14 مليون إنسان بين مشرد ومعتقل وشهيد.. القضية السورية رؤية ومستقبل

بقلم/عادل الحلواني ممثل الائتلاف الوطني في القاهرة

القضية السورية ليس لها شبيه من القضايا العربية المعاصرة فهي نتيجة مؤامرات خارجية نفذت بدهاء بأدوات داخلية يقودها هذا النظام المجرم بحسابات خاطئة وعنجهية متسلحة بأدوات القهر والتعذيب والقتل مروراً بخيانة جلب المحتل الروسي والإيراني للبلد متشدقاً بالسيادة الوطنية حتى ذهب الوطن وذهبت معه السيادة الوطنية وقرارنا رهن هذه الدول وهمرجة مجلس الامن.
فكان الحال /14/ مليون سوري بين نازح ومهجر ومليون سوري بين شهيد ومفقود ومعتقل وتقام المؤتمرات والاجتماعات لأجل سورية والغائب هم السوريون عن تلك الاجتماعات والنتيجة للآن صفرية والوطن اطلال.
واتى عام /2022/ ونحن من قرار جنيف /2118/ الى قرار الأمم المتحدة /2254/ مازلنا ننتظر هيئة الحكم الانتقالي التي ضاعت في دهاليز سوتشي وأستانا ودخلت في زواريب السلال واللجان الدستورية وماكان مشكلتنا الدستور بل عدم تطبيق هذا الدستور.

سوريا بين الموقف الدولي والعربي
نفاق دولي وحقارة تصريحات غير مسؤولة متشجنجه وتشتت في الموقف العربي وإرادة دولية للحل مفقودة والشماعة دائماً (المعارضة غير موحدة) البديل! نكتة سخيفة وطريق للهروب من مسؤوليتهم.
ولا توجد على الأرض وفي جميع الدول معارضة موحدة ويطالبوننا بمعارضة موحدة رغم أننا كسوريين موحدين بقرار واحد سورية الحرة خالية من الأسد ونظامه وهذه وحدتنا من الجنوب الى الشمال الغربي والشرقي ومن الشرق الى الغرب سورية دولة مدنية ديمقراطية موحدة أساسها المواطنة.
حتى المنصات مع شبه اختلاف الرؤية فيما بينها تجمع موحد بذلك.
ولكنها شماعة ومع ذلك هذا الشعب سيحقق مطالبه فالاخرين يدركون أنه لا اعمار ولا إعادة علاقات ولا اقتصاد دون الحل السياسي وتطبيق القرار /2254/ ونحن كنا ومازلنا متمسكين بالعملية السياسية.
وعجز المجتمع الدولي اليوم للحل السياسي لايعني بقاء الامور على حالها.
لذلك القضية السورية الآن بحاجة الى عمل جراحي سياسي فما عاد الطب لها ينفع وان يكون هذا العمل السياسي على مستوى المعارضة والمجتمع الدولي والدول العربية.

المعارضة السورية 
على مستوى المعارضة الائتلاف الوطني يحضّر لمؤتمر شعبي داخل الأراضي السورية المحررة لقرار موحد ويعيد النظر في نظامه الداخلي ليستوعب أكبر شريحة من الفسيفساء السياسي والمكونات السورية وكذلك صياغة رؤية سياسية وخارطة طريق يتعاون فيها الجميع ليكون قراراً سوريا جامع شبه موحد فسورية بحاجة للجميع.
بالنسبة الى الدول العربية دائماً ما يعتبر السوريين ان حاضنتهم عربية فوحدة الموقف العربي بتنسيق من جامعة الدول العربية ودفع من دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية كفيل بفرض حل سياسي لتنفيذ القرار /2254/ وذلك بالتعاون مع الأمم المتحدة وتركيا والولايات المتحدة الامريكية والدول الأوروبية ذات العلاقة.
قد تكون الجرعة كبيرة بالتفاؤل حسب واقعنا وذلك لأني لا أشعر ان هناك مشكلة حقيقية بين السوريين بمكوناتهم عرباً وكرد ومسلمين على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم ومسيحيين وطوائف رغم الصورة التي نراها فالسوريون بإرثهم الحضاري ومواطنتهم قادرين على توحيد رؤيتهم للعيش بوطن واحد موحد نجلس معاً نتحاور بعيداً عن تجاذبات الدول نتفهم مصالح الاخرين ولكن ليس على حساب كرامتنا فسورية ام الجميع وفوق الجميع.

ذات صلة

10 سنوات من الدمار ..من المستفيد من استمرارية الأزمة السورية؟

 

جفاف وأزمات مياه وفقر .. هل تتحول سوريا ما بعد الحرب لـ أرض لا تصلح للحياة ؟

10 سنوات من الدمار ..من المستفيد من استمرارية الأزمة السورية؟

تجليل تكتبه ليلي موسي /ممثلة مجلس سوريا الديمقراطية بالقاهرة

بعد أكثر من عقد مرّ على الأزمة السورية، وما آلت إليها من الأوضاع المأساوية والكارثية على كافة الأصعدة، وتداعياتها التي ستمتد لعقود من الزمن، أرهقت كاهل الشعب السوري وعجز عنها المجتمع الدولي. ففي الوقت الذي تحولت فيه إلى مستنقع أغرقت العديد من القوى والجهات والدول، وعقدة كداء أمام المجتمع الدولي يصعب حلها والخروج منها، بل وأكثر من ذلك ما أفرزت من مشاكل وأزمات وقضايا شكلت تحديات وعراقيل أمام الجهود الدولية في مسعاها بحلحلة الأزمات التي تعاني منها دول المنطقة.
السؤال الذي يطرح نفسه، من المستفيد من استمرارية الأزمة وتجذيرها؟

شرارة الحراك الثوري
شكلت انطلاقة شرارة الحراك الثوري السوري الأمل للشعب السوري الذي طال انتظاره بغدٍ يضمن له حياة كريمة وجواً مفعماً بالديمقراطية والمواطنة والعدالة؛ التي طالما كان يحلم بها ويسعى إلى تحقيقها. لكن سرعان ما تحول ذلك الأمل إلى كابوس بفعل عوامل داخلية وخارجية مخلفة أزمة أفرزت أكثر من ثلاثة عشر مليوناً بين نازح ومهجر داخلي وخارجي والعدد مرشح للزيارة في ظل تردي الأوضاع المعيشية واستمرار الصراع وعدم وجود لأية حلول تلوح في الأفق على المدى المنظور، وبنية تحتية شبه مدمرة، فنسبة مما يعيشون تحت خط الفقر قرابة 90% من المجموع الإجمالي، وتراجع مستمر في قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي؛ و استمرار الإرهاب وتنشيطه في بعض الأحيان بفعل بعض القوى والدول الداعمة له؛ استمرار الانتهاكات التي تمارس من القوى الإرهابية وداعميها من الدول المحتلة لسوريا؛ وفي مقدمتهم دولة الاحتلال التركي، ومئات الألوف من الضحايا والمعتقلين والجرحى؛ وجغرافية مقسمة بحكم الأمر الواقع إلى مناطق نفوذ تدار بأنظمة حكم مختلفة، واستمرار الاحتلال التركي للعديد من المناطق السورية.
وغيرها من التداعيات التي أرهقت المجتمع الدولي الذي سعى لخطو بعض الخطوات لحلحة الأزمة في مسعى منه لتجفيف منابع الإرهاب، وإيقاف موجات الهجرة وممارسة بعض الضغوط لإيقاف تصدير المرتزقة من السوريين إلى دول الجوار وغيرها من الإجراءات.
مساعي استبشر بها الشعب السوري خيراً ولو لم تكن بحجم ومتطلبات الأزمة التي تعاني منها سوريا، ولكن على الأقل كانت بداية للتوقف على الأوضاع الإنسانية والحفاظ على مناطق خفض التصعيد واستمرارية في مكافحة الإرهاب واستئصال جذوره.

ولكن يبدو بأن هناك العديد من القوى والدول.؛ وبالرغم من تورطهم في المستنقع السوري الذي القى بظلاله على سياساتهم وعلاقاتهم الخارجية وأوضاعهم الداخلية؛ مخلفة بذلك أوضاع اقتصادية متردية وخلق شرخ وانقسامات داخل مجتمعاتهم بين مؤيد ورافض لتدخلاتهم في المستنقع السوري؛ لكنهم مصرون بالإبقاء على الأزمة لأطول مدة ممكنة لما تحمله سوريا من أهمية جيوستراتيجية بالنسبة للشرق الأوسط والعالم عموماً. فحل الأزمة يفشل ضمان استمرارية بقاءهم وتحقيق مشاريعهم وأطماعهم الاستعمارية والاقتصادية في سوريا، وهو السبيل لضمان بقاءهم في العديد من دول المنطقة التي تعاني من أزمات على صلة وثيقة بالوضع السوري.
لذا؛ نجدهم يحاربون أية حلول ومشاريع تسهم في الحفاظ على الهوية والسيادة والوحدة السورية شعباً وجغرافيةً. لذا، يعملون للإبقاء على الصراع وتغذية بؤر التوتر والإرهاب وترهيب الشعب ودفعهم إلى الهجرة وانهاكه بحيث يصل لمرحلة يقبل بكل ما يفرض عليه من وقائع جديدة تخدم سياستهم الهادفة إلى هندسة ديمغرافية جديدة لسوريا؛ بما يخدم ويضمن استمراريتهم ومصالحهم في سوريا والمنطقة على وجه العموم.
فبعد أية عملية توافقية ساعية إلى الاتجاه نحو الحل وايقاف النزيف الدموي ودنو من تجفيف منابع الإرهاب؛ نجدهم يخرجون بتوصيات جديدة تضمن استهداف كيانات ومناطق معينة تحت حجج وذرائع واهية للإبقاء على الأزمة على ماهي عليها وبل تجذيرها أكثر فأكثر.

مجموعة أستانا
قبل أيام خرجت مجموعة أستانا – بنسختها 17 برعاية روسية إيرانية تركية- بمجموعة من التوصيات ومن بينها استهداف مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، تلك الإدارة التي يحمل أبناءها مشروعاً وطنياً حافظوا على النسيج الاجتماعي والسلم الأهلي ووحدة التراب السوري؛ وحاربوا الإرهاب ومازالوا مستمرون في مكافحة خلايا تنظيم داعش.
وسرعان ما انتهزت دولة الاحتلال التركي الفرصة وقامت بترجمة تلك التوصيات إلى وقائع معاشة عبر الاستمرار في قصفها للمناطق الآهلة بالمدنيين العزل مخلفة عشرات من الجرحى والضحايا من المدنيين غالبيتهم نساء وأطفال وتفريغ العشرات من القرى الآهلة وتشريدهم، واستهداف تجمعات وسيارات وسكنات بالطائرات المسيرة.
حيث أنها لم تعد تخشَ من شيء لأنها باتت تدرك بأن نجاح تجربة الإدارة الذاتية وتعميمها على عموم سوريا ستكون السبيل لإنهاء الإرهاب والحفاظ على التراب السوري ودمقرطة الدولة ونهاية مشاريعها الاحتلالية التوسعية للمنطقة؛ وبالتالي ستكون نهاية لسلطة حكومة العدالة والتنمية برئاسة أردوغان. لذا نجدها –تركيا- تستهدف العجوز الثمانيني والشاب العشريني.
استهدافهم هذا لم يكن عن عبث بل على العكس تماماً، إنه بداية استهداف المرأة المقاتلة والسياسية والإدارية حتى يحافظ بالبقاء على هذه المجتمعات متخلفة وهشة ومليئة بالتناقضات وعبدة، لأنه – أي النظام التركي – يعلم علم اليقين أنه بتحرر المرأة ستتحرر المجتمعات، ولن يكون هناك فرصة لضمان بقاء الأنظمة الديكتاتورية المستبدة التي تتغذى من استعباد المرأة. واستهداف الثمانيني للقضاء على الروح والجذور المتعلقة بالتراب والوطن. وما استهدافه قبل أيام لمنزل يجتمع فيه مجموعة من الشبيبة الثورية الذين يعتبرون ديناميكية المجتمعات والروح الثائرة الرافضة للخضوع والاحتلال؛ فهي تستهدف الجميع دون استثناء. وفي كل عملية قصف تشنها على المنطقة تصاحبها موجة جديدة للهجرة وتنشيط للإرهاب والتطرف.
ولم تتوقف ممارساتها عند هذا الحد، بل وتسعى مع أدواتها وداعميها إلى فرض حصار خانق على مناطق الإدارة؛ عبر إغلاق المعابر في مسعى منها لتجويع الشعب ودفعهم لمحاربة الإدارة.
والسياسات التركية هذه تخدم العديد من الأطراف ومنها الحكومة السورية بإطالة عمر الأزمة التي تعتبر ضمان لبقائها في السلطة؛ ومتنفس للإيرانيين باستكمال مشاريعهم، وروسيا التي قدمت مسودة دستور فيدرالي لسوريا عام 2016، نجدها تناقض نفسها اليوم بمحاربة الإدارة الذاتية وتنعتها بالانفصالية. وهي تعلم يقيناً بأن الإدارة الذاتية تعتبر أحد أهم الحلول والأكثر نجاعة للحفاظ على وحدة وسلامة الجغرافية السورية. ولكن يبدو بالرغم من عجزها من الاستمرار في دفع تكلفة تواجدها في سوريا لتردي أوضاعها الاقتصادية من جهة، لكنها من جهة ثانية تبدو في مسعى أخير منها لتحقيق أكبر قدر ممكن من المصالح بالإضافة إلى مسعاها إلى الجانب التركي والإيراني وغيرها من الدول المستفيدة بالإبقاء على الأنظمة المركزية في المنطقة؛ والإبقاء على نظام الحكم في سوريا على ماهو عليه. لذا، لم يأتِ التصريح الأخير للمبعوث الرئاسي الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف بخصوص بقاء الأسد حيث أنه حذر من “يسعى إلى وضع دستور جديد لتغيير صلاحيات الرئيس، ومن أجل محاولة تغيير السلطة في دمشق، فهذا طريق نحو اللا إمكان. وعلى المعارضة تقديم مقترحات محددة وملموسة، وعدم القول إنه لا يمكن إحراز تقدم أثناء وجود بشار الأسد في السلطة. هذا نهج غير بنّاء ومرفوض”.
إلى جانب مساعيها الحثيثة بالتنسيق مع بعض الدول العربية بإعادة الحكومة السورية إلى محيطها العربي؛ والرجوع إلى مقعدها في الجامعة العربية.
طبعاً، لا نستثني إيران من ذلك وطموحها بتحقيق مشروع الهلال الشيعي؛ إلى جانب دول فاعلة في الأزمة بشكل غير مباشر مستفيدة من الأزمة وبقاء الأنظمة المركزية حتى تضمن بقاء نظامها ومنع انتقال رياح التغيير إلى مجتمعاتها.
لذا، مادامت المعارضة السورية تعاني من تشرذم، وتلك التي تحظى بدعم دولي مرهون بشكل كامل للخارج –ارتهان الائتلاف لتركيا- وعدم نيل المعارضة الوطنية لأية شرعية دولية؛ والتي يتم اقصاءها بشكل ممنهج طالما لا تخدم أجندات الدول الطامعة بسوريا وخيراتها؛ وتمسك النظام السوري بذهنيته الاقصائية والرافضة لأية مشاركة وتغيير، ووجود دول وقوى تغذي الأزمة وتجذرها في ظل عدم احتلال الأزمة السورية سلم الأولويات عند الدول العظمى وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية؛ فهذا يعني أن الأزمة مستمرة ولن يكون هناك حلول على المدى المنظور، وربما تشهد بعض الانفراجات ولكنها ستكون بسيطة وبطيئة.

