الأيام الأخيرة استمرار الهجمات التركية على مناطق الشمال السوري وقيام مسيرات الجيش التركي بقصف واستهداف العديد من المناطق التي يقطنها المدنيين فى الشمال السوري.
وتصادف أن تزامن القصف التركي مع عملية عسكرية أطلقتها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين فى قطاع غزة وهي العملية التي حظت باهتمام عربي وعالمي وإعلامي بالغ.
الغريب فى الأمر أن القصف التركي الذى ربما لا يتوقف بحق دول مثل سوريا والعراق وما تبعه من سقوط ضحايا عرب ومسلمين لم يحظي بذلك الاهتمام الذى حظي به الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة.
حتى إن الهجمات الإسرائيلية التي ينفذها طيران الاحتلال الإسرائيلي على العاصمة السورية دمشق والانتهاك المتكرر للسيادة السورية لم يجد يقابل بالاهتمام الذى يستحقه من الدول العربية حتى بيانات الشجب والإدانة التي كانت تترافق مع هذه الجرائم أصبحت توقف العواصم العربية عن إصدارها !
وفى محاولة لتفسير هذه الحالة، إلتقت الشمس نيوز ببعض الخبراء والمتخصصين العرب فى الشؤون والعلاقات والأزمات الدولية.
تركيا أخطر ولكن
فى البداية، اعتبر الخبير المصري فى العلاقات الدولية دكتور عمرو الديب أن الدولة التركية فى ظل نظامها الحالي بزعامة رجب طيب أردوغان تمثل خطورة شديدة على الدول العربية ربما تفوق فى خطورتها ما تمثله إسرائيل على العرب.
وأوضح الديب الذى يعمل أستاذ للتاريخ الحديث بجامعة لوباتشيفسكي الروسية فى تصريحات خاصة إن الاهتمام والتركيز العربي على إسرائيل كعدو يأت فى ظل ما تمثله القضية الفلسطينية للعرب بحكم التقارب المكاني واللغوي والاهتمام الإعلامي وذلك على الرغم من أن المظلومية التاريخية للشعب الكردي تمتد لعقود أكثر من القضية الفلسطينية.
وبحسب الخبير المصري فإن الوضع الفلسطيني مشكلة عربية صرفة قربها المكاني يجعلها بؤرة اهتمام الشعوب العربية بالرغم أن إسرائيل وتركيا يرتكبون نفس الجرائم مثل القتل والتشريد والتغيير الديموغرافي واغتصاب الأراضي ولكن المفعول به مختلف بالنسبة للعرب فى فلسطين ينظرون على أن الضحية شعب عربي مسلم أما بالنسبة لتركيا فالضحية شعب مسلم ولكنه ليس عربي.
وشدد خبير العلاقات الدولية على أن تركيا بالنسبة للعرب أخطر من إسرائيل فالأخيرة معلومة للجميع أنها عدو للعرب والمسلمين أما تركيا فبحكم كونها دولة إسلامية فهي تستخدم الإسلام للسيطرة على الدول العربية والتدخل فى شؤونها مشيرا إلي أنه لا يجب الانخداع بمحاولة تركيا تصفير مشكلاتها مع الدول العربية خلال الفترة الأخيرة فهذا الأمر يرجع بشكل او بأخر للاقتصاد التركي والأزمات التي يواجهها.
وأكد أن تركيا دولة خطيرة يجب على الدول العربية أن تعي الخطر الذى تمثله عليها والخطط التي تستخدمها لتنفيذ استراتيجيها وتحقيق أهدافها فى الشرق الأوسط .
وأشار إلي ان تركيا لها خطط واسعة واهداف استراتيجية ليس فى الشرق الأوسط فحسب بل فى منطقة البلقان وأسيا الوسطي مشيرا إلي أن هناك مخطط نفوذ واسع تسعي أنقرة لتنفيذه بهذه المناطق .
وختم الخبير المصري تصريحاته بالقول إن تركيا دولة يجب الوقوف أمامها مشيرا إلي انه لا يدعو للسلام مع إسرائيل ومعاداة تركيا بل يجب الحذر من تركيا كما نحذر من إسرائيل فالاثنين يمثلون خطرا كبيرا على الدول العربية ولكن تركيا أخطر .
حرب بالإنابة
من جانبه يري د. إياد المجالي الباحث الأردني في العلاقات الدولية بجامعة مؤتة بالمملكة الأردنية أنه فى اطار تحليل أبعاد المشهد السياسي لشكل الصراع القائم وأنماطه في المنطقة, لابد من تسليط الضوء على أبرز محاور هذا الصراع وشكل التحالفات التي تحكم العلاقات بين الأطراف الدولية والإقليمية, حيث تتسم هذه الأطراف أمام معادلات التدابير الوقائية تارة والهجومية تارة أخرى في مواجهة أدوات المشروع الصهيوامريكي بالتعاون مع شركائهم الإقليميين, في مسرح الأحداث على الجغرافيا السورية أو في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأكد لـ الشمس نيوز إن نيران القصف الهمجي الصهيوني وتداعياتها على غزة, هي حربا شرسة و غير متكافئة ومؤشر فاضح لمراوغة ما تنشره الماكينة الإعلامية الغربية لمبررات ومسوغات هذا العدوان الصهيوني المتكرر على الشعب الفلسطيني بعد انتهاك حرمة وقدسية الأرض والبشر والشجر, لتجيب بشكل واضح على حجم الخنوع والقبول العربي لهذه الجرائم الممنهجة, تكتفي أطراف الاقليم والعربية منها بخجل في الشجب والاستنكار أمام شعب يذبح بدم بارد, والحقيقة المؤلمة ان أغلبها أنظمة تابعة للمشروع الصهيوأمريكي تنفذ تعليمات الغرب المتصهين دون اعتراض.
وشدد الخبير الأردني على أن حال الشعب الفلسطيني لا يقل او يزيد عن ما آلت إليه الأزمة السورية, التي فقدت عناصر الحل السياسي لتستمر مبادرات التفكيك والتقسيم والتهجير والحرب بالإنابة على الجغرافيا السورية.
وأشار إلي أن تشعب جزيئيات هذا الصراع وتنامي الدور التركي في زعزعة استقرار المنطقة, لا يقل همجية ووحشية على ممارسات الكيان الصهيوني في فلسطين المحتله, لتأتي التساؤلات الموضوعية حول : لماذا هذا الاهتمام في ممارسات الكيان الصهيوني والتغاضي عنها من المشروع الامبراطوري العثماني الأردوغاني في شمال شرق سوريا هي بالمجمل هندسة مشتركة لشكل الصراع القائم وتحالفاته في تحقيق أهداف تركية صهيونية مشتركة في بؤر التوتر وعدم الاستقرار , سواء من خلال تعزيز الأداة العسكرية ومصانع الأسلحة , وبقاء الوضع القائم يتغذى على الهجمات الإرهابية المتعددة حيث يوظف العدوان الصهيوني والتركي أدواته بشكل محترف, لتنفيذ عملياته الهجومية سواء على الأراضي المحتلة وشمال الشرق سوريا.
وهو الأمر الذي يجعل خيارات الدولة السورية وحلفائها موضع الدفاع أما الاستراتيجية الأمريكية التي تنفذها بالإنابة على الجغرافيا السورية, فمساعي الولايات المتحدة استمرار التوتر والتصعيد في الملف السوري , يشكل أحد اهم البدائل السياسية لاستثمار الضغوط القصوى في الجبهة الإيرانية والروسية بحكم حضورها على الأراضي السورية, وتمثل أطراف داعمة وحافظة للدولة السورية من الانهيار والتفكك,ومواجهة تقاطع المصالح بين القوى الكبرى في مسرح الأحداث.
وبحسب الخبير فإن ما تظهره مؤشرات وردود الفعل المتباينة من الاطراف الاقليمية الحليفة للمعسكر الغربي, تجد أن السياق الاستراتيجي الناظم للصراع في سوريا ليس من الأولويات التي تمنع أو تشجب السلوك العدواني التوسعي التركي, الذي يعمل بشكل حثيث الى تفكيك واحتلال الأراضي السورية, المعززة للوجود الإيراني والروسي في إطارها السياسي والعسكري لذا تتعمق جذور الرؤية لشكل ما يسمى حرب الإنابة ضمن هذا الصراع المبرر للعرب كغيرهم من الأطراف الإقليمية التي تحتكم في سياساتها إلى تبعية مطلقة لنفوذ وسيطرة المشروع الصهيوامريكي فيها.
يحمل يوم 15 آب\ أغسطس لعام 1984 انعطافة هامة وكبيرة في تاريخ الشعب الكردي، لأسباب عديدة تتعلق بالوجود والهوية والثقافة الكردية التي كانت في حالة انحدار بسبب محاولات الدولة التركية في طمس الهوية ومنع اللغة والخصوصية الكردية والتطهير الثقافي، إلى جنب حالة الإبادة الجماعية الفريدة منذ عام 1925م وخيانة وتخلي الدولة والنخب والسلطة التركية الحديثة بعد الإمبراطورية العثمانية عن التحالف التاريخي الكردي-التركي والتقاليد الديمقراطية والقيم المجتمعية المشتركة والمسار الاجتماعي الإسلامي الواسع الذي كان يستوعب تعدد الأعراق والملل والألوان والألسن.
منذ دخل الإسلام بلاد الكرد حوالي 641م و642م، تشارك الكرد مع بقية الشعوب الإسلامية الحياة في المنطقة ضمن الحضارة الإسلامية، وفي العصر العباسي ومع توسع الدولة والخلافة الإسلامية وزيادة عدد الشعوب المسلمة غير العربية ، كانت الخصوصية الجغرافية واللغوية والثقافية والإدارية مصانة ومحفوظة لكل ملة وقوم وشعب وحتى على مستوى العشائر والقبائل وتلك كانت قيم ديمقراطية مشرقية، التي نسميها اليوم بالنظام اللامركزية و يمكن القول أن كل شعب وقوم وملة ومع دخولهم في الإسلام كانوا يتمتعون في مناطقهم الأصلية بنوع من الحكم الذاتي أو الإدارة الذاتية وحتى الإسلام لديه تعددية في المذاهب والطرائق ومع تأسيس السلطنات والدول داخل الخلافة تتطور النظام وبشكل تدريجي وطبيعي إلى النموذج الفدرالي أو المركزي المرن، حيث أن الدولة الأيوبية والسلجوقية وكذلك دولة المماليك الشركسية التي كانت مركزها مصر كانوا ضمن الخلافة العباسية الواحجة وهذه كانت من ضرورات وتطورات الوضع وإنزياحات القوى ومراكزها ضمن الخلافة العباسية الواسعة التي لم تستند إلى قومية أو ملة أو طائفة وحدة بل كانت متنوعة ومتعددة الملل والأعراق.
ولقد عاش الشعب الكردي في حوالي 51 إمارة كردية ضمن الخلافة العباسية يقودها أمراء وعائلات ورجال دين كرد من طبقات فوقية عليا، ربما انفصلت بعض تلك الطبقات ولأسباب مصلحية ضيقة عن واقع مجتمعهم وهويتهم الثقافية، و لعل أشهرهم الدولة المروانية أو إمارة ميافارقين بالقرب من مدينة آمد(دياربكر الحالية) والتي مثلت رأس مثلث رؤسه الثلاثة( العباسين في بغداد- المروانيين في ميافرقين -الفاطميين في القاهرة ) كتوزع لثلاث مراكز استراتيجية جغرافية وشعبية هامة حتى اليوم رغم كل الظروف إضافة إلى إمارة بوطان بمركزها في مدينة جزيرا الحالية في باكور كردستان(جنوب شرق تركيا) على مثلث الحدود التركية السورية العراقية وإمارة أردلان بمركزها في مدينة سنا(سندج) في روج هلات كردستان (غرب إيران) بالإضافة إلى إمارة صوران وبهدينان وبدليس وكلس وغيرهم الكثير في الأجزاء الأربعة من كردستان المقسمة حالياً بين أربع دول(تركيا، إيران، سوريا والعراق) نتيجة الاتفاقيات الدولية العالمية لهندسة المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى لخدمة وسيطرة النظام العالمي المهيمن المتشكل بعد الحرب للهيمنة والسيطرة ونهب المنطقة وتوجيه بوصلة الأراء والتناقضات فيها.