إقرا أيضا

جفاف وأزمات مياه وفقر .. هل تتحول سوريا ما بعد الحرب لـ أرض لا تصلح للحياة ؟

فى ظل موقف أمريكي ضعيف..هل يقود الانفتاح العربي على دمشق لإسقاط قانون قيصر؟

نحو حوار عربي كردي ناجح

محمد أرسلان علي
بعد قرنٍ من الزمن لا زال العراق يعيش في دوامة المآسي والتراجيديا التي حلَّت عليه جراء تقطيع أوصاله بعقليات لم تفكر يوماً إلا بمصالحها القبائلية والعشائرية والقومجية الضيقة على حساب المصلحة العامة للوطن. إذ، قِلّة من الشعوب التي تقرأ تاريخها لتستنبط منه الدروس والعبر لرسم ملامح المستقبل الذي يحتضن الكل ويواكب التطور الإنساني في كل المجالات. قراءة التاريخ بحد ذاته يحتاج لشخوص مفعمة بحب مجتمعاتها ومؤمنة بولائها الانساني ومتصالحة مع ماضيها وواثقة من إرادة شعوبها وعاشقة للحياة الكريمة. لكن أين نحن من أحفاد السومريين الآن ويهم ينهشون في أجساد بعضهم البعض على حساب المحبة والايمان والثقة للوطن. الكل يتهم الكل والكل ينحر ويهجّر الكل والكل يقتل الكل، فلسفة ليس لها أي معنى سوى البحث عن الموت بأي شكل كان ولو كان بيد أخيه الانسان، وكأن مأساة هابيل وقابيل لا زالت مستمرة حتى يومنا هذا بألف شكل وشكل.

العراق ولعنة بابل
العراق الذي لا زال يعيش “لعنة بابل” بكل تفاصيلها والتي أدخلته عنق الزجاجة ما زال يصرخ وينادي شعوبه كي يخرجوه من هذا المستنقع الطائفي والمذهبي والقوموي الذي يعيشه منذ زمن طويل. العراق الذي كان جزءاً مهماً من جغرافية ميزوبوتاميا والتي كانت تُعد مهد البشرية والحضارة الإنسانية والتي انبثق من هذه الجغرافيا الحرف الأول والعلوم الأولى والمدنية الأولى عبر تاريخ التطور الإنساني. هذا العراق بات يعيش الاغتراب عن الذات بعد أن تخلى عنه أحفاده الذين راحوا يتقاتلون بين بعضهم البعض على مقدسات صنعوها بأيديهم من قبيل (التعصب القومجي والتطرف الطائفي والمذهبي والعصبوية القبائلية)، وكل ذلك تحت مسمى الدولة العراقية التي ولدت بعملية قيصرية بمبضع سايكس بيكو. هذه الولادة غير الطبيعية للدولة العراقية والتي لم تكن في وقتها جعلت من هذا الوليد يعاني الترهل والشيخوخة والأمراض منذ بداياته وحتى الآن.
قرنٌ مرّ على الولادة القيصرية للعراق ولا زال أحفاده يبحثون خارج الحدود السياسية للدولة الهشّة عن حلٍ للمعضلات التي يعيشها وطنهم، ولا زالوا يقترفون الذنب تلو الآخر ويرى كل طرف أنه على حق وأنه الوارث الوحيد والحقيقي للوطن المريض بالأساس، ويسعى للاستحواذ عليه دون تقديم أي علاج لِكَمْ المشاكل التي يعانيها هذا الوطن.
من خلال هذا الواقع المؤلم سعى البعض من الذين يفكرون بشكل مغاير تماماً عمّا هو مألوف راحوا يبحثون فيما بينهم عن حلول موضوعية لما تعانيه مجتمعاتهم من تشتت واقتتال وفرقة. من خلال العودة لدراسة التاريخ بعيون متعبة تبحث عن بصيص أملٍ مخفي في ذاك التاريخ علّهم يجوا بين ثناياه حلولاً وأساليب كان الأجداد يستخدمونها للعيش المشترك والجمعي الذي أفضى لهذا التنوع الكبير.
وفي بداية شهر ديسمبر من هذا العام اجتمع لفيف من مكونات وشعوب العراق بمختلف قومياتهم وطوائفهم، في بغداد من أجل إطلاق منصة للحوار الكردي –العربي وذلك من خلال عقد مؤتمر موسع تمت فيه مناقشة الكثير من المواضيع التي تهم الشأن العراقي ككل. انعقاد هذا المؤتمر وفي هذه المرحلة الحساسة والتاريخية التي يعيشها العراق يُعتبر بِحدِ ذاتها تفكير خارج الصندوق وعمل ترفع القبعة لكل الذين عملوا على إنجاحه. خاصة أن العراق ما بعد الانتخابات والتي جرت قبل ثلاثة أشهر والتي لم يعلن عن نتائجها، يعيش حالة من التوتر الداخلي نتيجة التدخلات الإقليمية والدولية والتي تعمل كل منها على إعلان النجاح والنصر الانتخابي على حساب الطرف الآخر.
أوراق عديدة قدمت من قِبل أشخاص حملوا همّ الوطن والشعوب والمجتمعات على عاتقهم وهم متجهين لمكان كان يوماً ما دار السلام والعدالة –بغداد – ربما يكون بمقدورهم اشعال فتيل من الأمل في فترة حالكة يصرخ فيها الكل من دون أن يستمعوا لبعضهم البعض.

القضية الكردية في مناهج الانظمة الحاكمة في العراق
ففقي ورقة قدمت والتي كانت عبارة عن قراءة موضوعية لتاريخ العراق والولادة القيصرية لهذه الدولة التي لا زالت تعاني تداعيات تلك الولادة غير الطبيعية رغم كل المحاولات لجعل الولادة طبيعية. وتحت عنوان “القضية الكردية في مناهج الانظمة الحاكمة في العراق 1921-1975)، في هذه الورقة تم الكشف عن الألاعيب التي تمت في فترة الحرب العالمية الأولى على الشعبين العربي والكردي وباقي المكونات في العراق من خلال الوعود التي أعطاها البريطانيون لهم بتشكيل وطن قومي لهم إن هم ساعدوهم في التخلص من العثمانيين.
والسؤال الهام الذي يطرح نفسه هنا هل كان الكرد خاضعين بشكل مباشر للدولة العثمانية؟ بحكم الواقع المعاش في هذه الجغرافيا التي تؤكد بالنفي، حيث شكل الكرد الكثير من الإمارات شبه المستقلة والتي كانت مرتبطة بالدولة العثمانية إدارياً بشكل من الاشكال. فمثلاً إمارة بادينان التي يعود تاريخها الى أواخر العهد العباسي وإمارة سوران في القرن الثاني عشر والتي اتخذت من شقلاوة عاصمة حية لهم ووسعت من سيطرتها حتى شملت اربيل ودهوك وعقرة وحرير وزاخو وشنكال/سنجار، أما امارة بابان فلا تقل أهمية عن الامارات التي تم ذكرها والتي أسسها الكرد وجزء من اعمالهم بناء مدينة السليمانية عام 1871.
ويبدو ان الوضع لم يستمر طويلاً لاسيما بعد انهيار الدولة العثمانية في عام 1918 رغم أن الكرد شاركوا العثمانيين قتالهم للرد على الاحتلال البريطاني للعراق ولاسيما مشاركة طلائع الكرد بقيادة الشيخ محمود الحفيد لمقاومة البريطانيين في معركة الشعيبة في 12 نيسان 1915 رغم موقف الكرد المناوئ للدولة العثمانية، لكن شعورهم الديني دفعهم لرفع راية الدفاع عن العراق متناسين سياسة التفرقة العنصرية التي مورست بحق الشعوب المنضوية تحت لوائهم لعدة قرون.
وبعد انهيار الدولة العثمانية وسيطرة الجيش البريطاني على العراق أقامت حاميات عسكرية في (كركوك، التون كوبري، اربيل، زاخو، دهوك)، ولكن تلك الحاميات لم تشفع لهم بإعلان الكرد الانتفاضة في عام 1919 والتي قادها الشيخ محمود الحفيد البرزنجي بعد نكث بريطانيا للشيخ بإعلان قيام كيان كردي مستقل، للتتوج تلك الانتفاضة بثورة العشرين والتي كان للكرد دوراً مهماً فيها.
وفي ورقة أخرى مكملة لها حاول الدكتور علي مهدي التوقف ملياً على السياسة البريطانية التي تم تسييرها على الكرد والعرب بتحريضهم على الثورة على العثمانيين تحت مسمى إقامة الدولة القومية العربية والكردية.
وفي ورقة أخرى حملت عنوان “تأثير الدولة القومية على العلاقات العربية والكردية”، تم الكشف من خلالها على أن الشعبان العربي والكردي خضعا تحت نير حكم بداية الدولة القومية التركية بعد تنحية السلطان عبد الحميد على يد جماعة الاتحاد والترقي التي عملت على تتريك الشعوب التي كانت رازحة تحت النير العثماني والتي أثرت بالشرائح المتعلمة من خلال تنامي الشعور القومي، والذي سرعان ما تغير مجرى هذا الشعور عند تقسيم الكرد على عدة دول من جهة وتشكيل الدولة العراقية من جهة أخرى تحت الرعاية البريطانية، مما خلق موضوعياً الممهدات للعمل المشترك للشعبين العربي والكردي للتخلص من السلطات الحاكمة المؤتمرة بمصالح قوى الاستعمار، لكن سرعان ما خضعت هذه العلاقة بين الشعبين إلى تذبذبات متعرجة وانتقالات حادة بفعل النظرة الضيقة للحكام بعد الاستقلال والتي تتعارض مع الشعب العربي في التمتع بنظام ديمقراطي ويحقق النهضة الشاملة وطموحات الشعب الكردي في تقرير مصيره التي تخضع أحيانا لموازين القوى في المنطقة وليس في العراق وحده. وكان لتشكيل دولة العراق أثره المباشر على العلاقات العربية الكردية.

الكرد ومعاهدة سيفر
انتعشت أمال الكرد بشكل عام في كل مكان بما فيهم أمال كرد العراق لفترة من الزمن بعد التوقيع على معاهدة (سيفر) في العاشر من آب 1920 والتي تضمنت في المواد (62، 63، 64) حق الكرد في تشكيل دولتهم المستقلة وحق كرد ولاية الموصل في الانضمام إلى هذه الدولة المنتظرة، إلا أن رفض تركيا لهذه المعاهدة ورغبة بريطانية في وضع العراق بأكمله تحت الانتداب فضلا عن صراع المصالح بين الدول الكبرى، أبقت هذه المعاهدة حبراً على ورق، إلا أن المعاهدة كانت عاملاً في تنامي النشاط والوعي القوميين لدى الكرد، وقد تبددت تطلعات الكرد عند إبرام معاهدة (لوزان) عام 1923، حيث تم الاتفاق على تقسيم كردستان بين تركيا وإيران والعراق مع بعض التدخلات في كل من أذربيجان وسوريا.
قرن مضى على هذه الاتفاقيات وتشكيل الدولة القومجية والدينية في المنطقة ولم تنعم لا الدول ولا المجتمعات ولا الشعوب بالأمان ولا بالاستقرار. منذ اللحظة الأولى لتشكل هذه الكيانات المصطنعة والتي حولناها إلى كيانات طبيعية وكأنها من أصل المنطقة، دخلنا في نفق الانحدار نحو الدرك الأسف من الترابط المجتمعي وباتت الأنانية والفردانية ومصلحة السلطة المتحكمة هي الأساس على حساب المواطن والانتماء الوطني. أكثر من عشرون دولة ظهرت تباعاً حتى السبعينيات من القرن المنصرم. دول تحولت إلى حلم للشعوب المضطهدة على أنها الفردوس المفقود ويناضل من أجلها كل من يحن لهذا الفردوس. فردوس ولكنها في جهنم التهجير والاعتقالات والاحتفاء والصهر والمجازر بحق شعوب المنطقة الأصلاء. تحول فيها الكل إلى أدوات بيد الآخرين لزيادة هندسة المجتمعات على حساب الهويات الثقافية المختلفة.
عقد واحد فقط كان كافٍ ليرينا الحقيقة التي لم نرد معرفتها وكنا نهرب منها كي لا تنكشف عورات معرفتنا وفكرنا الهزيل الذي كنا نتشبث به.