توافد العرق التركي أثناء وضمن الخلافة العباسية والدولة الأيوبية وبمختلف العائلات والتشكيلات والعشائر وكانوا يقومون بالأعمال التي يتم توكيلهم بها من قبل السلاطين والخلفاء فكانوا جنوداً ومماليك، ويقال أن السلطان الأيوبي نجم الدين أيوب وحدة جلب أكثر من 1000 مملوك وأدخلهم لجيش الدولة الأيوبية وخاصة في مصر وعندها صعدوا فيها إلى أعلى المراتب حتى وصولهم لكرسي السلطان بعد قتلهم لأبن السلطان نجم الدين أيوب وهو السلطان توران شاه أخر سلاطين الدولة الأيوبية بالتعاون والتوطؤ مع شجرة الدر، كما أن المماليك ومع تمكنهم وتقوية شوكتهم ضمن البلاط والقصر العباسي قتلوا واستبدلوا خلفاء في الدولة العباسية وحتى أنهم ساعدوا المغول والتتار الذين ينحدرون من نفس أصل القبائل التركية في قتل الخليفة المستعصم بالله واحتلال وتهديم بغداد ودمشق والاعتداء على أهلها ونسائها وحرائرها فهم من نفس المناطق والنسب القبائل المغولية.
تعايش الكرد وهم أحد أقدم شعوب المنطقة والترك القادمون من أواسط آسيا من مناطق جبال هملايا على الحدود الصينية تحت مظلة الإسلام وقيمها الأخلاقية العالية والعادلة وكان الكرد وبسبب الإسلام وقبله في صراع وتناقض مع البيزنطيين والروم قبلهم وهنا تحالف الكرد والترك وكانت الحاجة الطبيعية للشعبين للكرد إبعاد الخطر البيزنطية والترك في تأمين مكان لهم للعيش فيه بعد عدم تمكنهم العيش في المناطق الفارسية والعربية بسبب صراعات السلطة فيما بينهم.
وكانت معركة ملازكرد 1071م التاريخية التي خاضها الكرد والترك أمام البيزنطينيين وكانت النتيجة النصر وفتح بلاد الأناضول أمام الأنساب والعشائر التركية، ومع قدوم العشائر التركية المختلفة وتوطينهم في الأناضول وتمرسهم فيها ودخولهم الإسلام لغايات تخدمهم غاياتهم السلطوية والسلطنية، أصبحوا قوة سلطوية تبحث عن حكم المنطقة ونهبها باسم الإسلام وشعائره وطقوسه فكانت الاحتلال العثماني للمنطقة وأخذ الخليفة العباسي من مصر إلى إسطنبول وتنازله عن الخلافة للعثمانيين وفق الرواية التركية التي من الممكن والوارد أنهم قتلوا الخليفة الرهينة وقالوا ما يحلوا لهم لأن السلطان سليم الأول وبعد معركتي مرج دابق والريدانية واحتلال مصر والقاهرة، قال لأم الخليفة العباسي عندما قالت له كيف ستصبح الخليفة وأنت لست بعربي فقال أنا اليوم الخليفة والعرف والقانون وأقول وأفعل ما يحلو لي وأضع الأمور كيفما أشاء.
كانت اللامركزية الواسعة في الاحتلال والإمبراطورية العثمانية أيضاً هي سمت وطبيعة النظام القائم رغم كل سلبياته وجهله وتخلفه. ولكن مع تدخل الغرب وخاصة ألمانيا في أعوام 1830 وبحث السلاطين العثمانيين عن الطرق للالتحاق بالركب الغربي والثورة الصناعية التي بدأت في أوربا ومظاهر الحياة العصرية، بدأت الاستشارة الألمانية للسلاطين العثمانيين بالتركيز على المركزية الشديدة والقضاء على الخصوصيات وحالة التعدد والتنوع، فكانت بداية التناقضات التركية والكردية حيث أن الكرد لم يوافقوا على مجيء الترك وخوضهم الحرب معاً إلا ليبعدوا خطر الروم والبيزنطينيين والعيش بحرية وكرامة وليس الخضوع والخنوع للترك الغرباء ولدولهم ومركزيتهم المصطنعة الدولتية.
وهنا ومنذ 1855 وبعدها ظهرت العلاقات والاتفاقات العثمانية والصفوية بعد احتلال العثمانيين للبلاد العربية واستقرار الأمور نسبياً بين العثمانيين والصفويين واتفق العثمانيين والصفويين في محاربة الكرد والقضاء على إماراتهم في طرفي الحدود بينهم ، بعد أن قسموا كردستان بينهم باتفاقية قصر شيرين عام 1639م التي تعتبر أول تقسيم و اعتداء على الجغرافية والأمة الكردية، مما زادت من معانات وتحديات المجتمع الكردي ونضال حريتهم والدفاعهم عن إماراتهم وخصوصياتهم ووجودهم واستقلاليتهم الذاتية أمام إمبراطوريتين تسعيان للهيمنة على المنطقة كما هي اليوم بالضبط في أن تركيا وإيران تستهدفان الكرد والعرب وتحاولون التدخل في شؤونهم واحتلال أرضهم ودولهم.
و الأسوء أنه ورغم كل المؤامرات والسلطوية التركياتية العثمانية وتفردها إلا أن الكرد أيضاً ومن منطق وعرف الإسلام والأخوة الدينية خاضوا مع الترك أيضاً جهود وحورب خلاص الدولة العثمانية أو تركيا من الاستعمار الغربي في ما يسمى بحرب الاستقلال في تركيا(1919م-1921م) وتأسيس دولة للكرد والترك وفق الميثاق الملي الذي كان عام 1919 بين العشائر الكردية التي تجاوزت الثلاثين والضابط العثماني مصطفى كمال لخوض الحرب، لكن بعد ما تم تسميته بحرب الاستقلال عام 1921 وتوطد السلطة وتراجع المحتلين والاستعمار الغربي وبدء تشكل الحكومة و الدولة الجديدة وتواصل الإنكليز مع مصطفى كمال وتدخل وتأثير النفوذ اليهودي في الدولة التركية ولخدمة أجندات وسياسات واستراتيجيات نظام الهيمنة العالمية، تخلى الجانب التركي في الدولة الحديثة عن كل إلتزاماتها واتفاقياتها قبل و أثناء الحرب مع الكرد وكذلك إنهاء البرلمان الأول الذي كان فيه نسبة الكرد 33% والدستور الأول للدولة الحديثة وتم الانقلاب على كل المتفق بين الطرفين الكردي والتركي و إحداث دستور جديد وبرلمان جديد باسم التركي فقط وإن كل من يعيش في تركيا هو تركي في حالة توطيد شوفينة وعرقية وقوموية مصطنعة متضخمة لخلق أمة الدولة وكانت قوانين التطهير العرقي بحق الكرد والإبادة الجماعية الفريدة منذ عام 1925 بعد أن تخلص التركياتية الفاشية من الأرمن والروم واليونان واللاز والبوتس وغيرهم من أعوام 1914 إلى 1922، فكان سنة 1925 والبدء بإبادة الشعب الكردي وقاموا بسن قانون إصلاحات الشرق وإسكان الشرق الذي كان إبادة ممنهجة بحق الشعب الكردي والعمل على تهجيره والقيام بالتغيير الديموغرافي في المناطق الكردية وخاصة المناطق الواقعة غربي الفرات وكذلك الواقعة شرقها والعمل على تشتيت التركيز السكاني الكردي بخلق بؤر استيطانية تركية وتركمانية حتى ولو من أواسط أسيا في المناطق ذات الغالبية الكردية والعمل لجعل الكرد لايتجاوز نسيتهم 5% في كل المدن لإضعافهم وتسهيل إنصهارهم وذوبانهم في البوتقة التركية وتصفية الشعب الكردي والقضاء عليه بشكل تام.
وهنا لم يقبل الشعب الكردي هذه الخيانة التركية والمؤامرة الدولية على نفسه وكرامته ووجوده وخصوصيته وخاض من 1925 وحتى 1940 أكثر من 29 ثورة كانت قادرة كل وحدة منها على هزيمة الترك وتشكيل العديد من الدول والكيانات الكردية، لكن في كل مرة كانت القوى العالمية الرأسمالية المهيمنة والاحتكارية تقف بالضد من حقوق الشعب الكردي وتتعاون مع الترك والفرس لإنهاء الثورة وقتل قادتها و استعمال بعض رجال الدين الكرد العملاء للدولة والسلطة التركية تحت اسم الشعارات والأخوة الدينية وولي الأمر وطاعته وذلك لخلق ضعف ووهن في الجبهة الداخلية الكردية لمعرفتهم باحترام وتقدير وإيمان الشعب الكردي بالدين الإسلامي والقيم الأخلاقية الإسلامية.
ومن عام 1924 وحتى 1973 ساد سكون مدقع بعد كل الهزائم وحالات القتل وكسر الإرادة ودفن الأحياء في المغارات وصب البتون عليهم كما في انتفاضة ديرسم 1937 والتي كانت تقوم بها الدولة التركية بمساعدة ودعم من القوى العالمية حتى أن تركيا وبعد هزيمة أنتفاضة أو ثورة آكري وضعوا علم الثورة في قبر وكتبوا عليها هنا تم دفن كردستانكم الخيالي.
ولكن من قال أن التتار والمغول والعثمانيين والترك وأمثالهم الغرباء عن المنطقة يستطيعون هزيمة الشعب الكردي الذي يمتد جذوره إلى حوالي 12 ألف سنة على الأقل وفق ما ظهر في الموقع الأثري في كوبكلي تبه ( خرابه رشكي ) القريبة من مدينة سيدنا إبراهيم أورفا الواقعة في باكور كردستان(جنوب شرق تركيا)، حتى أن الأسكندر المقدوني لم يستطيع من اجتياز جبالهم الشامخة إلا بالتوافق معهم وبعد هزائم كثيرة أجبرته على التوافق واحترام الشعب الكردي وإرادته وجباله، كما يقول ذلك المؤرخ قسانوف وهيردوت اليونانيين.
وفي عام 1973 وبالقرب من سد جوبوك في أنقرة ، اجتمع في 21 آذار في عيد نورز القومي الكردي حوالي 7 من أبناء الشعب الكردي و الترك الأحرار الذين يؤمنون بالعلاقة والأخوة الكردية-التركية وقالوا كفى للإبادة والاحتلال التركي لوطن الكرد كردستان وكفى للفاشية التركية وقد كان على رأسهم القائد والمفكر والطالب حينه في قسم العلوم السياسية بجامعة انقرة، عبدالله أوجلان الذي كان يدرس العلوم السياسية في جامعة أنقرة وقال كلمة الحق والبداية لمشوار طويل يمتد إلى اليوم وهو الحقيقة التالية بأن “كردستان مستعمرة” وبدأ معها العمل الطلابي الكردستاني واليساري والسياسي والتوعوي لخلاص تركيا من الفاشية وكردستان من الاستعمار.