ثورات الربيع العربي
عقد من الزمن كان تحت يافطة “ثورات الربيع العربي”، كشفت كم كنّا عراة في فردوس الدولة القومجية التي كانت تتغنى بها شعوب المنطقة والتي ضحت بالملايين من أبنائها لنيل حقوقهم واستقلالهم الهش والشكلي. أكثر من مائة عام ونحن نعيش حالة اللا حرب واللا سلام بين شعوب المنطقة، وكانت المقتلة مؤجلة فقط لحين موعدها التي نعيشها الآن بكل تفاصيلها المؤلمة. مفاهيم اختلطت علينا وبتنا لا نعلم معناها رغم أننا كتبنا مئات بل ربما آلاف الكتب عنها وتم تفسيرها بشكل مفصل، لكن العقد الأخير رأينا أن كل ما تم كتابته عن الحرب والسلام ليس له أي معنى ولم يكن سوى خدعة كنا نعيشها ونحن نجلس على أرجوحة الوطن والانتماء والوهم.
الحرب والسلام كانت ورقة أخرى عالجت فيها الكثير من النقاط المعروفة والمبهمة بنفس الوقت وكأننا نتكلم عن شيء نحلم في العيش فيه ولكنه بعيد المنال. مفهوم الحرب والسلام يمكن اعتباره من أقدم وأعقد القضايا على مدى التاريخ البشري والتي تمتد وترتبط بتاريخ البشرية من العصر الحجري الى السوبراني، ناهيكم عن ان المصطلح هو شامل لكل ما انتجته البشرية من افكار بهذا الخصوص، ولتجنب الدخول في المتاهات النظرية والفلسفية والتاريخية المعقدة، تم التركيز في الورقة على المفاهيم والآليات التي بلورها القانون الدولي والهيئات الدولية المعنية مثل الامم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الاحمر وغيرها من الهيئات التي تضم معظم دول العالم وشعوبها.
“الحروب لا تبني سوى القبور”، ربما تكون أفضل تعريف للحرب بكل معانيها الفلسفية والمعرفية واللغوية. وما أكثر القبور في مشرقنا الذي نتغنى به على أنه مهد الحضارة البشرية ولكنه بنفس الوقت منطقة القبور التي لا حدود لها. حيث أن آثار الحروب وأضرارها كبيرة جداً ومؤثرة على المجتمعات البشرية سلباً؛ حيث تُهدِر موارد الشعوب وتودي بحياة الكثير من الأشخاص دون سبب عقلاني، كما أنّها سبب لمنع تقدم البشرية على مختلف الأصعدة سواء اقتصادياً أو اجتماعياً أو غير ذلك. كما تزيد الحروب من معدل ارتكاب الجرائم، وتزيد من نسبة البطالة في المجتمع، وتُضعِف معنويات الأفراد، وتُضعِف الأخلاق والقيم الحسنة في المجتمع.
وربما مقولة “إنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب”، التي اعتمدتها الأمم المتحدة في ديباجتها، وكانت هذه الكلمات هي الدافع الرئيسي لإنشاء الأمم المتحدة، التي عانى مؤسسوها من دمار عالمي وحروب بحلول عام 1945. ومنذ إنشاء الأمم المتحدة في 24 تشرين الأول/أكتوبر 1945 (تاريخ دخول ميثاقها حيز التنفيذ)، تمت دعوة الأمم المتحدة في كثير من الأحيان لمنع النزاعات من التصعيد إلى حرب، أو للمساعدة في استعادة السلام بعد اندلاع النزاع المسلح، وتعزيز السلام الدائم في المجتمعات الخارجة من الحروب.
تعرض مفهوم الحرب والسلام الى متغيرات كثيرة على مدى الزمن خصوصاً من زاوية القانون الدولي وتعريفات الامم المتحدة الرسمية. الحرب هي نزاع مسلح تبادلي بين دولتين أو أكثر من الكيانات غير المنسجمة، حيث الهدف منها هو إعادة تنظيم الجغرافية السياسية للحصول على نتائج مرجوة حسب المصالح الذاتية لكل طرف. في القانون الدولي العام فإن التعريف التقليدي للحرب هو أنّها عبارة عن نزاع مسلّح بين فريقين من دولتين مختلفتين؛ إذ تُدافع فيها الدول المتحاربة عن مصالحها وأهدافها وحقوقها، ولا تكون الحرب إلّا بين الدول، أمّا النّزاع الذي يقع ين جماعتين من نفس الدولة، أو النزاع الذي تقوم به مجموعة من الأشخاص ضد دولة أجنبية ما، أو ثورة مجموعة من الأشخاص ضد حكومة الدولة التي يقيمون فيها، فلم يعد حرباً ولا علاقة للقانون الدولي به وإنما يخضع للقانون الجنائي.
ودائماً ما كان يشكل المدنيون الضحايا الرئيسيين لانتهاكات القانون الدولي الإنساني التي ترتكبها الدول وأطراف النزاع من غير الدول في النزاعات المسلحة المعاصرة. وما فتئت طبيعة النزاعات المسلحة المعاصرة تفرض تحديات حيال تطبيق القانون الدولي الإنساني واحترامه في عدة مجالات، وهناك حاجة لفهم تلك التحديات والاستجابة لها من أجل ضمان استمرار القانون الدولي الإنساني في أداء مهمته في توفير الحماية في حالات النزاع المسلح الدولي وغير الدولي.
اذ تكون الدول إما غير قادرة على تلبية الاحتياجات الأساسية للمدنيين في العديد من الحالات أو غير راغبة في ذلك. أحد التحديات التي برزت مؤخرًا أمام القانون الدولي الإنساني هو نزعة الدول إلى وسم جميع الأعمال القتالية التي تشنها الجماعات المسلحة من غير الدول ضدها، لا سيما في النزاعات المسلحة غير الدولية “بالإرهابية”. وينظر الآن إلى النزاع المسلح والأعمال الإرهابية على أنهما مرادفان تقريبًا، إن تسمية بعض الجماعات المسلحة من غير الدول “بالجماعات الإرهابية” له أثار ضمنية كبيرة على التعهدات الإنسانية وقد يعوق العمل الإنساني كذلك.
على نقيض العنف والحرب، يُعرف السلم بأنّه التّجانس المُجتمعي والتّكافؤ الاقتصاديّ والعدالة السياسيّة، وهو أيضاً اتّفاقٌ مُتعدّد بين الحكومات وغياب القتال والحروب، وقد يُعَبِّر عن حالةٍ من الاستقرار الداخليّ أو الهدوء في العلاقات الدولية.
“القوة من أجل السلام”، هذا المصطلح يعود إلى الإمبراطور الروماني هادريان (حكم بين عامي 117 و 138) ولكن هذا المفهوم قديم قدم التاريخ المسجل: يقول الإله المصري بتاح أن “قوة” رمسيس الثاني (1279-1213) ق.م. تسبب لكل دولة “أن تتوق للسلام”.
حيث أن المجتمعات البشرية تقوم على أساس التعددية الدينية والثقافية والسياسية، فمن الصعب وجود مجتمع يتشكل من عِرق واحد أو يدين بدين واحد، فهذا الامتزاج إما أن تحكمه إدارة سليمة تحفظ حقوق الأقلية دون تمييز، وبإعطائهم مساحة للتعبير عن معتقداتهم في أجواء من الاحترام والتسامح، وإما أن تحكمه أنظمة تخاف من التنوع، وتعمل على سحق الآخر المختلف وحرمانه من حقوقه وحرياته، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى حروب أساسها الدين أو المذهب أو العرق، ينتج عنها دمار الدولة سياسياً واقتصادياً ونشوء أجيال محملة بالكراهية اتجاه الآخر تسعى للانتقام دوماً.
يعتبر بناء سلام دائم في المجتمعات التي مزقتها الحروب هو من بين الأكثر التحديات صعوبة تواجه السلم والأمن العالميين. ويتطلب بناء السلام استمرار الدعم الدولي للجهود الوطنية من خلال مجموعة واسعة من الأنشطة – كمراقبة وقف إطلاق النار، وتسريح وإعادة دمج المقاتلين، والمساعدة في عودة اللاجئين والمشردين؛ والمساعدة في تنظيم ومراقبة الانتخابات لتشكيل حكومة جديدة، ودعم إصلاح قطاع العدالة والأمن؛ وتعزيز حماية حقوق الإنسان، وتعزيز المصالحة بعد وقوع الفظائع الماضية.
وللخروج من المأزق الذي تعيشه المنطقة لا بدّ من ثورة ذهنية بكل ما للكلمة من معنى لأنه من دونها ربما يكون من المستحيل إحداث أي تغيير في شكل ومعنى المنطقة والمجتمعات.
ومما لا شك فيه أن شعوب الشرق الاوسط عموماً تعاني من أزمة فكرية عويصة، بدرجة وصلت إلى مرحلة الدوامة الفكرية. يمكن القول بأن الأزمات الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية والسياسية التي تعاني منها الشعوب نابعة من الازمة الفكرية (الذهنية). والأزمة الفكرية ليست نتاج الوضع الحالي فقط وإنما لها جذور تاريخية. ولا يمكن إنكار تأثيرات الحداثة الرأسمالية في القرنين الماضيين التي عمّقت الأزمة أكثر فأكثر، وأدت بالنتيجة إلى احتلال فكري من خلال العقلية الاستشراقية، وبهذا الصدد يقول المفكر السيد عبد الله اوجلان: “يُعَدُّ القرنان التاسع عشر والعشرون قرنَي غزوِ مجتمعِ الشرقِ الأوسطِ على يدِ الاستراتيجية الرأسمالية. هذه المرحلةُ التي اتَّجَهَت فيها الحداثةُ الرأسماليةُ نحو المنطقةِ بفُرسانِ المحشرِ الثلاث (الرأسمالية، الدولة القومية، والصناعوية)، إنما هي مرحلةُ تَعَمُّقِ الأزمةِ والانهيار”.
حيث أن مناطق الشرقَ الأوسطَ تعيشُ الآنَ في أخطر مراحلها، ذهنياً وثقافياً واقتصادياً وسياسياً واجتماعياً. وصلت مشاكلُها إلى أزماتٍ عويصة، وأزماتُها إلى دوّامة جهنمية وفوضى كارثية، كطاحونة جبّارة تطحن الفردَ والمجتمع. طبعاً كلما استدامت الدوّامةُ والفوضى طحنتِ الوجودَ الإنساني حضارياً وثقافياً في هذه الجغرافية الملتهبة أكثر فأكثر.
ما يكمنُ في عينِ القضايا المُعاشة داخل مجتمعاتِ الشرقِ الأوسط، هو مزيدٌ من السلطةِ والدولة. فكلُّ قوةٍ ظهرَت إلى الوسطِ بغرضِ حلِّ القضايا العالقةِ على مرِّ سياقِ تاريخِ المدنية، لَم تتمكنْ من إيجادِ حلٍّ سوى التحصن بمزيدٍ من القوةِ ونفوذِ الدولة. وباتَ استخدامُ القوةِ في حلِّ القضايا من قِبَلِ كلِّ القوى، بدءاً من الإمبراطورِ الذي في القمةِ وحتى الزوجِ الذي في المنزل، بات العصا السحريةَ للتربعِ على عرشِ السلطةِ والتحولِ إلى دولة. وقد ابتكرَت المدنيةُ الغربيةُ الأشكالَ العصريةَ لهذه التقاليد. واعتَقَدَت بإمكانيةِ دمقرطةِ السلطةِ والدولةِ بصقلِهما بطلاءِ الديمقراطية، أو إنّ الليبراليةَ هي التي لاذت بهذا الزيفِ والرياء. هذا ولا تزالُ المساعي قائمةً على قدَمٍ وساق في الشرقِ الأوسطِ الراهن، من أجلِ حلِّ القضايا الأساسيةِ على خلفيةِ التحولِ إلى دولةٍ وسلطة.

قضية المرأة في الشرقِ الأوسط
ويأتي على رأس القضايا التي تعيشها المنطقة هي قضية المرأة. فقضية المرأة في مجتمعِ الشرقِ الأوسط مثلاً من أعقد وأعمق قضايا الاجتماعية في مجتمعات الشرق الاوسطية. وإنَّ تقييمَ القضايا التي تَحياها المرأةُ أولاً في المجتمعِ ضمن أبعادِها التاريخيةِ – الاجتماعيةِ يتحلى بالأهمية. فقضيةُ المرأةِ هي منبعُ كافةِ القضايا. ولدى إضافةِ القضايا الناجمةِ عن أجهزةِ القمعِ والاستغلالِ الرأسماليِّ الراهنِ أيضاً إلى تلك القضايا ذاتِ الجذورِ التاريخية، يغدو لا مَهرَبَ للمرأةِ من عيشِ حياةٍ يَسودُها الكابوسُ المُرعِبُ حقاً في المجتمعِ الشرقِ أوسطيّ. فأنْ تَكُونَ امرأةً ربما يعني أنْ تَكُونَ إنساناً في أحلَكِ الظروفِ وأَعسَرِها. ذلك أنَّ أَشَد درجاتِ القمعِ والاستغلالِ الفظِّ الذي يعانيه المجتمع، يتم تطبيقُها على جسدِ وكدحِ المرأة. وربما حانَ وقتُ تَخَلّي التعامُلِ الجنسويِّ المتصلبِ الذليلِ عن مكانه للحاجةِ إلى البحثِ عن صديقٍ ورفيق. ينبغي المعرفةَ أنه يستحيلُ عيشُ حياةٍ ثمينةٍ ذاتِ معنى، ما لَم يتحققْ عيشٌ سليمٌ مع المرأةِ ضمن المجتمع. علينا صياغةَ أقوالنا وتطويرَ ممارساتنا بالإدراكِ بأنّ الحياةَ الأثمنَ والأجملَ يمكنُ تحقيقُها مع المرأةِ الحرةِ المتمتعةِ تماماً بكرامتِها وعِزَّتِها. فإذا لم تهدف الثورة الذهنية الحياة الحرة والذي معيارها حرية المرأة، فأنها ستكون ثورة فاشلة وأنها تسير على درب الدوغمائية.
إن الثورة ببساطة تعني التغيير المستمر وإعادة البناء من الجديد، وبحد ذاتها ترتبط مباشرة بالحياة وصيرورتها، انها تعني الحياة بذاتها واعادة معنى للحياة التي فقدت معناها وصيرورتها، التي تتجسد في الحياة الحرة. لأن الثورة في أبسط معانيها؛ هي عملية إعادة المعنى إلى الحياة والانسان والمجتمع، وهي بداية لعملية نضالية من أجل حياة حرة، تفكير حر والسعي وراء الحقيقة. ولهذا بقدر ما تحمل الثورة حقيقة الحياة الحرة، فإنها بذلك القدر تنأى بنفسها عن الأوهام التي تحاول أن تحل محل الحياة الحقيقية. وبقدر ما تمثل الثورة من فكر تغيير الحياة، بنفس القدر تمثل فن إعادة بناء الحياة. الثورة ليست الرغبة بجعل الوضع الموجود مميتاً ودموياً، وإنما شعارها وجوهرها؛ هي خلق والاستمرار بالحياة الحرة.
فالثورةُ باختصار تعني إعادةَ اكتسابِ المجتمعِ الأخلاقيِّ والسياسيِّ والديمقراطيِّ لِماهياتِه تلك مجدَّداً وبمستوى أرقى، بعدما حَدَّ نظامُ المدنيةِ من مساحتِه وأعاقَ تطبيقَه على الدوام. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تجاوزنا لعصبيات القومية والدينية والمذهبية والنسوية والسلطوية والوصول الى حياة كريمة حرة وعادلة وتعايش ديمقراطي.
وربما يكون نموذج الحل الكونفدرالي الديمقراطي الذي لا يعطي مجال للعنف والانقسامات، طراز يعتمد على الطواعية. كما يوجد العديد من الأسباب التاريخية والاجتماعية التي تعطي المجال لأرضية صلبة لبناء الكونفدرالية الديمقراطية بقوة العملية الديمقراطية للشعب، وبهذا يمكن التخلص من الأنظمة اللا ديمقراطية والأوتوقراطية والثيوقراطية. والطراز التنظيمي للحل الكونفدرالي الديمقراطي هو الأنسب للتوافق مع الموزاييك الثقافي لدول الشرق الأوسط والتداخل اللغوي والديني الموجود فيه. وهذا الطراز هو القادر على حل المشاكل والقضايا ومعالجة الظواهر العديدة الموجودة في المنطقة.
وهكذا يصف السيد عبد الله أوجلان منظومة الكونفدرالية الديمقراطية من حيث جوهرها وهيكلية تنظيمها وتناسبها مع حقيقة الشرق الأوسط الموزائيكية ويقول: “إن الكونفدرالية الديمقراطية تمثل الحلَّ المناسبَ لشعوب الشرق أوسطية والعالم كافة، تعني تنظيم الأمة بدون دولة، وهي تنظيم الأقليات والثقافة والأديان وحتى تنظيم الجنس إلى جانب التنظيمات الأخرى، وهذا ما أصفه بالتنظيم الوطني الديمقراطي، بحيث تكون لكل قرية مجلس ديمقراطي. التاريخ مليء بالعديد من الأمثلة، كديمقراطية أثينا، والسومريين الذين امتلكوا تنظيم مشابه، وفي يومنا الراهن تبني أوروبا كونفدراليتها، والكونفدرالية الكردية تناسب الشرق الأوسط، والإسرائيليين والفلسطينيين يمكنهم تأسيس الكونفدرالية وبإمكان الاثنان والعشرون دولة عربية تأسيس كونفدرالية”.
إذاً، فإن مشروع الكونفدرالية الديمقراطية للشرق الأوسط مشروعٌ يستند إلى العقلية الديمقراطية، وتأخذ الحرية، العدالة، المساواة، التعايش السلمي بين الأفراد والمجتمعات والشعوب والأطياف وكافة المعتقدات، أساساً لبناء نظامه السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي، البيئي والدفاعي. والأهم من كل ذلك هو أن الكونفدرالية الديمقراطية تتجاوز كل المفاهيم والأفكار الدوغمائية التسلطية الشمولية، وتتبنى الجدلية العلمية أساساً لها. فالديمقراطية بطبيعتها الديمومية تسود عبر منظومة فكرية منفتحة، فالكونفدرالية بجوهرها الديمقراطي تتصدى للذهنية الدوغمائية بكافة أشكالها وأنواعها، وفي نفس الوقت ترسخ الحرية والمساواة لكل معتقد يؤمن بالحرية والمساواة والعدالة والتعايش السلمي والحر.
إن عقد هذا المؤتمر وفي هذه الفترة في بغداد الذي تعاني الآهات والحسرات ولعنة بابل في نفس الوقت ربما كان الرد الأمثل لهذه الجغرافيا التي كانت يوماً ما مهد الحضارة البشرية. واستمرارية هذه المؤتمرات التي تبحث عن حلول للمشاكل والقضايا التي تعانيها المنطقة بشكل عام ربما يعتبر الرد الأمثل للتاريخ وبأن نكون الأحفاد الحقيقيين لهذه المنطقة التي لطالما كانت ولادة الحلول لأية مشاكل وقضايا تعاني منها. فبدلاً من البحث عن الحلول في الخارج ينبغي البدء من الداخل لأن هذه المنطقة والمجتمعات والثقافات تخبئ في داخلها الكثير من الأمل الذي تمنحه خلال عملية البحث عن تلك الحلول.
طرح مشروع الحوار العربي – الكردي الناجح كشعار للمؤتمر يعتبر بحد ذاته نجاح وخطوة سليمة نحو الخروج من حالة الاغتراب التي تعيشها المجتمعات وإعطاء الفرصة للنخب والمثقفين للبحث عن حلول لما تعانيه مجتمعاتهم. وفي ظل المئوية التي تعيشها المنطقة بشكل عام على تقسيمها لدول عديدة هشّة يدفعنا هذا إلى أن نفكر بصورة واقعية وحقيقية للبحث عن حوار بين الأخوة في الوطن. الجواب إن وجود الدستور وضمان حقوق الجميع بدون استثناء سيخلق لنا ايمان حقيقي يعزز الهوية الوطنية ويبدد مخاوف الاخرين من هضم الحقوق والتهميش الذي عانوه منذ سنوات طويلة.
فلا بديل عن التكاتف والتلاحم ما بين شعوب المنطقة وخاصة العرب والكرد منهم نظراً للعلاقات والتلاقح الثقافي والتاريخي بينهم، وأن الأمن الوجودي لِكِلا الشعبين مرتبط بشكل وثيق مع بعضه البعض ولا يمكن لأي من الشعبين أن يكون من دون وجود الآخر، ولا يمكن لأي من الشعبين أن يعيش الحرية والكرامة من دون الآخر بنفس الوقت. وهذا ما يحتم على كلا الشعبين أن يتوحدا أمام الهجمات التي تتعرض لها المنطقة لإخراجها من حالة الفوضى المستشرية فيها.

إقرا أيضا

سر عداء تركيا والنظام والمعارضة والمجلس الوطني الكردي لتجربة الإدارة الذاتية ؟

في ذكرى تأسيس العمال الكردستاني..القاهرة تحتفل بـ العلاقات العربية الكردية

تاريخ من الحقوق الضائعة..متى يُكفر النظام العالمي عن جرائمه بحق الشعب الكردي؟

سر عداء تركيا والنظام والمعارضة والمجلس الوطني الكردي لتجربة الإدارة الذاتية ؟

صالح بوزان

الكاتب صالح بوزان

سأتطرق لهذا الموضوع على الصعيد السوري. فالشعب السوري بكل مكوناته لم يكن يعرف شيئاً عن الفكر القومي والوطني عشية الانسلاخ من الإمبراطورية العثمانية. كان القسم الأعظم منه يؤمن بالرابطة الإسلامية السنية. وبالتالي لم يكن راضِ تماماً عن الانفصال من الإمبراطورية العثمانية، بل اعتبر هذا الانفصال تدبير من الإنكليز الذين لا يكنّون الود للمسلمين ووحدتهم. وحتى الآن لا تحتفل الحكومات السورية بذكرى الاستقلال من الامبراطورية العثمانية.

أما المسيحيون والأرمن والعلويون والدروز في سوريا كانوا راضيين من هذا الانفصال، وفي الوقت نفسه توجسوا من الطابع الإسلامي السني المرتبط بالشريف حسين في الحجاز من خلال ابنه فيصل الذي توّجه الإنكليز ملكاً على سوريا في 8 آذار 1918. لم يكن الكرد مبالين لهذا التغيير، ومن ناحية أخرى شعروا بغصة كبيرة لانفصالهم عن بني جلدتهم في الطرف الثاني من الحدود الجديدة. وعلى أساس هذه الغصة ظهر وتطور العداء الكردي ضد اتفاقية سايكس بيكو وضد الإنكليز والفرنسيين معاً.
زاد الطين بلة ظهور الفكر القومي العربي منذ ثلاثينيات القرن الماضي في المشرق. هذا الفكر القومي الذي تجلى في فكر حزب البعث لاحقاً كفكر قومي عربي ينكر وجود أي قومية غير عربية في سوريا، ويدعي أن سوريا سايكس بيكو هي جغرافية عربية فقط. وأنكر بذلك وجود ثلاث أجزاء من جغرافية كردستان مع سكانها داخل الخريطة الجديدة لسوريا.
منذ ذلك التاريخ بدأ تتراكم معاناة الشعب الكردي في سوريا. لم تكن هذه المعاناة من الشعب العربي. فالشعبان العربي والكردي كانا يعيشان جنباً إلى جنب في عهد الإمبراطورية العثمانية على هذه الجغرافيا. ولم يسجل التاريخ أي صراع قومي بينهما. بل ممكن القول أن المعاناة من الاستبداد العثماني وحد مصيريهما. وبالتالي كان نضال الشعب الكردي في سوريا ضد الفكر القومي البعثي وليس ضد الشعب العربي.
استطاع حزب البعث أن يوجه أغلبية الشعب العربي ومثقفيه ضد الشعب الكردي من خلال تعريب مفهوم الوطنية في سوريا وجعلها تعني في الوقت نفسه القومية العربية حصراً.

عداء المعارضة والنظام السوري للإدارة الذاتية ؟ 
لم يغير النظام البعثي موقفه تجاه الشعب الكردي في سوريا بعد الثورة. فلم يعترف حتى الآن بالإدارة الذاتية. كما أن الظاهرة الملفتة للانتباه أن المعارضة السورية تجاوزت نهج النظام البعثي تجاه الإدارة الذاتية بالهجوم السافر عليها فكرياً وسياسياً وميدانياً بواسطة ميليشياتها. فمن ناحية حملت هذه المعارضة الفكر القومي العربي البعثي، ومن ناحية ثانية أضافت عليه الفكر الإسلامي الأصولي الذي لا يعترف بالقومية وحقوق الشعوب. وبالتالي خلقت المعارضة السورية تهديداً ضد الشعب الكردي السوري أكثر خطورة مقارنة مع موقف النظام السوري.
لم يستطع أي حزب وأي مفكر أو مثقف سوري خرق هذه المنظومة القومية والإسلامية ضد الشعب الكردي لا قبل الثورة ولا بعدها، على الرغم أن أغلب المفكرين والمثقفين السوريين العرب استمدوا ثقافتهم من الفكر الغربي والفكر الماركسي الأممي.
حدث الاختراق الوحيد لهذه المنظومة القومية الصنمية من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي. وخصوصاً بعد تشكيل الإدارة الذاتية وقوات حماية الشعب والمرأة.
عندما سيطرت وحدات حماية الشعب والمرأة على أغلب المناطق الكردية لم يكرر قادتها تجربة حزب البعث في الحكم، بل دعوا إلى إدارة مشتركة تضم جميع القوميات في الشمال السوري وليس في المناطق الكردية فقط. وللتأكيد على مصداقية موقفهم الفكري تجاه المسألة القومية، صاغوا عقداً اجتماعياً (شبه دستور) بينوا فيه مفهومهم للقومية والوطنية، وجعلوا قوات حماية شمال سوريا من كل مكونات الشمال السوري وخاصة من الكرد والعرب (قوات سوريا الديمقراطية). أظهرت هاتان الخطوتان؛ الإدارة الذاتية المشتركة وقوات سوريا الديمقراطية، رؤية جديدة لمفهوم القومية والوطنية في عموم الشرق الأوسط.

ما هو الجديد في هاتين الخطوتين؟
عكست هاتان الخطوتان أن الفكر القومي خاصية لكل شعب من حقه الاحتفاظ به وتطويره والدفاع عنه ضد أي فكر قومي عنصري آخر. ومن ناحية أخرى فإن أي تعالي من قبل قومية على قومية أخرى، مهما كانت صغيرة، هو الخطوة الأولى نحو الاستبداد القومي والسياسي والاجتماعي. ومن ناحية ظهر مفهوم جديد للوطنية بأنها إطار عام فوق القومي، ولا تقبل الانحياز لأي قومية على حساب قومية أخرى. لو حاولنا صياغة هذه المعادلة بشكل أبسط، سنعتبر الوطنية هي الأم والقوميات هي الأبناء. فأسماء الأبناء مختلفة؛ مزكين، أحمد، صوموئيل وأنترنيك، لكن الأم واحدة. أن اختلاف هذه الأسماء لا يحدث أي خلل في مشاعر وعاطفة الأم تجاه أبنائها. وبالتالي يُعتبر حصر الوطنية في أي قومية هي الأخرى خطوة نحو الاستبداد القومي والسياسي والاجتماعي.
استطاعت قيادة الإدارة الذاتية وقيادة قوات سوريا الديمقراطية خلال عشر سنوات العمل على تغذية الفكر القومي والفكر الوطني بهذا المسار. مما عرّض الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية لأبشع حرب فكرية وميدانية وإعلامية. فهذه الرؤية الفكرية والسياسية التي تتبناها قادة الادارة الذاتية وقادة قوات سوريا الديمقراطية تتجاوز الفكر القومي والوطني التقليدي.

وهذا هو السبب الحقيقي في عدم اعتراف النظام السوري بهذه الإدارة حتى الآن. يدرك النظام السوري أن الاعتراف بهذه الادارة يهدد بنيته الفكرية والسياسية التقليدية. ولهذا السبب أيضاً أعلن الائتلاف السوري محاربته للإدارة الذاتية، وسعى إلى هدمها بالتحالف السياسي والميداني مع تركيا.
جاء العداء الأكثر شراسة من الحكومة التركية ضد الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية. يدرك قادة هذه الدولة أن تحول نظرية حزب الاتحاد الديمقراطي في القومية والوطنية إلى واقع عملي في سوريا سيهدد بشكل مباشر البنية الفكرية والسياسية للجمهورية الآتاتركية التي جعلت الوطنية سجينة الفكر القومي التركي المتعصّب. وأخيراً، نلاحظ أن المجلس الوطني الكردي، رغم هامشية وزنه السياسي، أعلن هو الآخر عدم الاعتراف بالإدارة الذاتية، بل مارس ويمارس حرباً إعلامياً أكثر ديماغوجية ضدها بالتعاون السافر مع الحكومة التركية والائتلاف السوري المعارض.