وبين أنقرة و إسطنبول ومدن شمالي كردستان من ديلوك(عنتاب) وكركم(مرش) وآمد(ديار بكر) وإيله(باطمان) و مردين ورها(أورفا) وأكري تزايد نشاط المجموعة الطلابية أو الأبوجية(نسبة للقب القائد عبدالله أوجلان) وأصبح الشباب الكردي وخاصة العمال والطلبة ينضمون للحراك الجديدة إلى أن تم في 27-11-1978 في قرية فيس في ولاية آمد(ديابكر) الاجتماع التأسيسي لحزب العمال الكردستانيPKK كمسار وطريق وسياق حرية لخلاص الأمة الكردية وتحرير الأجزاء الأربعة من كردستان وتوحيدهم وفق منطق حركات التحرر الوطنية و النظريات الفكرية والثورية السائدة في العالم حينها.
وكانت العمالة والخيانة المفروضة والطبقات الفوقية التي تمثل دولة الاحتلال التركية في المجتمع والمناطق الكردية من أولى من حاول سد الطريق أمام هذا السياق الحر والمجتمعي الذاتي رغم حداثته، فكانت حادثة استشهاد القيادي حقي قرار في 18 نيسان عام 1977 و أحداث حلوانية وسورك في أورفا ضد الخونة بقيادة أول قائد عسكري في تاريخ الحركة الكردية المعاصرة محمد قرى سنغر الذي استشهد أيضاً على يد العمالة والخيانة في باشور كردستان (إقليم كردستان العراق) وهو يعمل لإصلاح ذات البين بين الحركات الكردية في باشور كردستان( إقليم كردستان العراق) في بداية الثمانينات.
ومع الإنقلاب العسكري 12 أيلول لعام 1980 في تركيا بدعم غلاديو الناتو، بدأت الدولة التركية بفصل جديد وشديد من نظام الطوارئ والحرب في باكور كردستان(جنوب شرق تركيا) ذلك النظام الموجود في المناطق الكردية منذ 1925. وتم اعتقال وسجن عدد كبير من القادة والنشاط والمواليين وكذلك الآلاف وبل الملايين من أبناء الشعب الكردي والمعارضين للانقلاب ولسياسة السجن والقتل و الحرب الخاصة التي بدأتها السلطة الجديدة بدعم ومساندة من حلف الناتو الذي حكم تركيا فعلياً عبر غلاديو وأرغنكون(الشبكة السرية للناتو في أوربا وتركيا) ويحرك القوى فيها من خلف الكواليس لمصالح نظام الهيمنة العالمي واستراتيجياتها.
وفي سجن أمد(دياربكر) ولكونها أكبر مدينة كردية وينظر لها كمركز للكرد والنشاط والحراك السياسي الكردي، كانت للطغمة العسكرية العنصرية وللفاشية التركية الحاكمة سياسة خاصة تهدف إلى كسر إرادة الشعب الكردي وإخضاعه وترويضه بالقوة والإزلال ليقول أنا تركي ولست كردي ويمتنع عن التحدث بالكردية ويستسلم للدولة والفاشية، وجدير بالذكر أن اللغة والثقافة الكردية كانت ممنوعة منذ 1925 ولا زالت حيث لا توافق الدولة ولا يوجد نظام تربوي لتعليم أطفال الكرد وبلغتهم في المناطق ذات الغالبية الكردية في جنوب شرق تركيا مع العلم التعلم بلغة الأم من أبسط حقوق الإنسان ضمن كل الشرائع السماوية والوضعية.
فكانت الرد على فرض الاستسلام في السجن، ملحمة المقاومة والانتصار القائد الشهيد مظلوم دوغان وهو أحد أهم قيادات الحزب وقتها حيث قام بعملية فدائية في السجن وتسبب في شهادة نفسه تحت شعار “المقاومة حياة والاستسلام خيانة” ليقول لتركيا ولسلطتها و لإدارة السجن اننا لانقبل بالاستسلام مطلقاً، فكان موقفه البطولي اشراقة شمس المقاومة والحرية و انعطافة وتحول كبير و كان بعدة عمليتين لا تقل أهمية و هما العملية الفدائية للأربعة وهي بحرق أنفسهم وهم أربعة كوادر قياديين(فرهات كورتاي، محمد زنكين، أشرف آنيك ونجمي اونر)وكذلك الصيام حتى الشهادة للكوادر الاربعة (محمد خير درموش ، كمال بير ، عاكف يلماز وعلي جيجك) الذي استمر حوالي 65 يوماً، حيث كان لهذه العمليات الفدائية وملاحم المقاومة من داخل السجن أثار وصدى كبير في الوجدان والعقل والضمير الكردي أيقظتهم من السبات العميق ، كما كان رسالة للمحتل التركي بعدم الاستسلام وكذلك لحزب العمال الكردستاني بأن يأخذ قرار النضال والكفاح المسلح ضد دولة الاحتلال التركية الفاشية لتحرير كردستان والشعب الكردي.
فكانت اللحظة واليوم التاريخي المنتظر في 15 آب\ أغسطس لعام 1984 بعد أن قام القائد أوجلان بالجهد والعمل والتدريب والتحضير اللازم للقفزة التاريخية بعد سفره من باكور (جنوب شرق تركيا) إلى سوريا و لبنان والاستفادة من واقع الثورة الفلسطينية بعد أن تم دفع ثمن العلاقة مع الثورة الفلسطينية والقيام بواجب الصداقة تجاهها من دماء 12 شهيد في قلعة شقيف في جنوب لبنان لصد الاحتلال الإسرائيلي واعتقال العشرات.
وكان قائد قفزة 15 آب ، القائد الشهيد عكيد(معصوم قورقماز) من المجموعات التي تدربت عند الثورة الفلسطينية ورجع بعدها إلى كردستان مع مجموعات عديدة للبدء بالكفاح المسلح ضد دولة الاحتلال التركية ، فكانت عملية البداية من أروه(دهيه) وشمذينان التي أصبحت التاريخ وقبلة الحياة في عودة الروح والحياة لأمة كانت على شفير الموت والتصفية.
وكما يقول الثوري والمقاوم والدكتوري الجزائري “فرناز فانون” فإن الطلقة الأولى ضد المحتل هي في الوقت نفسه ضد الخوف والضعف. وهكذا كانت الطلقة الأولى التي هزم فيه الكردي خوفه وضعفه وعدوه وبدأ بملحمة المقاومة والحياة والإنبعاث من جديد بعد أن ظن الأتراك أنهم دفنوه في القبر مع علم ثورة أكري.
وأحدثت العملية الأولى أو ما نسميه في المجتمع الكردي قفزة 15 آب زلزالاً للدولة التركية والشعب الكردي فهب الشباب والبنات الكرد وبالألاف ينضمون للثورة، ودخل الزعر والخوف بالمقابل في نفس كل عنصر محتل للدولة التركية في كردستان وأنصعقت الدولة التركية بأنه كيف لشعب جعلناه مقتلولاً وضعيفاً أن يمتلك الشجاعة والجرأة ويهاجم على جيش تركيا ثاني أكبر جيش في الناتو.
ومازالت المقاومة مستمرة إلى اليوم وستستمر لأنها وجدت لحل القضية الكردية وخلاص الشعب الكردي من الاحتلال والإبادة الجماعية الفريدة ولأنها ليس هناك من سبيل لوقف الإبادة التي تمارسها الدولة التركية إلى اليوم إلا بالدفاع المشروع والمقاومة ومازالت تركيا ترفض الحل السياسي والديمقراطي وتصر على الحل العسكري وتصفية الشعب الكردي وإنهائه واحتلال عفرين وطرد وتهجير أهلها أحدث هذه الأمثلة، رغم كلام بعض الخونة والعملاء أو الحمقى الذين يرددون ويقولون بإمكانية نيل الحرية والحقوق القومية بالثرثرة و الديماغوجية الزائفة ولا يضعون نصب أعينهم الإبادة المستمرة، مع التذكير أن المقاومة الكردية والنضال العسكري و السياسي الكردي المرافق مر بكثير من المحطات والتغيرات التكتيكية والاستراتيجية حسب الظروف وتطور التجربة النضالية والعسكرية والتنظيمية الكردية، من بدئها بإسم قوات تحرير كردستان(HRK) إلى الجيش الشعبي لتحرير كردستان(ERNK) وصولاً لقوات الدفاع الشعبي الكردستاني(HPG).
ومن الهام فهم أهمية وأبعاد قفزة 15 آب فهي ليست فقط بداية نضال وكفاح مسلح بل إنها بداية سياق ومسيرة وحياة جديدة وبناء إنسان حر وديمقراطي وذهنية تشاركية حرة وإرادة حرة تؤمن بالتعددية والتنوع والحرية والديمقراطية وكذلك يمكن القول أن قفزة 15 آب هي ميلاد لنموذج المرأة الحرة وامتلالها الشخصية الحرة القادرة على حماية وإدارة وقيادة المجتمع والثورة ومانراه في شمال سوريا من ظهور وحضور نموذج المرأة الحرة ونموذج الرئاسة المشتركة والمجتمع الديموقراطي وأخوة الشعوب منبعه ومركزه الفكري والمعنوي والأخلاقي والإرادي هو قفزة 15 آب وتأثيراتها في المجتمع الكردي والفكر النضالي الكردي الديمقراطي الحر.
ومع دوران عجلة المقاومة والنضال والتنظيم واتساعها وتعاظمها في التسعينات أراد القائد عبدالله أوجلان في سلك مسار الحل السياسي والديمقراطي ومنذ 1993 وحتى اليوم أعلن الطرف الكردي والقائد أوجلان وحزب العمال الكردستاني وقف إطلاق النار لأكثر من 9 مرات لحل القضية سليماً وديمقراطياً، لكن الدولة التركية وفي كل مرة لا تقوم بما يقع على عاتقها وتتهرب من حمل المسؤولية وتكون إنهاء وقف إطلاق النار من قبلها فليس لديها القدرة على اتخاذ قرار حل القضية الكردية التي لها أبعاد عالمية وإقليمية كبيرة تتجاوز حجم تركيا وقوتها.
ومن المهم الإشارة إلى أن التشارك والتواطؤ الدولي وخاصة من أقطاب نظام الهيمنة العالمي الذي وبسبب وجود تركيا في الناتو ولماهية الدولة التركية الوظيفية في المنطقة لصالح أجندات وسياسات واستراتيجيات نظام الهيمنة العالمي، لا يريدون حل القضية الكردية وإنجاز توافق كردي تركي أو أية توافقات بين شعوب المنطقة، ولذلك ليس لديهم حتى اللحظة أي سياسة إيجابية تجاه حل القضية الكردية بل أنهم مازالوا يسلكون نفس السلوك منذ عام 1921 تجاه القضية الكردية في عدم حلها وبقائها كبورة توتر جاهزة للإشتعال وقت الحاجة والضرورة رغم اختلاف الأولويات بين الدولة التركية والدولة المركزية في نظام الهيمنة العالمية في السنوات الأخيرة في مقاربتهم للقضية الكردية.