إقرا أيضا

تاريخ من الحقوق الضائعة..متى يُكفر النظام العالمي عن جرائمه بحق الشعب الكردي؟

قوات سوريا الديمقراطية: مناطق الإدارة الذاتية ليست لقمة سائغة..فيديو وصور

قد تغضب أردوغان.. واشنطن توجه رسالة لـ الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية.. ماذا قالت

كيف تدعم تهديدات أردوغان لـ شمال شرق سوريا محاولات إحياء داعش ؟

ليلي موسي

في الوقت الذي تحولت فيه محاربة ومكافحة تنظيم داعش، وما يحمله من إرهاب دولي، يشكل تهديداً للأمن والسلم الدوليين؛ هدفاً وخياراً استراتيجياً وأصبحت ضرورة القضاء عليه، واجتثاث أيديولوجيته المتطرفة وما تحملها من تهديدات على أمن واستقرار البشرية برمتها، وتجفيف منابعه والبيئات التي تغذي وتنمي هذه الايديولوجية؛ وتعمل على تكاثرها ونشرها، هذا التنظيم وغيره من التنظيمات الإسلاموية المتطرفة وبكل ما يحمله من أيديولوجية مشبعة بثقافة الكراهية والعنصرية وإلغاء الأخر المختلف معه فكرياً وعقائدياً، أمام كل ذلك تحول هذا التنظيم إلى صمام أمان للحفاظ على الأمن الوجودي الأردوغاني –العثماني.

أدروغان وخطة استعادة العثمانية
طالما لجأت الدولة التركية برئاسة أردوغان وحزبه، حزب العدالة والتنمية إلى تنفيذ استراتيجياتهم القائمة على استعادة العثمانية القديمة بلبوس أردوغانية جديدة، وقد تمثل ذلك بالميثاق الملي؛ وعبر استراتيجية تقوم عليها الحركات والتنظيمات الإسلاموية؛ وذلك بالسعي إلى ضم سوريا وغيرها من الدول إلى الأراضي التي شملها الميثاق الملي.
حيث كان تنظيم داعش الإرهابي وأخواته من التنظيمات الإسلاموية، ومازالت المطية التي يوفرون لها الممر الآمن والديمومة بالتغلغل في الأزمة السورية؛ واستثمارها خدمةً لمشاريعها الاحتلالية التوسعية عبر دعمها اللامحدود مادياً وعسكرياً ولوجستياً لتلك الجماعات، وذلك منذ بداية الحراك الثوري في سوريا.
ففي الوقت الذي تحولت فيه سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على مساحات شاسعة من الجغرافية السورية إلى فوبيا وقلق دولي وإقليمي ومحلي؛ لما يحمله ذلك من تداعياتها كارثية على حاضر ومستقبل المنطقة والعالم؛ أصبحت هذه الجماعات الحامي والضامن للمصالح الأردوغانية التوسعية الاحتلالية؛ والمدافعة عن بقائه على سدة الحكم.

الدعم التركي لـ داعش
لذا نجد في كل مرة يكون هناك تقدم في مسار انحسار التواجد الداعشي جغرافياً وميدانياً؛ حيث بدأ العالم بمرحلة تجفيف منابعه الفكرية عبر إعادة تأهيل وتنمية المجتمعات التي خضعت لسيطرة التنظيم؛ بالإضافة إلى العمل على عوائل التنظيم من الأطفال والنساء تمهيداً لدمجهم بالمجتمع. تعمل الدولة التركية على الإقدام ببعض الممارسات أو إطلاق جملة من التهديدات والهجمات على بعض المناطق التي من شأنها تعمل على تنشيط خلايا التنظيم النائمة وتهيئة الفرص له؛ وتكثيف نشاطاته عبر اتباع استراتيجيته ما يعرف بالذئاب المنفردة؛ وذلك من أجل زعزعة أمن واستقرار المنطقة.
والأمثلة على ذلك كثيراً جداً، وسبق وأن أشرت إلى سياسات وممارسات الدولة التركية في مقالاتي السابقة، لذا وتجبناً للتكرار سأسلط الضوء في مقالي هذا على التهديدات الأخيرة التي تطلقها دولة الاحتلال التركي بإطلاق عملية عسكرية جديدة على مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.
حيث جاءت التهديدات التركية وتحشيداتها العسكرية مع كامل الجهوزية على الحدود السورية مع الفصائل الإسلاموية المسلحة السورية؛ والمدعومة تركياً لشن عملية عسكرية جديدة على مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، بعد إعلان النظام السوري وحلفائه من الروس والإيرانيين بإطلاق عملية إدلب المرتقبة وتطهيرها من الإرهابين، واتهامهم للدولة التركية بعدم الوفاء بالتزاماتها، وتنصلها من وعودها بالعمل على تحييد الإرهابيين من المعتدلين على حد وصفهم –الروس-.

رفض دولي لشن تركيا عملية عسكرية بشمال سوريا
فالبرغم من عدم وجود أية موافقة دولية بالسماح لتركية بشن عملية عسكرياً في الوقت الحاضر؛ وكخطوة أمريكية استباقية لردع تركية من الإقدام على أية عملية عسكرية جديدة من شأنها تقويض حملة مكافحة تنظيم داعش جددت بالإبقاء على حالة الطوارئ الوطنية ذي الرقم 13894 المتعلق بالوضع السوري؛ والذي فرضته على تركيا بسبب هجومها على شمال شرقي سوريا عقب عملية ما تعرف بـ ” نبع السلام”، والذي أسهم في تقوض حملة هزيمة داعش في سوريا والعراق.
مما اضطرت الدولة التركية إلى الإعلان وبشكل رسمي تأجيل العملية لعدم توفر الظروف الدولية؛ إلا أنها لم توقف تهديدات ووعيدها بشن عملية عسكرية عبر أبواقها الإعلامية ونشر أخبار وتصاريح ملفقة وفيديوهات قديمة لتضليل الرأي العالم والمحلي، والقصف المستمر من على بعض المناطق واستخدام طائرات من دون طيار باستهداف شخصيات قيادية ومدنيين عزل ومؤسسات عسكرية ومدنية وغيرها من السياسات التي من شأنها تسهم لبث الخوف والرعب في نفوس الأهالي ودفعهم إلى الهجرة في خطوة تسهم في تفريغ المناطق الآهلة بالسكان الأصليين ويفتح مجال أمام سهولة تنشيط وتحرك تنظيم داعش الإرهابي.
حركات تسهم في إنقاذ من تبقى من عناصر التنظيم وعوائلهم؛ سواء أكانوا في السجون أو المخيمات، وتهديدات تدفع عناصر التنظيم ومؤيده إلى التمرد ودفعهم بالتحرك وإثارة الشغب وخلق الفوضى.

محاولة فاشلة من نساء داعش للهروب 
حيث أقدمت نساء تنظيم داعش في مخيم الروج في مناطق شمال وشرق سوريا بمحاولة فاشلة منهن على الهروب من المخيم عبر إحراق الخيم، بالإضافة إلى إعلان قوات سوريا الديمقراطية وبدعم ومساندة من التحالف الدولي عن إحباطها هجوماً لخلية من تنظيم داعش بتاريخ 8 تشرين الثاني، كانت تهدف لتهريب عناصرها من سجن بمدينة الحسكة في شمال شرقي سوريا.
ففي ظل تصريح الروس ورفضهم لأي عملية عسكرية جديدة على المنطقة من قبل تركيا ومرتزقتها من السوريين؛ وعزمها بدعم ومساندة الحكومة السورية في تحرير إدلب ومحاربة فلول تنظيم داعش في البادية السورية؛ أقدم تنظيم داعش على تنفيذ الكمين في بادية المسرب في ريف دير الزور الغربي، ما أدى إلى مقتل ثلاثة عشر عنصراً من الجيش السوري، وإصابة آخرين بجروح خلال قيامهم بعملية تمشيط في المنطقة.
تحركات وتهديدات تركية تأتي عقب رغبة المجتمع الدولي بالعمل على أنها الأزمة؛ والبدء بعملية انتقال سياسي وضرورة إخراج جميع القوات الأجنبية ليست في سوريا لوحدها أنما في كافة المناطق التي تشهد نزاعات مثل ليبيا؛ ولكن كما يبدو طالما ضمنَ أروغان بقاء أمنه الوجودي عبر الاصطياد في المستنقعات التي تعاني منها الدول والمجتمعات؛ بدعم الحركات والجماعات الإسلاموية المتطرفة، يعلم تماماً بتجفيف تلك المستنقعات سيكون سيواجهه أزمة جدية على صعيد أمنه الوجودي؛ وربما نهاية لوجوده ليس بالتوغل في شؤون المجتمعات والدول؛ وإنما حتى وجوده في سدة حكم . لذا نجده يعرقل مساعي إجراء الانتخابات الليبية في وقتها المحدد عبر اتباعه من جماعة الإخوان، وتنصله من وعوده مع الحكومة المصرية بكف عن تدخلاته بالشؤون المصرية الداخلية عبر دعمه وتمسكه بالإخوان المصريين؛ وكذلك الإصرار بالعمل على الإبقاء على الأزمة السورية وتنشيط داعش، والانفتاح على حركة طالبان الأفغانية والتواجد فيها في وقت تشهد فيها نشاط لتنظم داعش المعروف بـ ” تنظيم خراسان”.
أية عملية عسكرية تركية جديدة على سوريا من شأنها أن تقوض الجهود في مكافحة الإرهاب؛ وربما يكون هناك عودة نشطة للتنظيم وبوادرها ظهرت بمجرد إطلاق الدولة التركية للتهديدات.
لذا يتطلب من المجتمع الدولي وخاصة الدول والمجتمعات التي تعاني من التدخلات التركية؛ العمل معاً على لجم التدخلات التركية، وبذلك ستكون خطوة لتسهيل تجفيف منابع الإرهاب والتطرف، وخطوة نحو تحقيق الأمن والسلم الدولي والإقليمي والمحلي.

إقرا أيضا

فى ظل موقف أمريكي ضعيف..هل يقود الانفتاح العربي على دمشق لإسقاط قانون قيصر؟

.. هل يطلق بوتين رصاصة الرحمة على الوجود التركي بـ سوريا؟

الباحث الغيني محمد قطرب يكتب : مصر وغينيا.. صفحات في ذكري الدبلوماسية

علاقة غـينـيـا مع مـصر ارتبطتْ منذ عقود من الزمن، وعلاقتهما من أقوى علاقة دبلوماسية متينة في أفريقيا، وامتدّت هذه العلاقة منذ فجر رئاسة عصر الرئيس الأول لغينيا الراحل سيكو توري.
البا
الباحث الغيني محمد قطرب

أحمد سيكو توري ذلك البطل الذي لا يُبارى ولا يُجارى، كان من أقرب وأحبّ رفقاء رئيس جمال عبد الناصر ، تبادلا خبرات دُوَليّة ، وزيارات وُديّة، حتى تحوّلتِ العلاقة الدبلوماسية وأصبحا كأخوين شقيقين، وقلّما تجد علاقة دولة أفريقية مثل علاقة غينيا بمصر، حتى أكبر جامعة في غينيا اسمها جامعة جمال عبد الناصر وهي موجودة في قلب العاصمة الغينيّة(كوناكري)..
فغينيا دولة استثنائيّة حيّة عبر التاريخ الأفريقي ، ولا يمكن تطرق باب الوحدة الأفريقية أو التعاون المشترك بين البلدان الأفريقية بدون أن نذكر مواقف تاريخيّة لغينيا وأبطالها، وهناك من البلدان الأفريقية دعمتْها غينيا دعما عسكريّاً ومعنويّاً للحصول على استقلالها ، أو التعاطف معها عند الحروب .

لأسباب البُعد التاريخي الدبلوماسي : مواطن غينيّ لا يحتاج بالتأشيرة للسفر إلى عدّة من البلدان في داخل القارة وفي خارجها، مصر على وجه التحديد…..
أي: كل مواطن غينيّ يدخل في أرض مصر بلا أدنى تأشيرة يكفي جواز السفر بدون الفيزا لا الإلكتروني ولا ورقيّ..
وكذلك في تونس والمغرب وبعض البلدان في شرق آسيا المواطن الغيني لا يبحث عن التأشيرة ، فجواز السفر الغيني أعلى درجة من كثير من الجوازات السفر في البلدان الأفريقية، وهذا الشرف العظيم والجهد الدبلوماسي يرجع إلى جهود رئيس غينيا أحمد سيكو تزري الذي كان وما زال من أعظم رؤساء ماما أفريكا..

كيماوي أردوغان.. هل يواجه الرئيس التركي مصير صدام حسين؟

محمد أرسلان علي
قرون عدة ولا زال مشرقنا يعيش تراجيديا حكام مستبدين وأنظمة ظالمة، ترى وجودها فقط في إقصاء الآخر وعدم الاعتراف به. مأساة لم تنتهِ ولا زالت تطل برأسها بين الفينة والأخرى كسيف على رقاب المجتمعات والشعوب إن هي رفضت الذل والخنوع والاستسلام لهذه الأنظمة الديكتاتورية الفاسدة. لم ننتهي من ظلم السلاطين العثمانيين الذين عاصوا قتلاً وفساداً بالشعوب لقرون عدة، حتى ابتلينا بزعماء يرون أنفسهم مخلدين وأن سطوتهم ستبقى لهم وأنه لن يكون هناك من يحاسبهم، على أساس أنهم يمثلون ظِل الله على الأرض وأن كل ما يقولونه ما هو إلا وحيٌ. حالة من الانفصام والهذيان يعيشها زعماء الضرورة الذين يعتبرون نفسهم أصحاب كاريزما لن تتكرر ثانية. بهذه العقلية ينظرون لأنفسهم ويعملون كل ما في وسعهم كي يفرضوها على الشعوب كي تبقى خانعة وذليلة.
كان هتلر وموسوليني يعتبرون أنفسهم أيضاً من المخلدين، لكن للتاريخ والمجتمعات قولٌ آخر حينما يحين الوعد. لكن مستبدينا في المشرق لا يقرأون التاريخ كي يتعظوا، بقدر ما يقلدون هؤلاء الظالمين الذين أراقوا دماء الشعوب كرمىً لهذيانهم وأوهامهم الرثّة. لم ننتهِ من هؤلاء المستبدين حتى يطل علينا أردوغان حاملاً مشعل الدكتاتوريين والمستبدين ويسير على خُطاهم في تدمير بلادهم وتهجير شعبهم وقتلهم بشتى السبل والطرق. فمن الحروب التي يشنها على دول الجوار ينشر فيها الفوضى والمرتزقة، حتى محاربة شعوب تركيا من كرد وعرب وتركمان وحتى أتراك.