ومنذ عام 1985 دخل الناتو على الخط في تركيا وقام بدعم الدولة التركية بكل أنواع الأسلحة والأدوات و الدعم الاقتصادي والإعلامي والسياسي لحرب تركيا ضد الشعب الكردي ولولا ذلك الدعم لما استطاع تركيا الصمود شهراً واحداً أمام الشعب الكردي وقواه المدافعة والحرة. وكما أن الناتو وأمريكا وإسرائيل قاموا ومع دول عديدة ببدء مؤامرة دولية لاعتقال القائد والمفكر عبدالله أوجلان في 9 أكتوبر 1988و اعتقاله في 15 شباط عام 1999 و تسليمه لتركيا قبل 24 سنة وقيام تركيا بممارسة العزلة والتجريد عليه وكان هذه المؤامرة من أكثر الممارسات التي سدت ومنعت الحل السياسي والديمقراطي أمام القضية الكردية واستقرار المنطقة وجعلت تركيا تظن نفسها انتصرت ولكن بعد 24 سنة أصبح حزب العمال الكردستاني والشعب الكردي أقوى و أصبح الذين يتبنون أفكار وفلسفة القائد والمفكر اوجلان ويقفون معه ليس الكرد وحدهم بل الكثير من شعوب المنطقة وحول العالم مع طرح القائد لمشروع الأمة الديمقراطية والإدارة الذاتية لحل القضية الكردية وقضايا المنطقة والكونفدرالية الديمقراطية للأمم الديمقراطية في الشرق الأوسط وهو بهذا تجاوز البعد الكردي القومي إلى الشرق أوسطي والإنساني بأن جعل النضال الكردي أهم محرك ودافع للنضال الديمقراطي لشعوب المنطقة و التحول الديمقراطي في دولها الذين يريدون إجراء التحول الديمقراطي وتحقيق وبناء الديمقراطية في المنطقة كنظام للحياة والإدارة والمجتمع.
ومع استشهاد حوالي 50 ألف من الشعب الكردي وتهجير تركيا للملايين وتركيز الدولة التركية لكل سياساتها واستراتيجياتها حول إنهاء الحركة الكردية المقاومة ورغم تماهي بعض الدول الأوربية وحتى أمريكا معها في وصف الحركة الكردية بالإرهاب ووضعها في القائمة السوداء زوراً ونفاقاً وكذباً وإرضاءً لتركيا، لكن الكل يعلم ويؤمن ويقول بعدالة القضية الكردية وحق النضال الكردي الديمقراطي وبممارسة تركيا اللإرهابية الممنهجة ضد الشعب الكردي في تركيا وسوريا والعراق. بل أن تركيا وفي السنوات العشرة الأخيرة وتحت حجة محاربة الإرهاب واستغلالاً لحالة الضعف في المنطقة مع ما يسمى الربيع العربي، حاولت وتحاول تطبيق مشروعها العثمانية الجديدة الذي يتجاوز الجغرافية والشعب الكردي إلى التدخل واحتلال الدول العربية كما تفعل الآن في شمالي سوريا وشمالي العراق ورغبتها في الوصل إلى مزيد من الجغرافية السورية والعراقية والعربية بشكل عام.
وعليه، فإن قفزة 15 آب\اغسطس بنت حالة نضالية وسياق اجتماعي وشعبي ديمقراطي في الأمة الكردية وشعوب المنطقة وهو ليس فقط نضال عسكري أو عمليات عسكرية وأمنية ضد المحتل في الميدان بل مضافة له فلسفة للحياة الحرة وبناء النظام الديمقراطي ووحدة وتكامل لشعوب المنطقة وبحث للحلول لأزمات المنطقة ضمن المجتمع الحر الديمقراطي وبالاستناد إلى أخوة الشعوب وحرية المرأة وريادتها مع الشباب لجهود ونضالات التغيير والبناء ومقاومة المحتل. وبالتأكيد أن قفزة 15 آب هي لب وجوهر حق الدفاع المشروع الذي أقرته وشرعته كل القوانين الدولية والشرائع السماوية والوضعية، وأي حل لقضايا تركيا وسوريا والعراق وإيران وكذلك المنطقة لابد أن يأخذ الحركة الكردية والشعب الكردي المناضل والمقاوم والديمقراطي والحر والذي هزم داعش وخلص المنطقة والعالم بعين الاعتبار، وما أنتجته قفزة 15 أب من إحياء الشعب الكردي وإعادته من الموت المؤكد والبدء بالنضال والكفاح المسلح هو اليوم رافعة بناء ودفاع وديمقراطية وحرية وقوة لشعوب المنطقة ولاستقرار المنطقة ولسلامتها ولأمنها في مواجهة دولة الاحتلال والإبادة تركيا الفاشية ومشروعها الاستعماري” العثمانية الجديدة” التي تستهدف كل المنطقة والدول العربية. والمجتمع الكردي اليوم بغالبيته مجتمع منظم وواعي نتيجة سنوات النضال الطويلة ويمتلك قوة عسكرية وسياسية وتنظيمية وفكرية وأيدولوجية وثقافية ومشروع ديمقراطي قادر على لعب أهم الأدوار في المنطقة وبل أن المغزل الكردي كما أكده المفكر والقائد عبدالله أوجلان سيدور لجعل انطلاقة المنطقة وشعوبها تصل لمراتب عالمية واشراقات كبيرة بإنجاز الثورة الديمقراطية للشرق الأوسط كما أنجز الثورة النيولتية قبل حوالي 12 ألف سنة في ميزوبوتاميا العليا ومن لا يرى هذه الحقيقة لا يستطيع قراءة التاريخ والحاضر ورؤية المستقبل الذي سيكون للشعب الكردي ومن يتحالف معه النصر والصدارة.
مع تصاعد الأوضاع فى العراق عقب اقتحام البرلمان من جانب أنصار مقتدى الصدر بدأت بعض المحاولات والمبادرات من أجل إنقاذ العراق من شبح الحرب الأهلية.
وبرزت خلال الساعات الماضية العديد من دعوات التهدئة ومبادرات الوساطة بعد اقتحام أنصار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر مبنى البرلمان للمرة الثانية خلال أسبوع واحد، وإقامة بعضهم اعتصاما مفتوحاً داخله، ودعوة الإطار التنسيقي الموالي لإيران أنصاره إلى “التظاهر السلمي دفاعا عن الدولة وشرعيتها ومؤسساتها”.
واليوم الأحد، أطلق رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، مبادرة لحل الأزمة السياسية في العراق، داعيا الأطراف السياسية للقدوم إلى أربيل والبدء بحوار مفتوح جامع واتفاق قائم على المصالح العليا للبلد.
ووفق وكالة الأنباء العراقية “واع”، قال بارزاني، في بيان صحفي “نتابع بقلق عميق الأوضاع السياسية والمستجدات التي يشهدها العراق”، مطالباً الأطراف السياسية المختلفة إلى التزام منتهى ضبط النفس وخوض حوار مباشر من أجل حل المشكلات.
وأضاف أن زيادة تعقيد الأمور في ظل هذه الظروف الحساسة يعرض السلم المجتمعي والأمن والاستقرار في البلد للخطر، مشيرا إلى “إننا في الوقت الذي نحترم إرادة التظاهر السلمي للجماهير، نؤكد على أهمية حماية مؤسسات الدولة وأمن وحياة وممتلكات المواطنين وموظفي الدولة”.
وشدّد بارزاني على أن “شعب العراق يستحق حياة وحاضراً ومستقبلاً أفضل، والواجب والمسؤولية المشتركة لكل القوى والأطراف هي العمل معاً لإخراج العراق من هذا الظرف الحساس والخطر”.
تفاصيل مبادرة بارزاني
وأردف أن “إقليم كردستان سيكون، كما هو دائماً، جزءاً من الحل”، داعياً الأطراف السياسية المعنية في العراق للقدوم إلى “أربيل، عاصمتهم الثانية، والبدء بحوار مفتوح جامع للتوصل إلى تفاهم واتفاق قائمين على المصالح العليا للبلد”، مؤكداً أنه “لا توجد هناك مشكلة لا يمكن حلها بالحوار”.
ومن جانبهم يستعد النواب المستقلون إلى طرح مبادرة سياسية لإبعاد شبح الحرب الشيعية-الشيعية التي بشرت بها تسريبات رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.
ونقل موقع رووداو الكردي عن عضو مجلس النواب العراقي سجاد سالم، قوله الأحد إن هذا “الصراع ليست فيه مصلحة عامة، خاصة وأنه يجري بين فصائل مسلحة”، مضيفاً “لذلك سيكون هناك موقف مستقبلا للمستقلين لكل هذه الأحداث الجارية، يراعي المصلحة الوطنية بشكل عام”.
وأكد سالم أن “هذا الموقف سيكون عقب لقاءات بين المستقلين لحين تكوين خارطة حل لهذا الموضوع، نتفادى بها الاثار السيئة التي تفرضها قوى السلاح المتصارعة حاليا”.
وأشار سالم إلى أنه “من الممكن أن نلجأ بهذا الاتجاه خلال هذه الأيام ونطرح مبادرة قريباً”.
ويشكك مراقبون في نجاح هذه المبادرات في إبعاد شبح الحرب الشيعية- الشيعية ما لم يتنازل زعيم حزب الدعوة الإسلامية رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي عن قيادة الحكومة العراقية المقبلة من خلف الستار بترشيحه محمد شياع السوداني للمنصب.
ويعكس خروج أتباع الصدر في المظاهرات مدى القطيعة بين زعيمهم والمالكي ومحاولتهم منع تسمية أي مرشح لتشكيل الحكومة الجديدة يكون مقربا من المالكي كما هو الحال بالنسبة إلى السوداني الذي يعد من قيادات حزب الدعوة الإسلامية.
ويرى أتباع الصدر أنهم لا يحملون أي ضغينة للمرشح السوداني لتشكيل الحكومة سوى أنه مقرب من المالكي الذي يتهمونه أنه حمل السلاح ضد جمهور الصدر عام 2008 في عمليات “صولة الفرسان” في محافظات البصرة والناصرية وكربلاء، والإساءة كثيرا لزعيمهم مقتدى الصدر في التسريبات الصوتية المنسوبة.
ويقولون إن المالكي متورط في سقوط عدد من المدن العراقية بيد تنظيم داعش منتصف يونيو عام 2014 وبالتالي يجب خضوعه للقضاء العراقي.
ودخل اعتصام أنصار التيار الصدري الأحد يومه الثاني داخل مبنى البرلمان للمطالبة بإصلاح العملية السياسية ورفض ترشيح محمد شياع السوداني لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة.
وانحسر وجود المعتصمين داخل أروقة البرلمان فيما توافدت أعداد غفيرة من أتباع الصدر من المحافظات العراقية للمشاركة في الاعتصام، وظهرت قيادات بارزة للتيار الصدري بين جموع المعتصمين أبرزهم حاكم الزاملي وحسن العذاري وقادة في سرايا السلام الجناح العسكري للتيار الصدري .
وأقام المعتصمون طوال الليلة الماضية مجالس عزاء لإحياء شعائر عاشوراء كما أدوا صلاة الفجر فيما تتواصل هتافاتهم لدعم الصدر .
كما قام المعتصمون بنصب خيم للاعتصام داخل البرلمان وأخرى لتقديم وجبات الطعام للمعتصمين، فضلا عن تكليف أعداد كبيرة منهم لغرض تفتيش الداخلين لمقر البرلمان تحسبا لأي طارئ بعد إغلاق مداخل البرلمان وتحديد مدخل واحد لدخول وخروج المتظاهرين.
وعاد منظر انتشار “التوك توك” (حافلات صغيرة ذات ثلاث عجلات) من جديد بعد ظهورها بكثافة قبالة السياج الخارجي لمبنى البرلمان وهي تقوم بنقل المتظاهرين وإيصالهم إلى مقر البرلمان بعد أن كان أول ظهور لها في مظاهرات أكتوبر 2019 .
وأعلنت السلطات العراقية إعادة فتح جميع الشوارع والجسور المغلقة في محيط المنطقة الخضراء الحكومية، وأصبحت الحياة طبيعية أمام حركة المركبات قبالة المنطقة بعد اقتصار وجود أنصار الصدر داخل البرلمان من دون أي تجمهر خارج المبنى سوى حركة الوافدين.
وكلفت الحكومة العراقية الأجهزة الأمنية بتأمين الحماية لجميع الأبنية الحكومية داخل المنطقة الخضراء وأيضا حماية الطرق التي يسلكها المعتصمون لكن القوات الأمنية لاتزال منتشرة بكثافة في الشوارع والمساحات العامة.
وطوال الليلة الماضية وحتى صباح الأحد لم يعلن الصدر أي موقف إزاء جميع المناشدات التي أطلقتها القوى السياسية بشأن التهدئة وإجراء حوار لحل المشاكل العالقة والتوصل إلى آلية لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة.
وأرجأت قوى الإطار التنسيقي الشيعي دعوتها لخروج مظاهرات شعبية لأنصارها دفاعا عن الدولة وشرعيتها ومؤسساتها، إلى إشعار آخر وإعطاء وقت للحوار والحلول الإيجابية السياسية.
مع هذه التطورات، يبدو العراق عاجزًا عن الخروج من الأزمة السياسية إذ لم تفضِ إلى نتيجة المحاولات والمفاوضات للتوافق وتسمية رئيس للوزراء بين الأطراف الشيعية المهيمنة على المشهد السياسي منذ العام 2003. وغالبا ما يكون المسار السياسي معقدا وطويلا في العراق، بسبب الانقسامات الحادة والأزمات المتعددة وتأثير مجموعات مسلحة نافذة.
اعتبر الكاتب التركي ذو الفقار دوغان أن التحول الذى حدث فى موقف أردوغان خلال قمة مدريد ليس مفاجئا.
وأشار دوغان فى مقال له إلي أنه فى قمة حلف شمال الأطلسي في مدريد، بينما تحولت الأنظار إلى ما إذا كانت تركيا ستقاوم حق النقض المعلن ضد عضوية السويد وفنلندا، لم يفاجئ الرئيس أردوغان أحداً بموقفه المنعطف الذي كان يُظهره كثيرًا مؤخرًا.
وبحسب المقال الذى نشره موقع ” أحوال تركية” فقبل أسبوع فقط، استقبل أردوغان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي اتهمه بأنه “قاتل جمال خاشقجي” الذي قُتل بوحشية في إسطنبول عام 2018، بـ21 طلقة مدفعية واحتضنه قائلا “أخي”. كان أردوغان، علاوة على ذلك، فإن وضعه الرسمي أرسل الأمير سلمان، “الرجل الثاني” للمملكة العربية السعودية، إلى درجات سلم طائرته باعتباره الرجل “الأول” لتركيا.
في حين كان رد المتحدثين باسم المعارضة على المأدبة التي أقامها أردوغان تكريما لمحمد بن سلمان ووفده في قصر بشتيب، أعلن زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو أنهم سيعيدون فتح قضية مقتل خاشقجي عندما يصلون إلى السلطة.
وبحسب الكاتب فقد قام أردوغان بمنعطف مماثل قبل بضعة أشهر بالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة، التي يتهمها بأنها الداعم والممول لمحاولة الانقلاب في 15 يوليو 2016. وبالمثل، تسارعت عملية رفع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل إلى مستوى السفراء، والتي تم قطعها منذ سنوات.
لهذا السبب، كان موقف أردوغان تجاه السياسة الداخلية، حيث تم تشديد تهديد حق النقض ضد السويد وفنلندا لمبادرة عضوية الناتو، وكان الرأي القائل بأنه يهدف إلى تقديم بعض التنازلات من خلال المساومة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في المقدمة.
أردوغان، الذي قال في 29 مايو إن “السويد هي مركز حاضنة المنظمات الإرهابية، ولا يمكن لفنلندا والسويد الانضمام إلى حلف الناتو طالما كنت مسؤولاً”، لم ينتظر 3-4 سنوات هذه المرة، مثل انتظاره الأمير محمد بن سلمان أو الولايات المتحدة. في 28 يونيو، بعد شهر واحد من التهديد باستخدام حق النقض، وقع التوقيع الذي يدعم ويوافق على عضوية البلدين.
عندما استخدم أردوغان حق النقض ضد البلدين، كان قادة الدول الأعضاء في الناتو في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يقولون إنهم ليسوا قلقين من سحب حق النقض وإن البلدين سيصبحان أعضاء بالإجماع في الناتو.
في مقابل رفع تركيا حق النقض، تنص المذكرة الموقعة مع البلدين، باختصار، على أن السويد وفنلندا تريان في المذكرة حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب والمنظمة الإرهابية المعرّفة بـ “غولن فيتو في تركيا”، وأنهما لن تدعمهما، وأن طلبات التسليم الخاصة بهم واردة في “الاتفاقية الأوروبية لتسليم المجرمين”. سيتم النظر فيها ضمن نطاق ويشمل التعاون الاستخباراتي لمحاربة الإرهاب والوعود بعدم السماح لهذه المنظمات بجمع التبرعات. المكاسب الملموسة هي رفع حظر الأسلحة المفروض على تركيا من قبل السويد وفنلندا منذ عملية نبع السلام ضد وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية في شمال سوريا في عام 2019.
بعد مذكرة مدريد، بدأ حزب العدالة والتنمية حملة لمدح أردوغان بعنوان “تركيا فازت” على وسائل التواصل الاجتماعي، في حين أصبحت رسائل رد الفعل والانتقاد لتغيير موقف أردوغان في غضون شهر والتراجع خطوة إلى الوراء “موضوع الاتجاه”. في مفاوضات الميزانية الإضافية، التي استمرت ليلاً في الجمعية الوطنية الكبرى لتركيا، أمطرت المعارضة أردوغان وحزب العدالة والتنمية بالانتقادات بعد أنباء رفع حق النقض.
وقال محمد ناسي سينيسلي، نائب حزب أرضروم في حزب الصالح: “بصفتي مواطناً في جمهورية تركيا، تعرض كبريائي للأذى. أثارت كلماته الجدل. وبينما رد نائب رئيس حزب العدالة والتنمية نعمان كورتولموش على المعارضة بالقول إن “قضية وطنية قد طُرحت على جدول الأعمال بشكل لا لبس فيه”، قال إن “تركيا حصلت على كل ما تريده تحت قيادة أردوغان”. نائب رئيس مجموعة حزب الشعب الجمهوري إنجين ألتاي يعارض كلام كورتولموش. لا نعرف ما إذا كان هناك وعد أو تعهد. لقد تم حشره منذ شهور وفجأة حلّ الأمر في مدريد”.
تعتبر الولايات المتحدة، أهم حليف لتركيا في الناتو، حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية، لكنها تصف فرعيها السوريين، وحدات حماية الشعب وحزب الاتحاد الديمقراطي، على أنهم “حلفاء”.
يطرح أردوغان بشكل متكرر جدول الأعمال بأن الولايات المتحدة ساعدت حزب العمال الكردستاني، وأرسلت شاحنة محملة بالأسلحة إلى وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية، وأصدر قرار دعم مالي بمئات الملايين من الدولارات من الكونغرس.
بوتين، الذي يسميه أردوغان “صديقي”، لا يعتبر حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي منظمتين إرهابيتين، ويسمح لهما بأن يكون لهما تمثيل رسمي في موسكو. أردوغان غير قادر على فعل أي شيء غير اللوم اللفظي من وقت لآخر للولايات المتحدة وروسيا. كما تعتبر ألمانيا وبلجيكا واليونان وفرنسا حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية وفقًا لقرارات الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي. ومع ذلك، في الوقت نفسه، يعيش في هذه البلدان أسماء مهمة من كبار كوادر حزب العمال الكردستاني في الخارج ويواصلون أنشطتهم. في المذكرة الثلاثية الموقعة، لا يعتبر أي من أعضاء الناتو، بما في ذلك الولايات المتحدة، منظمة غولن الإرهابية، التي تم إدراجها كمنظمة إرهابية من جماعة غولن، منظمة إرهابية.
بدأت السويد وفنلندا، اللتان هددهما أردوغان باستخدام حق النقض واستسلامهما في غضون شهر، بتغيير سياستهما الحيادية ضد روسيا، التي حافظا عليها منذ ما يقرب من قرن، بمطالب وضغوط من الولايات المتحدة بعد الحرب الروسية الأوكرانية. 1300 كم مع روسيا. تعد عضوية فنلندا في الناتو، المتاخمة لفنلندا، مهمة جدًا لاستراتيجية الناتو لتطويق روسيا، وخاصة بالنسبة للولايات المتحدة. قرر كلا البلدين الانضمام إلى عضوية الناتو في هذا الإطار. على الرغم من أن أردوغان أراد تحويل ذلك إلى فرصة مع التهديد باستخدام حق النقض، على العكس من ذلك، فقد أضعف قدرته على المساومة بيديه، ووضع كل أوراقه الرابحة على الطاولة منذ البداية. كما كان عليها رفع حق النقض، إلى حد كبير من خلال الضغط غير المباشر والسري من الولايات المتحدة. كان إنجاز أردوغان الوحيد هو موعده مع بايدن.
تم إيقاف عملية نبع السلام، التي انطلقت في 9 أكتوبر 2019 ضد حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب وأهداف التنمية المستدامة في شمال سوريا، قبل أن يتم الوصول إلى الأهداف المعلنة عندما تدخلت روسيا والولايات المتحدة. في ذلك الوقت، تم توقيع “اتفاقية أنقرة” مع نائب الرئيس الأميركي مايك بنس، و”اتفاقية سوتشي” مع بوتين. مع الاتفاقات، قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب الكردية 30 كم. سينسحبون جنوبا وينزع سلاحهم ويلقون أسلحة ثقيلة. رغم مرور ثلاث سنوات، لم يتم تنفيذ هذه الاتفاقات، ويتحدث أردوغان مرة أخرى عن عملية في شمال سوريا.
لذلك، بعد انضمام البلدين إلى الناتو، قد يتجاهلان المذكرة على أساس قوانينهما المحلية، ومبادئ الاتحاد الأوروبي، والقرارات القضائية المستقلة. والإشارة إلى الاتفاقية الأوروبية لتسليم المجرمين هي أول علامة على ذلك. لهذا السبب فإن الورقة الرابحة الوحيدة التي يمتلكها أردوغان، الذي أزال حق النقض، في الفترة المقبلة هي موافقة البرلمان. بموجب اتفاقية الناتو، يجب أن يتم التصديق على عضوية السويد وفنلندا من قبل برلمانات جميع دول الناتو. يمكن للحكومة استخدام الورقة الرابحة للجمعية الوطنية الكبرى لتركيا هذه المرة ضد البلدين وحلف شمال الأطلسي للوفاء بالوعود. ومع ذلك، إذا عادت السويد وفنلندا إلى مواقفهما القديمة بعد الموافقة على عضوية البلدين في الجمعية الوطنية التركية الكبرى، فلن يكون لتركيا ورقة رابحة سوى رد الفعل اللفظي.
بعد الموافقة على عضوية السويد وفنلندا، أصبح موقف روسيا تجاه تركيا مهمًا. قد تكون هناك تغييرات في العلاقات مع روسيا، في سوريا وليبيا، في البحر الأسود. قد ينأى بوتين بنفسه عن تركيا بفرض قيود ضمنية على العلاقات الاقتصادية وأزمة ثقة. يمكن أن يسبب صعوبات في الطاقة والسياحة والصادرات. الأهم من ذلك، أن عقوبات إس-400 وإف-35 وقضية بنك خلق ومسألة إف-16 لا تزال مع الولايات المتحدة مع التهديد باستخدام حق النقض، خطة المساومة لم تنجح.