جنون أردوغان  

كل من يرفض عقليته وجنون عظمته يعتبر عدواً لأردوغان. من اعتقال الآلاف وزجهم في السجون بحجج واهية كثيرة فقط من أجل اسكات صوتهم وكسر إرادتهم. بكل تأكيد حينما يلجأ المستبدين لاستخدام السلاح الكيمياوي ضد شعوبهم فهذا يعني أنهم وصولوا لمرحلة العجز واليأس في كسر إرادة شعوبهم بالأساليب الأخرى بما فيها العسكرية. أي أنه استخدام الكيمياوي كسلاح لفرض الذل على شعب يعتبر بنفس الوقت أنه أخر ما تبقى لدى المستبدين من أوراق يستعملها، وما بعد ذلك يكون انهيار المنظومة المستبدة ونصر الشعوب المقاومة.
أكثر من عقدين وأردوغان يحاول كسر إرادة الشعب الكردي في تركيا أو في الشمال السوري وحتى في الشمال العراقي. لم يترك طريقة إلا يستخدمها لينشر الإرهاب والرعب في قلوب الكرد الذين يسعون لنيل كرامتهم وحريتهم أسوة بباقي شعوب المنطقة. حتى النابالم والسلاح الكيمياوي المحظور دولياً يستخدمه الجيش التركي بتعليمات من أردوغان للقضاء على مقاومة الكريلا التي لم تستطع كافة الحكومات التركية السابقة أن تنال من عزيمتهم وإصرارهم على الحرية.
الآن ونحن في الألفية الثالثة ينفذ الجيش التركي عمليات عسكرية عبر الحدود في الأراضي العراقية منذ عام 1983م. وتمثل المرحلة الأخيرة من هذه العمليات التي بدأت في 23 نيسان / أبريل 2021 مرحلة جديدة من سياسات تركيا الإقليمية والتي تهدف إلى احتلال مساحات شاسعة من أراضي دول الجوار إن كان في العراق أو سوريا.

مقاومة الكريلا
حيث يقاوم مقاتلو حزب العمال الكردستاني قوات الدفاع الشعبي(الكريلا) الذين يتواجدون في المنطقة منذ أكثر من 25 عاماً ضد هذه الهجمات التي يشنها الجيش التركي ويعرقلون تقدمه. وبسبب عدم قدرت الجيش التركي على كسر المقاومة، فإنه يستخدم الأسلحة الكيماوية بشكل عشوائي. ولقد ظهر في الأشهر الأخيرة العديد من لقطات الفيديو والتقارير المختلفة وكذلك على حسابات مواقع التواصل التي تم تداولها في وسائل الإعلام، بأن الجيش التركي ينشر ويستخدم أسلحة كيميائية، التي تحظرها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية وتعتبرها محرمة دولياً.

نهج صدام حسين
تقوم الدولة التركية بزعامة أردوغان الآن بتكرار ما فعله نظام صدام حسين في العراق من استعمال الأسلحة الكيميائية بحق الشعب الكردي. وهذا يستدعي وبالسرعة القصوى موقف مسؤول وإنساني وأخلاقي وكذلك قانوني وحقوقي من كافة الناس والمنظمات الدولية والمناهضين لانتشار تلك الأسلحة المحرمة دولياً.
ورغم المناشدات المتكررة التي أطلقها قادة العمال الكردستاني للمنظمات والهيئات والمؤسسات المعنية بهذا الأمر، كي يأتوا إلى المنطقة التي تم استخدام السلاح الكيمياوي فيها من قبل الجيش التركي ويقوموا بالفحوصات اللازمة حول هذا الأمر، إلا أن الصمت المطبق على هذه المؤسسات والمنظمات الإقليمية والدولية وعدم اتخاذها أية إجراءات عملية، وكأنها تشجع أردوغان على القيام بمثل هذه الأعمال المنافية للأخلاق والمعايير الإنسانية والدولية. فهل من يقول لأردوغان “كفى”، استبداداً وظلماً بحق شعب يريد أن يعيش بكرامته وشعبه.

بعد عامين من احتلال مدنهم..هل أصابت لعنة أطفال سري كانيه وكري سبي أردوغان وأزلامه

ليلي موسي

قبل عامين من هذا التوقيت غزا أردوغان ومرتزقته منطقتي سري كانيه (رأس العين) وكري سبي (تل أبيض) بتحريض روسي وضوء أخضر من الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب، في الوقت الذي لم يمضِ بضع أشهر على دحر ما تسمى بـ ” دولة الخلافة في بلاد الشام والعراق” (داعش) – ميدانياً وجغرافياً- وفي آخر جيوبه في منطقة الباغوز على يد قوات سوريا الديمقراطية؛ وبدعم ومساندة من التحالف الدولي، لتبدأ شعوب المنطقة تنفس الصعداء، والعيش بحرية، وبدء مرحلة جديدة من العمل السياسي بالتوجه نحو عملية الانتقال السياسي، لاستكمال تطلعات السوريين في التغيير، وإيصال سوريا إلى بر الأمان، وتنمية المنطقة اقتصادياً وعلى كافة الأصعدة.

أسلحة محرمة 
قبل عامين من هذا التاريخ، استخدم أردوغان ومن معه من أزلامه الذين يسمون بـ ” الجيش الوطني” كافة صنوف الأسلحة والمحرمة دولياً؛ حيث طال القصف المنطقة المأهولة بالمدنيين العزل، الأمر الذي تسبب بتهجير ونزوح أكثر من 300 ألف من سكان المنطقة؛ ومخلفاً مئات من الضحايا والجرحى، ودماراً شاملاً للممتلكات والمنازل، مرتكبين بذلك عدواناً، وجرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية.

وما زال أردوغان ماضياً في ارتكابه لجرائمه بمختلف أنواعها؛ ضارباً عرض الحائط جميع الأعراف والمواثيق الإنسانية والدولية، منتهجاً بذلك سياسات واستراتيجيات تقوم على التطهير العرقي والتغيير الديمغرافي بحق سكانها الأصليين، والعمل على تتريك المنطقة، من خلال توطين عوائل وعناصر من جماعاته المتطرفة الراديكالية من جبهة النصرة؛ والإخوان المسلمين، وداعش وغيرهم من السوريين والأجانب من مختلف أصقاع العالم؛ جاعلاً من المنطقة تعج بالفوضى والقلاقل وفقدان الأمن والاستقرار بعد ما كانت تنعم بالسلم والأمان في ظل الإدارة الذاتية التي كانت تدار من قبل أبناءها.

الميثاق الملي

وبالرغم من اتفاقيتين حينها الأولى مع الأمريكان والأخرى مع الروس لوقف تمدد الزحف الأردوغاني الاحتلالي العدواني للمنطقة، لم تلتزم تركيا ببنود تلك الاتفاقيتين؛ مستغلةً جميع الفرص بشن هجماتها المستمرة على ريفي سري كانيه، وتل تمر، ومناطق الشهباء، سيعاً منها لاستكمال مشروع ” الميثاق الملي”، والذي يشمل كامل الشمال السوري.
التواجد التركي الذي تحول إلى مصدر قلق وعدم الراحة من قبل المجتمع الدولي لتجاوزها جميع الأعراف والمواثيق الدولية في دعمها للإرهاب؛ وتغذية فكر التطرف وثقافة الكراهية، مما يشكل بذلك تهديداً جدياً على السلم والأمن الدوليين.
مما دفع ذلك الولايات المتحدة الأمريكية بالإعلان حينها عن حالة الطوارئ الوطنية بقرار 13894 بتاريخ 14 أكتوبر\ تشرين الثاني 2019، بسبب الهجوم العسكري التركي على شمال وشرق سوريا؛ الذي أسهم في تقويض حملة هزيمة الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، وتعريض المدنيين للخطر، ومزيد من التهديدات لتقويض السلام والأمن والاستقرار في المنطقة، ولا يزالون يشكلون تهديداً غير عادي للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة، لذلك، قررت أنه من الضروري استمرار حالة الطوارئ الوطنية المعلنة في الأمر التنفيذي رقم 13894 فيما يتعلق بالحالة السورية.
وكما فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على بعض من القيادات والفصائل المشاركة ما تسمى بعملية نبع السلام في منطقتي سري كانيه وكري سبي؛ وهي في حقيقتها نبع الإرهاب منهم أحمد احسان الفياض والملقب بـ ” حاتم ابو شقرا”، وفصيل الشرقية الذي يترأسه المتورط بعملية اغتيال السياسية هفرين خلف الأمين العام لحزب سوريا المستقبل بتاريخ 12\ أكتوبر \ 2019، ومازال يتنعم بكامل الحرية برعاية أردوغان وحكومته وتكريمه من قبل بعض قادة ما تسمى بـ ” الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”.

إفلاس أردوغان
ويبدو أن سياسات أردوغان الخارجية وأدواته في المنطقة تقترب من إفلاسها رويداً رويداً، حيث شهدت العديد من الدول تساقط الجماعات الإخوانية في السودان وتونس ومصر وليبيا والمغرب؛ ويبدو جاء الوقت المناسب في سوريا لاجتثاث هذه الجماعة، فأردوغان الذي غزا سري كانيه وكري سبي بتحريض روسي وضوء أخضر أمريكي.
فبعد عامين من الهجوم تستقبل الولايات المتحدة وبكافة مؤسساتها السياسية والعسكرية والبحثية وفدي مجلس سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وتأكيد على استمرارية دعمها لسكان المنطقة والعمل على إشراكهم في العملية السياسية؛ وتخصيص ميزانية لقوات سوريا الديمقراطية في حملتها في ملاحقة خلايا تنظيم داعش في المنطقة، وبالتزامن مع وجود وفد من جماعة الائتلاف، والذي لم يحظى بترحيب واستقبال الذي حظي به وفدي الإدارة والمجلس، مما دفع برئيسها سالم المسلط إلى الإعلان الذي لم يخفي فيه غضبه وانزعاجه صراحة متهماً بعدم وقوف أمريكا على نفس المسافة من أطياف المعارضة السورية؛ في إشارة إلى مجلس سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.

من ناحية أخرى، روسيا لم توقف قصفها على منطقة إدلب السورية لمحاصرة الفصائل الراديكالية المتطرفة المدعومة تركياً مهدداً إياهم بإخراجهم من سوريا وضرورة تحرير إدلب، واتهام أردوغان بتنصله من الاتفاقية التي وعد من خلالها الالتزام على العمل بفصل الجماعات الإرهابية عن المعتدلة.

مخيمات اللجوء

عامان ومازال مهجري سري كانيه وكري سبي يعيشون في مخيمات اللجوء ومراكز الإيواء ظروفاً قاسية وغير إنسانية؛ ويعانون من الحرمان في ظل الحصار المفروض على المنطقة عبر إغلاق المعابر وأخص بالذكر معبر تل كوجر \ اليعربية المنفذ الوحيد الذي كانت تدخل منها المساعدات الإنسانية الدولية؛ ولم يتوقف عند هذا الحد إنما ما زالوا يعيشون تهديدات من دولة الاحتلال التركي تهدد أمنهم الوجود من خلال القصف المستمر وقطع المياه عنهم سواء من محطة مياه علوك أو حبس مياه نهر الفرات في ظروف استثنائية تعيشها المنطقة في ظل انتشاء وباء كورونا هم بأمس الحاجة إليه، حيث أن أردوغان لم يكتف من تهجيرهم من سكاناهم الأصلية؛ بل يسعى من وراء ممارسته تلك تهجير من سوريا ككل ليضمن بقاءه واستمرارية احتلاله للمنطقة أسوة بلواء اسكندرونة وقبرص.
إذاً ما دام أردوغان متدخلاً في شؤون أية دولة سيكون هناك تواجد واستمرارية لوجود الإرهاب والتطرف وفوضى وفقدان الأمان والاستقرار؛ وهو لن يتخلى عن أدواته هذه لأنها الوسيلة الوحيدة لتحقيق أجنداته في المنطقة‘ وخاصة في الوقت الذي يعاني من معارضة شديدة داخلياً وتدهوراً اقتصادياً، وعزلة إقليمية ودولية إلى حداً ما.
لذا التهديد مازال جدياً بالرغم من تحجيمه في بعض الدول والمجتمعات إلا أنها موجودة ايديولوجياً وبقوة لذا العمل يتطلب بالدرجة الأولى العمل على تحرير المناطق المحتلة؛ وتجفيف منابع وبؤر الإرهاب، وتقديم الجناة للعدالة، والعمل على العودة الآمنة للمهجرين وبضمانات دولية إلى مناطقهم؛ والإسراع في عملية الانتقال السياسي وفق القرارات الدولية، وخاصة القرار الأممي 2254.

كيف نجح المخطط الغربي في تدمير العلاقات العربية التركية الكردية ؟

بات واضحاً وخاصة بعد القرنيين الاخيرين تماماً أنه لا يمكن التوصل إلى حلول صائبة وديمقراطية لدى تناول العلاقات بين شعوب ومجتمعات المنطقة

 

أحمد شيخو

بات واضحاً وخاصة بعد القرنيين الاخيرين تماماً أنه لا يمكن التوصل إلى حلول صائبة وديمقراطية لدى تناول العلاقات بين شعوب ومجتمعات المنطقة وعلى رأسها العلاقات العربية-الكردية و التركية–الكردية وفق المنظور القوميّ والدولتيّ والسلطويّ، ما لم تؤخذ الترابط  والتفاعل و العرى الجيوسياسية والجيوستراتيجية لميزوبوتاميا وبلاد الشام وشبه الجزيرة العربية ومصر والأناضول بعين الحسبان. 