منذ أن ظهرت المدنية والطبقة والدولة والهيمنة بعد تلاقي ثقافتي تل حلف ذات المشارب الآرية وثقافة آل عبيد ذات المنابع السامية في ميزوبوتاميا السفلى وظهور الظروف والأرضية لبناء مدينة أورك وما تلاها حوالي 6000 ق. م ، كان استغلال الإنسان لأخيه الإنسان وسرقته ونهب كدحه. وترافق هذا الانحراف في السلوك البشري مع مقاومة المجتمعات وأهم عنصر للحياة المستقرة والحرة فيها المرأة الحرة، وكانت الميتولوجيا والتصورات الذهنية والأفكار الغيبية كنافذة تصورية وكطاقة روحية لرفض الشذود والاستغلال في التعامل البشري مع جنسه ومحيطه وأيضا كوسيلة تستخدم بعد تدجينها وترويضها لضمان حماية النظم السلطوية النهية وربطها بالحالة التصورية الغيبية وفرض مفهوم العبد والعبودية والطاعة العمياء للنظم السلطوية كطريق ووسيلة للوصول إلى الجنة والحياة المفقودة والتي تم تلويثها وتمزيقها ونهب قيم الأمومة-والمرأة-الآله فيها، كرمز للعطاء والمساواة والديمقراطية .
ومع الإمبراطوريات ومستوطناتها ولعل أشهرها الإمبراطورية الأشورية ظهرت الرأسمالية التجارية وفي القرن الثالث عشر ومع حالة الجمود والسكون والتشرذم وعدم الاستقرار والحروب البينية المتصاعدة التي لحقت بأمصار الخلافة العباسية التي أصبحت مترامية الأطراف و شكلية رمزية، بعد تحكم الأنساب التركية القادمة من أواسط آسيا فيها، انتقلت التفوق التجاري إلى أوربا وفي القرن السادس عشر أصبحت الرأسمالية التجارية حالة هيمنة عالمية وفي تزايد وانتشار واسع إلى أن وصلنا للقرن الثامن عشر والثورة الصناعية وظهور الرأسمالية الصناعية التي تنامت بشكل كبير مع حالة الاستعمار والاحتلالات إلى أن وصلنا لدور المال والعولمة والبنوك الدولية و البورصة أي الرأسمالية المالية في نهايات القرن التاسع عشر .
ربما كانت للرأسمالية وبأنواعها الثلاثة خصائص جوهرية أو أركان ثابتة لا تتغير مع تغير الاشكال والأدوات ومنها:
1- الأنانية والفردية المتضخمة وبالتالي إضعاف المجتمع وتقسيمه وتشرذمه لأن المجتمعات لم تقبل يوماً الخضوع الكامل لكل أنواع الرأسماليات وظلت تحتفظ بقواها القادرة على التفاعل عبر أنسجتها السياسية والأخلاقية أي بينيتها وتركيبتها الديمقراطية.
2- العمل المأجور بتنوع تسمياتها من العبد إلى الموظف الحالي الذي يعمل بأجر زهيد ويقبل كل أنواع الحياة المفروضة عليه.
3- الربح والقيمة الأعظمية دون الاكتراث بالبيئة والمناخ والطبيعة والإنسان.
4- الملكية الخاصة المتضخمة وتطويرها لملكية الدولة أو رأسمالية الدولة وشرعنتها بمختلف القوانين الوضعية.
5- تسليع المرأة وتبضيعها وجعلها وسيلة للبيع والشراء وإناء للمتعة وآلة لإنجاب الأولاد وخداعها بالمفاهيم الليبرالية للحرية الشكلية الفردية والزائفة دون اعتبار للكيانية الحرة للمرأة والطاقة المبدعة لها ولحقها في قرارها المستقل فيما يخص كينونتها وجنسها وطريقة تشكلها للعائلة الديمقراطية والمجتمع برمته.
6- الهيمنة الفكرية والفلسفية أو الأيدولوجية والعمل لخلق أرضيات وأجواء للتأثير في تشكل معظم السياقات النضالية الاجتماعية والتيارات السياسية والثقافية والسلطات-الدولتية حتى تكون في النهاية في خدمة الرأسمالية وتعزيز هيمنتها كما فعلتها أغلب التيارات والأحزاب وحركات التحرر الوطنية والدول حول العالم التي اعتنقت وتلاحمت وأخذت الميول والأفكار القوموية والإسلاموية والجنسوية أساسا لها.
7- المحافظة على الدولة وتطويرها كوسيلة احتكار للعنف و لكونها أداة النهب والتحكم والاستغلال وإضعاف المجتمعات وتجديدها مع كل ثورة وحركة تغير كانت تقوم بها المجتمعات عبر العمل من الطبقة البرجوازية لانتصار الثورة المضادة وضخ دماء جديدة في هذه الأداة والاستفادة من الأخطاء السابقة وإفشال كل الجهود المجتمعية الديمقراطية.
8- اقتصاد السوق والاحتكارات المختلفة والتحكم بآليات العرض والطلب والأسعار وعلاقات الانتاج.
يمكن القول أن الرأسمالية تجدد نفسها دائما بعكس الطرف والنظم الأخرى التي تظل دوغمائية وقالبية فتكون مصيرها السقوط، ولقد أثبتت الرأسمالية أنها أكثر قدرة على الاستمرارية والحياة مما كان يتصور خصومها، حيث تغلبت على أخطر التناقضات في اللحظات المناسبة، ويمكن القول والاعتبار أن الثورة التكنولوجية أو استغلالها والتحكم بها والهيمنة عليها هي المرحلة الحالية و المقبلة من مراحل تجديد الرأسمالية لنفسها في إطار مرونتها وقدرتها على الاستمرار كما استفادت من الثورة الصناعية.
لكن مع وصول الرأسمالية إلى مرحلتها الراهنة إلى الرأسمالية الافتراضية أو الرقمية وتكاثفها وأدواتها الجديدة، دخلت البشرية في عصر جديد تتخذ فيه الرأسمالية أبعادا جديدة مضافة وربما مقاربات جديدة من القضايا السابقة والأركان الثابتة لديها مع التأكيد أن جوهرها واعتبارها للإنسان والمجتمع والطبيعة كمواد أولية للربح والاستخدام والهيمنة تظل نفسه. و التغير المصاحب لتطور تقنيات المعلومات يؤثر على أسس نمط الإنتاج ويزعزع استقرار حتى مبادئه الأساسية، ويؤدي ظهور التكنولوجيا الرقمية إلى تعطيل العلاقات التنافسية لصالح علاقات التبعية، ما يعطل الآليات الكلية ويجعل الاستحواذ مقدّما على الإنتاج وبذلك يتم إرجاع البشرية إلى عهود الاستعباد وبنماذج عصرية.
إن الرأسمالية الرقمية تستند إلى تحقيق الربح و الكسب المادي من البيانات الشخصية. ويمكننا القول أن مصانع القرن الحادي والعشرين الذي تستخدمها الشبكة العنكبوتية لا يتمتع بمداخن عالية بل يرتكز على الذكاء الاصطناعي، والمنتجات التي تصنعها تعتمد على توقع سلوك بشري تبيعه إلى المعلنين. وتشكل عملية تبادل المعلومات الرقمية من خلال شبكات البيانات، قلب النشاط الاقتصادي والاجتماعي في نمط الانتاج الرأسمالي الرقمي. البيانات هي أهم سلعة هنا، وشبكة الويب العالمية هي البنية الأساسية للاقتصاد الرقمي. ذلك أن الإنترنت هو العمود الفقري لكل عمليات تقديم الخدمات والتداول، سواء كان الأمر يتعلق بالأخبار، أو الاستماع إلى الموسيقى، أو مشاهدة الأفلام، أو الاتصال. لقد أصبح الإنترنت ضرورياً، ليس فقط لعمل الاقتصاد بأكمله ولكن أيضا للحياة الفردية التي تم زج الفرد فيها والدفع لتشكيلها، لأنه أصبح أكثر فأكثر العنصر الأساسي للانخراط في ما يسمى الحياة الاجتماعية أو الحالة الافتراضية.
إن طبيعة الهيمنة الرقمية، يبين البدأ بالنموذج الاقتصادي الذي يشترك فيه كل نشطاء الاقتصاد الرقمي ومنها استعمال المعطيات ومعالجتها باللوغاريتمات التي تزداد دقة كلما ازدادت المعطيات وفرة، وبذلك صار لاستراتيجيات غزو الفضاء السيبراني نفس الغاية مهما كان الاقتصاد الأصلي، أي السيطرة على فضاءات الملاحظة والتقاط المعطيات الصادرة عن الأنشطة البشرية.
لقد أشار الاقتصادي الفرنسي، المتخصص في التكنولوجيا، سيدريك دوراند، أن الرأسمالية الرقمية تمثل “إقطاعية تقنية” قائمة على الريع والافتراس والسيطرة السياسية للشركات متعددة الجنسية، ويقول أن هذا الوصف أكثر تعبيرا عن علاقات الإنتاج التي يسر نحوها هذا النمط من الانتاج الافتراضي العالمي.
بذلك هي الظاهرة هي التي تسمح باستغلال القوة الجماعية لتردّها في شكل سلطة، وهنا تتجلى المسألة الإقطاعية، فالمنصّات تحوّلت إلى إقطاعات (الإقطاعة هي مجموع ما يملكه الإقطاعي من أراض وما عليها)، ليس لأنها تعيش على “أرض رقمية” مأهولة بالمعطيات فحسب، وإنما أيضا لأنها تقيم حواجز صارمة على خدماتها ومعلوماتها، تلك الخدمات التي تغدو أساسية لا غنى عنها لكونها صادرة عن ما تسمى القوة الاجتماعية المتحكمة.
أن التغير الذهني و السلوكي المرافق في أداء الفرد والمجتمع بسبب التفاعل مع التطور في تقنيات المعلومات وبرامجه المختلفة، يؤثر على أسس علاقات و نمط الإنتاج ويعطيها أبعاد جديدة، ويؤدي ظهور التكنولوجيا الرقمية لصالح علاقات التبعية، ما يعطل بعض الآليات والمعاير السابقة ويجعل القرصنة والاستحواذ والتجاوز متفوقاً على الإنتاج، كما هي المعلومات والميول والتوجهات والنبضات المحتملة التي تكون في قبضة الرأسمالية الرقمية وطبقتها النخبوية التي لاتتجاوز نسب أقل من السابق وربما اقل من 5% السابق في عصور الرأسماليات السابقة.
جاء عام وباء كورونا التي ربما تكون أحدى إبداعات الرأسمالية الرقمية وأدواتها، ليظهر مدى اعتماد العالم على التكنولوجيا في ظل الإغلاقات في أغلب الدول حول العالم للحد من انتشار فيروس الوباء. ليس فقط نتيجة استخدام التكنولوجيا الرقمية في العمل من البيوت والتعلم عن بعد، بل أيضا في التسوق الالكتروني عبر الانترنت وطرق الدفع والتحويل الرقمية والتفاعل الاجتماعي الافتراضي بين الرجال والنساء. لقد اصبح قطاع “التكنولوجيا المالية” واحدا من القطاعات الأسرع نموا الآن في الاقتصاد العالمي، وحتى الصين، التي وإن كان اقتصادها تحول للرأسمالية بشكل منضبط ومقيد ومختلف عن الرأسمالية الغربية، ولكنه أكثر توحشا وتنافسا الآن بقوة في مجال التكنولوجيا والتكنولوجيا المالية تحديداً، وربما وصل لمنافسة وادي السيلكون الأمريكي أو الإسرائيلي المتفوقين في العالم والمنطقة بالتقنيات المختلفة من الاقتصادية إلى العسكرية والأمنية.
نستطيع القول إن الرابح الكبير من هذه الجائحة الصحية التي يعيشها العالم منذ سنتين، ولا يبدو أنها ستنتهي قريبا أو ستكون هناك كوارث أخرى لأجل نفس الأهداف، هو القطاع الرأسمالي الرقمي. ومنذ ما قبل فترة الوباء تحولت الأنظمة الرقمية إلى جزء لا يتجزأ من كل مجالات الاقتصاد السياسي القائم والمهيمن دولياً ومع الأزمة أصبحت أغلب قطاعات الحياة تتركز حول الرقميات ومحاولة التمازج معها.