هذا وثمة تبادل ثقافيّ كثيف وتكامل يحدّد المقاربات الجيوسياسية والجيوستراتيجية الوثيقة المتّبعة طيلة التاريخ بين الساحات الثلاثة اللواتي قطنها وتركّز فيها المجتمعات الكردية والعربية والتركية وغيرها، ولعل متطلبات الأمن القومي لهذه الشعوب والمناطق والدول فيها وكذلك المسارات التاريخية والجغرافية للأنبياء والرسل من زرادشت وإدريس ونوح وإبراهيم إلى موسى وعيسى ومحمد إنما تعكس وتبين الترابط والتفاعل المتبادل و الواضح بين شعوب المنطقة التي تسكن هذه الساحات المهمة في العالم.

مصير الحاضر والمستقبل

وعليه، من غير الممكن صياغة قراءة وتحليل صحيح لتلك العلاقات التي تخطّ مصير الحاضر واللحظة والمستقبل، إلا بمعالجة كلية متكاملة. فغالباً ما ربطت الشريحة الكردية الهرمية العليا (التي واجهت إشكاليات السلطة والدولة بالأكثر) مصيرها على مدار التاريخ وأقلها في القرنين الاخريين بمصير السلطات والدول الأقوى منها بناء على استقلال ذاتي نسبيّ. ولم تندفعْ كثيراً وراء نظام سلطة أو دولة منفصلة خاصة بالمجتمع الكرديّ. فهكذا مبادرة لم تتماش ومصالحها في هذه الوجهة، بسبب الظروف التاريخية والاجتماعية السائدة. وانطلاقاً من هذا المنظور تم معالجة التاريخ المشترك للكرد مع العرب والأتراك، والذي يمتدّ طيلة السنوات الألفيين الأخيرة تقريباً.

 وبخوضهم معركة حطين و ملازكرد طوعاً، والتي توّجوها بالنصر المؤزر جنباً إلى جنب مع الشعوب العربية والتركية وشعوب المنطقة، حقّقوا مشاطرتهم لسلطة ودولة جديدتين على دعامة إسلامية تسود بلاد الشام والجزيرة العربية ومصر و الأناضول وميزوبوتاميا وبالمركز منها كردستان. ذلك أنّ الحقائق الجيوسياسية والجيوستراتيجية النابعة من تلك المناطق، قد جعلت مشاطرة السلطة والدولة الإسلامية بين الشرائح الفوقية للقوميات الثلاثة ضرورة اضطرارية. ورغم عدم وجود مصلحة ملحوظة للشعوب في تشاطر السلطة والدولة، ورغم ردّهم على العيش تحت السقف المشترك للسلطة والدولة بالمقاومة مراراً وتكراراً؛ إلا إنهم لم يتخلفوا عن العيش معاً بموجب لوازم الحياة المشتركة من جهة، وبسبب الحروب الدينية والمذهبية المندلعة حينذاك من جهة ثانية. 

غزو كردستان

ولطالما تأسست هذه الشراكة بين الهرمية التركية القومية العليا والسلطات العربية الفوقية والشريحة الكردية العليا على الطواعية. بينما لا نلمس كثيرا ظاهرة اسمها “غزو كردستان” ضمن تقاليد الفتح العربي والتركيّ. أما حروب الغزو المخاضة بين الفينة والأخرى، فلم تحصلْ إلا بمشاركة من الأعيان الكرد. وعليه، لا يمكن توصيف هذا النمط من الحروب بالغزو.

ينبغي الفهم العميق لهذا الواقع التاريخيّ في علاقات شعوب المنطقة وخاصة العلاقات العربية-الكردية و العلاقات التركية-الكردية على صعيد حلّ القضية الكردية في راهنناً. فقد عمل أساسا بهذا الواقع، الذي لعب دورا معيّنا في نهاية كلّ منعطف أو نقطة تقاطع أساسية على طول تاريخ هذه العلاقات. أي أثناء سياسة انفتاح الإمبراطورية العثمانية على الشرق في عهد السلطان ياووز سليم (1512–1521)، وفي تشكيل الألوية الحميدية في عهد السلطان عبد الحميد (1876–1909)، وأثناء انخراط جمعية الاتحاد والترقي العثمانية في الحرب العالمية الأولى وما بعدها كأمر واقع لا مناصّ منه؛ والأهمّ من كلّ ذلك خلال حرب التحرير الوطنية المعاصرة بقيادة مصطفى كمال، وكما أثناء التحالف التاريخي العربي الكردي الاستراتيجي أيام العباسيين وأبو مسلم الخرساني الكردي  وكما أيام الناصر صلاح الدين الأيوبي وتحرير بيت المقدس و كذلك تعاون إبراهيم باشا ومحمد علي باشا ولاة مصر الكرد مع الإمارات الكردية مع إمارة بدرخان وإمارة رواندوز أثناء سحقهم للجيش العثماني ووصولهم لقرب اسطنبول، وكما في التعاون  والنضال المشترك أثناء ثورات تحرير المنطقة من الاستعمار الفرنسي والإنكليزي ومقاومتهم كما في سوريا والعراق ولبنان والأردن وفلسطين وغيرها.

يوسف العظمة

 ولعل الواقعة البطولية لوزير الحربية في سوريا يوسف العظمة الكردي الذي استشهد وهو يدافع عن دمشق في معركة ميسلون 24 تموز عام 1920 في وجه الاحتلال الفرنسي خير وأوضح دليل، بالإضافة إلى إسهام الكرد  كأفراد ومجتمعات في بناء الدول العربية الحالية لبقائهم فيها وإسهامهم في بناء معالمها وصروحها، حيث كانت المنطقة سابقاً حرة التجوال والسكن بين البلدان المسلمة بمختلف أقطارها من ميزوبوتاميا والأناضول إلى الحجاز ومصر والمغرب وغيرها . 

ولأول مرة عمل على وقف هذا التمثيل المشترك والطوعيّ والتاريخيّ والجغرافيّ في سيادة السلطة والدولة؛ بعد تقسيم المنطقة من قبل التدخلات الخارجية وعلى رأسها البريطاني والفرنسي مع التوافق الروسي وضخ الفكر القوموي والإسلاموي وبناء الدولة القومية الأداة والآلة المستخدمة في تقسيم جغرافية وشعوب المنطقة والشرق الأوسط و البعيدة كل البعد عن القيم المجتمعية والأخلاقية والثقافية المشتركة للمنطقة وشعوبها، وعندها حكمت سلطات لا تعبر حتى عن إرادة الشعب العربي التي تكلمت واحتكرت اسمها لأغراض السلطة وخدمة الغريب البعيد والقوى المهيمنة العالمية دون مصالح الشعب العربي وتحالفاته وعيشه المشترك مع الكرد وشعوب المنطقة.

القومية العربية والكرد 

 إنّ تصيير سلطات الدويلات القومية العربية مناوئة للكرد قد أخلّ بالعلاقات التاريخية والشراكة الاستراتيجية وبالتحالف التقليديّ بين الشعبين، فأقصي الكرد كليا من النظام القائم في هذه الدويلات وتم منع خصوصياتهم وثقافتهم ولغتهم وإدارتهم الذاتية كحقوق طبيعية وعادلة لهم. أما المشروع المقدّم إلى الشريحة الكردية الفوقية، فأستند إلى المبدأ الأساسيّ الذي يتجسد في إمكانية صونها لوجودها ومصالحها الخاصة كأفراد–مواطنين للدويلات القومية العربية وليس كون لهم مجتمعات لها حقوقها أيضاً، مقابل التخلي عن كردايتيتها وهوية مجتمعها الكردي والانصهار في بوتقتهم وقبول التعريب لمناطقهم وثقافتهم وخصوصا في سوريا والعراق وغيرها.

مؤامرة 15 شباط

وفي تركيا كان ذلك عبر مؤامرة 15 شباط 1925 التي تشير إلى رفض العماد الديمقراطيّ للجمهورية والدولة المنشأة كدولة للشعبين الكردي والتركي وشعوب ميزوبوتاميا والأناضول. وحسابات الإمبراطورية الإنكليزية –القوة الرأسمالية المهيمنة آنذاك– في فرض التمييز الإثنيّ على الجمهورية، كي تتمكن بالتالي من بسط نفوذها على الموصل وكركوك ( باشور كردستان/إقليم كردستان العراق) التي تعدّ منطقة نفطية؛ قد لعبت دوراً محدّداً ومصيرياً في حبك خيوط هذه المؤامرة.

 وهكذا، حقق مشروع إنكلترا في بناء جمهوريات صغرى أو دويلات قومية صغيرة نجاحاً ملفتاً في الشرق الأوسط وبلاد الشام والحجاز شمال أفريقيا وبلاد الأناضول وميزوبوتاميا مع تقسيم كردستان بينها، مثلما كانت الحال في أغلب أصقاع العالم. وبالمقابل، فإنّ جميع القوى الثقافية والشعوب، بل وحتى الدول القائمة في منطقة الشرق الأوسط المقسّمة اجتماعياً وعلى صعيد الدول، قد منيت بخسائر فادحة في قواها، وتعرضت للانقسام المتواصل، واشتبكت فيما بينها باستمرار، لتغدو واهنة خائرة القوى. وقد أحرزت الهيمنة الإنكليزية نجاحها تأسيساً على ذلك.

وعندما أصبحت ما تسمى الجمهورية التركية مناوئة للكرد أخلّ ذلك بالتحالف التقليديّ بين الكرد والترك، فأقصي الكرد كلياً من النظام القائم. وكان المشروع المقدّم إلى الشريحة الكردية الفوقية هنا، فيستند إلى المبدأ الأساسيّ الذي يتجسد في إمكانية صونها لوجودها كأفراد–مواطنين أتراك، مقابل التخلي عن كردايتيتها وعن هويتها الكردية الأصيلة. بل ويتعدى ذلك بالغا حدّ تلقينها أنّ السبيل إلى اكتساب القوة والارتقاء في أروقة النظام يمرّ من إعلاء شأن التركياتية البيضاء وتطويرها، مقابل إنكار الكردايتية وإبادتها.

القانون الفولاذيّ

 وهكذا يصاغ “القانون الفولاذيّ” لكينونة الوجود ضمن الجمهورية. في حين إنّ الموقف الذي أبدته الشريحة العليا بادئ ذي بدء من خلال اعتراضها وتمردها الجزئيّ، قد تحوّل إلى طاعة أفرزتها تمشيطات “التأديب والتنكيل” الصارمة التي سيّرها النظام.

 ولربما كانت هذه المرة الأولى في تاريخ المجتمع الكرديّ، التي تضمن فيها الشريحة العليا (الاستثناء لا ينفي القاعدة) وجودها مقابل تعريض وجود مجتمعها الذاتيّ الذي تنتمي إليه للإنكار والإبادة والاجتثاث من الجذور. وهكذا باتت تدين بوجودها وتطورها إلى مدى خدمة التركياتية البيضاء وهذا المصطلح، مختلف عن التركياتية التقليدية. فهي زمرة عميلة معدّة موضوعيا وذاتياً، ومصقولة بأساليب الهيمنة الغربية في التآمر. إنها شكل متطرف من أشكال فرنسيي المشرق، مشحون بالعنف إلى أقصى الحدود، ومتظاهر بالقوموية التركية الجازمة. أي إنّ تلك الشريحة ستحمي وجودها وتطوّره بحسب ما تقوم بخدمة هذه التركياتية البيضاء.

أما الشرائح الشعبية الأخرى، التي أمست بلا رأس أو قائد، فهي بمنزلة المادة الشيء، ومنفتحة على كلّ أشكال الإنكار والإبادة والإذابة. في حين إنّ أبسط تماس مع الكردايتية يعني الموت المحتوم. بالمقابل، فالتخلي عن الكردايتية بات السبيل الوحيد للنجاة والحياة.

التطهير العرقي والثقافي

 وهكذا، تدور المساعي للقضاء على الكردايتية، ليس من جهة كونها ظاهرة فحسب، بل وبكلّ ما تشتمل عليه من رموز ومسمّيات. ويدخل مشروع التطهير الثقافيّ الخفيّ المسلّط على الكردايتية طيلة تاريخ الجمهورية جدول الأعمال، ويرى النور خطوة وراء خطوة ويوما بعد يوم يسري هذا المشروع على كافة الثقافات الأخرى أيضا. ولكنه صمّم أساساً من أجل الكردايتية. وأمست الغاية الأولية التي تصبّ فيها جميع السياسات الداخلية والخارجية، هي الامتثال لذاك “القانون الفولاذيّ”، والسهر على خدمته. ونظراً لتطبيقه خفية بنسبة كبرى، فإنّ الأحزاب ومنظمات المجتمع المدنيّ المشادة والعالم الاقتصاديّ والسياسيّ المعاش يصبح متمحوراً حول “القانون الفولاذيّ” ذاته، دون إدراك منها، ودون التفات إلى تلك السياسات.

 كما تقيّم التنظيمات الخارجية أيضا بناء على خدمة “القانون الفولاذيّ” نفسه؛ من قبيل: هيئة الأمم المتحدة، حلف الناتو، والاتحاد الأوروبيّ وروسيا والصين. كما إنّ حصة هذا القانون معيّنة في الانقلابات والمؤامرات والاغتيالات، وفي شتى أنواع التعذيب والاعتقال.

إبادة عابرة للحدود

ولم تكتفي السلطات في الدولة والجمهورية التركية بممارسات الإبادة والإنكار في داخل تركيا وحدها ضد الكرد بل وفي عهد أردوغان وسلطته المشكلة حزب الحركة القومية التركية الفاشية تجاوز ذلك إلى محاربة الكرد أينما كان كما في سوريا والعراق واستعماله السلاح الكيميائي ضد أبناء وبنات الشعب الكردي  من الكريلا في قوات الدفاع الشعبي الكردستاني  HPGووحدات المرأة الحرة الكردستانية YJA-STAR المدافعين عن وجود وحرية وكرامة الشعب الكردي وشعوب المنطقة ضد الفاشية التركية وحتى أن الدولة التركية استعملت كل إمكانياتها حتى ينظر شعوب المنطقة ودولها والعالم للقضية الوطنية الكردية وللنضال الكردي من أجل الحرية والديمقراطية والحقوق بالنظرة والعدسة التركية المشوهة والمضللة.

ما الحل

 وعليه لكي تعود العلاقات العربية والكردية وكذلك التركية والكردية وغيرها إلى التحالف التقليدي الديمقراطي والشراكة الاستراتيجية و ربما في مراحل متقدمة إلى كونفدرالية ديمقراطية للأمم الديمقراطية في المنطقة والشرق الأوسط، لابد من التخلص من عدسة ونظرة الدولة التركية والتخلص من ذهنيات وسلوكيات الإبادة والإنكار و تجاوز المقاربة والسلوك والبعد القوموي والسلطوي والدولتي الوظيفي للهيمنة العالمية ونهبها للمنطقة وخيراتها ومرور دول المنطقة وخاصة وأولاً تلك التي تمتاز بالتعدد الاثني والقومي والديني والمذهبي بالتحول الديمقراطي وولوج درب الديمقراطية والتخلص من التزمت والصرامة المطلقة وتفضيل المرونة والحوار والتفاوض السلمي على الحلول العسكرية والأمنية وإعطاء مساحة أكبر للمجتمعات والشعوب المختلفة مقابل الدولة والسلطة والمركزية الشديدة وإعطاء كذلك حقوقها في التعبير والتنظيم والحماية الذاتية وإدارة مناطقها ضمن الحدود الحالية وفق كيانات سياسية واقتصادية واجتماعية شرعية تستند لأبعاد جغرافية واجتماعية في دساتير ديمقراطية حتى نستطيع إعادة بناء تكامل المنطقة ووحدتها الكلية ومجتمعيتها المقاومة وثقافتها الواحدة على أسس حقيقية متينة ومصالح مشتركة لكافة شعوبها ومجتمعاتها.

كما أن بناء علاقات بين شعوب المنطقة وفق قيم مجتمعية وثقافية واقتصادية مجتمعية وبفلسفة ديمقراطية ودبلوماسية اجتماعية موفقة، ودخول هذه العلاقات المنى والمسار الاستراتيجي بين مجتمعات وشعوب ودول المنطقة أي بناء العلاقات الديمقراطية سيسهم في  تعزيز الأمن والسلم والاستقرار في المنطقة وكذلك في مواجهة الأحادية المطلقة والنمطية والتطرف والإرهاب، وعندها لن تكون المجتمعات معرضة للتسلل والتغلل فيها من قبل الأعداء سواء من الداخل أو الخارج ولن تكون الدول في المنطقة مجبرة على الرضوخ وتقبل التدخلات والأجندات الخارجية حيث بالحلول الديمقراطية للقضايا الوطنية وعلى رأسها القضية الكردية والقضايا الاقتصادية والديمقراطية وغيرها، ستكون هذه الدول والبلدان محمية ومصانة من شعوبها وأبنائها ومن كل المنطقة ولأنها لن تكون بحاجة إلى خوض حروب مستمرة ضد داخلها ومحيطها خدمة للأخريين منطلقة من ذهنيتها المطلقة القوموية والإسلاموية للحفاظ على وجودها في السلطة وشرعيتها الدولية الممنوحة لها بقدر تبعيتها للنظام العالمي وتنفيذ أجندته.

إقرا أيضا

 

سوريا ليست أفغانستان.. قيادي بالحزب الديمقراطي الأمريكي لـ الشمس نيوز: الأكراد أهم حلفاء واشنطن بالشرق الأوسط ولا مجال للتخلي عنهم

بعد اعتقالهم.. هل يتم إعدام المشاركين بمؤتمر أربيل بتهمة التطبيع؟

 

.. هل يطلق بوتين رصاصة الرحمة على الوجود التركي بـ سوريا؟

التدخلات التركية في الشؤون الداخلية للعديد من الدول العربية والأفريقية بعد انطلاق ربيع الشعوب منذ 2011م، عبر دعمها للجماعات الإسلاموية الراديكالية وبشكل خاص ذو الخلفية الإخوانية، التي تشكل تهديداً خطيراً على أمن وسلم تلك الدول وشعوبها وحتى المجتمع الدولي عبر دعمها اللا محدود للإرهابين وغزو دول أخرى عبر مرتزقتها.

ليلي موسى

التدخلات التركية في الشؤون الداخلية للعديد من الدول العربية والأفريقية بعد انطلاق ربيع الشعوب منذ 2011م، عبر دعمها للجماعات الإسلاموية الراديكالية وبشكل خاص ذو الخلفية الإخوانية، التي تشكل تهديداً خطيراً على أمن وسلم تلك الدول وشعوبها وحتى المجتمع الدولي عبر دعمها اللا محدود للإرهابين وغزو دول أخرى عبر مرتزقتها.

هذا التدخل الذي بات يرهق المجتمع الدولي ويقف عائقاً أمام إنهاء الأزمات والمشاكل التي تعاني منها غالبية الدول التي شهدت التدخل التركي، بالرغم من تنبه البعض إلى خطورة هذا التدخل مبكراً كما حصل في مصر عبر إزاحة الإخوان عن السلطة وتحجيمهم، ليلحق بها بقية الدول عبر لجم وإبعاد الأحزاب الحليفة لأردوغان، والشخصيات المؤيدة والتابعة له، أمثال عمر البشير ومؤخراً إحباط انقلاب أنصار البشير على الحكومة السودانية، وتحجيم دور حماس في أحداث غزة الأخيرة، بالإضافة إلى تجميد الرئيس التونسي قيس السعيد لعمل البرلمان وتعليق حصانة كل النواب وإقالة رئيس الوزراء هشام المشيشي، وخسارة حزب العدالة والتنمية المغربي في الانتخابات الأخيرة، وحجب البرلمان الليبي الثقة من الدبيبة، حيث بات أردوغان يفقد أوراقه واحدة تلو الأخرى، ويعيش مأزقاً حقيقاً وهو مقبل على انتخابات رئاسية جديدة.

استراتيجية أردوغان

ويبدو أن الاستراتيجية اللعب على المتناقضات التي لعبها أردوغان واستطاع عبرها تمرير العديد من أهدافه وأجنداته المرحلية، لم تعد تجدي نفعاً وبدأت ثمارها تجني على نقيض ما كان يأمله، وحتى انتصاراته المتسارعة التي حققها بداية الحراك الثوري التي شهدتها المنطقة، بات يفقدها عبر نجاح المجتمع الدولي والإقليمي على تجحيم ولجم مؤيديه وأتباعه عن السلطة وبشكل خاص جماعة الإخوان المسلمين.

وحتى يتمكن من كسر عزلته الدولية وبشكل خاص الإقليمية منها نتيجة تدخلاته السافرة في الشؤون الداخلية للعديد من الدول، حاول ذلك عبر تغيير  تكتيكات استراتيجيته الاحتلالية التوسعية الاستعلائية إلى إبداء المرونة عبر الحوار والدبلوماسية للمراوغة وكسب بعض الوقت لإعادة ترتيب أوراقه من خلال إعادة تطبيع العلاقات مع العديد من الدول وفي مقدمتها مصر والسعودية والإمارات، وبالرغم من حصول جولتين استكشافيتين كما اسمتها مصر –لاستكشاف أمكانيات الحل وفق الشرعية الدولية-، والحوارات التي حدثت إلا أنها لم تُحدث تقدماً ملحوظاً في هذا المضمار بسبب انتفاء الثقة بين الأطراف المتصارعة وبشكل خاص بوعود أردوغان.

وفي خضم المستجدات المتسارعة التي تشهدها المنطقة ونية ورغبة المجتمع الدولي على تحجيم الحركات الإسلاموية الراديكالية المتطرفة، كانت الورقة الأقوى بيد أردوغان وحكومته هي المعارضة السورية –الائتلاف- ذات الخلفية الإخوانية التي كان يهدد بها المجتمع الدولي، هذه الورقة أيضا بات يفقدها.  

سيطرة طالبان

ربما استلام طالبان الحكم في أفغانستان دفع بالعديد من الدول لتنتبه إلى خطورة الإرهابين الموجودين في المناطق الخاضعة للسيطرة التركية أو تلك التي تخضع لاحتلالها بشكل مباشر، وربما يندرج تصريح جو بايدن في هذا المضمار بأن الخطر يأتي من سوريا والصومال واليمن وليس من أفغانستان، بعد تطبيع العلاقات مع طالبان وتقديم الأخيرة تعهدات بعدم التعرض لأمريكا أو السماح للجماعات الإرهابية باستخدام أراضيها أو تهديد المجتمع الدولي.

هذه الخطوة ربما أيضا دفعت بعض الدول إلى إعادة النظر بالمقترح الروسي بإعادة سوريا إلى محيطها العربي والإقليمي قبل الانتخابات الرئاسية السورية لنيل الأسد الشرعية والتي جوبه حينها بالرفض ومازال وخاصة من ناحية عودتها للجامعة العربية لعدم وجود توافق عربي لذلك، ولكن ربما نشاهد تطورات من ناحية بعض الدول في هذا المنحى وبشكل خاص من ناحية مناهضة الإرهاب، وخاصة تلك التي تعاني من تجربة مريرة من الإخوان المسلمين وعلى هذا الأساس يمكننا القول بأن الاجتماع الذي جمع وزيري خارجية مصر السيد سامح شكري مع نظيره السوري فيصل مقداد في نيويورك بشكل علني على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، تندرج ضمن هذا الإطار.

تفاهم روسي أمريكي

كما يمكننا القول بأن بداية الانفراج للأزمة السورية والتي يلزمها توافق دولي بدأت بوادرها وبشكل خاص عبر التفاهم الروسي – الأمريكي عبر آلية ايصال المساعدات الإنسانية وتفويض معبر باب الهوى، هذا التقارب والتفاهم أسهم بعض الشيء إلى تضييق الهوة بين الدولتين العظمتين المتدخلتين في الأزمة السورية، وبالتالي تقليل فرص أردوغان باستخدام استراتيجياته عبر اللعب على التناقضات.

وهذا ما شاهدناه عندما امتنع جو بايدن الالتقاء بأردوغان، مما دفع أردوغان يصرح بأن صفقة أس 400 ماضية ولا رجعة فيها، بالإضافة إلى توجيه اتهامات عديدة لأمريكية عبر إثارة ملفات خلافية مع الولايات المتحدة الأمريكية. وبالتزامن مع التصريحات الأمريكية أطلقت روسيا جملة من التصريحات النارية والتهديدات الموجهة لتركيا ورئاستها من قبيل إيقاف تفويض إدخال المساعدات عبر معبر باب الهوى، متهمةً تركيا بعدم التزامها بالتعهدات، وتأكيد سيرغي لافروف على التهديدات التي يشكلها الإرهابيين في شمال غربي سوريا، وأن الوجود التركي مؤقتاً في سوريا، وغيرها من التصريحات التي أغضبت تركيا ودفعتها إلى إعادة الحديث عن شبه جزيرة القرم واعتبارها خطاً احمراً وأن الانتخابات الروسية فيها غير شرعية، وهو ما دفعت روسيا بالرد بأن لهذا التصريح سيكون تداعيات، بالإضافة إلى إثارة ملفات أخرى خلافية مع الروس.

ضغوط روسية

ربما المساعي الروسية هذه تأتي في سياق ممارسة الضغط على تركيا للعمل على تهميش الإرهابين وإبعادهم عن المعارضة المعتدلة وفق الرؤية الروسية عبر تشديد قصفها على مناطق المعارضة المدعومة تركياً. حيث أن بعض المناطق التي شهدت قصفاً هي الأول من نوعها منذ تسليم عفرين بعملية مقايضة للأتراك مقابل الغوطة، وقصفت قوات النظام السوري المتمركزة في ريف تل تمر المرتزقة السوريين المدعومين من تركيا المتمركزين في قرية الدردارة، وهي الأولى من نوعها منذ الاتفاق الروسي – التركي عقب الغزو التركي على سري كانيه (رأس العين) وكري سبي (تل أبيض). واستقبال وزارة الخارجية لوفد من مجلس سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا وتأكيدها بالعمل على مشاركة الإدارة والمجلس في العملية السياسية الخاصة بالأزمة السورية التي لطالما تم اقصاءهما بالفيتو التركي، والعمل على إلزام تركيا بالاتفاقية ومنعها من قصف المناطق، ولعب دور الضامن للحوار بين الإدارة والحكومة المركزية، كما سبق ذلك استقبال بوتين للأسد، كل ذلك يمكن اعتبارها رسائل واستفزازات للجانب التركي وممارسة الضغوط عليه قبل اللقاء المزمع عقده بين بوتين وأردوغان، لتقديم الأخير تنازلات والانسحاب إلى ما بعد طريق M4  الواصل بين اللاذقية وحلب وتسليمه للحكومة السورية.

تركيا والميليشيات

وهذا ما لم يرضِ أو يرضخ له الأتراك بسهولة كونهم باتوا يعلمون جيداً أنهم بخسارتهم للجماعات الإرهابية الإخوانية في سوريا تكون حينها قد فتحت على نفسها معركتين؛ الأولى مواجهة مع الإرهابين الذين باعتهم، والثانية مواجهة مع المعارضة التركية الداخلية جرّاء فشل سياسات أردوغان الخارجية وما جلبته من أوضاع اقتصادية متردية على الوضع الداخلي. والأهم من كل ذلك السقوط المدوي لمشاريعه الاحتلالية والمتمثلة بالميثاق الملي عبر الجماعة الإخوانية. وإن عدم تخلي أردوغان عن الإخوان حتى اليوم سبب في عدم إحراز إي تقدم ملموس بإعادة تطبيع علاقاته مع محيطه الإقليمي والدولي.

السؤال الذي يطرح نفسه هل بوتين سينهي حظوظ التواجد التركي في سوريا، استكمالاً للجهود المبذولة من قبل العديد من الدول الإقليمية، وبشكل خاص العربية منها وبمباركة دولية، بالعمل على تحجيم واستبعاد جماعات الإسلام السياسي عن السلطة، وربما يندرج القصف الروسي المكثف مؤخراً على فصائل الجماعات الإسلاموية الراديكالية في سوريا مترافق مع الصمت الأمريكي في هذا المضمار، وما هو مصير جماعات الإسلام السياسي السوري التي وضعت جميع بيضها في السلة التركية؟ وهل ستتخلى هذه الجماعات عن مشروعها السياسي الإسلاموي بعد فقدان قاعدتها الشعبية وقلة فرص اعتلائها السلطة؟

إقرا أيضا

Exit mobile version