الآن بلغت الثورة التكنولوجية أوجها على ما يبدو، و لقد كانت الرأسمالية المالية سابقاً الأكثر استفادة من العولمة، بحرية انسياب رؤوس الأموال وترابط النظم المالية حول العالم عبر شبكة من البنوك والقنوات التي تستند إلى التكنولوجيا بكثافة. ولكن الآن التركيز هو على العملات الرقمية، وميزة تلك العملات المشفرة الرئيسية أنها لا تصدر عن بنك مركزي، ولا تنظمها أي قواعد أو قوانين لأي جهة. فهي ليست متجاوزة لدور الحكومات والدول والمؤسسات الدولية، بل لكل الهيئات المجتمعية حتى شبه المستقلة منها .
ولو أردنا أن نقدم قراءة فلسفية وسياسية عن الفلسفة الرأسمالية وزيفها وأهم أركانها الاقتصاد السياسي وعلى رأسها وفي ذروتها الاقتصاد المالي و الرقمي أو الأفتراضي، يمكننا القول إنّ مهمّة طرح نسخةٍ جديدةٍ من السرد الميثولوجيّ المماثل لدين تجّار أوروك الأوائل، قد وقعت على عاتق من يسمّون بعلماء الاقتصاد السياسيّ ظاهرياً، والذين هم ضمنياً مبتكرو الدين الجديد للرأسمالية. أي أنّ ما صيغ وأنشئ ليس اقتصادا سياسيا و رقمياً. بل ظهر تدريجياً دين جديد بكلّ حلّته، بكتابه المقدّس ومذاهبه المتفرعة، مثلما الحال في كل دين.
إنّ الاقتصاد السياسيّ قد صيغ لإخفاء الطابع المضارب للرأسمالية ومنها:
1- شرعنة الطابع الاحتكاري وتكديس البضائع لأجل التلاعب بالأسعار.
2- الاستفادة من الفوارق الإقليمية و المناطقية والنظم القوموية الأداتية.
3- تزيف الحقائق والتصور المخالف لطبيعة الأشياء.
4- أخفاء السلطوية والقمع والنهب نحت اسمها البراق.
وهذا يفوق النهب والسلب الذي قام به الأربعون حرامي المتمرسون بأضعافٍ مضاعفة. إنه الإنجاز الأكثر زيفا ونهبا، والذي ابتكره الذكاء التصوريّ والرقمنة الحالية . ونظرية قيمة الكدح في هذا الشأن هي اللقمة العالقة بالصنارة، لا غير.
أمّا العالم الافتراضيّ المسيّر على يد الأجهزة الإعلامية والبرامج والستلايتات، كأساسٍ وطيدٍ لهيمنة الرأسمالية ذهنياً، فهو أداة هيمنةٍ ذهنيةٍ أخرى جدّ مهمة. فتحوّل الحياة إلى خيالٍ افتراضي، يعني وصولها أقاصي حدود العقل التحليلي. ولدى عرض حادثٍ مروّعٍ -كالحرب مثلا- في الفضاء الافتراضي، فسيتمكن لوحده من إفساد ونسف الأخلاق دون شك. فمنذ القديم الغابر توصف الحياة التي لم يجرّبها الإنسان بذهنه وجسده على أنها حياة زائفة. ولا يمكن أن تنجو الحياة من الزيف بإضافة اسم الافتراض أو الرقمنة عليها. لكن لا يمكننا أن نتّهم هنا التطور التقنيّ وجهد العلماء والباحثين الذي مكّن من الحياة الافتراضية. بل نقوم بإعادة تناوله وتقييمه بخصائصه، التي تشلّ ذهن الفرد وتمكّن من الاستغلال والاستثمار. لكون التكنولوجيا المتحرّرة من قيودها هي من أخطر الأسلحة كالأسلحة النووية والكيميائية والآن الأسلحة الليزرية أو الضوئية المحتملة التي تعتمد على الضوء لإحداث تخريبات لم تحصل من قبل في التاريخ.
إن المؤثر الأوليّ الذي يفرض وجود الحياة الافتراضية، هو تحكّم الرأسمالية بالتقنية، وحاجتها إلى بسط حكمها على المليارات من البشر. حيث لم تعد الحياة تطاق، لأنها دوما تتحول إلى عالمٍ افتراضيٍّ يدلّ بدوره على موت الإنسان وهو على قيد الحياة. وما التقليد والمحاكاة سوى حالة ملموسة للغاية عن الحياة الافتراضية. ولكن، لا يحصل الإنسان على المعرفة عبر محاكاته لكلّ حادثٍ أو تشبّهه بكلّ علاقةٍ أو إنجاز. بل إنه يغدو أبلها وسفيهاً بذلك. إذ لا يمكن إحراز التقدم بتقليد جميع المنجزات الحضارية، و ما يتحقق هنا هو هيمنة ثقافة التقليد والمحاكاة والجبن. لكنّ الاختلاف المخفيّ في ثنايا جوهر الحياة لا يطيق التكرار بتاتا. حتى التاريخ لا يكرر نفسه. فالتقليد ضدّ التقدم. في حين أنّ الحياة الافتراضية ترتكز إلى التقليد اللامحدود. ذلك أنّ الجميع يقلّدون بعضهم بعضا، فيشابهون بعضهم بعضا. وهكذا يخلق حشد القطيع. كما أن عصر المال لم يكن من الممكن عيشه بدون الحياة الافتراضية التي مهدت للرأسمالية الرقمية. ولا يمكن إدارته إلا بسيادة الحماقة والغبن بلا حدود، والذي لا يتحقق بدوره إلا مع الحياة الافتراضية. أما الحدّ من ذلك، فهو المهمّة الأساسية للحياة الحرة. فتعريف الحياة الحرة وتنظيمها ضرورة حتمية لا غنى عنها، كي تحافظ المجتمعات على تماسكها ورصانتها. وتكمن في هذا المجال أغلب القضايا التي ينبغي على سوسيولوجيا الحرية أن تجيب عليها.
يمكننا شرح نجاح النظام الرأسمالي العالمي بشأن تطوير الحياة الافتراضية للوصول إلى الرقمنة الاقتصادية من عدة نواحٍ كما:
1- اسقاط الأخلاق والدين: أي إضعاف علاقات المجتمع وروابطه الوظيفية مع الأخلاق والدين، وإسقاط الأخلاق والدين إلى المرتبة الثانية عن طريق القانون العلمانيّ، وبالتالي فرض التبعية على المجتمع. أي إنه يسمح للدين والأخلاق بالانتعاش تماشيا مع مدى خدمتهما للنظام القائم. فالقوانين والعلمانية في جوهرهما وسيلتان لتأمين انتقال الرقابة المجتمعية إلى قبضة السلطة الرأسمالية. حيث تتمّ تصفية الدين والأخلاق عن طريق سلاحي العلمانية والقانون، بغية فرض التبعية على الشرائح الأرستقراطية وشرائح الأقنان الموجودة في المجتمع القديم على حدٍّ سواء، ولإفساح المجال أمام رأس المال والقوة العاملة، وتشكيل قوةٍ احتياطيةٍ منها. إنه لا يفنيهما كليا لأنه بحاجةٍ ماسةٍ إليهما. فباعتبارهما أداتين شائعتي الاستخدام من قبل المدنية، فإنّ النظام الرأسماليّ أيضا بحاجةٍ إليهما بصفتهما “الكلمة الفصل”. ولكن، بشرط ألاّ تشاطراه سلطته الاقتصادية والسياسية، وألاّ تعرقلا مسيرته. وبهذه الإجراءات، تتحول دولة القانون والإصلاح الدينيّ إلى مظاهر أساسيةٍ للحداثة الرأسمالية، فيؤديان بذلك دورهما الأصليّ كأداتين أساسيتين للانتقال إلى حالة الاقتصاد الرأسماليّ والمجتمع الرأسماليّ. وهما في الوقت نفسه وسيلتان لحلّ مشاكل ذهنية النظام.
2- الفصل بين الذات والموضوع: أو ما يسميه النظام الرأسمالي “الأسلوب العلمي”. فكأنّ الفصل بين الذات والموضوع مفتاح الهيمنة الذهنية. فمبدأ الموضوعية، الذي يبدو ظاهريا كضرورةٍ لا غنى عنها في الأسلوب العلمي، هو في الحقيقة مرحلة تمهيدية ضرورية لأجل هيمنة النزعة الذاتية. فأن تكون ذاتا فاعلة هو شرط لازم لأجل الحكم. وبطبيعة الحال، فما يقع على عاتق المأمورين هو أن يكونوا موضوعا شيئيا. وكينونة الموضوع تعني التشيؤ والخضوع للحكم كأيّ شيءٍ كان. إذن، فالأشياء، وبالتالي الموضوع، تعبير أسلوبيّ عن بلوغ الذات حالة التحكم المزاجيّ. بل إنها تفعل ذلك وكأنها من مسلّمات العلم. تمتد جذور الفصل بين الذات والموضوع إلى عهد أفلاطون. ذلك أنّ أفلاطون، ومن خلال عالم “المثل” الشهيرة لديه، قد شكّل أساس كلّ التمييزات على نحو ثنائياتٍ تشمل الانعكاسات البسيطة. في حين أننا نشاهد أسسه الميثولوجية بشكلٍ خارقٍ في المجتمعات السومرية والمصرية. فأصولها الأصلية تتجسد في السموّ الإلهيّ بالهرمية العليا وتبجيلها؛ وفي استعباد واسترقاق من في القاع. فالتعبير الذهنيّ عن ثنائية الخالق–المخلوق وقرينة الحاكم–المحكوم قد تطوّرت شيئا فشيئا على شكل: الإله–العبد، الكلام–الشيء، المثل الفاضلة–الانعكاسات البسيطة؛ لتبلغ تدريجيا الفصل بين الذات والموضوع. وكذا يندرج الفصل بين الروح–الجسد في هذا الإطار. أما المعنى السياسيّ لذلك، فهو إنكار الديمقراطية، وفتح السبيل أمام الأوليغارشية والمونارشية.
ينبغي الإدراك تماما أنّ الذهن التحليليّ قد بلغ أكثر أنماطه حيلة وتآمرا ومكيدة مع الرأسمالية. والبورصة والرقمنة مثال صارخ على هذه الحقيقة الواقعة. والذكاء المضارب (التصوّريّ) أو الافتراضي هو مجالها الذي يدرّ عليها الأرباح الطائلة. أي أنّ المضاربة والذكاء التصوريّ يغدوان توأما في النظام الرأسمالي، مثلما الحال في القطاعين السياسيّ والعسكريّ. فالحروب تنشب على أساس الحيلة والمكر والمكيدة، لتكون بذلك ذروة ثقافة الصيد. لقد بات الذكاء التصوري أداة للتلاعب والمضاربة والتآمر في حقول البورصة والميادين السياسية والعسكرية والاقتصادية، وبدرجةٍ غير مسبوقة. إنه لا يعبأ، ولو بمثقال ذرّة، بالوجدان والعاطفة. فبينما تحترق الأجساد في نيران القنابل النووية وغيرها من الأسلحة الفتاكة في مكانٍ ما والحروب وانتشار الفيروسات، فإنه يجري اكتساب المليارات من النقود في مكانٍ آخر خلال عدة أيام، ودون أن تتصبّب قطرة عرقٍ واحدة. بالمقدور القول أنّ الرأسمالية تكشف النقاب عن ذهنيتها بكلّ جلاءٍ في البورصة والرقمنة والسياسة والحرب. إذ، ما من قيمةٍ أو عاطفةٍ إنسانيةٍ لن تنتهكها الرأسمالية كرمى لعيني الربح. بيد أنّ الذكاء العاطفيّ ضرورة لا غنى عنها لأجل الحياة. فكلما ازداد الانقطاع عن هذا النوع من الذكاء، كلما خبت معاني الحياة أكثر. أما الكوارث البيئية، فتنبّئ بالمخاطر المحدقة بالحياة، وكأنها تنبّئ بحلول يوم القيامة. والمسؤول عن ذلك هو الذكاء التصوري المستخدم بمنظورٍ منحرف، والمقتات طرديا على اللغة والسلطة والمدينة والدولة والعلم والفن؛ ليتحوّل إلى وحش عالمي (الإمبراطورية العالمية لرأس المال العالمي وللرقمنة الاحتكارية). أما التصدي لهذا الوحش وصدّه، فيتطلب الذكاء العاطفيّ وبذل جهودٍ حثيثةٍ وشاملةٍ للغاية. ولأجل شلّ تأثيره المدمّر، يجب ردعه عن قمعه المسلّط على الحياة الحرة، وردّه على أعقابه. ويجب قطع أنفاسه كي يعجز عن العيش، قبل أن يجعل الحياة على كوكبنا لا تطاق بسبب ارتفاع الحرارة والتلوث وتغيرات المناخ. وستكون المهمّة الرئيسية لسوسيولوجيا الحرية هي بلوغ الرؤية النظرية لهذا العمل المصيريّ، والنجاح في رسم تخطيطه السليم.
لقد اصبحت التنمية والتطوير ومحاربة الفساد والإرهاب ومقاومة الشعوب ضد الإبادات الجماعية والتطهير العرقي والتغير الديموغرافي الذي تم تسليطها على شعوب المنطقة في جزء كبير منه وبتوجيه من الرأسمالية العالمية الرقمية الاحتكارية مرتبط اليوم بالقدرة وبإمكانية الوصول وبتكلفة ميسورة إلى تقنيات الاتصالات الحديثة والمعلومات المحتكرة والرقائق المشفرة كشرط لا غنى عنه للتنمية والحياة المعقولة في القرن الحادي والعشرين.
ربما يقول أحد ما أن الفرد مازال يملك حرية مقاطعة الإنترنت والعالم الرقمي والاستغناء عن تلك الخدمات، ولكن الثمن هو سيكون كبيراً وربما تهميشه اجتماعيّاً، وافتقاده لقدرات وساحات المواجهة. ما يعني أن القدرة على استخلاص القيمة لم تعد اقتصادية، بوصفها خيارا لأفراد أحرار أو مجتمعات مقاومة وتبحث عن الحرية والديمقراطية، بل تحولت إلى ظاهرة التقاط واستيلاء يرغم فيها الفرد والمجتمع على دفع سهمه كي يعمل و يعيش عيشة طبيعية في أغلب دول العالم ويتمتع بحريته، وهذا الإرغام لا علاقة له بالسوق، فـالخدمات الرقمية الكبرى تحولت إلى إقطاعات لا يمكن الفرار منها، ولكن القضية هي كيفية التعامل والتفاعل في ضوء متطلبات المجتمعات والشعوب ودول المنطقة في إنجاز التحول الديمقراطي وتحقيق التنمية الاقتصادية.
وهكذا يتبين أن الرأسمالية الرقمية هي مرحلة متقدمة من هيمنة عالمية شاملة تتسلل إلى أدق التفاصيل في بنى المجتمعات والشعوب وكذلك حياة الأفراد الشخصية وبيانتهم للاستفادة والتربح منها وتوقع السلوك البشري عبر بياناته وتفاعله مع الفضاء الافتراضي وبالتالي تمهيد الخيارات الموجهة أمامه بحيث لا يخرج الفرد والمجتمعات والشعوب وحتى الدولة القومية التي أصبحت عبء على الرأسمالية العالمية إلى خارج الساحات والأطر المقبولة من قبل نظام الهيمنة العالمية. وهنا أمام المجتمعات والشعوب وقواها الفاعلة تحديات متنوعة، يستلزم رؤية كاملة للرأسمالية الرقمية وكيفية التفاعل معها وفي الوقت نفسه حماية الثقافات والتنوع الاجتماعي والحياتي في جو وإطار من التكامل والوحدة الكونية التي اصبحت واقع فعلي مع عصر الأنترنت والرأسمالية الرقمية. وأن كانت الرأسمالية هي جزء كبير منها هي إضعاف للمجتمع وتماسكه وتضخيم الأنانية فإنه مع عصر الرأسمالية الرقمية أمام المجتمعات والشعوب تحديات جديدة في هذا المجال وغيره تتطلب كيفية التعامل مع الثورة التكنولوجية كمجهود بشري نبيل نتيجة لتراكم الانجازات العلمية والعمل لاستخدامها لتحقيق وتطوير الأداء المجتمعي الديمقراطي وتحقيق التحول الديمقراطي في دول المنطقة والعالم وتطوير الاقتصاد وتحقيق التنمية من جهة ومن الجهة الأخرى فهم ومعرفة استخدام الاحتكارية العالمية والنظام المهيمن للثورة التكنولوجية لإيصال الرأسمالية لزروتها للرأسمالية الرقمية والإرجاع بالهينمة والتصور الفكري و الأداء السلوكي إلى عصر الاقطاع ومن تملك البشر إلى السيطرة على أفكارهم وعواطفهم وميولهم لتحقيق أكبر قدر من الربح مع استغلال الطبيعة والبيئة علاوة على الوصول باحتكار العنف و القوة والمال إلى أجيال جديدة من الأسلحة تتجاوز الأسلحة النووية والكيميائية إلى الهجمات السيبرانية والأسلحة الضوئية والرقائق التي من الممكن أن تذرع في أجسام الإنسان إلى العملات الرقمية وتكوين واقع خيالي في عالم البصريات كهولوغرام وغيره، ولا يمكن للشخص أو أي مجتمع أو قوى اجتماعية الذهاب بعيداً عن هذا الواقع فقد أصبح جزء من منظومة الحياة ولكن العبرة في اختيار المعقول ونوعية الاستفادة وكيفية التعامل والحصول على المعلومة والاداة التقنية في الوقت المناسب لامتلاك وسائل القوة وآليات الدفاع عن الوجود المجتمعي المهدد ورغبة الحياة الحقيقة والتي تتجسد في الحرية والديمقراطية كهدفين من اسمى أهداف الوجود والحياة.
اعتبرت تقارير صحفية أن الزلزال “الإرتدادي” الذي أحدثه انسحاب مقتدى الصدر من البرلمان والعملية السياسية في العراق وفسح المجال لخصومه من السياسيين من الإطار التنسيقي لتشكيل الحكومة القادمة، ربما بات يرسم الملامح الواضحة والمعاني الختامية لِلُعبة الكلمات المتقاطعة في العراق.
مقتدى الصدر ليس بالرقم البسيط أو السهل في المعادلة السياسية حتى كان يُقال أنه “صانع الرؤساء” للدلالة على قوة الرأي التي يفرضها عند إختيار رئيس وزراء العراق وإعطائه الضوء الأخضر لتلك الموافقة عند تشكيل أي حكومة ما بعد عام 2003.
ولا يُنكر أن لهذا الزعيم جمهوره وقواعده الشعبية التي يسكن أغلبه الأحياء الفقيرة والمُعدمة فاعلاً في تحديد اتجاهات ومسارات القرارات التي كانت تتعارض مع توجهات الصدر ورغباته إلى درجة دخول أنصاره مبنى البرلمان العراقي (واحتلالهم قاعة الاجتماعات) بعد أن نصب زعيمهم خيمته عند بوابات المنطقة الخضراء في عهد حكومة حيدر العبادي عام 2016 مُطالباً بإجراء إصلاحات فعلية في مسيرة الحكومة من خلال وزراء تكنوقراط بدلاً من المتحزبين آنذاك.
فكيف يكون المشهد السياسي القادم بغياب كل هذه المساحة التي يشغلها الصدر في المشهد العراقي؟ وكيف يكون مستقبل حكومة يتم تشكيلها دون مقتدى الصدر وتياره الشعبي؟
لا تُخفى حالة التخبّط والإرباك التي سادت الأطراف الشيعية المنافسة للصدر (الإطار التنسيقي) والتي تراوحت بين القلق والحذر والترحيب، ما يعكس التخبّط والتعثّر في وضع أساسيات تشكيل الحكومة القادمة بالرغم من إزاحة المنافس والفائز الأول في انتخابات أكتوبر من عام 2021 لأن المجموعة الشيعية المنافسة تُدرك حجم الخسارة الدولية وفقدان تلك القناعة والتأييد الأممي وتُعرّض مصداقية الانتخابات في العراق إلى عدم الثقة وحتى الاعتراف بها عند تشكيلها دون مشاركة الفائز الأول فيها مما يجعل القلق الأممي والدولي يتصاعد ويعلو صوته خصوصاً وإن العراق لا زال مترنحاً ما بين بنود الفصل السادس والسابع ووصاية الأمم المتحدة عليه.
وبحسب مقال نشره موقع ميدل إيست أونلاين فإن المُتتاليات من الأحداث التي حصلت من وجود تحضير لحراك شعبي شبيه بانتفاضة تشرين بل قد يفوقها في الإدارة والتوجيه والتهيؤ لانتفاضة بدأت عناوينها بالعثور على منشورات غامضة في بغداد وبعض المحافظات بعنوان “ساعة الصفر” و”العاصفة قادمة” تؤكد للعُقلاء أن الغضب الشعبي من سوء الخدمات والفوضى وانعدام الأمن والغلاء والبطالة ما هو إلا مسألة وقت.
بالتوازي مع هذه الأحداث فإن أحجار الدومينو التي بدأت تتساقط تِباعاً لتصل في المحصلة أن دول الجوار العراقي بدأت تستشعر الخطر القادم والحرب المؤجّلة إلى حين في التوتر المتصاعد بين إسرائيل وإيران، وذلك التصعيد بين الطرفين الذي يؤشر إلى مالا يُحمد عُقباه خصوصاً بعد تحذيرات إسرائيلية لمواطنيها بضرورة مغادرة الأراضي التركية بأسرع وقت ممكن خوفاً من الانتقام الإيراني عقب مقتل عالمين إيرانيين بِدّس السُم لهما في الطعام، ترافق ذلك مع الزيارة التي ينوي رئيس الولايات المتحدة الأميركية جو بايدن القيام بها إلى السعودية من أجل كسب التأييد وإنشاء فريق مُوّحد ومتضامن مع إسرائيل لمواجهة إيران وتقطيع أوصالها وأذرعها وإضعافها والتهيؤ لعمل عسكري لتوجيه ضربة لها من ضمنها ضرب إسرائيل مطار دمشق بذريعة توريد وتصدير أسلحة إلى حزب الله اللبناني حليف إيران.
في مؤشرات أن طبول الحرب قد بدأت تُقرع في المنطقة مترافقة مع وصول المباحثات في قضية الملف النووي الإيراني وبقاء الحرس الثوري ضمن لائحة الإرهاب إلى التعثر أو النهايات المسدودة لتؤكد في خاتمة الحدث أن هناك إعصاراً يلوح في الأفق وإن رياحه العاتية والأمواج لن تستثني البشر والحجر ومنها العراق ذلك البلد المُرشّح ليكون ساحة للمواجهة بعد أن أنهكته الفوضى السياسية والتخبّط وسوء الإدارة والفساد حيث لن يكون بمأمن من هذه العاصفة التي اقتربت منه كثيراً، فهل أدرك مقتدى الصدر اللعبة واستشعرت مجساته الخطر القادم واستوعبها فبادر إلى القفز من مركب السياسة الذي يوشك أن يغرق في العراق بفعل تلك العواصف القادمة؟ ذلك السؤال ستُجيب عليه أحداث القادمات من الأيام.